أسفر اعتمادنا المتزايد على استراتيجية تقنيات الصوت وتقنيات المساعدات الافتراضية، مثل "أليكسا" (Alexa) و"سيري" (Siri) و"جوجل أسيستانت" (Google Assistant)، عن تغيير طريقة تواصلنا مع الشركات بصورة متزايدة. ويتوقع المستهلكون اليوم أن يكونوا قادرين على إجراء محادثات طبيعية وذكية مع التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في كل مكان، سواء أجروا هذه المحادثات على الهاتف أو في السيارة أو حتى في المتاجر ومنافذ الشراء من السيارة في المستقبل القريب.
اقرأ أيضاً: يمكن إنشاء منصات الإعلام الاجتماعي بناء على الجودة لا الحجم
وسيمثل الذكاء الاصطناعي الوجه الجديد لعلامتك التجارية قريباً، وسيصبح أحد الأصول الاستراتيجية الهامة نظراً لتزايد اعتمادنا عليه في أتمتة مزيد من الأقسام في شركاتنا. وتكمن المشكلة في اعتماد معظم الشركات على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفرها المنصات التقنية العملاقة أمثال "جوجل" و"أمازون" و"مايكروسوفت". وما شهدناه على مدار السنوات القليلة الماضية هو ديكتاتورية الذكاء الاصطناعي المتمثلة في تحكم أكبر المنصات التكنولوجية في العالم في الوصول إلى بيانات شركتك ومصدر رزقك الأساسي من علامتك التجارية. إذ تتيح الشركات التي تعتمد على هذه التقنيات الفرصة لتلك القائمة الصغيرة من المنصات الكبيرة في أن تصبح أكثر ذكاءً من خلال تغذية تقنياتها التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بجميع البيانات الصوتية التي تُجمع من تفاعلات عملائها. حيث تُدمج بيانات العملاء مع بيانات إحدى هذه المنصات بهدف تعزيز ما أصبح يشكل أحد أهم الميزات التنافسية لصالح هذه المنصة.
استراتيجية تقنيات الصوت
لسوء الحظ، أثبتت المنصات الكبيرة عدم إخلاصها فيما يتعلق بالشراكة التجارية. إذ على الرغم من اعتبار شركة أمازون قناة مبيعات قيّمة لمعظم العلامات التجارية الاستهلاكية، فإنها تعد أيضاً إحدى أكبر العلامات التجارية الخاصة في العالم. في الواقع، اعتباراً من شهر يناير/ كانون الثاني أصبح لدى أمازون 135 علامة تجارية خاصة بها تمتد من الملابس إلى مواد التنظيف والأثاث والبطاريات. حيث تبيع أمازون الآن بطاريات أكثر من شركة "دوراسيل" (Duracell) بأسعار تقل عنها بنحو 30%. وما يزيد الأمور سوءاً، بالنسبة إلى شركة دوراسيل، هو أنه عندما يطلب أحد المستهلكين من أليكسا "شراء بطاريات" جديدة، لا يحصل سوى على خيار واحد فقط، ألا وهو بطاريات "أمازون بيسكس" (AmazonBasics). وفي حين تقوم العلامات التجارية مثل شركة دوراسيل بالمواجهة المباشرة مع شركة أمازون، فإنها تنفق أيضاً الملايين من الدولارات سنوياً للإعلان عن منتجاتها في موقع أمازون. ومع مزيد من التوسع في موقع أمازون ليشمل سلع البقالة والأدوية وحتى الخدمات المصرفية، سيشهد مزيد من هذه الصناعات النوع نفسه من الضغط والاضطراب. ولا يختلف هذا النهج عن استراتيجية "الاحتضان والتوسع والإخماد" التي اتُهمت بها مايكروسوفت في جلسة محاكمة مكافحة الاحتيال التي خضعت لها ضد الولايات المتحدة في تسعينيات القرن العشرين.
كما اتسمت المنصات الرقمية أيضاً بوصفها وصية غير جديرة بالحفاظ على ثقة المستهلك. إذ علمتنا عثرات شركتَي "فيسبوك" وأمازون العام الماضي أن المستهلكين يأتمنون هذه المنصات بمعلومات خاصة جداً. وتطور هذا المستوى من الثقة إلى درجة انعدام الشعور بالخصوصية لدى معظم الأفراد أو عدم وعيهم بكيفية التعامل مع معلوماتهم ومشاركتها. ويدفع هذان العاملان عديداً من الشركات إلى مواصلة إلقاء نظرة متعمقة على استراتيجيات الصوت الخاصة بها.
اقرأ أيضاً: التحول من المنتجات إلى المنصات في الشركة
وبدأت معظم الشركات رحلاتها الصوتية في عالم الذكاء الاصطناعي من خلال الانخراط في عالم "المهارات". لكن تبين بعد مضيّ عدة سنوات أن هذه المهارات أو "الميزات"، كما تطلق عليها جوجل، فاشلة. وعلى الرغم من استثمار الشركات كثيراً من الوقت والمال في محاولة إثبات توظيفها لهذه المنصات المساعدة، فقد قوبلت معظمها باستعمال وتقييم محدودين. نتيجة لذلك، بدأ عديد من الشركات البارزة في التخلي عن هذه المنصات أو تخفيض مقدار استثماراتها فيها، مثل "وول مارت" (Walmart). ومع استمرار صعوبة تبني المهارات من الشركات، تبيع المنصات الرقمية الآن واجهات برمجة التطبيقات الصوتية الخاصة بها بأسعار أقل. وفي الوقت نفسه، تواصل هذه المنصات البحث عن طرق للسيطرة على التجارب الصوتية لأكبر الشركات البارزة في وقتنا الحالي. ما سبب ذلك؟
أضحى التفاعل الصوتي إحدى الطرق الرئيسة التي يتفاعل بها المستهلكون مع التكنولوجيا. ويمثل هذا التفاعل فرصة مهمة للمنصات الرقمية الكبرى، إذ تتنافس هذه المنصات جميعها في سبيل امتلاك نقطة الاتصال الأولى. ومن ثَم، بدلاً من تركيز هذه المنصات الرقمية الذكية على تمكين الواجهات الصوتية، فإنها تركز على تمكين التفاعل الصوتي على تقنياتها. وقد أدرك كل من مؤسستَي "بنك أوف أميركا" و"سبوتيفاي" (Spotify) وغيرهما هذا النهج، وهما مستمرتان في الاستثمار في تقنيات التفاعل الصوتي ضمن تطبيقاتهما الخاصة. وفي حين يعتبر هذا النهج نهجاً صحيحاً، يتبنى عديد من الشركات التي تستثمر في ابتكار مساعداتها الشخصية، المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، نهجاً خاطئاً.
وقد كشفت أمازون في أواخر العام الماضي عن امتلاكها أكثر من 10 آلاف شخص يعملون على تقنية أليكسا والأجهزة التي تدعم هذه التقنية. وتركز معظم هذه الموارد على جعل أليكسا مساعداً شخصياً أفضل، وليس على تطوير وتحديث واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بها. وتكمن المشكلة في اعتماد مؤسسات مثل بنك أوف أميركا وسبوتيفاي على واجهات برمجة التطبيقات هذه. حيث كرّسا خبراتهما وأطر عملهما في سبيل تطوير فهم أفضل للغة الطبيعية داخل المؤسسة باستخدام تقنيات المصادر المفتوحة أو الخارجية، واستخدام واجهات برمجة تطبيقات أليكسا هذه لعرض واجهة صوت أمامها. وفي معظم الحالات، استثمرت هذه الشركات من سنتين إلى 3 سنوات من الجهد، فضلاً عن إنفاق ملايين الدولارات. وما زالت هذه الشركات تعتمد على المنصات الرقمية التي تُعد أكبر منافسيها أيضاً، إذ تمنح منافسيها بالفعل تفاعلات عملائها. ولكن هذه الاستراتيجية ليست مستدامة، وستضطر هذه الشركات إلى إعادة النظر في هذا النهج يوماً ما.
اقرأ أيضاً: دراسة لأكثر من 250 منصة تكشف لماذا فشل معظمها
إن تقنية الذكاء الاصطناعي الصوتية معقدة بشكل لا يصدق، فكّر في وضع شخص ما على سطح القمر، مقارنة بتشفير تطبيق هاتف ما. لسوء الحظ، لا يزال عدد الخبراء الذين يمتلكون خبرة حقيقية في هذا المجال محدوداً لا يتجاوز الآلاف في جميع أنحاء العالم. وفي ظل هذا السياق، لن تسود إلا الشركات التي تستثمر في مستقبل التفاعل الصوتي وتحيط نفسها بالمواهب المناسبة والتقنيات اللازمة والشركاء الأكفاء. وفي العالم الذي يرتكز على قطاع الذكاء الاصطناعي النامي، تتمتع جميع الشركات بحق امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم فيها والاحتفاظ بملكية علاقاتها مع عملائها. ولا يجب عليها الاستسلام أمام المنصات الرقمية التي تتحدى وجودها لمجرد أن كان لهذه المنصات سبق ابتكار هذه التقنيات. لقد حان الوقت لوضع الأمور في نصابها الصحيح لأننا على حافة التحول في تفاعلات العملاء، وسيكون الذكاء الاصطناعي في صميم هذه التفاعلات.
اقرأ أيضاً: العناصر الثلاثة لاستراتيجية المنصات الناجحة