في الحملة الانتخابية لانتخابات الرئاسة الأميركية، انتقد دونالد ترامب أثناء حملته القادة السياسيين مراراً؛ لإفشائهم الاستراتيجية التي سيتبعونها إزاء تنظيم داعش، فقد قال ترامب في أثناء المناظرة الأخيرة بينه وبين منافسته: "ما الذي حدث لعنصر المفاجأة، حسناً؟ نحن نعلن أننا سنهاجم الموصل"، وأضاف: "لقد كنت أقرأ عن مهاجمة الموصل منذ مدة، ما المدة يا هيلاري؟ ثلاثة أشهر؟ جميع الإرهابيين غادروا، كلهم غادروا، عنصر المفاجأة قد فُقِد".
عنصر المفاجأة
يستخدم الرئيس ترامب الآن "عنصر المفاجأة" في استراتيجية حربه التجارية، ولاسيّما في فرضه التعرفات الجمركية على الصين. لا شكّ أن الصين تفرض تحديات فريدة على النظام التجاري، الذي يجب على الحكومة الأميركية مواجهته، لكن المشكلة تكمن في نهج ترامب، نهج يضع الأعمال الأميركية في وضع لم تتحضّر له.
النتيجة أن الولايات المتحدة، دفعت العالم منذ وقت طويل إلى قبول نظام تظهر فيه الحماية، بعد إجراء تحقيق حكوميّ دقيق، في التزام الشريك التجاري بالقواعد المقبولة عالمياً. ولكن بدأت معظم التحقيقات السابقة بخاصية واحدة مشتركة دقيقة: أُعلِنت قوائم المنتجات والدول المستهدفة في بداية التحقيق التجاري، وقبل أشهر عدّة من فرض أيّ تعرفات جمركية؛ وقد أدى هذا إلى منح وقت لكلّ من الجمهور العام لكي يُقيّموا - يغيّروا نطاق الحماية – وللشركات وللعمال أيضاً؛ كي يضعوا خطط طوارئ إذا سُنَّت حواجز تجارية في نهاية المطاف.
إن استراتيجية ترامب مختلفة؛ على سبيل المثال، لا ينتظر الصناعات لكي تطلب الحماية؛ إنه يفرضها بنفسه، سواء أرادوها أو لا. لكن ترامب يطالب أيضاً بإجراء تحقيقات بموجب القوانين التجارية الأميركية المنفصلة، التي لا تُستخدم كثيراً، والتي توفر له سرية وسلطة أكثر مما اعتادتهما أميركا.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة
بموجب هذه القوانين؛ يعود لترامب قرار تحديد ماهية المنتجات والدول التي ستواجه الحماية الجمركية، ومتى ستتلقّاها، ومتى سيُبلغ الجمهور العامّ بالتفاصيل.
خذ مثالاً "المادة 301" بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على واردات من الصين، بقيمة 50 مليار دولار. في حين أن ترامب أثار التحقيق القانوني في قضية الصين في أغسطس/آب 2017، إلّا أنه لم يُكشَف عن أول 1,333 منتجاً، يخطط ترامب لفرض التعرفات الجمركية عليها حتى 3 أبريل/نيسان. وبعد يومين فقط، أمر ترامب ممثله التجاري بإعداد مجموعة إضافية من المنتجات - مغطّياً 100 مليار دولار إضافية من الواردات الآتية من الصين - ليفرض عليها المزيد من التعرفات. يمكن أن تُفرَض كل هذه القيود في وقت مبكر من مايو/أيار.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، التعرفات التي فرضها ترامب على الفولاذ والألمنيوم. أثار ترامب التحقيقات في أبريل/نيسان 2017، ومع ذلك لم تُعلَن منتجات الفولاذ والألمنيوم الموجودة على قائمته للتعرفات الجمركية، حتى منتصف فبراير/شباط 2018. وقد أُكمِلت إجراءات التعرفات التي فرضها ترامب على المصادر الأجنبية - بما في ذلك حلفاء عسكريون مثل اليابان وتايوان وتركيا - قبل أقل من اثنتي عشرة ساعة من تطبيقها في مارس/آذار. في عالمٍ من الإنتاج على الوقت فقط، كان هذا جيداً بعد أن غادرت سفن الشحن الميناء الأجنبي.
قد يكون قرار ترامب بإبقاء هذه المعلومات سرية قراراً متعمداً. تعني هذه المدة القصيرة بين إعلان المنتجات والتعرفات، أن القوى السياسية المقابلة تمتلك القليل من الوقت للتحرك.
لكنه قد يؤدي أيضاً إلى نتائج عكسية؛ فهذا يعني أن لدى الشركات العاملة في الولايات المتحدة وقتاً أقل كثيراً؛ للتخفيف من التأثيرات السلبية للتعرفات. وتعني سلاسل الإمداد المطوَّلة أن العديد من الشركات الأميركية سوف تكتشف الطريقة الصعبة فقط، التي ارتفعت بها تكاليفها.
اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية
ألق نظرة فقط على قائمة المنتجات الـ 1,333، التي تخضع للمادة 301 من التعرفات الجمركية لترامب. ما يلفت النظر أنها تتضمن مدافع الهاوتزر، وقاذفات القنابل، وطائرات الهليكوبتر، والأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية؛ وهو ما ينقل صورة مخيفة عن التبادل التجاري مع بكين، لكن كان هذا بعضاً من مكائد التعرفات؛ كشف تحقيق في البيانات أن الولايات المتحدة لم تستورد شيئًا من تلك المعدات العسكرية من الصين في عام 2017، على الرغم من إدراجها على القائمة.
كان على اللائحة شيء مخفي عن مرأى أنظارنا؛ شيء مخيف اقتصاديّاً أكثر كثيراً. واحدة من بين كل خمس تعرفات جمركية اختارها، تضمنت منتجاً يحتوي على كلمة "أجزاء" في شرحه. كان معظمها فنيّاً متخصصاً، وحتى خبراء التجارة لم يكن لديهم أيّ فكرة عن ماهيّتها، باستثناء معرفتهم أن الشركات والعمال يعتمدون على تلك "الأجزاء" من الصين؛ ليبقوا ضمن المنافسة في السوق العالمية.
يذهب معظم هذه الأنواع من المنتجات إلى شيء أكبر وأفضل، ومصنوع من قِبَل الأميركيين، كما أن الواردات الآتية من الصين لا تقترب من الصفر، وخاصة بالنسبة إلى المنتجات الموجودة على القائمة. لقد صنفت جميع المنتجات التي بلغ عددها 1,333 منتجاً، ووجدت أن المدخلات الوسيطة والمعدات الرأسمالية، تشمل ما يقارب الـ 85% من واردات الـ 50 مليار دولار، التي تخضع لرسوم ترامب.
اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك
وبصرف النظر عن حجم التحذير الذي تتلقّاه الآن الشركات الأميركية؛ فإن قرار ترامب بفرض قيود على المدخلات الوسيطة والمعدات الرأسمالية، هو خطوةٌ تُرجعهم إلى الوراء، فهذا يتعارض مع عقود من العمل الحكومي لتخفيض الحواجز التجارية؛ حتى يتمكن الأميركيون من الوصول بسهولة إلى مكونات قليلة التكلفة وعالية الجودة؛ إذ تُعتبر هذه الإستراتيجية التنافسية أساسية لأيّ حكومة تريد تشجيع الشركات على الاستثمار المحلي، وتوظيف المزيد من العمال الأميركيين لخلق منتجات قيّمة.
وتعني خطة ترامب أن الصناعة، ومزوّدي الخدمات الصناعية في أميركا، سيجدون صعوبة متزايدة في التنافس مع ألمانيا والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وجميع أنحاء آسيا؛ وتبقى التعرفات الجمركية على القطع والمعدات قليلة، وكفى بهذا سوءاً.
الأدهى من ذلك هو "عنصر المفاجأة" الذي تنتهجه الإدارة؛ فهو يزيد – فقط – من اضطراب الشركات الأميركية.
ربما يستخدم الرئيس ترامب هذا التكتيك لتجنب النكسة السياسية، لكن من المرجح أن تؤدي تعرفاته الخاصة، التي تظهر كهجوم مفاجئ، إلى اضطراب مريع وغير مرحّب به لدى شركات أميركية وعمال أميركيين، يدّعي أنه يحاول المساعدة.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإيجاد مكان عمل يحتضن الجميع