لماذا ينبغي لإيلون ماسك الاقتداء بستيف جوبز لينجح في تويتر؟

9 دقائق
التغيير الاستراتيجي
فريق هارفارد بزنس ريفيو/إس تي آر/نورفوتو عبر غيتي إيميدجيز

ملخص: يعد تغيير الاتجاه الاستراتيجي لشركة قائمة من أصعب التحديات الإدارية، إذ يفشل معظم المدراء في تحقيقه. يواجه إيلون ماسك مهمة شاقة في محاولته إعادة رسم استراتيجية تويتر، لكن هناك سابقة لإعادة تشكيل شركة تكنولوجية كبرى بصورة ناجحة وجذرية، وهي تجربة ستيف جوبز في تحويل شركة آبل إبان عودته إليها عام 1997. قد تحتوي تجربة جوبز على دروس مهمة يمكن لماسك والقادة الآخرين الاستفادة منها لاجتياز فترة عدم الاتساق الصعبة التي ترافق التغيير الاستراتيجي، وتحديداً ضرورة التزام المدراء بقرارات صعبة في 3 مجالات: المنتج والمؤسسة وأصحاب المصالح.

 

مرت عدة أشهر منذ إبرام إيلون ماسك صفقة بقيمة 44 مليار دولار لشراء منصة تويتر وتحويلها إلى شركة خاصة. كانت الأسابيع الماضية حافلة بالأحداث: أدت عمليات تسريح العاملين والاستقالات إلى خفض عدد الموظفين في الشركة إلى النصف تقريباً. وأطلقت الشركة تغييرات رئيسية في الخدمة (من بينها العلامة الزرقاء)، ولكن سرعان ما تراجعت عنها، وبدأ ماسك بتحديد رؤية جديدة لما قد تؤول إليه الشركة في المستقبل. علاوة على ذلك، أُعيدت آلاف الحسابات المحظورة، وتراجعت الإعلانات على المنصة كثيراً، وبات المستخدمون يراهنون على انهيار الخدمة الوشيك وبدؤوا بالبحث عن بدائل لها.

كما كتبنا قبل إتمام الصفقة، فإن تغيير نهج شركة تكنولوجية لها تاريخ طويل مثل تويتر يترافق مع تحديات كبيرة، وكان النهج الفريد لماسك في الاستراتيجية والقيادة أحد العوامل التي زادت الأمور تعقيداً. فمنصة تويتر على أي حال تمثل نوعاً مختلفاً من التحديات مقارنة بالمشاريع الطموحة التي يسعى ماسك لتنفيذها في شركاته الأخرى، ويعتمد نجاحه أو فشله على قدرته على تغيير استراتيجية شركة تويتر وتحويلها إلى نمط يمكنه إدارته بفعالية.

يعد تغيير الاتجاه الاستراتيجي لشركة قائمة من أصعب التحديات الإدارية، ووفقاً لأحد تقديرات شركة ماكنزي، تصل نسبة الفشل في تحقيق هذا المسعى إلى 70%. في الواقع، لا تمثل الاضطرابات التي حدثت خلال الشهر الأول من تولي ماسك قيادة تويتر سوى غيض من فيض التغييرات التي يجب إجراؤها، إذ يتعين على ماسك تطوير استراتيجية جديدة للشركة وإعادة تشكيلها لتتسق معها، وذلك سيكون بلا شك مهمة شاقة.

ومع ذلك، ثمة سابقة لهذا النوع من التحول، وهو التحول التاريخي الذي أجراه ستيف جوبز في شركة آبل بعد عودته إليها عام 1997، والذي كان في جوانب عديدة مشابهاً لحدث استيلاء ماسك على تويتر؛ عملية صاخبة ومؤلمة ومثيرة للجدل على المدى القريب. يمكن أن يوفر النظر في قرارات جوبز منارة ترشد المسؤولين التنفيذيين الذين يرغبون في تغيير استراتيجيات شركاتهم، وربما حتى لماسك نفسه، ولكن عملية تحويل استراتيجية تويتر تختلف عن تحويل آبل في جوانب مهمة قد تكون بمثابة إشارات تحذيرية حول استمرارية تويتر في المستقبل.

الاستراتيجية هي الاتساق على المدى الطويل

تتمحور الاستراتيجية الفعالة بشكل أساسي حول اتخاذ مجموعة من القرارات التي يتسق بعضها مع بعض ومع الرؤية الطويلة المدى للشركة. نقصد بالاتساق الملاءمة بين عدد قليل من القرارات المحددة بحيث تتوافق معاً في تحقيق الهدف العام. يضمن الاتساق تبنّي كل شخص المقترحات التي تعمل على تحسين الأداء العام للشركة ورفض المقترحات التي قد تضر بها بدلاً من تبني المقترحات التي تفيد وحدات أعمالهم فقط. وفي حين أن إنفاذ الاستراتيجية غالباً ما يبدأ من المناصب التنفيذية العليا، فاتساقها هو ما يمكّن مجموعة أساسية من القرارات من ترسيخ استراتيجيتك في المؤسسة بأكملها، بما في ذلك تشكيل أولويات الموظفين وكيفية عملهم واتخاذهم للقرارات.

كانت لدى تويتر قبل استيلاء ماسك عليها استراتيجية واضحة ظلت متسقة بوضوح بين جميع أفرادها وعلى مدار فترة طويلة من الزمن، إذ ركزت تويتر منذ إنشائها على البساطة أكثر من أي شيء آخر، وكانت خياراتها متسقة جيداً مع تلك الاستراتيجية، وظلت التغريدات جوهر الخدمة وبالكاد تغيرت منذ عام 2006، وتجسد هذا التركيز في ثقافة تويتر أيضاً؛ يستذكر أحد مؤسسي تويتر الثلاثة، إيف ويليامز، تلك الأيام قائلاً: "استبعدنا ميزات بقدر ما أضفناه خلال العام أو العامين الأولين". لم يتغير هذا النهج قط وبقي جزءاً من استراتيجية تويتر وثقافتها.

ومع ذلك، كانت لهذه الاستراتيجية عيوب واضحة، إذ أدت إلى تردد تويتر وبطئها في إدخال منتجات جديدة ومقاومتها للتغيير وإحجامها عن الابتكار، وأدى اتساقها مع البساطة إلى صعوبة استمرار التغييرات والإضافات. استحوذت تويتر على أكثر من 60 شركة، بما فيها تطبيق سكواد (Squad) لمشاركة ألعاب الفيديو، وتطبيق بريكر (Breaker) لبث النشرات الصوتية وتطبيق ريفيو (Revue) للرسائل الإخبارية، ومع ذلك، لا يوجد مؤشر واضح على عمليات الاستحواذ هذه وتأثيرها على الوضع الحالي للشركة. أدت قوة هذا الاتساق إلى بقاء تويتر في حالة ركود، ورأى ماسك وغيره من كبار المساهمين أن هذه الاستراتيجية ضارة بمستقبل تويتر وتقتلها ببطء.

نجاح اتساق الاستراتيجية القديمة تحديداً هو ما يجعل تنفيذ الاستراتيجية الجديدة أمراً صعباً.

إدارة التوافق (أو الاتساق) الاستراتيجي

التغيير الاستراتيجي صعب للغاية لأنه ينطوي على اجتياز فترة انتقالية مؤلمة من عدم الاتساق، إذ يُحتمل أن يسوء أداء الشركة خلالها قبل تمكنها من النجاح في تحقيق هدفها الجديد. يرتكب العديد من الرؤساء التنفيذيين الأخطاء خلال هذه الفترة بمحاولة تخفيف الألم من خلال إعطاء الأولوية للمكاسب القصيرة الأجل على حساب ما يجب فعله لتحقيق الأهداف الطويلة الأجل، ما قد يطيل حالة عدم الاتساق ويؤخر عملية الانتقال.

يقدم جوبز في هذا الصدد نموذجاً رائعاً، إذ حوّل استراتيجية آبل بعد عودته إليها عام 1997 نحو إنشاء منتجات سهلة الاستخدام وجذابة من الناحية الجمالية. في حين أصبح النجاح النهائي لهذه الاستراتيجية الآن أسطورة في مجال الأعمال، فالعامل الحاسم الحقيقي فيه يكمن في كيفية إدارة جوبز الانتقال من الاستراتيجية القديمة إلى الاستراتيجية الجديدة واستمرارها بمهارة.

بعد أن ترك جوبز آبل عام 1985، انخرطت الشركة في استراتيجية بيع منتجات غير جذابة ذات أسعار منخفضة تنافسية، وبقيت متسقة مع هذا الهدف إلى أن عاد إليها عام 1997. كان على الشركة حينها أن تجتاز فترة انتقالية من عدم الاتساق المؤلم على المدى القصير للتحول من إنتاج البضائع الرخيصة إلى إنتاج منتجات آي ماك الجذابة، وتعين على جوبز جراء ذلك مواجهة الانتقادات بسبب تدهور الوضع المالي، واضطر إلى خفض قوة العمل بمقدار النصف تقريباً، وفقد مجلس الإدارة بالكامل. تتطلب قيادة شركة خلال هذه المواقف توفر مجموعة فريدة من المهارات والصفات في المسؤولين التنفيذيين، وربما يكون الأنسب لهذه المهمة أولئك الذين يُوصفون بالبعد عن العواطف والسلطوية في أسلوب القيادة. مع ذلك، ثابر جوبز على تحويل آبل من شركة على وشك الإفلاس والفشل إلى شركة ناجحة على مستوى العالم كما هو حالها اليوم.

أدت إجراءات ماسك الأولى لتغيير استراتيجية تويتر وإصلاحها إلى معاناة مماثلة وأثارت انتقادات مشابهة، وبقي السؤال الأهم حول قدرة تويتر على تحمل هذه المصاعب القصيرة المدى لفترة كافية لإنفاذ الاستراتيجية الطويلة المدى بالكامل.

لتجاوز هذه الفترة يجب على المدراء الالتزام بقرارات صعبة في 3 مجالات: تطوير المنتج وتنظيم المؤسسة وإدارة العلاقات مع أصحاب المصالح.

خريطة طريق المنتج

يتطلب تنفيذ استراتيجية جديدة تغيير منتجات اليوم لتتسق مع عرض القيمة المستقبلية، لكن ذلك سيؤدي إلى تضارب حتمي بين عرض القيمة القديم والجديد.

لنأخذ مثلاً الشارة الزرقاء في تويتر. كان الغرض منها في الأصل إثبات هوية شخص ما حتى يتمكن المتابعون من التمييز بين الحسابات الحقيقية والحسابات المزيفة، ولكنها أصبحت بمرور الوقت مؤشراً على تأثير المستخدم أو مكانته.

طرح ماسك عرضاً جديداً للقيمة؛ ستكون الشارة الزرقاء بمثابة إشارة للعضوية المميزة لمشتركي تويتر بلو، التي تمنحهم ميزات حصرية مثل تقليل الإعلانات والوصول إلى الميزات الجديدة قبل الآخرين. أدى ذلك إلى تغيير المنتج بصورة كبيرة بالنسبة للمستخدمين المميزين والعاديين، وأدى الارتباك الذي أعقب ذلك إلى حدوث فوضى في مجتمع تويتر إجمالاً. نتيجة لذلك، أجّل ماسك إطلاق منتج الشارة الزرقاء واقترح إدخال أنواع مختلفة من رموز التحقق من العضوية على تويتر.

لجعل المنتج متسقاً مع الاستراتيجية الجديدة، يجب على القادة تحديد عرض القيمة الجديد والالتزام بإجراء تغييرات جوهرية على عروض المنتجات لإظهار الاتجاه الاستراتيجي الجديد بوضوح. عندما عاد جوبز إلى آبل، غيّر عرض القيمة لشركة آبل من خلال التخلص من 70% من خط الإنتاج الحالي وطرح جهاز "آي ماك جي 3" (iMac G3) الجديد كلياً. كان جهاز آي ماك الجديد بيضوي الشكل ومتوفراً بـ 13 لوناً، وهو ما كان خروجاً صارخاً عن تصميم الصندوق الرمادي النموذجي لأجهزة الكمبيوتر المكتبية في ذلك الوقت، وقد أدى دوراً مهماً في الإشارة إلى نية آبل في الابتعاد عن سوق أجهزة الكمبيوتر المنخفضة التكلفة والتركيز بدلاً من ذلك على التصميم الصناعي المبتكر، على الرغم أن من هذا التصميم زاد من تكلفته وقلل من أدائه مقارنة بالخيارات الأخرى. تضمن التغيير أيضاً حملة إعلانية ضخمة وصلت تكلفتها إلى 100 مليون دولار، وهي ما أظهر التزام جوبز الواضح بأنه جاد بشأن الاتجاه الاستراتيجي الجديد للشركة.

في تويتر، يشير نظام الشارات المجدد إلى التحول نحو عرض قيمة يركّز أكثر على المشتركين، وقد ألمح ماسك إلى المزيد من التغييرات الجذرية في المستقبل، مثل إضافة الخدمات المصرفية والاستثمارية على المنصة. ولكن كي تنجح هذه المنتجات، يجب أن تتسق مع عرض القيمة الجديد، تماماً كما فعل جوبز حين أعطى الأولوية للتصميم الصناعي على حساب التكلفة المنخفضة، ويجب على الشركة أن تتعهد بالتزامات كبيرة تجاه عرض القيمة هذا، مثل الحملة الإعلامية التي قامت بها آبل لترويج جهاز آي ماك جي 3.

الثقافة المؤسسية

يكشف عدم الاتساق الثقافي عن نفسه عندما يقاوم الأفراد التحرك في الاتجاه الذي يتوافق مع أهداف المؤسسة.

خلص المسؤولون التنفيذيون في تويتر عام 2021 إلى أن ثقافة تويتر كانت لطيفة أكثر مما يجب، إذ أدت بيئة العمل التعاوني السابقة لتويتر إلى تردد العاملين في توجيه نقد بنّاء فيما بينهم، ما أدى إلى ركود المؤسسة. بالمقابل، يريد ماسك أن تكون ثقافة المؤسسة "متشددة"، ولذلك تفسيرات عدة محتملة، لكن بالتأكيد لن يكون أحدها "لطيفة أكثر مما يجب". أدى نهج ماسك هذا إلى اضطراب كبير داخل الشركة، إذ استقال الموظفون بشكل جماعي وخرج الكثيرون لانتقاد ماسك علناً.

يتطلب التوافق التنظيمي أن توفر القيادة للموظفين المتبقين خياراً قابلاً للتطبيق لاختيار الاتجاه المؤسساتي الجديد ومكافأة من ينسجمون معه وحمايتهم. نُقل عن جوبز عام 1998 قوله إن شركة آبل لديها "10 آلاف موظف دون المستوى المطلوب ويجب طردهم"، ومع ذلك، قرر حماية قسم التصميم الصناعي من عمليات التسريح الواسعة النطاق، ليلمح بذلك إلى أن آبل ستلتزم مجدداً بثقافة تصميم منتجات استثنائية، وهو قرار يتسق بصورة أوسع مع عرض القيمة التي يقدمها جهاز آي ماك جي 3 الجديد.

يعمل ماسك بالفعل على تغيير ثقافة تويتر الحالية، لكن عليه تحديد الثقافة التي يريد أن تحل مكان الثقافة القديمة. أولاً، لا يزال عليه تقديم تعريف واضح لقيم الثقافة "المتشددة" التي يريد بناءها وأولوياتها، بالإضافة إلى تحديد نوع المنتج الذي يرغب في أن تمثله تويتر. ثانياً، يجب على ماسك إنشاء نظام واضح لتقييم الموظفين الذين يدعمون جهوده في اتجاه تغيير ثقافة تويتر ومكافأتهم، وستقرر معاملته للموظفين الذين سيستمرون معه نجاح هذه الثقافة الجديدة على المدى الطويل.

إشراك أصحاب المصالح

يؤدي التحول إلى استراتيجية جديدة إلى إزعاج بعض أصحاب المصالح الحاليين وبالتالي عدم اتساقهم مع الاتجاه الجديد للشركة قبل أن يحل مكانهم أصحاب المصالح الأكثر توافقاً معها. بعبارة أخرى، سيؤدي ذلك إلى إثارة غضب الكثيرين والمضي قدماً مع عدد أقل من المؤيدين والمشجعين لنهجك.

تتعارض سياسة ماسك الجديدة للإشراف على المحتوى، التي تتضمن إعادة الحسابات المحظورة سابقاً والتسامح مع الحسابات الأخرى، مع سياسات تويتر السابقة بطريقة أدت إلى تغير العلاقة مع أصحاب المصالح بدرجة كبيرة، وكان لذلك عواقب فورية. ففي سعي منهم لحماية علامتهم التجارية، أوقف العديد من المعلنين مؤقتاً الإنفاق على تويتر. بالإضافة إلى ذلك، أدت قرارات ماسك لتوليد حصة أكبر من الإيرادات من المستخدمين بدلاً من المعلنين إلى وضع تويتر في مسار تصادمي مع شركة آبل، التي تتقاضى عمولة بنسبة 30% على خدمات الاشتراك التي تبيعها عبر متجر تطبيقات آبل "آب ستور". (لم تكن هذه مشكلة عندما كانت تويتر تعتمد على المعلنين في إيراداتها وكانت خدمتها مجانية للمستخدمين). على الرغم من أن المشكلة قد حُلت عن طريق زيادة الأسعار لمستخدمي متجر آب ستور، لكن ذلك لا يغير حقيقة أن ماسك قد خلق العديد من الأعداء وأنه يفتقر إلى حلفاء واضحين حتى الآن.

يجب على القيادة إشراك أصحاب مصالح جدد يكمّلون الاستراتيجية الجديدة، مع التحلي بالثبات للانفصال عن أصحاب المصالح الحاليين الذين تتعارض قيمهم وأولوياتهم مع الاستراتيجية الجديدة. لقد صنع جوبز حلفاء (وأعداء) منذ البداية وحيثما كان ذلك ضرورياً. لم يكن لدى جوبز أي شك في أن شركة مايكروسوفت قد انتصرت في معركة الحواسيب المكتبية وبدأ سلسلة من الإجراءات لإنهاء هذه المعركة الطويلة والابتعاد عن منافسة مايكروسوفت قدر الإمكان. فوقّع صفقة مع أكبر سلسلة متاجر للكمبيوتر، شركة كومب يو إس أيه (CompUSA Inc)، لإنشاء متاجر لآبل داخل متاجرها، ما عزز استراتيجية آبل الجديدة الهادفة للتحول من أجهزة آبل القديمة إلى أجهزة آي ماك الملونة وأتاح للعملاء تجربتها شخصياً لمعرفة قيمتها. دخل جوبز أيضاً في نزاعات مع شركاء آبل بسبب تراجعه عن الوعد بالسماح لهم باستنساخ جهاز ماك. جدير بالذكر أن هذا القرار كان يتوافق أيضاً مع استراتيجية آبل الجديدة التي تنطوي على التخلي عن المنتجات المنخفضة التكلفة.

في حين أنه من غير المنطقي توقع إقامة تويتر علاقات قوية مع جميع أصحاب المصالح، يجب على ماسك إعطاء الأولوية لبناء علاقات قوية مع من يشاركونه رؤيته لمستقبل تويتر، والتخلي نهائياً ولكن بلطف عمن لا يتفقون مع رؤيته. لقد خضعت آبل لتحقيقات شاملة تتعلق بمكافحة الاحتكار حول كيفية عملها بصفة مراقب بين صانعي البرمجيات ومئات الملايين من الأشخاص. إذا قرر ماسك الدخول في معركة ضد شركة آبل، فقد يجد حلفاء من بين أصحاب المصالح الآخرين الذين لديهم اهتمامات مماثلة في تحدي ممارسات آبل (بما في ذلك منافسيه)، مثل إيبك غيمز (Epic Games) وسبوتيفاي (Spotify) ونتفليكس (Netflix) وإير بي إن بي (Airbnb) وفيسبوك والصحف والمجلات الإخبارية، وتشمل هذه القائمة أيضاً معظم الحكومات الكبرى. أما بالنسبة للمعلنين، فقد لا يكونون شركاء مناسبين في رؤية ماسك لتويتر على اعتبارها منصة فوضوية لحرية التعبير غير خاضعة للرقابة. سيكون التحدي الذي يواجه ماسك هو تحديد المعارك التي يجب تجنبها بحذر شديد.

تطلبت التغييرات الاستراتيجية التي أدت إلى نجاح شركة آبل من ستيف جوبز اتخاذ قرارات مؤلمة جداً على المدى المنظور، لكن هذه القرارات مجتمعة رسخت الالتزام بتوجه استراتيجي واضح للشركة. لم يكن هذا الاتجاه بمثابة دليل يوجه المنتجات والموظفين فحسب، بل كان يبرز النوايا لأصحاب المصالح أيضاً. نقترح على ماسك اتباع النهج نفسه. لدى تويتر حالياً العديد من الخيارات المتعلقة بالاتجاهات الاستراتيجية، ولكن من الأهمية بمكان تحديد الخيارات التي يجب أن تتسق معاً على المدى الطويل.

كما ذكرنا سابقاً، يفشل معظم المدراء في التغيير الاستراتيجي. لذلك، كثيراً ما ننصح المسؤولين التنفيذيين وطلابنا بعدم التورط في هذا الموقف. أكبر خطأ نجده في استحواذ ماسك على تويتر هو أنه كان ينبغي عليه التمعن أكثر في دراسة هذا التحدي من خلال التحري والاستقصاء وتقييم المخاطر قبل عقد الصفقة، أو حتى إعادة النظر فيها بأكملها.

لكن ينبغي ألا نحكم على هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الشركة حالياً بسرعة الآن، لأن المرور بفترة من الاضطراب اليوم قد يكون ضرورياً لتحقيق التغيير الإيجابي والنجاح في المستقبل، وبالتالي من الطبيعي، ومن الضروري أيضاً، المرور بفترة صعبة. يبقى السؤال المهم حول ما إذا كانت الشركة ستفشل أم لا قبل أن ينجح ماسك في إنجاز التحول. غالباً ما يفشل معظم المدراء في هذا التحدي، لكن ماسك تجاوز توقعاتنا مراراً وتكراراً سابقاً وحقق إنجازات مذهلة على جميع الأصعدة، لكن تغيير اتجاه المؤسسة يختلف تماماً عن النجاح في إعادة استخدام صاروخ فضائي، بل إن البعض يقول إنها مهمة أصعب في الواقع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .