متى تجعل اتخاذ القرار غير مركزي، ومتى تجعله مركزياً؟

4 دقائق
المركزية مقابل لا مركزية اتخاذ القرار

من النادر أن تجد تنفيذياً يشكك في أهمية الجاهزية، بمعنى: أن تكون متيقظاً لفرص الأعمال والتهديدات، وقادراً على اقتناص الفرص أو إبعاد التهديدات بسرعة وكفاءة. ومن هنا، عندما يتم/يعاد تصميم هيكلية الشركة، يميل التنفيذيون إلى جعل اتخاذ القرار لا مركزياً، بحيث تكون صلاحية اتخاذ القرار قريبة قدر الإمكان من الأشخاص الذين يتعاملون مع العملاء والمنافسين وموظفي الصف الأول، وغيرهم من أصحاب المصالح بالشركة. وهم يعملون بفعلهم هذا على تجنب التأخيرات المرتبطة بتدفق المعلومات صعوداً وهبوطاً في هرمية الشركة وبلجؤون إلى مركزية اتخاذ القرار.

في عالم السياسة، يُعرف هذا باسم مبدأ "تفريع السلطة" أو "المبدأ القائل بأن السلطة المركزية يجب أن تؤدي فقط تلك المهام التي لا يمكن القيام بها على المستوى المحلي". لكن ما هي بالضبط تلك المهام؟

اقرأ أيضاً: المركزية في اتخاذ القرارات تساعد في التخلص من المنتجات السيئة

يعود هذا السؤال إلى زمنٍ بعيد، فبحسب هنري مينتزبيرغ صاحب كتاب "هيكلة المؤسسات" (The Structuring of Organisations) الذي نُشر عام 1979،  فإن الحديث عن كلمتي مركزية ولا مركزية تم تداوله منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه ذكر المؤسسات. حدث ذلك قبل وقت طويل، أقله منذ 400 ق.م.، حين تلقى النبي موسى نصيحة من النبي شعيب بأن يقوم بتوزيع المسؤولية على مختلف مستويات التسلسل الهرمي.

مركزية اتخاذ القرار في مقابل اللامركزية

في هذه المقالة، سوف نعرض منطقاً بسيطاً لاتباعه عند التعامل مع قضية المركزية في مقابل اللامركزية. نحن لا نقدم إطار عمل خارق لتغيير ما هو سائد، لكن من المفيد أحياناً العودة إلى مبادئ لطالما جرى تناسيها.

وجدنا أن من المفيد البدء بأربع ميزات يريد معظم التنفيذيين أن تمتلكها شركاتهم: الاستجابة والموثوقية والكفاءة والاستمرارية (مثلاً، قدرة الشركة على الاستمرار بالعمل أو استدامة بقائها). عندما تعمل على تقرير المستوى الأفضل الذي يجب أن يتولى مسؤولية مهمة ما، قيّم تأثير القرار على هذه السمات الأربع. مثلاً، ربما تكون المكاسب التي تحققها المعالجة المركزية للرواتب من ناحية الكفاءة أكثر أهمية بكثير من احتمال فقدان سمة الاستجابة لمتغيرات قوانين العمل المحلية التي يمكن تحقيقها بالإبقاء على هذه المهمة لا مركزية. ومن جهة أخرى، تجعل المعالجة المركزية للرواتب تناغم الأنظمة والإجراءات ممكناً، وبالتالي تحقق الاستفادة من تأثيرات الإنتاج الكبير، بما في ذلك توحيد المورد الخارجي للخدمات.

لنلقِ نظرة منهجية على السمات الأربع.

لا مركزية القرار

1- الاستجابة من خلال الفورية

تتمحور الاستجابة كلها حول سرعة اتخاذ الفعل الصحيح استجابة للفرص والتهديدات. إذا كانت مصادر هذه الفرص والتهديدات (كالزبائن والمنافسين والموردين والموظفين والجهات التنظيمية والشركاء، وغيرهم) موجودة على مستوى الوحدة التشغيلية، وإذا كانت هذه الواجهات تختلف فعلاً عن الوحدات التشغيلية، يكون من المنطقي عندها إيكال المهام ذات الصلة (مثلاً، المبيعات والتوريد والتوظيف والعلاقات مع الجهات التنظيمية) والمسؤولية عن تنفيذها إلى ذلك المستوى. مثلاً، هناك فارق لا يمكن إغفاله بين التعامل مع جهة تنظيمية، ولنقل في الهند، وجهة تنظيمية في إندونيسيا. إذن، تسمح اللامركزية بالفورية من حيث الوقت والمكان، وهذا بالتالي يحقق الاستجابة.

2- الموثوقية عبر الامتثال

بالنسبة لبعض المهام، من المرغوب أو الضروري أن تكون هناك قواعد مشتركة عبر مختلف الوحدات التشغيلية: السياسات أو المعايير أو الإجراءات أو الأنظمة. خذ مثلاً سياسات الحوافز والمكافآت، ومعايير تصميم المنتج، ووسائل ضمان الجودة، وإجراءات الإبلاغ عن الغش، وأنظمة التقارير المالية، وما إلى ذلك. تُعتبر جميعها قواعد هدفها المواءمة بين الوحدات التشغيلية والأهداف العليا للشركة، وجعل القدرة على التنبؤ بالأعمال ممكناً أكثر. هذا يعني أنّ على بعض الوحدات في المؤسسة الاضطلاع بدور الوصي: أي تحديد هذه القواعد، وتوجيه الموظفين بشكل مناسب، ومراقبة الامتثال لها. ومن المنطقي عادة إيكال هذا الدور إلى وحدة مركزية. هناك مهام لا يمكن الاختيار فيها: يجب أن تتم بقانون أو بمرسوم من وحدة مركزية مستقلة. على سبيل المثال: خذ المراجعة المالية أو وظائف السلامة المهنية عموماً أو وظيفة إدارة المخاطر في المصارف، حيث يشترط "إطار عمل بازل 3 التنظيمي" (the Basel III regulatory framework) أنّ هذه الوظيفة يجب أن تكون "تحت إشراف رئيس شؤون المخاطر (CRO)، ومع وجود منصب واستقلالية وموارد ووصول كاف إلى مجلس الإدارة".

3- الكفاءة عبر التجميع

هناك مهام من الواضح فيها الحاجة لتكون مركزية: يمكن لوحدة عمل أن تؤدي دوراً مركزياً لمهمة يكون القيام بها أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية عندما يتم تجميعها في وحدة واحدة بدل قيام كل وحدة تشغيلية بتلك المهمة بشكل منفصل. وهناك أسباب متنوعة تشرح مثل هذه المكاسب في الكفاءة.

  • اقتصاديات الحجم التقليدية. يؤدي قيام نفس الوحدة بالمزيد من المهام المتشابهة إلى الاستمرارية والمعيارية والتخصص والارتقاء والإنتاجية. ولنا في أقسام الخزينة وتقنية المعلومات خير أمثلة.
  • المستوى الأدنى من الكفاءة. تتطلب بعض المهام خبرة أو بنية تحتية نادرة أو يكون الطلب عليها من أي وحدة تشغيلية فردية متقلباً بمرور الوقت. في هذه الحالة يكون من الكفاءة أكثر أن يكون هناك مجموعة من المتخصصين في مكان واحد بدل استنساخهم في كل وحدة عمل. على سبيل المثال: خذ خبراء القانون والضرائب والتقنية، أو أجهزة الاختبار المكلفة.
  • تجنب الازدواجية. لدى مختلف وحدات الأعمال التشغيلية حاجة متماثلة يكون لها حلول متطابقة (إلى حد ما) (مثلاً، دليل تهيئة الموظفين الجدد، أداة مراقبة أداء المصنع، أداة إدارة العلاقات مع العملاء). بالنتيجة، سيكون إضاعة للوقت أن تعمل الوحدات بشكل متواز على تطوير حلولها الخاصة.

اقرأ أيضاً: هل سنحقق وعد تقنية بلوك تشين في تطبيق اللامركزية؟

4- الاستمرارية من خلال الفصل

هناك مهام معينة لن يتم إنجازها أبداً إذا تُركت تحت تصرف الوحدات التشغيلية، وينطبق هذا بشكل خاص على المهام الضرورية لعافية المؤسسة على المدى البعيد، وغير المفيدة كوظيفة قصيرة الأجل لوحدات الأعمال. ومن هنا، تكون هناك حاجة لوحدة مركزية لديها انفصال كاف عن عمليات الصف الأول. إليك هنا بعض الأمثلة عن هذه المهام:

  • الاستثمار في المبادرات التي تعود بفوائد بعيدة وغير مؤكدة (مثل الابتكار الثوري).
  • الاستثمارات في مبادرات مشروطة بالمساهمة اليومية للجميع (مثل إدارة المعرفة وإدارة المواهب).
  • النشاطات التي تتضمن التحكيم عبر الوحدات. مثلاً، تقييم البدائل وتحديد الأولويات (مثل التخطيط لمحفظة المنتجات).
  • قرارات الاعتراف بالهزيمة والانسحاب (مثل، سحب المنتج).
  • المبادرات المتصلة بالأصول التي تعتبر الملكية الوحيدة للشركة (العلامة المميزة ورأس المال).

لا وجود لهيكلية تنظيمية بقياس واحد تناسب الجميع. فمن الواضح، أنّ للتغييرات في بيئة المؤسسة أو في الأولويات الاستراتيجية تأثير على كيفية تنظيمها لنفسها. كما أنّ اكتساب الصفات المهلل لها عادة من الاستجابة والموثوقية والكفاءة والاستمرارية لا يتطلب دوماً تغييرات هيكلية كبرى على المخطط التنظيمي، فقد يكون كافياً في العديد من الحالات إجراء تغييرات أقل زعزعة، مثل توزيع الموظفين الرئيسين على الوحدات التشغيلية، وتعيين نقاط اتصال دائمة في المقر الرئيسي من أجل الوحدات التشغيلية، ووضع فريق عمل مؤقت من الوحدات التشغيلية، وهكذا.

اقرأ أيضاً: 

في زمن يلقى فيه مبدأ "المؤسسة ذاتية الإدارة" رواجاً كبيراً، لا يمكن أن تفتر قوة السؤال عن مركزية اتخاذ القرار في مقابل اللامركزية. ويجادل كل من نيكولاي فوس وبيتر كلين في مقالة "لماذا لا يزال المدراء مهمين" بأنه "في اقتصاد اليوم القائم على المعرفة، يُفترض أن تأخذ السلطة الإدارية بالتراجع. لكن هناك حاجة لا تنتهي لشخص ما يعرف وينفذ القواعد التنظيمية التي يتم اللعب على أساسها". نأمل أن يساعد المنطق البسيط الذي تقدمه هذه المقالة المدراء في العثور على حلول تحقق التوازن بين القواعد والاستجابة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي