تعرف على كيفية تنفيذ استراتيجية جديدة للشركة من خلال هذا المقال.
نظام استراتيجية جديدة للشركة لتحقيق التناغم بين الهيكلية والاستراتيجية
قامت المؤسسات عبر معظم مراحل تاريخ الاقتصاد المعاصر بمحاولات لتحرير قيمها عن طريق مطابقة هيكلياتها مع استراتيجياتها. فعندما استحوذ نظام الإنتاج الضخم على الاقتصاد في القرن التاسع عشر على سبيل المثال، قامت الشركات بإنشاء أنظمة وفورات حجم هائلة عن طريق اعتماد مركزية الوظائف الرئيسية كالعمليات والمبيعات والتمويل. وبعد عدة عقود نشأ نموذج منافس نتيجة لتنوع خدمات الشركات وعروضها وانتقالها إلى مناطق جديدة. فأنشأت بعض الشركات، كشركتي جنرال موتورز ودوبونت، وحدات تجارية حول المنتجات والأسواق الجغرافية. إذ ضحّت الوحدات التجارية الصغيرة بوفورات الحجم، ولكنها أصبحت أكثر مرونة وقابلية للتأقلم مع شروط المنطقة.
وأثبت هذان النموذجان من المشاريع، اللذان اعتمدا مركزية الوظائف مقابل اللامركزية النسبية بما يخص المنتج والمنطقة، استمراريتهما على مدى فترة زمنية طويلة. ويعود ذلك بنسبة كبيرة إلى أنّ التطور في المؤسسات الاقتصادية كان يتزايد بشكل واضح. وبالفعل، بقيت هيكلية قسم المنتجات هي النموذج الطاغي لمدة 50 عاماً أو أكثر. ولكن بتزايد كثافة المنافسة في الربع الأخير من القرن العشرين أصبحت المشاكل في النموذجين جليّة وبدأت الشركات بالبحث عن طرق جديدة لتنظيم أنفسها من أجل تحرير قيم الشركات.
وقامت عدة شركات متعددة الجنسيات باعتماد أنظمة المصفوفات ظناً منهم أنهم سيستطيعون بذلك استرداد وفورات الحجم للوظائف المركزية ومرونة خطوط إنتاجهم والوحدات التجارية الجغرافية التابعة لهم. ولكن أنظمة المصفوفات هذه كانت صعبة التنسيق. وكان على المدراء الذين يعملون في تقاطع مصفوفة معين التأرجح بين أوامر رئيسين، ما أدى إلى التضارب والتأخير.
وقدّمت حركة إعادة هندسة العملية التجارية في التسعينيات نموذجاً آخر كان يتمّ تنظيم الشركة فيه حول عملياتها المتعددة بدلاً من عملها ومنتجها ومنطقتها الجغرافية التقليديين. ولكن الوحدات المتعددة الوظائف كانت لا تزال تعاني من المشاكل في تنسيق نشاطاتها وتنظيمها. فالصومعة تبقى هيكل تخزين سواء كانت عملية تجارية أو وظيفة أو فئة إنتاج.
كما بدأنا نسمع مؤخراً عن مؤسسات افتراضية متشابكة تعمل عبر حدود تقليدية، وعن ما يسمى "مؤسسة الفيلكرو" (Velcro organization) التي هي شركة قابلة للتفكيك والتجميع بطرق جديدة لتتجاوب مع الفرص المتغيرة.
كما يُعتبر من المهم البحث المستمر عن صيغ تنظيمية جديدة تقوده تغيرات أساسية في طبيعة المنافسة والاقتصاد. أولاً، تصبح اليوم فائدة تنظيم الأصول المادية والمالية أقل، وبالمقابل تزداد فائدة حسن توفيق الشركات بين أصولها المعنوية كالموظفين من أصحاب الخبرة والمعرفة والبحث والتطوير والمعلوماتية وبين احتياجات زبائنها. ثانياً، ما تفرضه العولمة من فرص وتحديات تُجبر الشركات على إعادة النظر في العديد من الفرضيات المتعلقة بالتحكم بأصولها المادية والمعنوية وإدارتها. فشركة الكمبيوتر اليوم مثلاً، تستطيع تصنيع مكونات الأجهزة في الصين وتجميعها في المكسيك ومن ثم شحنها إلى أوروبا وتقديم خدمة للزبائن من مراكز الاتصالات في الهند. هذا الانتشار يتسبب بنشوء احتياجات لهيكليات جديدة تعمل بالتوازي مع الوحدات الداخلية والخارجية حول العالم.
في حين أنّ الشركات تعاني عند مواجهة هذه المشكلات، نجد العديد منها عالق في دوائر مكلفة ومحبطة من التغيير التنظيمي. وشركة "أيه بي بي" (ABB) هي حالة قياسية، فقد مرت الشركة بتجربة إعادة التنظيم مرة تلو الأُخرى بعد تجربتها الأولى مع صيغة المصفوفات في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. إذ يقول الأستاذ في جامعة هارفارد للاقتصاد بانكاج غيماوات، في مقاله "الاستراتيجية المنسية" من مجلة هارفارد بزنس ريفيو، أنّ نتيجة إعادة الهيكلة مكلفة وغالباً ما تتسبب بتشكيل مشاكل تنظيمية جديدة سيئة بقدر المشاكل التي تحلها. فالموظفون يحتاجون إلى وقت طويل للتأقلم مع النظم الجديدة، كما أنّ قسماً كبيراً من المعارف القيّمة للغاية تُصبح جزءاً من الهدر عند مغادرة الموظفين المستائين نتيجة لعملية التغيير. وفوق كل ذلك، تُصبح الشركات مثقلة بآثار القرارات التنظيمية السابقة، كالمقرّات الرئيسة المحلية والإقليمية الملغية وبنية المعلوماتية التحتية المتروكة. وبالنظر للتكاليف والصعوبات التي تواجهها الشركات في إيجاد طرق هيكلية لتحرير القيمة، فإنه من المنصف أن نتساءل ما إذا كان التغيير الهيكلي هو فعلاً الوسيلة المناسبة لهذا الغرض.
اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية
ونعتقد أنّ الجواب عادة ما يكون بالنفي. فالدرس الذي استخلصناه من عملنا مع مئات المؤسسات على خطط الاستراتيجيات وسجلات الأداء المتوازنة، هو أنّ الشركات ليست بحاجة لإيجاد الهيكلية المطابقة لاستراتيجياتها. وكما سنعرض فيما يلي، فالطريقة الأكثر فعالية هي اختيار بنية تنظيمية تعمل دون صراعات كبرى، ومن ثمّ تصميم نظام استراتيجي مُعد خصيصاً لضمان توافق الاستراتيجية مع البنية.
سنرى كيف أنّ مؤسستين مختلفتين تماماً، هما دوبونت إنجنيرنغ بوليمرز (DuPont Engineering Polymers EP) ومؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية (Royal Canadian Mounted Police)، قامتا باعتبار بنيتهما الحاليتين من المسلمات إيماناً منهما بأنّ ترقيع السلطات والمسؤوليات وحقوق اتخاذ القرارات وإعادة تنظيمها والتوافق بينها لن يولّد القوّة السحرية التي ستحقق التعاون المطلوب على مستوى المؤسسة. وعوضاً عن ذلك، قام المدراء في هاتين المؤسستين باستخدام أدوات نظام إدارة استراتيجية سجلات الأداء المتوازنة لتوجيه الوحدات اللامركزية في سعيها لتحقيق الربح المحلي، حتى وإن كانت هذه الوحدات وجدت طرقاً للمساهمة في الأهداف العامة للمؤسسة ككل.
لبناء استراتيجية جديدة للشركة ما نوع النظام الذي تحتاجه؟
يمكن تعريف نظام الإدارة بأنه مجموعة العمليات والممارسات المستخدمة لتحقيق التوافق في المؤسسة وإدارتها. وتتضمن أنظمة الإدارة الإجراءات ووضع خطة الاستراتيجية والعمليات، من أجل تحديد رأس المال والميزانيات العاملة، ومن أجل قياس الأداء ومكافآته، وكذلك من أجل تسجيل التقارير عن التقدم وإقامة الاجتماعات أيضاً. لذلك علينا الاعتراف بأنه من أجل القيام بهذه العمليات والممارسات المتعددة، اعتمدت معظم الشركات عبر التاريخ بشكل كامل على الأنظمة المالية، وكانت متمركزة عادة على الميزانية. ولكن الاعتماد على الميزانية كنظام إداري رئيسي أدى إلى تأثر الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى بالاعتبارات المالية الآنية بشكل كبير. وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، قدّمت عدة شركات إدارة الجودة الكلية على أنها نظام إدارة جديد. ولكن في حين أنّ هذه الإدارة الجديدة مكّنت الشركات من التركيز بفعالية أكبر على تطوير العمليات، بقيت القدرة على تطبيق الاستراتيجية في جميع وحدات المؤسسة مربكة. فأنظمة إدارة الشركات كانت كلها تخطيطية ووظيفية وليست استراتيجية.
وبحسب خبرتنا، فإنّ نظام الإدارة المبني على إطار عمل سجلات الأداء المتوازنة هو أفضل سبيل للتوفيق بين الاستراتيجية والهيكلية. والمدراء في كل مستويات المؤسسة، بدءاً من مدراء المبيعات الإقليميين وصولاً إلى المدراء التنفيذيين للمجموعة، بإمكانهم استخدام أدوات إطار العمل لقيادة أداء وحداتهم. كما تمكن خطط الاستراتيجية المدراء من تحديد وإيصال علاقات "السبب والنتيجة" التي تؤدي إلى تحقيق عروض قيم وحداتهم. وتُعتبر سجلات الأداء أدوات قوية لتطبيق استراتيجية الوحدة ومراقبتها. لذلك فإنّ النظام المبني على سجلات الأداء المتوازنة يقدم نموذجاً ولغة مشتركة لتجميع المعلومات وتبليغها بشأن إنشاء القيمة. (لمعلومات عن سجلات الأداء المتوازنة ندعوكم لقراءة كتابنا "المؤسسة القائمة على الاستراتيجية" (The Strategy-Focused Organization) من منشورات جامعة هارفارد للاقتصاد عام 2000).
لقد ركّزت معظم كتاباتنا في تطبيق الاستراتيجيات على الوحدات الاقتصادية، مع ما تنفرد به من زبائن ومنافسين وتقنيات وقوى عاملة. وقامت الشركات مؤخراً بتطبيق إطار العمل على الأنظمة ضمن مستوى الشركة لتتمكن من توصيف كيفية إنشاء الإدارات الرئيسية للقيمة بعيداً عمّا تولده وحداتها التجارية ووحدات الدعم بصورة فردية. فسجلات أداء المؤسسة وخطتها تحدد مصادر إنشاء قيمة المؤسسة وتقيسها على أربعة مستويات، أو بالأحرى "منظورات"، والتي هي المنظور المالي ومنظور الزبائن ومنظور العمليات وآخرها منظور التعلم والنمو.
المنظور المالي
حتى الشركات القابضة المتنوعة بإمكانها إنشاء قيمة على مستوى الشركة عن طريق تشكيل عمليات فعالة لتخصيص المصادر ولإدارة الشركة واكتساب وحدات تجارية جديدة ودمجها لإجراء مفاوضات مع كيانات خارجية كالحكومات والاتحادات والممولين والموردين. وعند القيام بهذه الأمور بصورة حسنة سيؤدي ذلك إلى إنشاء الشركات للتعاون المالي. إذ أنّ المؤسسات التي لديها ممتلكات وسيولات متنوعة كتنوع الممتلكات التي تشكل شركات مثل كولبرج كرافيس روبرتس (Kohlberg Kravis Roberts) وجنرال إلكترك (General Electric) تضيف قيماً عن طريق القيام باستحواذات ذكية ودعمها بعمليات إدارة جبارة.
منظور الزبائن
يمكن إنشاء تعاون الشركات أيضاً عن طريق الاستفادة من العلاقات بين عدة وحدات تجارية لتقديم أسعاراً منخفضة أو راحة بالتعامل أو حلولاً متكاملة لزبائنها المشتركين أكثر مما يستطيع تقديمه المنافسون المختصون. مثلاً، طبقت شركة ميديا جنرال (Media General) استراتيجية تقارب فعالة عن طريق مشاركة عمليات التحرير والمحتوى الإعلاني بين محطاتها الإقليمية للتلفزة وصحفها ومواقعها للإعلام التفاعلي على الإنترنت. هذا التكامل بين الوحدات أنشأ عروض قيمة فريدة للزبائن المشتركين من المعلنين أو المشتركين. وكانت هذه العروض أفضل ما يمكن لأيّ شركة فردية عرضه بمفردها.
كما يبرز تعاون الزبائن عندما تقوم شركات التجزئة كالفنادق المتسلسلة أو البنوك الاستهلاكية أو مطاعم الخدمة السريعة بتقديم عرض القيمة ذاته بصورة ثابتة عبر شبكات منافذها لبيع التجزئة المنتشرة جغرافياً. ونرى أمثلة جيدة على ذلك في سلسلة فنادق هيلتون ومطاعم ماكدونالدز.
منظور العمليات
يصف المنظور الثالث لسجلات الأداء المتوازنة تعاون الشركات الذي ينشأ عندما تقوم عدة وحدات تجارية بجني الادخارات عن طريق مشاركة العمليات المشتركة كالشراء والتصنيع والتوزيع والبحث. فمنذ أكثر من قرن مضى، أنشأت شركة ستاندرد أويل (Standard Oil) ميزة مهيمنة على جميع الوفورات الضخمة في محطاتها الضخمة للتكرير ونظام التوزيع. واليوم، تُنشئ كبرى البنوك كبنك سيتي غروب (Citigroup) وبنك أوف أميركا (Bank of America) وفورات ضخمة عن طريق دمج عمليات غرف المتاجرة الخلفية وأنظمة الكمبيوتر وتوحيدها في المؤسسات الاقتصادية التي تقتنيها. كما يمكن للشركات الاستيلاء على عمليات وفورات المجال عن طريق استغلال مجالات المنافسة الرئيسية في مجالات تكنولوجية محددة ضمن عدة وحدات تجارية، كالبصريات أو التصغير أو الشاشات. فلنأخذ على سبيل المثال شركة كانون (Canon) التي تقوم بإدخال إمكاناتها البصرية المعروفة عالمياً في منتجات كالكاميرات والمناظير الثنائية والناسخات وأجهزة التصوير الطبي وأشباه موصلات تجهيزات التصوير الضوئي.
منظور التعلم والنمو
يمكّن هذا المنظور الشركات من استغلال مجالاتهم لإنشاء قيمة على مستوى الشركة من النشاطات المتعلقة بتطوير رأس المال الإنساني، وذلك يشمل التوظيف والتدريب ونشاطات تطوير القيادة، والمتعلقة كذلك بإدارة المعارف، كالأنظمة المعتمدة على المعلوماتية لجمع المعارف وأفضل الممارسات في جميع وحدات المؤسسة المختلفة وتخزينها وتبليغها. وبالتركيز على فرص تطوير المهن المتوفرة في أبعد الوحدات الجغرافية ووحدات المنتجات. مثلاً، شركة جنرال إليكتريكس (General Electrics) أنشأت فريقاً رائعاً من أفضل المدراء على كل المستويات. وبما أن الأصول المعنوية تشكّل 80% من قيمة أيّة مؤسسة في اقتصاد المعارف المُعاصر، فإنّ الفوائد التي تجنيها الشركة من التعاون الفعال بين الوحدات، لتطوير رأس المال الإنساني مثلاً، يُعتبر عاملاً قوياً في التعاون على مستوى الشركات.
المحصلة: المحاور الاستراتيجية
يُعتبر تطبيق نظام استراتيجية الشركة مبني على سجلات الأداء المتوازنة، وليس ببساطة يمكن مطالبة مدراء جميع الوحدات التجارية ووحدات الدعم بإنشاء سجلات أداء محلية فردية وجمعها بعد ذلك بطريقة ما. وليس على سجلات الأداء للشركة أن تكون مكررة ببساطة في كل أقسام المؤسسة دون اعتبار الحقائق الفاعلة المختلفة في كل وحدة.
إذ تقوم الإدارة بالتوفيق بين استراتيجيات الشركة والوحدة التجارية، أولاً بشرح نظريتها بشأن التعاون، ومن ثم تشجيع الوحدات التجارية على تطوير استراتيجيات تساهم في أهداف الشركة. بينما تقوم في الوقت ذاته بالاهتمام بوضع التنافس المحلي لها. وهذا هو موضع فشل مجمل الأنظمة المستخدمة حالياً لقياس الأداء وتخصيص المسؤوليات في الشركة بأكملها. وتركّز غالبية هذه الأنظمة على المقاييس والأعمال التي تتم إدارتها محلياً، كنظام إعداد الموازنة مثلاً. ولكن هذا التركيز يشجع الوحدات التجارية والأعمال لتصبح هياكل تخزينية تعمل بصورة جيدة نسبة لمقاييسهم المحلية، ولكنها تفشل في المساهمة بالتعاون بين الأقسام والتعاون على مستوى الشركة. ويرجع ولو جزئياً فشل شركة "أي بي بي" (ABB) في إعادة الهيكلة، لاستمرارها باستخدام نظام إعداد الموازنة كآلية تنسيق أساسية في هيكليات المصفوفات المعقدة خاصتها.
وبالمقابل، نجد أنّ الشركة المتنوعة إنغرسول راند (Ingersoll-Rand) تستخدم خطة استراتيجية الشركة بالإضافة إلى سجلات الأداء المتوازنة لحضن ما يدعوه المدير التنفيذي هيرب هينكل (Herb Henkel) بالجنسية المزدوجة، التي يكون فيها الموظفون أعضاء في وحداتهم التجارية المنفردة، وفي ذات الوقت يحملون على عاتقهم مسؤولية المساهمة في أولويات الشركة. وذلك لأن خطة الاستراتيجية وسجل الأداء المتوازن لكل وحدة مرتبطان بسجلات أداء الشركة. وبهذه الطريقة يكون لدى المدراء في كل وحدة رؤية واضحة للمقاييس والأهداف التي تربط نشاطاتهم الخاصة بعرض قيمة الشركة.
هناك عدد من المؤسسات التي اعتمدت طريقة فعالة ومتميزة لإيصال أولويات الشركة إلى الوحدات التجارية والوحدات الداعمة. فهم يحددون ما بين 3 إلى 5 محاور استراتيجية جديدة للشركة لتوصيف عرض قيمة الشركة. ويتضمن كل محور سلسلة رأسية من علاقات "السبب والنتيجة" تربط الأهداف والمقاييس والمبادرات التي تمتد على المنظورات الأربع لسجلات الأداء. وتشرح مجموعة المحاور الاستراتيجية كيف يمكن للوحدات التجارية والوحدات الداعمة العمل معاً لإنشاء التعاون اللازم لتحقيق عرض قيمة الشركة. ويستخدم المدراء المحليون هذه المحاور لربط استراتيجياتهم المحلية ببعضها، وتحديد شكل التعاون المطلوب بين الوحدات لتحقيق عرض القيمة هذا.
وكي تتمكن من رؤية قوة محور الاستراتيجية، فكّر بشركة خدمات مالية كبيرة يكون عرض القيمة فيها بتقديم مجموعة كاملة من المنتجات والخدمات غير المكلفة إلى السوق الكبرى. إذ يمكن لهذه الشركة تقسيم ذاك العرض إلى ثلاثة محاور استراتيجية جديدة للشركة محددة: تخفيض كلفة خدمة الزبائن الحاليين، واكتساب زبائن مربحين جدد، وترسيخ العلاقات مع الزبائن عن طريق بيعهم منتجات وخدمات إضافية بطريقة (البيع المتقاطع).
إلى جانب ذلك، يبين الشرح المدرج تحت عنوان "تخطيط المحور الاستراتيجي" كيف يتمثل محور البيع المتقاطع بالأهداف والمقاييس والمبادرات المرتبطة ببعضها والممتدة على المنظورات الأربع. حيث أنه كل هدف ومقياس في المحور تدعمه مبادرة أو عدة مبادرات استراتيجية. وتحدد الحقيبة الكاملة للمبادرات استراتيجية المصادر والأعمال المطلوبة لتطبيق المحور الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال، يتضمن هدف التعلم والنمو في المحور تطوير مهارات جديدة لدى الموظفين (إدارة العلاقات والتخطيط المالي)، وتقديم أنظمة معلومات جديدة (قواعد بيانات العملاء وأنظمة التخطيط المالي) وتحقيق التوافق بين الأهداف الشخصية للموظفين والحوافز التي تحثهم على تحقيق هدف عملية استثمار وقت أكبر مع الزبائن المهمين. فالنظرية الكامنة في محور الاستراتيجية هذا، هي أنّ تحقيق هدف التعلم والنمو سيمكن الموظفين بيع المزيد من الحلول المالية المتكاملة للعملاء عن طريق البيع المتقاطع (على مستوى العملية)، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة حصة الشركة من عمليات الزبون المالية ورصيد استثماره من الدولارات (على مستوى الزبون)، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى عائدات وهوامش أكبر (على المستوى المالي).
كما يُعتبر وضع عدد من المحاور على الورق أمراً مختلفاً تماماً عن استخدامها كقاعدة لاستراتيجية الشركة. ولفعل ذلك تتبع الشركة عدة خطوات للتطبيق. أولاً، وعبر المحاور الاستراتيجية في خطتها الاستراتيجية على مستوى الشركة، يقوم كبار المدراء بشرح النظرية من ناحية فائدة الشركة، أي كيف تكون قيمة الكلّ أعلى من قيمة مجموع الأجزاء. ثانياً، يقومون بتعيين مدير تنفيذي يكون مسؤولاً عن كل محور استراتيجي. وبشكل عام يكون لدى هذا المدير كادراً آخر من الموظفين بما أنّ وظيفة "صاحب المحور" هي عمل بدوام جزئي. ودور صاحب المحور الاستراتيجي هو التنسيق والمراقبة، أي أنّ مسؤولية التنفيذ بأكملها تبقى على عاتق الوحدات التجارية. وأصحاب المحاور يقومون بالإشراف والموافقة على طرق تطبيق أهداف المحور ومقاييسه على خطط استراتيجيات الوحدات العاملة وسجلات أدائها. ويقوم أصحاب المحاور أيضاً بعقد اجتماعات دورية يحضرها أفراد من كل الوحدات التجارية المتأثرة بالمحور لمراجعة التقدم والمبادرات وإعادة النظر في خطط العمل المتعلقة بأهداف المحور. ويقومون بمراقبة تسجيل البيانات ويستخدمونها كحجج في نقاشاتهم مع مدراء الوحدات التجارية بشأن مدى دعمهم للمحور. وبهذه الطريقة تتم محاسبة جميع الوحدات على أدائها المحلي وكذلك على مساهمتها في الأولويات الاستراتيجية على مستوى الشركة.
وثالثاً، يحدد فريق التنفيذ المبادرات الاستراتيجية التي تدعم كل محور وتخوّل ما تحتاجه من الموارد (من الأموال والأشخاص) بتطبيق كل واحدة من المبادرات، التي تكون عادة ممتدة على الحدود المشتركة بين الوحدة والعمليات التجارية.
اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية
كما يقوم المدراء أصحاب المحاور مع فريق الإدارة الأعلى بمراجعات دورية لأداء المبادرات واختبار نظرية كلّ منها. وفي النهاية تبقى استراتيجيات الشركات والمحاور الاستراتيجية كلها مجرد فرضيّات بشأن إنشاء القيمة. وبترجمة فرضيّة المحور الاستراتيجي إلى مقاييس وأهداف مترابطة يستطيع المدراء اختبار الاستراتيجية وتحديد ما إذا كانت الوصلات السببية موجودة فعلاً. وإن لم تكن موجودة فعلاً فيمكن لمدراء الشركة، ويتوجب عليهم، مراجعة المحاور التي ينبغي لها إنشاء التعاون في الشركة.
ويُعطي نظام سجلات الأداء المتوازن لوضع الاستراتيجية وقياس الأداء المرتبطين بمحاور استراتيجية جديدة للشركة محددة المدراء في الإدارات الرئيسية للشركات طرقاُ لتبليغ الأولويات المشتركة وإعطاء الدوافع للناس من أجل مشاركتها في أكثر الأعمال التجارية تعقيداً. وفي الواقع، تصف المحاور مؤسسة افتراضية تقوم الوحدات اللامركزية فيها بمتابعة استراتيجياتها المحلية في الوقت الذي تشارك فيه بأولويات الشركة بشكل متزامن. فلنرى الآن بالتفصيل كيف تقوم اثنتان من المؤسسات التي استخدمت محاور استراتيجية جديدة للشركة بهذا الأسلوب المبتكر.
التغلب على هياكل التخزين في شركة دوبونت
في عام 2000، كان لدى قسم (EP) في مجموعة دوبونت إنجنيرنغ بوليمرز (DuPont Engineering Polymers) مبلغ 2,5 مليار دولار في المبيعات، و4,500 موظف ضمن 30 منشأة حول العالم. وكالعديد من المؤسسات متعددة الجنسيات والمنتجات، كانت شركة (EP) تواجه مشكلة في تطبيق استراتيجية مترابطة على جميع أعمالها الإنتاجية العالمية الثمانية وفي الأقاليم الثلاثة ووحدات الخدمة المشتركة الست. وخلال السنوات الخمس التي سبقت اعتماد شركة دوبونت لنظام سجلات الأداء، كانت الزيادة في أرباحها تبلغ معدلاً مركّباً سنوياً بمقدار 10%، ولكنها حققت أغلب هذه الزيادة عن طريق اقتطاع التكاليف وتحسين الإنتاجية، وبما أنّ نمو العائدات السنوية كانت متوقفة عند نسبة 2,5% فقط. وعندما رأى نائب رئيس مجموعة دوبونت والمدير العام لشركة (EP) كريغ نيلور (Craig Naylor) أنّ سجل الأداء المتوازن يمكنه التوفيق بين الموظفين والوحدات التجارية والخدمات المشتركة حول استراتيجية مشتركة تتضمن تحسين الانتاجية بالإضافة إلى زيادة العائدات. قام فريق الإدارة الأعلى في الشركة بالتعاون مع المستشار فرانسيس غويار (Francis Gouillart) ببناء خطة استراتيجية جديدة للشركة مبنية على سجلات أداء متوازنة للأقسام تضمنت خمسة محاور استراتيجية جديدة للشركة تصف كيف تقوم الوحدات بالتوفيق بين أعمالها لتحقيق الأهداف المالية بزيادة العائدات وتخفيض التكاليف.
وكانت هذه المحاور بالتحديد كما يلي:
- توزيع أدوات تحسين العمليات للوصول إلى تحسن ملحوظ في الإنتاج، كأداة (Six Sigma) على سبيل المثال.
- تخفيض دورة الربح عند الطلب وجعل المهلة الزمنية للزبائن أقصر عن طريق التميز اللوجستي.
- التركيز على إنتاج المنتجات والتطبيقات الحالية وبيعها بالهوامش العليا، وتقديم منتجات وتطبيقات جديدة.
- جلب حلول متكاملة للزبائن المستهدفين بتقديم باقة فريدة من المنتجات القويّة والتكاليف المنخفضة والامتياز بالتجهيزات.
- ابتكار طرق جديدة كلياً للوصول إلى الزبون المستهلك وخدمته.
إنّ تتالي المحاور يتوافق مع الأطر الزمنية المطلوبة للتطبيق الناجح. وهو تطوير عمليات ولوجستيات للتشغيل تستطيع تحقيق النتائج في المدى القريب (الذي يتراوح بين 9 إلى 15 شهراً). ويلزم عامين إلى ثلاثة أعوام لإنشاء حقائب جديدة للمنتجات التي يمكن أن تقدم المزيد من حلول الزبائن المتكاملة. أما تحقيق فوائد تطوير نموذج تجاري جديد بالكامل وتطبيقه للوصول إلى زبائن جدد فيحتاج إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة أعوام.
نظرت شركة (EP) من مجموعة دوبونت إلى المحاور الخمسة على أنها المكون الأساسي لاستراتيجيتها، والرمز الذي يمكن تضمينه في كل وحدة تجارية ووحدة دعم مشتركة. إذ طورت خططاً استراتيجية جديدة للشركة وعيّنت مديراً لكل محور (خطة كل محور استراتيجي مشروحة في العرض المدرج تحت عنوان "تخطيط استراتيجية الشركة في مجموعة دوبونت"). ثم أُدرجت المحاور الاستراتيجية عالية المستوى في المؤسسة بالتعاقب. وقامت كل وحدة منتجات وأقليم جغرافي بإنشاء سجل الأداء الخاص بها، والذي يقوم بالتركيز على أهدافها الخاصة ومبادراتها فيما يخص الاستراتيجية المحلية. وفي الوقت ذاته قامت بتوضيح كيف يمكنها تطبيق المحاور الخمسة محلياً. وهذه الطريقة جعلت فرص التعاون بين الوحدات التجارية تظهر بوضوح. كما أنّ جميع وحدات الدعم الست قامت بإنشاء سجلات الأداء الخاصة بها لتدعم استراتيجيات الوحدات التجارية أكثر.
إلا أنّ شركة (EP) واجهت صراعاً تقليدياً. فالوحدات المحلية وموظفيها أرادوا التركيز على إدارة أعمالهم بصورة فعالة يوماً بيوم. وكان من الصعب توجيه انتباههم إلى المبادرات المتعلقة بالمحاور الاستراتيجية الخمسة الجديدة للشركة وسط كل البرامج الأُخرى الجارية فعلاً. ولذلك، شجعت الشركة مدراءها المحليين على إيقاف أي مشروع لم يكن يسهم في أيّ من المحاور الخمسة.
وبإزالة التشويش من العمليات اليومية، حررت الشركة بعض المساحة لمبادرات محلية جديدة يمكنها دعم المحاور الاستراتيجية للأقسام وتضمينها في أعمال الموظفين الروتينية. وسرعان ما بدأ أثر هذا السلوك الجديد بالظهور بشكل واضح في تعاملات شركة (EP) مع أحد أكبر زبائنها، والذي هو مصنع للقوالب البلاستيكية. حيث أنّ المحور الرابع كان يتطلب من مدراء المنتجات في الشركة القيام بالتوفيق بصورة أفضل بينهم وبين زبائنهم ليتمكنوا من تحويل ما كانت سابقاً علاقة تداولات كان فيها السعر هو العنصر الرئيسي، إلى شراكة استراتيجية. وبذلك تمكن مدراء المنتج من عدة وحدات في شركة (EP) من المشاركة في ورشة عمل مع الزبون الكبير لإنشاء سجل أداء متوازن يصف الفوائد التي يمكن جنيها من توطيد العلاقة بين شركتين.
اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك
ومن خلال ورشة العمل، عبّر مصنع البلاستيك عن استيائه من عملية تصميم المنتج لديه، وبالأخص المدة الزمنية الطويلة التي احتاجها لإصلاح المشاكل التي وجدها في النماذج الأولية. فكانت نتيجة ورشة العمل هي اتخاذ قرار بوجوب استلام مجموعة دوبونت لعمليات تطوير قطع بلاستيكية جديدة ضمن بعض منشآت الزبون. فشعر المصنع أنّ شركة (EP) ستقوم بعمل أفضل لأن مجموعة دوبونت لديها فهم شامل أكثر للمواد البلاستيكية وتصنيعها. فكانت هذه المبادرة نجاحاً باهراً لمحور بناء حلول متكاملة للزبائن.
وتُعتبر الخلافات اللامنتهية نقطة ضعف كبيرة للمؤسسات الكبرى بين وحداتها التجارية وأقسامها الوظيفية والأقاليم الجغرافية حول تخصيص الموارد. فقد أبلغت شركة (EP) أنّ وضوح محاور الاستراتيجيات الخمسة التي طبقتها على جميع وحداتها وأقاليمها ووظائفها استطاعت إبراز أولويات الشركة بصورة فعّالة وجعلت فهم الأسباب التي دفعت إلى تخصيص الموارد بصورة معينة أسهل. ما أدى بدوره إلى نقاشات وحوارات منتجة أكثر بناء على فهم مشترك للمحركات الأساسية لمجمل الأداء التجاري. كما استخدم الأفراد هندسة سجلات الأداء ومقاييسها لنيل الدعم للأجندات والمشاريع. فكانت المؤسسة تعج بالحماس والنقاشات البناءة نتيجة لهذا الفهم المشترك للاستراتيجية.
تنسيق التنوع في مؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية (Royal Canadian Mounted Police)
تجد مؤسسات القطاع العام في المحاور الاستراتيجية القوة اللازمة لدفع وحداتها المتنوعة إلى التنسيق فيما بينها لتتمكن جميعها من تحقيق نتائج جماعية أفضل مما تحققه كل وحدة منها بصورة مستقلة. فهذه الطريقة بالتحديد ناسبت هذا القطاع الذي تتنوع مؤسساته تنوعاً شديداً ولكنها في الوقت ذاته مقيّدة سياسياً فيما يخص حريتها في اختبار تغييرات هيكلية.
فلننظر إلى مؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية، التي يبلغ عدد موظفيها حوالي 23,000 وتبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 3,3 مليار دولار كندي. نجد أنها تعمل على أربعة مستويات، وهي المستوى الدولي والوطني والإقليمي، بالإضافة إلى المستوى المحلي الذي يضم أكثر من 200 بلدية ومئات من المجتمعات الريفية التي تشمل بدورها حوالي 566 من مجتمعات السكان الأصليين.
في عام 2000، واجهت شرطة الخيالة الكندية الملكية عدة صعوبات. حيث فُرضت قيود على الميزانية وكانت مواردها لا تزال غير ملائمة لبيئة الشرطة في القرن الحادي والعشرين. فشعر المفوض الجديد لشرطة الخيالة الملكية غيليانو زاكارديلي (Giuliano Zaccardell)، الملقب "زاك"، بوجوب تحسين الإدارة، وكانت لديه رؤية تؤمن أن شرطة الخيالة يمكن أن تصبح مؤسسة عالية الكفاءة ذات استراتيجية شديدة التركيز. إلا أنه على الرغم من قيادته المركزية القوية ورؤيته واجه صعوبة في جعل جميع وحدات المؤسسة المتناثرة على مساحة واسعة من البلاد تتوافق مع أولويات الشركة وتساهم بها.
وأطلق فريق مشروع عالي المستوى في مؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية عملية لتحقيق الرسالة "بيوت آمنة، مجتمعات آمنة" إلى أمر وظيفي يستطيع فهمه جميع رجال الشرطة المندفعين جداً والذين يتبعون أساليب تكتيكية في جميع أنحاء كندا.
وكانت مجموعة من خمسة محاور استراتيجية جديدة للشركة شاملة على مستوى الشركة تتضمن صميم استراتيجية تحقيق رسالة المؤسسة وتشكل جزءاً من منظورات العملية، كما كانت تشمل ما هو أكثر من نشاطات الشرطة اليومية. والمحاور هي:
- الحدّ من الجريمة المنظمة وتهديداتها
- الحدّ من تهديد نشاطات الإرهاب في كندا وخارجها
- الحدّ ومنع اشتراك الشباب في الجريمة وتورطهم سواء كمجرمين أو ضحايا
- دعم العمليات الدولية بفعالية
- المساهمة في جعل مجتمعات السكان الأصليين آمنة وصحية أكثر
كانت المحاور الخمسة تحتاج تنسيقاً استراتيجياً على مستوى الأمة. ولذلك طورت مؤسسة شرطة الخيالة خطة استراتيجية جديدة للشركة منفصلة لكل محور، لها مبادراتها وأهدافها ومقاييسها الخاصة. وعُيّن أصحاب المحاور الخمسة من كبار المدراء في المؤسسة، إذ قام كلّ منهم بتنظيم اجتماعات دورية للمدراء المحليين والوطنيين لمراجعة التقدم مقابل أهداف المحور. و بدأت العمليات المتتالية للوحدات المحلية بمجرد اكتمال كلّ من الخطط الاستراتيجية وسجلات الأداء على مستوى المؤسسة والمحاور الاستراتيجية الخمسة نفسها. وقامت كلّ وحدة قسم باختيار ما لا يزيد عن 10 أهداف لاستراتيجيتها الخاصة التي قامت بتعديل المحاور العليا بما يوافق حقائق عملياتها. بالإضافة إلى أنّ خطط الاستراتيجية المحلية أدرجت مسؤوليات الشرطة الاعتيادية للقسم.
وبما أنّ ملكية المحاور ومسؤوليتها والمحاسبة عليها لا تعود بشكل كامل لأيّ وحدة منفردة في المؤسسة، استطاعت العملية من دعم التعاون والتكامل بين الوحدات المحلية والإقليمية والوطنية، التي كانت سابقا وحدات مستقلة، ما مكّنهم من تبادل الخبرات المكتسبة عن أفضل الممارسات. على سبيل المثال، في إحدى الحالات كانت مجموعة وظيفية مركزية ، وهي إدارة استخبارات الجرائم، تساهم في المحور بأسلوب لم يسبق لها اتباعه للحدّ من تجارة المخدرات في عدة مجتمعات للسكان الأصليين. وفي البداية، كان المحور الاستراتيجي "جعل مجتمعات السكان الأصليين آمنة وصحية أكثر" يركّز على توطيد العلاقات معهم من أجل تلبية احتياجاتهم الخاصة. ولكن عندما تم إدراج إدارة استخبارات الجرائم في الاستراتيجية، أضافت الإدارة الحاجة إلى التركيز على تحديد التهديدات الإجرامية التي كانت تترصد بالمجتمع. وبناء على ذلك أجرت المؤسسة في عام 2005 تحقيقات كبرى أدت إلى تعطيل توصيل المخدرات إلى عدد من المجتمعات الشمالية المنعزلة للسكان الأصليين. إذ لم تكن المجموعة المركزية لتركّز جهودها نحو ما كان سيُعتبر "مشاكل تجارة المخدرات في الشوارع على المستوى الأدنى" قبل وضع "جعل مجتمعات السكان الأصليين آمنة وصحية أكثر" كمحور استراتيجي.
لا تشارك كل الوحدات في كل المحاور بالتساوي. ففي المقاطعات الشمالية الغربية مثلاً، نجد أنّ تهديد النشاط الإرهابي ضعيف، فتكون الخطة الاستراتيجية غير مشتملة على أهداف دعم هذا المحور الاستراتيجي. ولكن يمكن للوحدة أن تمارس دوراً حيوياً بتخفيض تورط الشباب في الجريمة وبناء مجتمعات صحية أكثر للسكان الأصليين. بينما في المقابل نجد أنّ الوحدة الواقعة في مدينة تورنتو لا تكون قادرة على المشاركة بصورة كبيرة في مجتمعات السكان الأصليين ولكنها ستكون عنصراً أساسياً في الحد من تهديدات الجريمة المنظمة والنشاط الإرهابي. وبهذه الطريقة تمارس كل الوحدات أدوارها في تحقيق الأولويات الاستراتيجية لمؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية، بالإضافة إلى نشاطات الشرطة المحلية اليومية التي تقوم بها ليلاً ونهاراً.
وبذلك تكون نتائج المبادرات المعرّفة في خطط الاستراتيجية مدهشة بمجملها كما هو موضح تحت عنوان "قياس الرضى عن الخيالة" (Measuring Satisfaction with the Mounties)
وفي غضون ما سبق، رأينا أنّ كلا المؤسستين، مجموعة دوبونت ومؤسسة شرطة الخيالة الكندية الملكية، استطاعتا استخدام سجلات أداء الشركات وخطط استراتيجية جديدة للشركة المبنية حول محاور استراتيجية في تحقيق القيمة الهائلة التي تمثلها محفظة الأصول والأشخاص والمهارات فيها. وكنتيجة لذلك لم يكن عليهم تجرّع مرارة سلسلة مؤلمة من التغييرات التي لا تقوم سوى باستبدال هيكل متيبّس بآخر. فقد أدركوا أنّ طرقاً أكثر مرونة وأقلّ اضطراباً هي التي ستؤدي إلى إنشاء نظام إدارة يكون صلة الوصل بين الاستراتيجية والهيكلية. وبالطبع ليس تشجيع الوحدات التجارية على ما تحمله المحاور الاستراتيجية هو السبيل الوحيدة للقيام بذلك، وهو أيضاً ليس أنسب الطرق لبعض المؤسسات. بل لا شكّ أنّ الروابط الرأسية للمحاور الاستراتيجية عبر أهداف سجلات الأداء المتوازنة ومقاييسها ومبادراتها تخلق نظاماً قوياً بصورة استثنائية للكشف عن الفرص لإنشاء القيمة وتبليغ أولويات المؤسسة إلى الوحدات المحلية ولتسهيل مراجعات فعالية كلّ من تخصيص الموارد والاستراتيجية والإدارة. وبما أنّ الشركات تبحث عن طرق لتطبيق استراتيجيات على مستوى الشركة، أصبح لديهم الآن أداة جديدة عليهم أخذها بعين الاعتبار.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة