ملخص: يمثل اختلاف وجهات النظر والأفكار والآراء في الفرق التي يتسم أفرادها بالتنوع وعداً بتوليد أداء أفضل. لكن في الواقع، تقدم الفرق المتنوعة غالباً أداء أدنى من المستوى المطلوب بسبب تصادم أفرادها الذين ينتمي كل منهم إلى بيئة مختلفة عن بيئات الآخرين، تقترح دراسة أجريت على 62 فريقاً لتطوير العقاقير أن السرّ في دفعهم للعمل معاً على نحو أفضل والاستفادة من إمكانات التنوع يكمن في إنشاء بيئة توفر الأمان النفسي للفريق. يناقش هذا المقال طرق تحقيق ذلك.
عندما نعمل على تدريس مجموعات من المسؤولين التنفيذيين نسألهم غالباً عن تأثير التنوع في أداء الفريق، ولاحظنا أن الغالبية العظمى تحمل قناعة بأن الفرق الأكثر تنوعاً ستتفوق بأدائها على الفرق الأقلّ تنوعاً، لا سيما في المشاريع التي تنطوي على الابتكار. اعتقادهم هذا مألوف؛ فوجهات النظر والأفكار والآراء المختلفة في الفرق المتنوعة لها أهمية حيوية في تحقيق الأداء الممتاز في البيئات التنافسية.
ولكن عملياً، أداء الفرق المتنوعة أدنى من أداء الفرق المتجانسة، لماذا؟ لأنهم يواجهون صعوبات في التواصل تعيق إمكاناتهم المؤكدة. الأمر غاية في البساطة؛ يتشارك الأفراد المنتمون إلى بيئات متماثلة في القواعد والافتراضات حول السلوكيات التي يجب أن يُظهروها وطرق تحديد الأولويات ووتيرة إنجاز العمل. عندما ينتمي أفراد الفريق إلى بيئات مختلفة، تتصادم هذه العادات المسلم بها بصورة متكررة، وحتى ما يعتبر "دليلاً" يدعم رأي أحدهم يختلف من مجال إلى آخر، والنتيجة هي سوء فهم واستياء. في الواقع، تشير أبحاث سابقة إلى أنه وسطياً، يوقع تنوع التركيبة السكانية أثراً سلبياً على نتائج الفِرق.
ويشير بحثنا الذي أجريناه في مجال تطوير العقاقير الذي يعدّ بيئة ابتكار مكثفة إلى أن سرّ تحقيق فوائد التنوع يكمن في الأمان النفسي للفريق؛ أي الإيمان المشترك بأن أفراد الفريق لن يتعرضوا للرفض أو الإحراج بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو أفكارهم أو تساؤلاتهم أو مخاوفهم.
الأدلة الأولية
النظرية التي تقول إن الأمان النفسي للفريق قد يكون سرّ تحقيق فوائد التنوع الموعودة في الفرق ليست جديدة، لكن لم تكن الأدلة العملية على صحتها متوفرة. لذلك عملنا على اختبار هذه الفكرة عملياً في دراسة على 62 فريقاً لتطوير العقاقير في 6 شركات كبيرة للصناعات الصيدلانية، وتتسم هذه الفرق بدرجات تنوع مختلفة في تكوينها. تضمن عمل الفرق المتنوعة التعاون مع شركاء خارجيين والالتزام بمواعيد نهائية صارمة وتطوير عقاقير تفي بمعايير تنظيمية عالية تتعلق بالأمان والفاعلية. عملنا على قياس التنوع باستخدام مؤشر مركب يتضمن النوع الاجتماعي والعمر ومدة تولي الوظيفة والتخصص، وعملنا على قياس الأمان النفسي باستخدام دراسة استقصائية معيارية معتمدة. جمعنا تقييمات أداء الفرق من كبار القادة في الشركات، علماً أنهم كانوا غير مدركين للقيم التي حققتها وفق المعايير الأخرى.
إليك ما توصلنا إليه. كما هو متوقع، وسطياً، أوقع تنوع الفرق أثراً سلبياً طفيفاً على الأداء. ولكن في الفرق التي تتمتع بمستوى عالٍ من الأمان النفسي كان ارتباط التنوع بالأداء طردياً، وفي المقابل كان ارتباط التنوع بالأداء عكسياً بدرجة أكبر في الفرق التي كانت درجة الأمان النفسي فيها أدنى من المتوسط. على الرغم من أننا أجرينا دراسة واحدة في قطاع واحد، ومن الضروري إجراء مزيد من الأبحاث لتأكيد نتائجنا، فبياناتنا تدعم الحجج المقنعة المتعلقة بدور الأمان النفسي للفريق في إطلاق العنان للإمكانات المتنوعة.
ثمة نتيجة أخرى مهمة جداً نظراً لموجة الاستقالة الكبرى التي اجتاحت الولايات المتحدة، وهي أن علاقة تنوع الفريق برضا الأفراد عن فرقهم كانت عكسية؛ وسطياً، كلما كان رضا الأفراد عن فرقهم أقلّ كانت درجة تنوعها أكبر. ولكن بالنسبة إلى المجموعة الفرعية من الفرق التي تتمتع بمستويات عالية من الأمان النفسي، كلما ازدادت درجة التنوع في الفريق ازداد رضا أفراده. باختصار، يبدو أن الأمان النفسي للفريق يساعد أفراده على تحقيق إمكانات التنوع فيما يتعلق بكل من الأداء والرفاهة على حد سواء.
نقترح 3 طرق تتيح للفرق التي تتسم بالتنوع بناء بيئات تتسم بالأمان النفسي بدءاً من قادتها: التأطير والاستقصاء وبناء الجسور عبر الحدود.
التأطير
يتعلق التأطير بمساعدة أفراد الفريق على التوصل إلى فهم مشترك للعمل والسياق. ثمة إطاران محددان للفرق المتنوعة: أهداف الاجتماعات وقيمة الخبرات.
ضع الاجتماعات ضمن إطار فرصة مشاركة المعلومات. توضع معظم اجتماعات الفرق ضمنياً ضمن إطار اللقاءات التي تهدف إلى مواكبة المستجدات وصناعة القرار، وهذا الإطار مرتبط بإطلاق الأحكام والتقييم، وبالتالي فهو يقلص رغبة الموظفين بالتعبير عن آرائهم وإثارة التساؤلات أو المخاوف وتقديم أفكار جديدة. من أجل التغلب على هذا الإطار الضمني من المفيد أن تبدأ الاجتماع بجعل مشاركة المعلومات والأفكار هدفاً صريحاً، ثم احرص على أن تتبع أسلوباً منهجياً لدعوة الأفراد أصحاب وجهات النظر المختلفة للانضمام إلى النقاش واحداً تلو الآخر، واستمع إليهم وافهم ما يرغبون في قوله قبل الانتقال إلى التفكير في تبعات وجهات النظر هذه واتخاذ القرارات.
ضع الاختلافات ضمن إطار مصدر القيمة. نميل جميعنا للشعور بالإحباط بسبب اختلاف الآراء أو وجهات النظر حتى وإن كنا نعتبر الاختلافات مصدراً لقيمة محتملة وفرصة للتعلم، فالتغلب على تفضيلنا الغريزي للاتفاق يتطلب جهداً. ومن المفيد وضع الاختلافات ضمن إطار مصدر القيمة بصورة واضحة، يمكنك أن تقول مثلاً: "ندخل إلى هذا الاجتماع على الأرجح حاملين وجهات نظر مختلفة، وذلك سيساعدنا على التوصل إلى فهم أفضل للمشكلات التي نواجهها في هذا القرار (أو المشروع)".
السؤال
أفضل طريقة لمساعدة الموظفين على تقديم أفكارهم هي طلب ذلك منهم ببساطة. يزداد الأمان النفسي للفريق عندما يطرح قادة الفرق وغيرهم أسئلة صادقة قادرة على استخراج أفكار الآخرين ويستمعون بإمعان إلى إجاباتهم، وتزداد الحاجة إلى طرح الأسئلة في الفرق التي تتسم بالتنوع بسبب تعدد وجهات النظر المقدمة وتنوعها. ولكن نادراً ما تكون هذه الأسئلة عفوية؛ فجميعنا نصطحب الأمور البعيدة عن رؤيتنا إلى فرقنا، وهي فجوات لا ندركها في معارفنا أو فهمنا، ولا نطرح أي سؤال تقريباً حول الأمور التي لا ندرك أننا نجهلها.
الرغبة في الاستماع بحق إلى ما يقوله الآخرون ليست أمراً مسلماً به، لا سيما في الفرق المتنوعة، بل تتطلب التدريب وتنطوي على طرح الأسئلة المناسبة:
الأسئلة المفتوحة. الأسئلة الأكثر فعالية للاستفادة من وجهات النظر والخبرات المتنوعة ليس لها أجوبة محددة مسبقاً، وهي نابعة من الرغبة بالتعلم. ومن الأمثلة عنها: ماذا ترى في المنظومة التي تنتمي إليها؟ أو: ما الذي تسمعه من العملاء؟
الأسئلة التي تبني إحساساً مشتركاً بالسيطرة والألفة. تشكل الأسئلة التي تعكس تعقيد عملية دمج الآراء المتنوعة أداة قوية، مثلاً: ما الأمر الذي فعلتُه لأتسبب بوضعك في موقف صعب؟ كيف يمكنني المساعدة؟ قارن طريقة التأطير المنهجية هذه بالأسئلة التالية التي لا تدرك احتمال أن تكون قد أسهمت بنفسك في نشوء المشكلة أو التحدي المعني: ما الأمر الذي فعلتَه وأدى إلى نشوء هذه المشكلة؟ ماذا ستفعل لمعالجتها؟
بناء الجسور عبر الحدود
يساعد وضع الأسئلة ضمن إطار مناسب في بناء بيئة آمنة نفسياً، ولكن كي نكون عمليين أكثر، ما الذي يمكن لكل فرد في الفريق فعله لبناء جسور عابرة لحدود خبرات الأفراد وبيئاتهم المختلفة؟ ما الذي يحتاج كل منهم إلى معرفته عن الآخرين من أجل إحراز تقدم في عملهم التعاوني؟ ليس من الضروري أن يعرف كل فرد قصص حياة زملائه الكاملة أو مجموعة تجاربهم بأكملها، ولكن يجب أن يتوصل الجميع إلى نقطة التقاء أهدافهم وخبراتهم والتحديات التي يواجهونها. يمكن لأي موظفَين أو فردين ضمن فريق القيام بذلك عن طريق طلب كل منهما المعلومات التالية من الآخر:
- الآمال والأهداف. ما هو الإنجاز التالي الذي ترغب في تحقيقه؟
- الموارد والمهارات. ما الذي يمكنك إضافته إلى العمل؟
- المخاوف والعقبات. ما الذي تواجهه؟ ما الذي تخشاه؟
توصلنا إلى أن هذه الأسئلة فاعلة بدرجة مفاجئة في تأسيس القاعدة التي يبنى عليها التقدم، وهي جميعها متعلقة بالمهام وليست شخصية بصورة مبالغ فيها، ولكن كل منها يتطلب منك الإجابة بانفتاح وكشف نقاط ضعفك أمام الآخرين.
في حين أن تنوع البيئات التي ينتمي إليها أفراد الفرق هو عموماً أحد متطلبات الأداء المتميز، لا سيما عند السعي للابتكار، فمن النادر أن يتمتع بالفاعلية. يجب أن تتمتع الفرق المتنوعة بالأمان النفسي الذي يضمن أن يطرح أفرادها تساؤلاتهم ويشاركوا أفكارهم. يؤدي القادة والأفراد الآخرون دوراً حاسماً في إعادة الأمان النفسي للفريق عن طريق التأطير ومهارات طرح الأسئلة والقدرة على التدخل لبناء الجسور بين وجهات النظر المختلفة، وعندما يحدث ذلك تكتسب الفرق أكثر من مزايا الأداء؛ فالقيادة الفعالة للفرق المتنوعة تبني بيئة عمل صحية بدرجة أكبر وتجربة مرضية أكثر لأفرادها.