قبيل صافرة البداية لمنافسات بطولة كأس العالم المقامة لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط في دولة قطر، بدأت قوائم الفرق المشاركة تكتمل وتظهر للعلن. وأهم ما يميز هذه القوائم اهتمام المدربين في ضم اللاعب صانع الألعاب أو اللاعب رقم 10 لما له من دور مهم في خطة اللعب واستراتيجية الفوز التي يسعى إليها كل مدرب، حيث ينتظر نحو 5 مليارات شخص مشاهدة لاعبيهم المفضلين على غرار ليونيل ميسي أو نيمار جونيور أو كيفين دي بروني أو أشرف حكيمي وغيرهم الكثير من اللاعبين الذين يتمتعون بالقدرات المميزة التي تساعد فرقهم على تحقيق الانتصارات.
لكن هل يمكننا إسقاط مبدأ صانع الألعاب على عالم الأعمال؟ من هو الموظف صانع الألعاب؟ وما صفاته؟ وكيف تجده في فريقك؟
في عالم كرة القدم لا يكفي أن يكون المدرب محنكاً أو يمتلك أفكاراً وخططاً لتحقيق الفوز في المبارايات، فعدم وجود من ينفذ هذه الخطط على أرض الملعب بالشكل الصحيح سيكون سبباً للهزيمة. والأمر ذاته ينطبق على الشركات والمؤسسات، فإذا سألت قادة الأعمال المميزين عما يعتبرونه العامل الأكثر أهمية لنجاح العمل المؤسسي فسوف يجيبونك بكل تأكيد بأن "اختيار الفريق المناسب هو أهم أسباب النجاح". وإذا سألتهم عن السبب الأكثر شيوعاً لفشل الاستراتيجية فسوف تكون الإجابة: "التنفيذ الضعيف".
من هو الموظف صانع الألعاب؟
أدى لاعبون مثل زيدان ومارادونا وميسي دور صانع الألعاب، والذي تبرز أهميته في رفع مستوى اللعب داخل الفريق ووضع لاعبين آخرين في موقع يسمح لهم بتسجيل الأهداف أو بأداء أدوارهم في الفريق.
وفي إسقاط هذا الدور على بيئة الأعمال، فيُترجم هذا بإيجاز إلى الموظف الذي يتمتع بشخصية القائد حتى لو لم يكن في منصب يخوّله ممارسة القيادة، لكن شخصيته تفرض نفسها في فريق العمل وتجعله متقدماً على باقي أعضاء الفريق بخطوة.
وفقاً لاستطلاع أجراه "المنتدى الاقتصادي العالمي"، أعرب 8 بين كل 10 رؤساء تنفيذيين عالميين عن قلقهم إزاء صعوبة العثور على أشخاص يتمتعون بالمهارات المناسبة. فالموظف صانع الألعاب يؤدي دور المحفز لفريق العمل، ويقوم بتوزيع المهام بشكل منظم يضمن عبره تحقيق غاية المؤسسة والهدف الأساسي من أي مشروع، كما أنه يمثل صلة وصل بين جميع أعضاء الفريق والفرق الأخرى في الشركة، لذلك لست بحاجة إلى أن يكون جميع أعضاء فريق العمل لديك صانعو ألعاب يكفيك وجود القليل منهم لإدارة أعمالك بنجاح.
ما صفات الموظف صانع الألعاب؟
لا تختلف صفات أو مميزات الموظف صانع الألعاب عن اللاعب رقم 10 في ملعب كرة القدم، حيث يتميز الأخير بالمهارة العالية والرشاقة والرؤية الواسعة للملعب والروح القيادية لبناء الهجمات. وبناء عليه يمكننا تلخيص صفات الموظف صانع الألعاب بالآتي:
- التركيز العالي لفترة طويلة: يمكن للموظف صانع الألعاب التركيز على المشروع الذي يعمل عليه، ما يسمح له الإحاطة بالتفاصيل المهمة التي بين يديه وبالتالي توزيع المهام إلى الزملاء وتنفيذ دوره بدقة بعيداً عن التشتت المعروف عند الموظف العادي. يقول مؤلف كتاب "كيف تكون أكثر إنتاجية في عالم مشتت" كريس بيلي، أن "الشخص العادي يتشتت أو يُقاطع مرة كل 40 ثانية عند العمل على جهاز الكمبيوتر". لذلك نلاحظ أن الموظف صانع الألعاب بعيد عن حالة التشتت باتباعه مهارات محددة.
- الانضباط الذاتي: يعرف الموظف صانع الألعاب كيفية السيطرة على أولوياته. فهو لا يحتاج إلى الإشراف والمراقبة كما يؤكد راسل قاسم في مقاله "هل نحتاج إلى موظف بلا حقيبة؟" على أن الموظف المميز يتسم بالانضباط الذاتي والتصرف بمسؤولية خصوصاً أنه لن يكون مراقباً مباشرة مثل الموظف العادي. ويعود سبب ذلك إلى أنه يفضل استغلال الوقت في تحقيق النتائج وتطوير البرامج القيادية في الشركة. لذلك يكون الموظف صانع الألعاب أكثر الموظفين مناسبة للمناصب الإدارية.
- الروح التنافسية: يسعى الموظف صانع الألعاب دائماً إلى النجاح وأن يكون الأفضل في فريق العمل، فهو على استعداد دائم لتطوير أفكاره ومهاراته والتفكير خارج الصندوق وتجاوز منطقة الراحة، وذلك ما يخشاه الموظف العادي. لذلك دائماً ما يكون الموظف صانع الألعاب مستعداً للمسؤوليات والتحديات الجديدة في مكان العمل.
- التواصل الفعال مع أفراد الفريق: لنعترف بأن كل صاحب عمل يبحث عن الموظف الذي بإمكانه النجاح في بيئة العمل والتنسيق مع زملائه والتنافس معهم على حد سواء، وهذا ما يتميز به الموظف صانع الألعاب، فهو يفهم بوضوح مدى تأثير علاقات العمل على مصالحه ومصالح مؤسسته، ويفكر في المخاطر، ويتخذ قرارات بشأن حجم الاستثمار في كل زميل من زملاء العمل.
كيف تجد الموظف صانع الألعاب في فريقك؟
لكل منتخب في عالم كرة القدم شخص يدعى "الكشاف" (Scout) وهو الذي توكل إليه مسؤولية البحث عن أفضل المواهب الكروية في العالم لتدعيم صفوف المنتخب قبل أي بطولة قادمة.
ويُعد المدراء شريان حياة المؤسسات، ومع تغيّر مكان العمل في العقود الأخيرة، باتوا مطالبين بتولي مسؤوليات جديدة واكتساب مهارات جديدة، وباتوا بحاجة إلى اكتشاف المواهب لدى موظفيهم والمحافظة على الموظفين صانعي الألعاب.
وبناء عليه أقدم تدابير تساعدك على اكتشاف الموظف صانع الألعاب والحفاظ عليه.
- لا تبحث عن الموظف صانع الألعاب في المناصب الإدارية: لا يوجد رابط بين المنصب الإداري وامتلاك مهارات صانع الألعاب، لذلك ابحث عن صانع الألعاب في فريق العمل بأكمله.
وإذا كان في فريق عملك موظفاً لديه رؤية واسعة لما يجب أن تؤول إليه المشاريع ويسعى دائماً إلى التحسن المستمر ويُنظم جدول أعماله وفقاً لمتطلبات المشاريع ذات الأولوية وتجده مستعداً لتولي المهام أوقات الأزمات، إذاً تهانينا لديك صانع ألعاب.
- ابحث عن الروح القيادية: تنفق المؤسسات مليارات الدولارات كل عام على تطوير القدرات القيادية. لذلك إذا ما كان في فريقك موظف يتمتع بروح قيادية لافتة، قدم له الدعم وستجده يساعد الفريق في التخطيط الأمثل لإنهاء المشاريع ويتعاون مع زملائه بأسلوب حيوي لتحقيق الغاية التي تسعى إليها مؤسستك.
- استخدم أسلوب نقل الموظفين لاكتشاف الموظف صانع الألعاب: أثبتت عدة دراسات حول تنقّل أصحاب المواهب أن نقل الموظفين على نحو نشط إلى أدوار مختلفة بين مختلف أقسام المؤسسة هو أحد الأساليب الأقلّ استخداماً للتطوير وتعزيز الثقافة، ولكنه الأسلوب الأكثر فعّالية في الشركات اليوم.
لذلك يجب عليك دائماً وضع موظفيك في أداور مختلفة تمكنهم من إبراز مهاراتهم في التفكير وتمنحهم مساحات مختلفة للإبداع.
أخيراً، لا أحد منا لديه شك بأن اللاعب ليونيل ميسي من أساطير اللعبة إلا أنه لم يتمكن من تحقيق لقب كأس العالم على مدار 3 بطولات سابقة، والسبب ببساطة أن "يداً واحدة لا تصفق" والتعاون بين أفراد الفريق هو أساس النجاح، والدليل على ذلك أن بطولات كأس العالم السابقة من حقق ألقابها هي الفرق التي أخذت طابع التعاون بين جميع لاعبيها وكل بحسب دوره مهما كان صغيراً. لذلك لا يمكنك التعويل فقط على وجود الموظف صانع الألعاب في فريقك لتحقيق أهداف مؤسستك (على الرغم من أهمية هذا النوع من الموظفين)، فالتعاون بين أعضاء الفريق بمختلف المستويات هو أساس النجاح في عالم الأعمال كما في عالم كرة القدم.