ماذا تعرف عن إنشاء فرع شركة أجنبية ناجح؟ قدّم بحث شركة أمازون المحموم عن مقر ثانٍ لها فائدة كبيرة للمصلحة العامة، فقد أدى إلى زيادة الوعي العام للجمهور بخطط التنمية الاقتصادية السيئة. حتى إنّ برنامج المنوعات الساخرة والتي تبث ليلة السبت في الولايات المتحدة سخرت من مدى استماتة المسؤولين المحليين من أجل إغراء شركة أمازون لافتتاح هذا المقر في مناطقهم، حيث تشمل هذه الإغراءات تقديم مبالغ هائلة من الإعانات الضريبية، على الرغم من الشكوك التي تحيط بالعوائد الاقتصادية لتلك الشركة على المنطقة والمجتمع بشكل واضح.
ولكن، إذا كان اجتذاب الشركات الكبرى مثل أمازون وغيرها ليس الطريقة الصحيحة لخلق الوظائف، فما هي هذه الطريقة إذاً؟
من السهل أن نفهم - بداية - لماذا يسعى القادة المحليون وراء صفقات جذب الأعمال هذه، فالتنمية الاقتصادية تمثل أولوية عليا في السياسة العامة لرؤساء البلديات، حيث يمكن للوظائف الجديدة أن تعزز معدلات العمالة المحلية، وتزيد من مداخيل السكان، وتعمل على استقرار ميزانيات المدن، وتعيد إحياء المناطق الفقيرة والمنكوبة. إنّ إنشاء مقر أعمال جديد يخطف الأبصار خطوة رائعة وإنجاز عظيم، وهو طريقة في غاية الوضوح لإظهار انخراط القادة في مساعدة الاقتصاديات المحلية بشكل مباشر. وهذا ما يدفع حكومات الولايات والحكومات المحلية إلى أن تنفق قرابة 45 مليار دولار على إعانات وحوافز التنمية الاقتصادية كلّ عام، حتى عندما لا يكاد يكون لها دور يُذكَر في القرارات النهائية للشركات والمؤسسات.
كلّ هذا الاهتمام الزائد المنصب على عملية جذب واستقطاب الأعمال يبالغ في تقدير أهميتها في توفير فرص العمل وخلق وظائف جديدة إجمالاً. إذ تشير دراسة أجراها مركز أولويات الميزانية والسياسات إلى أنّ جذب الأعمال والمشاريع من خارج الولاية لا يمثل سوى نسبة تتراوح من 3% إلى 14% من إجمالي الوظائف التي يتم استحداثها في الولاية كلّ عام. وعلاوة على ذلك، تشير الدلائل إلى أنّ مصادر إمداد عمليات نقل مقارّ الشركات تكاد تنضب، ما أدى إلى زيادة الدعم والإعانات المقدَّمة لبعض الصفقات الضخمة التي يتمّ إبرامها.
وفي الوقت نفسه، تشير دراسات كثيرة إلى أنّ الجزء الأكبر من خلق فرص العمل يأتي من مكان آخر. إذ تلاحظ مؤسسة كوفمان أنّ الشركات الناشئة سريعة النمو تلعب دوراً كبيراً للغاية في خلق الوظائف وفرص العمل. يشدد الخبير الاقتصادي غيري كنكل على أهمية شركات "التنمية المستدامة" بجميع مستوياتها، فقد دأبت على استحداث وظائف جديدة بانتظام متدرج على مدى سنوات عديدة، بدلاً من ذلك التوسع الهائل الذي يأتي دفعة واحدة. ويشير باحثون آخرون- من بينهم إنريكو موريتي ومايكل بورتر، بالإضافة إلى زميلي مارك مورو- إلى قوة التجمعات الصناعية - وخصوصاً في الصناعات المتقدمة القائمة على التكنولوجيا - في خلق الوظائف على المستوى الإقليمي. ويشير هؤلاء إلى أنّ القرب الوثيق من المنافسين والموردين يتيح للشركات تبادل المواهب والتشارك في المهارات وسلاسل التوريد والبنية التحتية، ما يؤدي إلى المزيد من الابتكار والنمو والمنافع غير المباشرة التي تتمثل في فرص عمل ووظائف محلية جديدة.
ويمكن القول باختصار أنّ الجزء الأكبر من الزيادة في الوظائف ينبع من تمكين السكان الموجودين والأعمال والمشاريع القائمة في المجتمع من النمو والابتكار وبدء مشاريع جديدة. وينبغي على القادة المحليين والناخبين المطالبة بهذا النوع من التنمية الاقتصادية الجيدة التي تجذب بعد ذلك شركات ومشاريع أخرى ترغب في أن تكون جزءاً من بيئة أعمال محلية ديناميكية حيوية وفعالة.
طرق إنشاء فرع شركة أجنبية
هناك -على العموم- ثلاث طرق لخلق فرص العمل وتنمية الوظائف من الداخل بعد إنشاء فرع شركة أجنبية بنجاح:
1- الاستثمار في نظام بيئة أعمال ناشئة: فمع الانخفاض والتراجع الذي شهدته الديناميكية الاقتصادية في السنوات الأخيرة، دأب القادة المحليون على إطلاق جهود ومساعٍ لدعم الشركات الناشئة. ويمكن أن يشمل هذا الدعم الاستثمارات في مُسرّعات الشركات الناشئة التي يمكن أن توفر الموارد والموجهين لرواد الأعمال الطموحين، أو الجهود لبناء مصادر أكثر تنوعاً من رواد الأعمال في إطار نظام أعمال ناشئ في المنطقة، مثلما يحدث في سان دييغو وأتلانتا.
2- مساعدة شركات الأسواق الصغيرة والمتوسطة على التوسع: فإلى جانب الشركات الناشئة، يستطيع القادة المحليون أيضاً مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على البقاء والابتكار والنمو. وتساعد بعض المجتمعات- مثل شيكاغو- الشركات الصغيرة على توسيع علاقات الموردين لديها وسط شبكة من الجامعات والمستشفيات ومؤسسات القطاع الخاص الأخرى. وتقوم مجتمعات أخرى بتوفير خدمات مخصصة للمصانع الصغيرة والمتوسطة. وقد ركّزت بعض هذه المجتمعات على شركات السوق المتوسطة ذات الحجم والمنتجات التي أثبتت جدواها للاستثمار في التحسين المستمر، ولكنها تواجه مع ذلك تحديات من نوع خاص. إنّ مساعدة هذه الشركات في العثور على العمال المهرة، ودخول الأسواق العالمية، والوصول إلى رأس المال - كما نرى في واحدة من المبادرات الواعدة في فيلادلفيا - يمكن أن يسهل نمو الوظائف.
3- تعميق تخصصات الصناعة: إنّ تخصص علوم الحياة في سان دييغو، ومجموعة تقنية المياه في مدينة ميلواكي، والنظام البيئي الحيوي للتقنية الصحية في إنديانابوليس، كادت أن تكون مجرد حظّ عاثر ودون نتائج تُذكر. وبدلاً من ذلك، فإن سلسلة من التحركات الاستراتيجية من قبل القادة في القطاعين العام والخاص ساعدت على خلق مزايا تنافسية في هذه القطاعات، وفق ما جاء في تقرير ظهر مؤخّراً عن معهد بروكينغز. وشملت تلك التحركات الجمع بين الشركات، وتوثيق الصلات والروابط بين خبرات الصناعة والجامعة لتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص التجارية، وتحقيق استثمارات عامة أساسية ومهمّة.
وتستفيد هذه الاستراتيجيات الاقتصادية استفادة مباشرة من مجموعة أوسع من الاستثمارات الهامة بالنسبة للتنافسية العالمية، مثل مراكز الوظائف التي يمكن الوصول إليها من خلال الانتقال العابر، والبنية التحتية الجوية واللوجستية الحديثة، والشراكات الصناعية مع المدارس والكليات التقنية لمساعدة العمال على اكتساب مؤهلات قيمة.
وفي الوقت نفسه، وحيث إنّ حوافز التنمية الاقتصادية لن تتلاشى قيمتها في القريب العاجل، فعلى القادة المحليين استخدامها على الأقل لمكافأة الشركات والمؤسسات التي تخلق وظائف جيدة، أو وضعها في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات، أو استخدامها بما يحقق النفع للمجتمع.
ومع احتدام المنافسة على إنشاء فرع شركة أجنبية والمقر الرئيسي الجديد لشركة أمازون، فإن الفائز الحقيقي سيكون تلك المدن التي تشارك في اللعبة الأكثر أهمية، بمعنى تنمية وتطوير اقتصاد شامل ومستدام يركز استثماره على السكان المحليين والشركات المحلية.
اقرأ أيضاً: