ملخص: لاستخدام التفكير التصميمي في صنع منتجات وخدمات أفضل توجد طريقتان معروفتان: توظيف مصممين من المستخدمين الذين يمثلون قاعدة العملاء، والاعتماد على البحوث الإثنوغرافية للتعرف من كثب على رغبات المستخدمين وتفضيلاتهم. لكن الأبحاث الحديثة على مكاتب وشركات تصميم تؤكد وجود طرق أخرى: تقمص دور المستخدم مؤقتاً؛ ودراسة ثقافة العميل والإحاطة بها؛ واستخدام الأدوات المعرفية بالتوازي مع النماذج الأولية بغية تعزيز العملية الإبداعية.
عندما كان مراهقاً، أحب مايك فوتنهاور الرحلات الخلوية سيراً على الأقدام، لكنه كان يضيق بحمل حقائب الظهر بتصميمها الذي كان متاحاً في السوق آنذاك. وفي سن السادسة عشرة، صمم حقيبته الخاصة، بتجميع كل أجزائها بنفسه. واستمر في تصميم معدات وتجهيزات مخصصة للعملاء هواة النزهات الخلوية، بعد أن ذاع صيته واستحسن الناس مبتكراته، حتى أسس شركة أوسبري (Osprey)، لتصميم جميع أنواع الحقائب والحاويات بميزات خاصة سهلة الاستخدام؛ مثل حقائب الظهر الصحية لراحة عضلات الظهر والعمود الفقري، وحقائب أخرى ذات غطاء علوي يتحول بدوره إلى حقيبة واسعة عند الحاجة، وموصّل مغناطيسي يثبت أنبوب الشرب من مستودع مياه مدمج بالحقيبة.
يُضرب بقصة النجاح هذه المثل عند الحديث عن أحد أنواع التصميم التقمصي؛ وهو نهج تصميم يركز على المستخدم ويولي الانتباه إلى مشاعره تجاه المنتج، انطلاقاً من معرفة عميقة باستخدامات المنتج والقدرة على تكهن إمكانات جديدة فيه. هناك طريقة أخرى موثقة جيداً لتحقيق النتيجة نفسها، ألا وهي البحوث الإثنوغرافية؛ أي استقصاء سلوك المستخدمين المحتملين أو الفعليين ودراسته. استخدمت هذه الطريقة شركات التصميم، مثل آيديو (IDEO)، وكان لها تأثير قوي على بلورة مشاريع متنوعة، منها تصميم الدراجات الانسيابية وإعادة تصميم تجارب المرضى في مستشفى كايزر برماننت.
لكنني وجدت، بعد دراسة أجريتها مؤخراً على عدد من مكاتب وشركات التصميم، أن هناك 3 طرق إضافية، قلّ من يستخدمها، لتحقيق التصميم التقمصي.
من بينها تقمص دور المستخدم مؤقتاً. فمثلاً، أرادت مصممة أن تحيط علماً بتجارب المرضى وعائلاتهم في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات، فادعت الإصابة. فكانت إحدى نتائج تقمصها دور المصابة اكتشافها الحاجة إلى إعادة تصميم الطريقة التي يجري بها طاقم التمريض فرز المرضى والمصابين؛ أي تحديد الحالات التي تستدعي رعاية فورية وتلك التي يمكنها الانتظار لبعض الوقت. وتستعين مستشفيات تعليمية عدة بمن يتقمصون دور المرضى بطريقة مماثلة. يستهدف المستشفى من ذلك بالأساس تعليم أطباء الغد وتأهيلهم، أكثر من استهدافه تغيير إجراءاته وتطويرها، لكن محاكاة مثل هذه تقدم رؤى ثاقبة تترجم إلى تحسينات مقترحة، مثل صياغة أسئلة إضافية لإدراجها في روتين استفسار الطبيب التشخيصي للمريض.
ومن أساليب التصميم التقمصي الأخرى الانغماس في ثقافة العميل ودراستها بعمق، حتى تنظر إلى التحدي من منظور أصحاب تلك الثقافة، ومن ثم تستشعر تفضيلاتهم ورغباتهم التي لم يحسنوا التعبير عنها. على سبيل المثال، عندما طلبت شركة الهندسة المعمارية والتصميم آتش جي أيه (HGA) المساعدة من معمارية بارزة في إعداد عرض لمشروع أحد أماكن العبادة، بادرت المعمارية بدراسة ثقافة تلك الديانة؛ فهي تعتنق ديناً مختلفاً، عبر قراءة العديد من الكتب، التي تنوع محتواها بين التعريفي المبسط والفكري العميق المتخصص. وبحلول موعد الاجتماع مع العملاء، كانت على درجة من العلم والدراية بذلك الدين دفعتهم إلى أن يقترحوا عليها، ممازحين، أن تلقي دروساً دينية في دار العبادة المزمع إنشاؤها. ولأنها تعلمت من قراءاتها أن ذلك الدين يولي كلاً من البيئة وسلامة الأرض اهتماماً كبيراً، اقترحت المعمارية إضافةً لم يفكر فيها العملاء، وبقية المتقدمين بعروض منافسة، من قبل؛ ألا وهي تصميم حديقة صغيرة وبستنتها ملحقة بدار العبادة، لاستخدامها في إقامة شعائر ومناسبات دينية. فاقتنصت شركتها تنفيذ المشروع.
يتمثل أسلوب أخير للتصميم التعاطفي في الاستعانة بأداة معرفية، تواكب تنفيذ النموذج الأولي للمنتج أو تعززه. فمثلما تستخدم الرسومات والنماذج مخيلة المستخدمين وتكشف عن رغباتهم الدفينة، يمكن للمجاز الموحي أو القياس الذي يستحضر ذكريات أن يحقق الغرض نفسه. أضرب هنا المثل بشركة الهندسة المعمارية والتصميم إس إم أم أيه (SMMA)، التي كُلفت بتصميم "مساحة صانع" لتيسير التعاون بين المبتكرين وتدفق الأفكار بحرية بينهم، وإتاحة مناطق عمل مرنة التجهيزات، تتلاءم مع طبيعة وسط ريفي نائي. فاقترح مدير التصميم نموذجاً مفاهيمياً أولياً مستوحى من معامل معالجة التبغ في تلك المنطقة. ترتبط تصاميم معمارية مثل هذه بوسطها المحيط وتشيد لعملية مقصودة، تشمل توجيه تدفقات الهواء المختلفة والتكيف معها، مع بناء جدران شبه مسامية ومساحات داخلية تمكن إعادة تهيئتها. وجهت الشركة الدعوة للجميع إلى اجتماع عصف ذهني، لتبادل الأفكار حول الميزات التي قد تحاكي هذا النموذج الأولي أو تختلف عنه، فخرجت من الاجتماع بتصميم أفضل ابتكاراً، وأقرب عاطفةً إلى المنطقة المستهدفة، وأسهل استخداماً.
أما القاسم المشترك بين هذه الأساليب الخمسة للتفكير التصميمي فهو:
- التركيز على الوصول إلى الاحتياجات والرغبات غير المعلنة في سبيل إنجاز المهمة بإبداع.
- النظر إلى عالم العميل بعينيه. بطبيعة الحال، هناك في كثير من الأحيان مجموعات مستخدمين متنوعة، تختلف أولوياتها وتجب مناقشتها بغية التوصل إلى حلول مُرضية.
- الارتباط العاطفي بين التصميم ومستخدميه. يشتمل التقمص والتعاطف على العنصر العاطفي؛ وهو ذلك الارتباط الذي يتجاوز مجرد الرضا عن الجوانب التشغيلية.
وتعد الأمثلة التي ذكرتها، حقيبة الظهر، والدراجة الانسيابية، وغرفة الطوارئ في المستشفى، ودار العبادة، ومساحة الصانع، من نماذج التصميم التقمصي. لكن مصممي تلك النماذج لجؤوا إلى استراتيجيات مختلفة لتفهّم عقلية العملاء ومستخدمي منتجاتهم في نهاية المطاف.