الإدارة في ظل المستقبل الغامض

6 دقائق
مستقبل الإدارة

هناك حقيقة ربما يتفق عليها الجميع تقريباً في قطاع الأعمال حول مستقبل الإدارة في العالم: ستفشل أي مؤسسة لا تملك استراتيجية واضحة وجذابة. إنها عبارة تتكرر كثيراً في برامج ماجستير إدارة الأعمال والكتب التي تتحدث عن قطاع الأعمال، وحتى خطب المحاضرين الخاصة بهذا المجال.

لكن وعلى الرغم من ذلك، كثيراً ما نجد أنفسنا نتعامل مع حالات غموض استراتيجي لا يكون من الواضح فيها أين نذهب أو كيف سنصل إلى هناك. ويعود سبب حدوث هذا إلى التغيّر السريع في وضع السوق، إذ للعملاء خيارات أكثر من أي وقت مضى، حيث تكون الموارد مقيدة والقادة التنفيذيين يغادرون ويتم تعيين مدراء مؤقتين وغير ذلك. وحتى إذا كانت شركتك ذكية بما يكفي لوضع الاستراتيجية على قمة سلم أولوياتها، يمثل إبقاء كامل المؤسسة في حالة مواءمة مع الاستراتيجية تحد آخر بحد ذاته. فقد يكون لشركتك استراتيجية واضحة، ولكن قد لا تكون وحدتك أو فريقك كذلك.

اقرأ أيضاً: استثمار بالمستقبل

أتواصل خلال عملي في المجال الاستشاري مع قادة موزعين على أصقاع الأرض أتحدث معهم حول الاستراتيجية والتنفيذ. ويتململ أولئك القادة بشكل متوتر في مقاعدهم في كل مرة أطرح فيها هذا الموضوع، إذ يمكن أن يُشعر عدم اليقين الاستراتيجي المرء وكأنه يسير في غرفة مظلمة، حيث يميل القادة إلى تجنب الاستثمارات وتأجيل القرارات وتجميد الموارد، ويتسبب الخوف وعدم اليقين والشك في دفع السلوكيات السيئة والمصالح الشخصية الضيقة. إلا أنه وعلى الرغم مما سبق، قد تنجح الشركات أو تفشل في كثير من الأحيان وفقاً لقدرة المدراء على وجه التحديد على دفع المؤسسة إلى الأمام في المرحلة التي يكون فيها الطريق أمامهم غامضاً.

القيادة بشكل صحيح نحو مستقبل الإدارة الغامض

يعمل أفضل المدراء على إيجاد طرق توفر اتجاه ثابت وواقعي، فضلاً عن توليهم زمام القيادة بكل تميز، حتى عندما تكون الاستراتيجية غير واضحة. ادفع قادتك تجاه الوضوح، وكن صاحب إنتاجية خلال ذلك. وهناك ثلاثة أشياء يمكنك فعلها اليوم والتي من شأنها أن تضعك في وضع أفضل لإدارة الغموض الاستراتيجي: اتخاذ إجراء عملي، وزرع الثبات العاطفي، والاستفادة من خبرات الآخرين.

اتخاذ إجراء عملي

لدى التعامل مع عدم اليقين، أنا من المؤيدين للآليات العملية، نظراً لأن القيام بشيء، أي شيء، في سياق دعم نجاح شركتك سيجعلك تشعر أنت وفريقك بشعور أفضل مقارنة بعدم القيام بشيء.

قم بالعودة إلى الأساسيات، وقدّم القيمة. قم في البداية بالتركيز على ما يمكنك التحكم فيه. أنت مدين بتقديم قيمة كل يوم لمؤسستك وفريقك. من هم العملاء الذين يخدمهم فريقك اليوم وماذا يتوقعون منك أو يحتاجون إليه؟ كيف يمكنك تقديم أداء أفضل أو أسرع أو أكثر ذكاء للإيفاء بالوعد بخدمة ممتازة؟ هل يهم مهمة المؤسسة أو رؤيتها؟ كيف يمكن لفريقك المساهمة في ذلك؟ عندما يأتي عدم اليقين، عليك أولاً وقبل كل شيء القيام بعمل جيد، حيث ستضع الشركة في أفضل وضع ممكن لتصفح الخيارات الاستراتيجية الجديدة.

لتكن رهاناتك ذكية وعلى الأمور ذات الأرجحية. يقر المدراء المتميزون بوجود حالة غموض عندما تكون الاستراتيجية غير مؤكدة، إضافة إلى قيامهم في الوقت نفسه بالنظر إلى الأمور المعروفة وتلك المرجّح حصولها. ماذا تعرف عن الديناميات التي تؤثر على شركتك؟ ما هي الخيارات التي تجري مناقشتها؟ ماذا يعتقد رئيسك في العمل؟ ما الذي يمكنك فعله اليوم لإعداد نفسك وفريقك وربما عملائك للتغيير؟ في كل الحالات تقريباً، يمكن للمدراء وضع الرهانات الذكية والبدء في العمل نحو الحالة المستقبلية، حتى عندما يكون المشهد العام ضبابياً وغير واضح.  

اعمل وفق استراتيجية الركض السريع لمسافات قصيرة: تبنى استراتيجيات قصيرة المدى. فحالما تضع فريقك في حالة تركيز على تقديم القيمة واستكشاف ما هو ممكن، ستكون مستعداً للمضي قدماً مع مجموعة متمايزة من الأولويات. تعلّم من المؤسسات التي تستخدم الأساليب الرشيقة وقم بإنشاء استراتيجيتك الرشيقة الخاصة بك. ما الذي يمكنك القيام به شخصياً للمساهمة في الوضوح الاستراتيجي لقطاع أعمالك؟ ما المشروعات التي يمكن لفريقك تنفيذها على فترات 30 أو 60 أو 90 يوماً والتي ستفيد المؤسسة بغض النظر عن الاتجاه الذي ستتخذه الاستراتيجية؟ لا تقتصر الاستراتيجية على عمل كبار المسؤولين التنفيذيين فحسب، بل يعتبر أي عمل تقوم به لتعزيز قدرات الشركة ووضع فريقك في المستقبل استثماراً كبيراً. لا تقف ساكناً في انتظار الإجابة "النهائية" حول الاستراتيجية، بل قم بنقل فريقك والشركة إلى الأمام.

اقرأ أيضاً: 3 خطوات تحدد قادة المستقبل

زراعة الثبات العاطفي

يتسبب الغموض الاستراتيجي في إقلاق مضجعك. فعندما يكون هناك اتجاه واضح راسخ، يمكنك التركيز على الأهداف المحددة وتحقيق النتائج. ولكن عندما تتغير الاستراتيجيات، أو تلمح إلى أنها قد تتغير، من الطبيعي أن تشعر بعدم الاستقرار، وسترى ذلك في فريقك أيضاً. وفيما يلي ثلاث خطوات يمكنك اتخاذها لمساعدة نفسك وفريقك في التغلب على مشاعر الغموض الاستراتيجي.

كن سبّاقاً، وحاول نيل المزيد من المعرفة من أجل الاستعداد لخوض مستقبل الإدارة الغامض.  إحدى الأسباب التي تجعلني أقترح سلوك النهج العملي هو أن القيام بشيء ملموس يساعدك على تجاوز مشاعرك الأولية، فضلاً عن أنه يوفر المزيد من الثبات العاطفي. تُثار الأسئلة بشكل طبيعي: كيف سيؤثر ذلك على مجموعتي؟ ماذا لو تغير كل شيء نفعله اليوم؟ ماذا لو كان ذلك ينطوي على تغييرات في الوظائف أو تسريح في العمال أو فقدان في الموارد؟ حاول تعلّم قدر ما تستطيع حتى تكون صاحب علم كي لا تكون استجابتك مبنية على الشائعات والتلميحات. استخدم شبكتك الداخلية واطلب من الآخرين في المؤسسة الحصول على البصيرة والسياق والوضوح. وعندما تنتهي من العمل الجاد المتمثل في فهم ما يجري، ستتمكن من توقع الأسئلة التي سيطرحها فريقك عليك وإعداد إجابات أكثر فعالية.

قم بالإقرار بالعواطف التي تنتابك وتعرّف عليها. يتطلب الثبات العاطفي أن تظهر في مكان العمل بالطريقة التي تريدها تماماً، إذ يتمثل دورك في أن تكون هادئاً وشفافاً وثابتاً مع قيامك في الوقت نفسه برسم رؤية للمستقبل. قم بالإقرار بالمشاعر التي تنتابك وتحدث إلى زميلك أو رئيسك إذا كنت بحاجة للتنفيس عنها. فكر بالسيناريو الأسوأ ثم تصرف وفق أفضل الحلول المتاحة له، حيث الاحتمال هنا أن الواقع ليس سيئاً بقدر ما قد يبدو في ذهنك عندما تفكر فيه بمشاعر جياشة. التزم بتجنب تقديم ردود فعل ناتجة عن إجهاد أو إحباط أو شائعات أو سلوكيات أخرى غير منتجة كون أعين أعضاء فريقك عليك ويتلقون إشاراتهم منك.

حاول إبقاء عمليات التواصل مع الفريق مفتوحة. قد يؤدي مستقبل الإدارة الغامض وعدم اليقين الاستراتيجي إلى قيام المدراء بالتواصل بشكل محدود وأقل وضوحاً مع أعضاء فريقهم، انطلاقاً من فكرة "إذا لم يكن لدي أمور واضحة لأقدمها، فلماذا لا أنتظر؟" لكن في الحقيقة، تتطلب مواقف الغموض التواصل بشكل زائد عن الأوضاع الطبيعية. ولإظهار الثبات العاطفي، شارك مشاعرك وقم بالإقرار بما يعتري الفريق من مشاعر بشكل إيجابي، ودعهم يعرفون أن تلك المشاعر أمر طبيعي. لكن تحدث معهم عن التزامك بالثبات عاطفياً في أوقات عدم اليقين. واطلب منهم فعل الشيء ذاته والقدوم إليك في كل مرة يشعرون فيها بالإحباط أو القلق. إنّ الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة مع فريقك سيبقي الفريق مشاركاً ومتماسكاً حتى ظهور اتجاه واضح.

اقرأ أيضاً: 21 وظيفة مستقبلية في مجال الموارد البشرية

قم بالاستفادة من خبرات الآخرين من أجل الاستعداد لخوض مستقبل الإدارة

يمكن أن يؤدي الخوض في غمار مستقبل الإدارة الغامض وحالة عدم اليقين لدى بعض المدراء إلى الانعزال عمن حولهم. ذكّر نفسك بأنك لست وحدك، وهناك احتمال وجود شبكة من الأشخاص واجهوا على الأرجح تحديات مماثلة يمكنك الاستفادة من خبراتهم. وفيما يلي ثلاث طرق يمكنك الاستفادة من خبرات الآخرين للحصول على الدعم.

تخيّل الآلية التي قد يتّبعها أكثر قائد تكن له احتراماً. ما الأمر الذي قد يقوم به في وضعك؟ كيف سيتعامل مع الغموض أو عدم اليقين؟ كيف سيرى كيفية تعاملك مع الوضع؟ يمكن أن يقدم هذا التمرين مساعدة هائلة على إبقائك هادئاً وثابتاً عاطفياً وقادراً على ممارسة تفكيرك النقدي، واتخاذ إجراء عملي حتى في ظل أكثر الظروف غموضاً. لقد أظهر أولئك الذين نحترمهم أكثر السمات التي نعجب بها، فقم بالاستفادة من نقاط القوة الخاصة بهم للوصول لتلك الخاصة بك.

تشارك مع مدراء آخرين. يعتقد المدراء في كثير من الأحيان بأنّ عليهم "أن يبدو أقوياء" وأن يخوضوا تلك التجربة لوحدهم لبرهنة ثقتهم وكفاءتهم الإداريتين، إلا أنّ ما سبق قد لا يكون صحيحاً، إذ يتواصل عملاؤنا من رؤساء تنفيذيين مع نظرائهم وزملائهم السابقين بانتظام للحصول على النصح والمشورة والدعم العاطفي. إذا قام شخص تعرفه بالاتصال بك لطلب نصيحتك، ستكون سعيداً بتقديم الدعم وستشعر بالتقدير كزميل، وكذلك هي الحال مع من تطلب النصح منهم. ابدأ المحادثة مع "يمكنني حقاً الاستفادة من وجهة نظر أخرى" وستتفاجأ بمدى سرعة تفاعل الآخرين.

تقدير حكمة قادة الفكر. تصبح شبكتك عالمية عندما تتجاوز نطاق شبكة معارفك التقليدية لتصل للشبكة الأوسع التي يمكنك الحصول عليها في عالمنا الرقمي الحالي، إذ كلما زاد فهمك لكيفية تفكير الآخرين حيال الرشاقة الاستراتيجية وقيادة التغيير، زادت قدرتك على الإبحار ضمن الغموض الذي يكتنف شركتك. إنّ أذكى العقول وأكثرها إلهاماً في متناول يدك ويمكنك إيجادها في قراءة الكتب والمقالات والاستماع إلى البودكاست والمقابلات ومشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية والبرامج التثقيفية على الويب، فضلاً عن الكثير من الأمور التي يمكنها توسعة نطاق تفكيرك وتعليمك أساليب جديدة متصلة بوضعك الحالي.

وفي نهاية الحديث عن مستقبل الإدارة الغامض، تفصل القدرة على الازدهار خلال فترات عدم اليقين الاستراتيجي بين المدراء الكبار الذين يصبحون قادة استثنائيين وبين البقية. لا تسمح أن يلقي نقص الوضوح في شركتك ظلاله على ثقتك أو أدائك. فحتى في المواقف الأكثر غموضاً وإثارة للتحدي، ستكون على درب النجاح عندما تلتزم باتخاذ إجراء عملي مع إظهار الثبات العاطفي والاستفادة من خبرات الآخرين من أجل معرفة مستقبل الإدارة القادم.

اقرأ أيضاً: كيفية قراءة الكتب بسرعة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي