لماذا قد تكون الهيمنة على السوق استراتيجية خاطئة؟

4 دقائق
استراتيجية الهيمنة على السوق

من بين العديد من المساهمات التي قدمها جاك ويلش لعالم الأعمال كانت قوله "كن إما صاحب المركز الأول أو الثاني في كل أسواقك". وكانت هذه النصيحة عن استراتيجية الهيمنة على السوق المنارة التي استنارت بها شركة "جنرال إلكتريك" خلال تشكيلها محفظة أعمالها واستراتيجيتها طوال سنوات. ولكن لا يبدو أن هذه النصيحة قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر، بل باتت حتى تشكل استراتيجية خطِرة في بيئة الأعمال اليوم.

اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية

لنأخذ سوق حبوب الإفطار، على سبيل المثال، نرى فيه كيف انتقلت شركة "جنرال ميلز" من المركز الثاني إلى المركز الأول من حيث حصتها في السوق في السنوات القليلة الماضية. لكن سوق حبوب الإفطار الإجمالي انخفض أربعة مليارات دولار بين عامي 2000 و2015. بالتالي، لم يكن لتحقيق تلك المرتبة أهمية. في الواقع، انخفض إجمالي مبيعات "جنرال ميلز" في 15 من أصل 16 ربعاً مالياً.

مشكلة استراتيجية الهيمنة على السوق

تسلط قصة "جنرال ميلز" الضوء على ثلاثة أمور هي أصل المشكلة في عبارة "كن إما صاحب المركز الأول أو الثاني في كل أسواقك".

يتمثل الأمر الأول في أن تلك المقولة تشجع المدراء على تركيز معظم اهتمامهم على زيادة حصتهم السوقية بدلاً من التركيز على السوق نفسه. وبمعنى آخر، تفترض تلك العبارة أم السوق الخاص بمنتجك سيظل موجوداً وسينمو وتنمو أنت معه. ولكن ماذا يحدث إذا انكمش هذا السوق، أو إن تداعى مثلاً؟ لن يهم بالتأكيد تحقيق المرتبة الأولى في سوق متراجع.

هل سيختفي سوق حبوب الإفطار؟ ربما لا، ولكن من المرجح استمرار انخفاض استهلاك الولايات المتحدة لحبوب الإفطار خلال السنوات العشر القادمة. وهناك شركات قليلة ترى أن أيامها في أفول وتعمل على إعداد استراتيجية مختلفة جذرياً لمواكبة تراجع السوق أو حتى الخروج منه تماماً. ولا تتغير اتجاهات نمو السوق بين ليلة وضحاها، بل قد يستغرق الأمر سنوات طويلة جداً للحدوث. وتنمو الأسواق عندما تُنقل من مرحلة الانطلاق (أي إن بعض الأشخاص يستهلكون بعض الوقت من المنتجات) لمرحلة الانتشار (أي مثلاً استهلاك أغلب لتلك المنتجات طوال الوقت). وبالمثل، يبدأ السوق مرحلة الأفول عندما تحدث حالة الإشباع ويتم الانتقال إلى أسواق أفضل وأكثر ابتكاراً. ويمكننا أن نرى على سبيل المثال، كيف أدى نمو وتطور سوق خدمات توصيل الأطعمة الجاهزة إلى أفول سوق الطهي المنزلي ليصبح في النهاية أمراً يتم القيام به كهواية حاله حال الخياطة المنزلية.

الأمر الثاني، هو أن تعريف "السوق" غالباً ما يكون غير دقيق، ما يجعل الشركات تتجاهل المنافسين غير المتوقعين، وذلك نظراً لأن معظم الشركات تفكر في سوقها من منظور التصنيع. لنعد إلى مثالنا حول حبوب الإفطار.

إن تعريف السوق هنا هو أكثر دقة إذا نظرنا إليه من وجهة نظر المستهلك. فسوق حبوب الإفطار بحسب رأيه هي "حبوب جاهزة للأكل، ويتم تناولها على الإفطار وهي أيضاً وجبة خفيفة خلال النهار، ويتناولها المستهلكون المحبون للسكر والكربوهيدرات، وتُباع في المراكز التجارية الضخمة على يد علامات تجارية كبرى". لن يصف جهات تقديم البيانات مثل "نيلسن" و"يورومونيتو" الأمر بتلك الطريقة، إلا أنها الأقرب إلى الحقيقة وتعطيك القدرة أكثر على معرفة أين منافسيك.

اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك

هنا، لا تتنافس "جنرال ميلز" مع حبوب "كيلوغز" فقط، بل تتنافس أيضاً مع أسواق وجبات الإفطار والوجبات الخفيفة الأخرى، حيث يتعين عليها أن تتعامل مع قاعدة مستهلكين متقلصة في مواجهة اتجاهات مكافحة السكر والكربوهيدرات، والنظر إلى العلامات التجارية الأصغر التي يتم بيعها في متاجر صغيرة الحجم وعبر الإنترنت. وهكذا، إذا نظرنا إلى الأمر بهذه الطريقة، فسنجد مجموعة احتمالات لا متناهية تبرز فجأة من كل حدب وصوب. إن قضية الكربوهيدرات قضية خاسرة من ناحية الصحة أمام البروتين، وهناك كثيرون ممن باتوا يتخلون عن تناول وجبات الفطور لصالح تناول الوجبات الخفيفة خلال النهار. أما العلامات التجارية الكبرى فبدأت تخسر مكانتها لصالح تلك الأصغر، في حين بدأ الناس بتجنب التسوق التقليدي لصالح خدمات توصيل الطعام والتجارة الإلكترونية.

أما الأمر الثالث، فهو أن عدداً قليلاً من الشركات لديها بالفعل استراتيجية للسوق. صحيح أن لديها سياسات خاصة بالتسعير والمنتج والعلامة التجارية ومحفظة أعمال واستراتيجيات، ولكن عدداً قليلاً جداً يفكر في تنمية هذا السوق بطريقة شمولية من ابتكار منتجات ثورية إلى العمل على إنشاء نموذج أعمال مبتكر.

الحل البديل لفكرة استراتيجية الهيمنة على السوق

يجب أن تكون الخطوة الأولى في الاستراتيجية هي تقييم ما إذا كان السوق في حال تقدم أم تراجع، ثم اختيار مجموعة الأدوات الاستراتيجية الخاصة بك بناء على ذلك. تكون معظم الاستراتيجيات التقليدية على غرار "تحصين المنتج أمام المنافسين" و"تخفيض الأسعار"، و"اكتساح السوق" و"تنفيذ حملة إعلامية هائلة" و"الزبون دائماً على حق" أموراً منطقية عندما يشهد السوق تقلبات صعود وهبوط يمكنك الاستفادة منها.

اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة

ولكن إذا كان السوق الخاص بك يتداعى أو على وشك الأفول، فسيبدو كل ما سبق سخيفاً في أحسن الأحوال، ويتسبب في خسائر هائلة في أسوأ الأحوال. وكما قال بيتر دراكر: "أسوأ شيء يمكن فعله هو تنفيذ خطوات لا يجدر اتخاذها على الإطلاق". وفي سوق وصل مرحلة الأفول، ينبغي معاملة جميع العملاء بالتعاطف والاحترام، ولكن لا ينبغي الاستماع إلى غالبيتهم. فإذا كان أكبر عملائك يشكلون 10% من المستهلكين ويحققون لك بين 30 إلى 70% من مبيعاتك في السوق، ويقدمون لك 99% من الأفكار والرؤى الخاصة بالسوق، فبالتالي عليك أن تستمتع إليهم وتتجاهل البقية الذين يشكلون 90% من السوق.

من السهل نسيان أنه منذ ما يزيد قليلاً على 6 أعوام، وتحديداً في العام 2011، انخفضت القيمة السوقية لشركة "نتفليكس" من 15 مليار دولار إلى أقل من 4 مليارات دولار بسبب شركة كويكستر (Qwikster) وحرب الأسعار. لكن قررت "نتفليكس"عدم الاستثمار أكثر في سوقها الذي تحتل فيه المرتبة الأولى بالفعل (وهو تأجير أقراص دي في دي للعملاء)، والانتقال بدلاً من ذلك إلى استراتيجية إنتاج برامج ومسلسلات أصلية أكثر تكلفة بكثير. صحيح أنهم أغضبوا كثيرين عندما رفعوا أسعارهم، إلا أنه يجب علينا ألا ننكر أن الشركة آخذة في النمو من جديد، حيث انتقلت من سوق متعثر إلى آخر آخذ في النمو. واليوم تبلغ قيمة رأس مال الشركة في السوق أكثر من 90 مليار دولار.

لدى شركات مثل "جنرال ميلز" ثلاثة خيارات، حيث يمكنها إما الخروج من سوق حبوب الإفطار ودخول سوق أفضل عبر الاندماج أو الاستحواذ، أو يمكنها إعادة ابتكار السوق من خلال تقديم أفكار جديدة، أو إجراء تحويل جذري لنموذج عملها. لا يزال من الممكن الفوز في سوق متداع، ولكن عليك هنا التخلي عن نموذج أعمالك المعتمد على التسويق للجموع والتحول لنموذج آخر معتمد على التسوق للنخبة ونموذج مخصص لتلك الفئة يكون على أعلى مستوى.

هل من المحتمل أن تقوم شركة "جنرال ميلز" بإطلاق سوق فرعي جديد من سوق حبوب الإفطار أم ستخرج منه؟ هل يمكنها إعادة اختراع وإنشاء سوق جديد بالكامل؟ هل يمكنها الانتقال من التسويق للجموع إلى التسوق للنخبة أو إلى استراتيجيات أخرى؟ لا نعرف هذا حالياً، وأيضاً من الصعب جداً على الشركات الكبيرة أن تتغير. وهذه الأسئلة وغيرها هي ما تواجهه الشركة ومجلس إدارتها حالياً.

لكن لدى جميع الاستراتيجيات الثلاث احتمالات نجاح أعلى مقارنة بمحاولة القيام بنفس نموذج التسويق للجموع في سوق متداع. لقد ترعرع أحد المؤلفين في هاواي وأمضى الكثير من الوقت يسبح في المحيط، وتعلم أنه إذا حاول السباحة ضد التيار، فسيتغلب المحيط عليه دائماً مهما كان سباحاً جيداً.

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي