هل تُحسن الأتمتة عمل المرأة أم تجعله أسوأ؟

7 دقائق
تأثير الأتمتة على عمل النساء

على مدار ما يقرب من 30 عاماً تجمدت حصة المرأة في القوى العاملة في حدود 39% على المستوى الدولي، بعد توقف مسيرة التقدم نحو المساواة بين الجنسين في العمل. الآن، وبعد ظهور عوامل جديدة من شأنها أن تغير قواعد اللعبة، كالأتمتة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فهل ستساهم هذه التقنيات في إحداث نقلة نوعية للمرأة العاملة، بحيث تتيح أمامها فرصاً جديدة، وتضيق الفجوة بين الجنسين في العمل؟ أم ستسفر عن تأزم وضع المرأة وازدياده سوءاً؟ وما هو تأثير الأتمتة على عمل النساء تحديداً؟

خلصت آخر بحوثنا في مركز "ماكنزي العالمي للأبحاث" (McKinsey Global) إلى أن الأتمتة ستحل محل كلّ من الرجال والنساء بدرجة متساوية إلى حد ما خلال العقد المقبل. لكن، نتيجة لهذا الإحلال ستضطر النساء إلى اتخاذ إجراءات انتقالية أكثر جرأة مقارنة بالرجال، وقد يجدن صعوبة في الحصول على فرص جديدة بسبب المعوقات التي تواجهن باستمرار.

تأثير الأتمتة على عمل النساء

تناولت دراستنا عشرة بلدان، تشمل ستة اقتصادات متقدمة وأربعة اقتصادات ناشئة. ووجدنا أنه في حال استمرار توسع الأتمتة على غرار معظم التحولات التكنولوجية الكبرى في الماضي، مثل التحول من الإنتاج الزراعي إلى الصناعي، فإن 20% من النساء العاملات حالياً قد يفقدن وظائفهن بسبب الأتمتة بحلول عام 2030، مقارنة بنسبة 21% من الرجال.

حتى مع فقدان الوظائف في بعض المهن والقطاعات، ستكون هناك فرص عمل جديدة في قطاعات أخرى، تعكس زيادة الطلب وارتفاع مستوى الدخل، ونمو الإنتاج المرتبط باستخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي. إذ تشير تقديراتنا إلى إمكانية ارتفاع معدلات توظيف المرأة بنسبة 20% بحلول 2030 مقارنة بالوضع الحالي، مقارنة بارتفاعها بنسبة 19% لدى الرجال، شريطة حفاظ المرأة على المعدلات الحالية لتمثيلها في القطاعات والمهن جميعها. إلا أن هذه الفرضية الأخيرة قد لا تصمد طويلاً، وفي الواقع نأمل أن تتمكن المرأة من الارتقاء بمستوى أدائها في هذا الصدد دون الاكتفاء بمجرد الحفاظ على الوضع الحالي. وتشهد مختلف القطاعات والمهن تباينات حادة في توزيع فرص العمل بين الجنسين، فالمرأة مثلاً أقل إقبالاً على العمل في التخصصات الهندسية، فيما يحجم الرجال عن العمل في مجال التمريض بسبب التصنيف الجنسي النمطي. وفي حين يُجري الترحيب بتقدم مسيرة المساواة بين الجنسين في مختلف التخصصات، إلا أنه، وفي ظل المعطيات الحالية لتوزيع فرص العمل، يمكننا دراسة سبل اختلاف الإحلال الوظيفي بين الجنسين.

لتقييم قدرة الأتمتة على الإحلال الوظيفي، درسنا الجدوى الفنية لتقنيات الأتمتة، واحتمالات اعتمادها. كما بحثنا الوظائف المحتملة التي قد تنشأ نتيجة ارتفاع مستوى الدخل والاستهلاك والاستثمار، والذي يُعزى جزئياً إلى نمو الإنتاج بفضل التقدم التكنولوجي. ثم طبقنا محدِّداً معيارياً بين الجنسين، للوقوف على الأثر التفاضلي لهذه التوجهات على كل من الرجل والمرأة.

تشير تقديراتنا إلى أن أكثر من نصف وظائف النساء التي ستتعرض للإحلال على يد الأتمتة (52%) قد تكون في قطاع الخدمات والوظائف المكتبية، في حين أن ما يقرب من 40% من الوظائف التي ستتعرض للإحلال عند الرجال ستكون في تشغيل الآلات والأعمال الحرفية. وكلٌ من الرجل والمرأة مهيآن للاستفادة من فرص النمو الوظيفي في مختلف القطاعات. إذ يشهد قطاع الرعاية الصحية نمواً سريعاً مع ارتفاع متوسط أعمار السكان حول العالم، وهو مجال خصب لعمل المرأة، فهذا القطاع وحده كفيل باستيعاب ربع الوظائف النسائية المطلوبة. أما بالنسبة للرجال، وهو ما يبدو مثيراً للدهشة، فتظل الصناعة كفيلة بما يعادل 25% من فرص العمل الجديدة. ذلك أن تأثير الأتمتة يظل بطيئاً نسبياً على الاقتصاديات الناشئة مثل الهند، حيث لا تزال الأجور في قطاع الصناعة أقل نسبياً من كلفة الآلات.

بالنسبة للرجل والمرأة على السواء، فسوف تتاح أمامهما العديد من الفرص بفضل الأتمتة والذكاء الاصطناعي، شريطة أن يتمكنا من التعامل مع المتغيرات في زمن يشهد تحولات مزلزِلة. ونلاحظ أن ما يتراوح ما بين 40 إلى 160 مليون امرأة حول العالم، بما يعادل امرأة من بين كل أربع نساء عاملات اليوم، قد يحتجن إلى تغيير تخصصاتهن بالتوازي مع وتيرة الأتمتة، لا سيما في المناصب التي تتطلب مستويات أرفع من المهارة، حتى لا يطالهن شبح البطالة، ويتمكنَّ من استغلال فرص العمل الجديدة. وفي حين أن تلك التحولات تبدو مماثلة للتحولات المطلوبة من الرجل من جانب الحجم، فإن المشكلة بالنسبة للمرأة أن تحديات الأتمتة ستضاف إلى المعوقات القديمة في العمل، والتي عرقلت مسار التقدم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.

قد تكون المرأة في وضع سيئ، مقارنة بالرجل، فيما يخص أنواع الوظائف الجديدة، نتيجةً للموجة الحديثة من التقنيات التكنولوجية. ولك أن تتأمل وظائف، مثل مدراء وسائل التواصل الاجتماعي، وعلماء البيانات، ومشغلي تطبيقات النقل التشاركي، لم تكن موجودة قبل عشرين عاماً إلا أنها ظهرت نتيجة الثورة الرقمية. تشير الدلائل من الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 60% من فرص العمل المتاحة مؤخراً كانت في مجالات يسيطر عليها الذكور.

في عصر تأثير الأتمتة على عمل النساء تحديداً، يحتاج الرجال والنساء، أكثر من أي وقت مضى، إلى امتلاك المهارات المناسبة، علاوة على مرونة الحركة والقدرة على التكيف وإتقان التعامل مع التقنيات التكنولوجية. وبفعل المعوقات التي تواجههن، تتخلف النساء عن الرجال في المحاور الثلاثة.

المهارات وعلاقتها بموضوع تأثير الأتمتة على عمل النساء

المهارات هي المفتاح لفتح الفرص المنغلقة أمام المرأة العاملة، ففي خمسة من أصل ستة اقتصادات متقدمة جرت دراستها، نتوقع أن صافي الطلب على العمالة لن يكون بالموجب إلا في الوظائف التي تتطلب شهادة جامعية أو درجة علمية متقدمة. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 79.8% من النساء في وسط أوروبا يحملن شهادة عليا، مقارنة بنسبة 66.7% من الرجال. لكن ثمة مخاوف من عدم إقدام المرأة على دراسة التخصصات التي سيشهد الطلب عليها ارتفاعاً ملحوظاً. فالإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تشير إلى أن 37% فقط من طالبات السنة الأولى بنظام الدوام الكامل يدرسن مواد علمية، مقارنة بنسبة 48% من الطلاب الذكور. وفي الاقتصادات الناشئة، يعمل الكثير من النساء في زراعة الكفاف - أكثر من 60% من النساء العاملات في الهند - وتلقين تعليماً محدوداً، ويمتلكن القليل من المهارات، وسيجدن صعوبة في العمل بمجال آخر من دون رفع مستوى تعليمهن ومهاراتهن. في ثلاثة من أربعة اقتصادات ناشئة تناولتها الدراسة، قد يشهد صافي الطلب على التخصصات التي تتطلب تعليماً ثانوياً زيادة ملحوظة.

لتلبية هذه الاحتياجات يتعين على المدارس والجامعات والحكومات والقطاع الخاص تشجيع الفتيات والنساء على دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وغالباً ما تحتاج هذه المؤسسات إلى العمل بالشراكة فيما بينها. وعند دخول سوق العمل، يتعين على النساء (والرجال أيضاً) تطوير مهاراتهن بشكل مستمر، ويتعين على جهات العمل تقديم المزيد من المساعدة في هذا الصدد. فقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن 54% من جهات العمل وفرت في عام 2018 فرصاً إضافية لتدريب القوة العاملة لديها وتطويرها من أجل سد الفجوات المهارية، مقارنة بنسبة 20% عام 2014، لكن حتى هذه النسبة تحتاج لرفعها. ومن شأن الاستثمارات الحكومية والخاصة في منصات التعلم الرقمي أن تتيح سبيلاً آخر أمام المرأة. ويمكن أن تضطلع الحكومات بدور محوري في هذا الخصوص، وذلك من خلال تقديم الإعانات المالية للمرأة من أجل الحصول على التدريب.

إمكانية التنقل

قد تجد المرأة صعوبة في تغيير مجال عملها مقارنة بالرجل. فهي في الغالب أقل قدرة على الحركة من الرجل، لأنها، وبخلاف الرجل، مضطرة للتوفيق بين العمل والأسرة، مما يحد من الوقت المتاح أمامها لإعادة تأهيل نفسها، وقد يؤثر على قدرتها على السفر من أجل العمل. قد تتيح لها التكنولوجيا قدراً أكبر من المرونة، مثل العمل من المنزل، والاشتغال بالتجارة الإلكترونية بدلاً من الشركات التقليدية، مثلاً، لكن الشركات لا تزال تحتاج توسيع نطاق خيارات العمل المرن. في دراسة استقصائية أجريت عام 2018، وُجد أن 23% فقط من جهات العمل تعرض خيارات العمل المرن أو من خارج مقر الشركة. كما أن النساء غالباً ما يقدمن على تكوين شبكات علاقات مهنية صغيرة مقارنة بتلك التي يكونها الرجال، وهو ما يؤثر على قدرتهن على الدراية بفرص التوظيف الجديدة والاستفادة منها. ونظراً لحاجة ملايين النساء لتغيير مجالات عملهن في مواجهة الأتمتة، فإن الخصائص الحالية لسوق العمل شديد التمييز بين الجنسين، والقوالب النمطية لطبيعة المهن المناسبة لكل من الجنسين، تشكل عائقاً حقيقياً. وقد أثبتت دراسة أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة أن خيارات القطاعات والمهن لدى النساء مسؤولة عن أكثر من 50% من فجوة الأجور بين الجنسين. خذ مثلاً نوعين من المهن التي يُتوقع أن يشهد التوظيف فيهما توسعاً ملحوظاً: علوم الكمبيوتر والتمريض. في الولايات المتحدة، ارتفع نصيب المرأة من العمل في مجال علوم الكمبيوتر إلى 40% في الثمانينات والتسعينات، إلا أن تلك النسبة شهدت هبوطاً حاداً لتصل إلى 25%. وقد لعبت القوالب النمطية للتميز بين الجنسين، إلى جانب افتقاد المرأة لمن يقدم لها الإرشاد المناسب في القطاع، دوراً في هذا التراجع. كما شهدت نسبة الممرضين من الرجال في الولايات المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً من 3% عام 1970 إلى حوالي 11% عام 2000، ومنذ ذلك الحين لم ترتفع إلا بنقطة مئوية واحدة بحلول عام 2018، أيضاً بسبب القوالب النمطية التي منعتهم من محاولة العمل في هذا المجال. وما لم تُعالج هذه العراقيل، فسوف تجد المرأة (والرجل) صعوبة في تجاوز الخطوط الفاصلة بين الجنسين في مختلف المهن والتخصصات.

التكنولوجيا

بمقدور التكنولوجيا تحطيم العديد من الأغلال التي تقيد حركة المرأة، وأن تتيح فرصاً اقتصادية جديدة لها، ومساعدتها على اقتحام سوق العمل، وتمكينها من خوض غمار التحول بسهولة في عصر الأتمتة. على سبيل المثال، تعمل النساء الآن بشكل مستقل فيما بات يُعرف باقتصاد الأعمال المستقلة، مستفيدات من التكنولوجيا التي مهدت السبيل أمام طرق عمل جديدة وأكثر مرونة. لكن المرأة تخلفت عن اللحاق بقطار التكنولوجيا وإتقان مهارات استخدامها، والمساهمة في صناعتها. إذ يُعتبر الرجل أكثر دخولاً على الإنترنت بنسبة 33% مقارنة بالمرأة، فيما يمثل العنصر النسائي 35% فقط من طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في التعليم العالي، على المستوى الدولي. وتشكل الإناث أقل من 20% من إجمالي العاملين في مجال التكنولوجيا في العديد من الاقتصادات المتقدمة. علاوة على هذا، فإن 1.4% فقط من النساء العاملات لديهن وظائف تهتم بتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو صيانتها أو استخدامها، مقارنة بنسبة 5.5% من الرجال العاملين. حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). مرة أخرى، نكرر أن على الشركات تأدية الدور المنوط بها، مثل الدخول في شراكة مع المؤسسات غير الربحية والجامعات من أجل إعداد عدد أكبر من النساء الراغبات في اقتحام التخصصات التقنية، وتوفير الفرص التدريبية لهن. ويجب أن يشهد مجال رأس المال المغامر (الجريء) تحولاً جذرياً، إذا قُدّر لرائدات الأعمال المحتملات، ورائدات الأعمال في مجال التقنيات التكنولوجية، الوصول إلى رأس المال الذي يحتجن إليه. ولك أن تتأمل المثال التالي: عام 2018 تلقت الفرق الرجالية المؤسسة للشركات 85% من إجمالي رأس المال المغامر، بينما لم تتلق الفرق النسائية سوى 2%، في حين تلقت الفرق المختلطة 13% فقط.

يوفر عصر الأتمتة فرصاً جديدة للتقدم الاقتصادي للمرأة، لكنها تواجه تحديات جديدة تضاف إلى غيرها من التحديات القديمة حول تأثير الأتمتة على عمل النساء تحديداً. وللاستفادة من إمكاناتها كلها، يتعين على الشركات والحكومات تمكين المرأة عبر حلول ملموسة وخلاقة لتأهيلها للتغيرات المرتقبة.

اقرأ أيضا:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي