ملخص: ما هي استراتيجية إيلون ماسك؟ هل لدى إيلون ماسك استراتيجية أم أنه يرتجل؟ بعد دراسة شركات إيلون ماسك العديدة، برزت موضوعات عامة في 3 جوانب: ما يلائم رؤيته للمشكلات التي يجب حلها، وكيف يصمم مؤسسة بوصفها حلاً لتلك المشكلات، ولماذا يمكنه حشد الموارد بفعالية كبيرة لدعم تلك الحلول. يبحث ماسك عن المشكلات التي تتطلب التعامل مع نطاق ضخم والتغلب على التعقيد. ومن الناحية التنظيمية، يفضل ماسك التكامل الرأسي والأنظمة المغلقة. ولتمويل مشاريعه يمكنه حشد موارد هائلة لأنه يمتلك حصصاً كبيرة في شركاته وقادر على إثارة مشاعر عامة الناس والمستثمرين، حتى إن كان المنطق وراء كيفية نجاح شركة معينة غير واضح.
خلال حملة إيلون ماسك الدرامية، التي توصف أحياناً بأنها شرسة وأحياناً بأنها محيرة، للاستحواذ على تويتر، سمعنا العديد من الأسئلة نفسها من متابعيه ومنتقديه. لماذا أراد شراء الشركة في المقام الأول؟ وما الذي كان يخطط لفعله بها؟ هل سيجني الكثير من المال أم سيخسره كله؟ يتلخص العديد من الأسئلة ببساطة في: "ما الذي يفكر فيه؟" أو بعبارة أخرى، هل ماسك يرتجل أم أن لديه استراتيجية؟ وإذا كانت لديه استراتيجية، فما هي؟
يمكننا جميعاً أن نتعلم الكثير من الأشياء، الجيدة والسيئة، من شركات ماسك الأخرى: تيسلا (Tesla) وسبيس إكس (SpaceX) وهايبرلوب (Hyperloop) وأوبن أيه آي (OpenAI) وذا بورينغ كومباني (The Boring Company) ونيورالينك (NeuraLink). وبناءً على بحوثنا وتدريسنا لاستراتيجيات الابتكار والتكنولوجيا والنمو، نرى أن هناك (بعض) الأسباب الوجيهة لأفعاله التي تبدو جنونية. يمكن وصف استراتيجية ماسك بأنها تنطوي على موضوعات عامة في 3 جوانب: ما يلائم رؤيته للمشكلات التي يجب حلها، وكيف يصمم مؤسسة بوصفها حلاً لتلك المشكلات، ولماذا يمكنه حشد الموارد بفعالية كبيرة لدعم تلك الحلول.
من خلال فهم الاستراتيجية المستخدمة في العديد من أعماله التجارية، والمخاطر الكبيرة لتلك الاستراتيجية، يمكن للمسؤولين التنفيذيين تطبيق هذه الدروس لإطلاق أعمالهم التجارية الرائدة وتنميتها. ويمكن للمستثمرين أيضاً الاستفادة من هذه الأفكار لاتخاذ قرارات مدروسة بشكل أكبر عند توفير الموارد لرواد الأعمال في الأسواق الناشئة، مثل ويب 3 (Web3) والميتافيرس. أخيراً، يمنحنا هذا الإطار منظوراً للتفكير في محاولة الاستحواذ على تويتر، الذي يحاول ماسك الآن الابتعاد عنه، في سياق استراتيجيته الأوسع نطاقاً.
الرؤية
غالباً ما تكون هناك سمة مشتركة بين الاستراتيجيات الأكثر فعالية: تُوضع بناءً على رؤية جريئة وواضحة للمستقبل تمنح الشركة هدفاً وغاية اليوم. في عام 1980، صاغ بيل غيتس رؤيته الشهيرة والجريئة والواضحة: "جهاز كمبيوتر على كل مكتب وفي كل منزل". ولدى كل شركة تابعة لماسك رؤيتها الخاصة حول تلك الجرأة والوضوح؛ على سبيل المثال، رؤية تيسلا هي "تسريع انتقال العالم إلى الطاقة المستدامة" ورؤية سبيس إكس هي "تمكين البشرية من الانتقال بين الكواكب". ولكن لفهم ماسك جيداً، نحتاج إلى فهم رؤيته العامة التي تشمل شركاته العديدة.
التركيز على المشكلات لا الحلول
بينما نفكر بطريقة تقليدية في الرؤية على أنها السعي إلى إيجاد نوع معين من الحلول، يبدو أن ماسك يتبع نهجاً مختلفاً: البحث عن نوع معين من المشكلات. على وجه التحديد، يبدو أنه ينجذب إلى المشكلات التي تنطوي على التعامل مع نطاق ضخم والتغلب على التعقيد.
أولاً، التعامل مع نطاق ضخم يعني أنه يختار المشكلات التي لا يمكن حلها إلا من خلال الالتزام باستثمارات ضخمة وثابتة من حيث التكلفة. لنأخذ على سبيل المثال "المصانع العملاقة" (gigafactories) لشركة تيسلا. الفكرة التي تقوم عليها هذه المصانع هي أن إنتاج السيارات الكهربائية بكميات كبيرة وبتكاليف تجعلها عملية في سوق تجارية واسعة النطاق يتطلب نطاقاً ضخماً. على سبيل المثال، غيغا تكساس (Giga Texas) هو خامس مصنع من مصانع تيسلا العملاقة وأكبر مصنع في العالم من حيث المساحة.
ثانياً، يتطلب التغلب على قدر كبير من التعقيد، أي التعامل مع أجزاء متحركة متعددة ومترابطة، التزاماً تجاه الوقت وقدرة على تحمُّل الفشل. يُعد بناء صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، مثل ما يركز عليه ماسك في سبيس إكس، أمراً صعباً للغاية. ولكي يكون الصاروخ قابلاً لإعادة الاستخدام، يجب أن يكون مجهزاً لإبطاء سرعته من قرابة 3,000 ميل في الساعة ليصل إلى سرعة هبوط آمنة ويهبط بدقة.
ثمة إمكانية واضحة أن تحقق هذه الأنواع من المشكلات ميزة تنافسية مستدامة، إذا كان بإمكانك حل المشكلة. إذ تشير سلسلة طويلة من البحوث التي أجراها زملاؤنا وباحثون آخرون إلى أن الالتزام بالوصول إلى نطاق ضخم والتغلب على التعقيد يمكن أن يكون من المصادر المستدامة للمزايا التنافسية. لكن حل هذه المشكلات ليس لضعاف القلوب؛ فهو يتطلب القيام "بمخاطر كبيرة"، كما وثَّق زميلنا ديفيد يوفي في بحثه المستفيض حول إيلون ماسك.
المشكلات كحلول
توفر الرؤية المخصصة لهذه المشكلات، ذات النطاق الواسع والدرجة العالية من التعقيد، العديد من المزايا.
توقُّع الأداء
على الرغم من صعوبة حل المشكلات الواسعة النطاق، يمكن أن ينخفض الأداء وتكاليف الوحدات على نحو يمكن التنبؤ به مع زيادة حجم الإنتاج وبناء وحدات بمرور الوقت، وهي تأثيرات متراكمة تُعرف باسم "منحنى الخبرة". (قد يكون قانون مور، الذي ينص على أن القدرة الحاسوبية يمكن أن تتضاعف كل عامين، أشهر مثال لمنحنى الخبرة).
من الواضح أن ماسك يعتمد، على الأقل ضمنياً، على الافتراض القائل إن منحنى الخبرة سيحقق الأهداف المنشودة. إذ يريد ماسك خفض تكاليف البطاريات إلى النصف من خلال زيادة قدرة تصنيع البطاريات بشكل هائل، بالاعتماد على وفورات الحجم التكنولوجية الناجمة عن أساليب الإنتاج المحسّنة.
التحفيز لتحقيق الأهداف التي تبدو مستحيلة.
يمكن أن يكون السعي إلى إيجاد حلول للمشكلات الكبيرة محفزاً للمؤسسة، ما يدفع الموظفين إلى تحقيق نتائج طموحة للغاية. ومع ذلك، هناك سبب يجعل معظم الموظفين يجدون هذا الأمر مخيفاً لدرجة تعجيزية. إذ يبدو أنه صعب لدرجة أنه لا يستحق حتى البدء أو المحاولة.
ماسك على استعداد، على نحو فريد، للسعي إلى ذلك، والموظفون في شركته يدركون تماماً أنهم يحاولون تحقيق أهداف ممتدة تبدو مستحيلة. على سبيل المثال، طلب ماسك من أحد مهندسي سبيس إكس، ستيف ديفيس، بناء جزء من صاروخ "فالكون 1" (Falcon 1)، الذي قال ديفيس إن تكلفته التقديرية ستكون 120 ألف دولار، بتكلفة 5,000 دولار. وقد سلَّم ديفيس الجزء في النهاية مقابل 3,900 دولار. ومع ذلك، يؤكد ماسك أن طلباته قابلة للتنفيذ، فقد قال: "أنا بالتأكيد لا أحاول وضع أهداف مستحيلة، لأني أرى أنها مثبطة للهمم".
المشكلات
إن الرؤية التي تقوم على معالجة المشكلات الواسعة النطاق والشديدة التعقيد تأتي بمشكلاتها. وهنا سنركز على مشكلتين فقط.
عقبات في الطريق
معظم الناس سيئون للغاية في وضع توقعات دقيقة. فالبشر يستنبطون بشكل خطي، لكن التعقيد يزيد بشكل أسرع من ذلك بكثير. والنتيجة، كما يتضح من البحث الذي أجره آندي وو مع طالب الدكتوراة في كلية هارفارد للأعمال أتيكوس بيترسون، هي أن رواد الأعمال يكافحون باستمرار لوضع جداول زمنية واقعية، خاصة للمشاريع المعقدة.
وماسك ليس استثناءً، باعترافه. إذ لا تزال ستارلينك (Starlink)، وهي شركة متخصصة في توفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وتديرها سبيس إكس، أقل بكثير من توقعات ماسك في عام 2015 للمكانة التي ستكون الشركة عليها بعد عقد من الزمان. وحتى مارس/آذار 2022، كان لدى ستارلينك 0.625% فقط من مشتركيها وحققت 1% فقط من إيراداتها المستهدفة لعام 2025. وحتى الآن منحت الأسواق ماسك قدراً استثنائياً من الحرية للصمود في ظل تقلباته المستمرة، ولكن هذا النوع من التوقعات التي لم تتحقق قد يؤدي إلى فشل معظم المدراء.
نفاد الطاقة
الجانب السلبي لتتبع مشكلة كبيرة هو أن الطريق إلى الحل طويل والعقبات كثيرة على طول الطريق، كما أن الشعور بالإنهاك وخيبة الأمل من المخاطر الحقيقية. قال مدير إنتاج سابق في تيسلا إن العمل لمدة 70 ساعة في الأسبوع لم يكن أمراً غير عادي، وأن طرده منها كان أفضل شيء حدث لزواجه. وفقاً لكاتب سيرة ماسك الذاتية، آشلي فانس، كان مدير التوظيف يقول لموظفي سبيس إكس الجدد: "إذا كنت ستبذل أقصى ما بوسعك، فهذا رائع. وإن لم تكن ستفعل ذلك، فليس هناك داعٍ لمجيئك إلى هنا".
في النهاية، السؤال المفتوح هو ما إذا كانت مؤسسات ماسك ستتمكن من الحفاظ على هذه الأنواع من ظروف العمل على مدار السنوات العديدة اللازمة لتحقيق النجاح المنشود.
التنظيم
القيام بكل شيء بنفسك
السمة الأكثر تمييزاً لاستراتيجية ماسك هي الطريقة التي ينظم بها شركاته. فهو على وجه التحديد يطبق استراتيجية قائمة على التكامل الرأسي والتكنولوجيات المغلقة.
التكامل الرأسي
الشركة المتكاملة رأسياً تتحمل مسؤولية المراحل المختلفة لسلسلة القيمة التجارية وتديرها بشكل مباشر. على سبيل المثال، تصنع سبيس إكس 70% تقريباً من صاروخ "فالكون 9" (Falcon 9) داخلها. وبالمقارنة، فإن شركة يونايتد لونش آلايانس (United Launch Alliance) التي تطلق مركبة الفضاء التابعة لناسا، تعمل فقط على تكامل الأنظمة وعمليات الإطلاق، مع الاعتماد على 1,200 متعاقد فرعي في جميع العمليات الأخرى. تطمح تيسلا إلى تحقيق التكامل العمودي الخلفي في تعدين الليثيوم. وعلى النقيض من ذلك، تعتمد الشركات المصنعة للمعدات الأصلية التقليدية للسيارات على أطراف ثالثة في السوق لتوفير المكونات الأساسية.
التكنولوجيا المغلقة
الشركة التي تتبع استراتيجية التكنولوجيا المغلقة تبني تكنولوجيات خاصة بها وغير قابلة للعمل بشكل متوافق مع الشركات الأخرى. تستخدم أقمار ستارلينك الصناعية من سبيس إكس تكنولوجيا مسجلة الملكية تجعلها غير قابلة للعمل بفعالية مع أطباق الأقمار الصناعية الأخرى. وشبكة شحن تيسلا في الولايات المتحدة غير قابلة للتشغيل البيني مع مركبات شركات التصنيع الأخرى. في المقابل، تهدف الاستراتيجية المفتوحة إلى تحديد معيار للمنظومة من خلال جعله قابلاً للتشغيل البيني مع الشركات الأخرى. أكبر شركات التكنولوجيا في العالم تعتمد جميعها تقريباً على استراتيجية مفتوحة بقدر أكبر من استراتيجية ماسك. على سبيل المثال، تتعاون جوجل مع آتش بي (HP) وآيسر (Acer) وإنتل (Intel) لإطلاق ميزة دعم الإقران السريع بين هاتف يعمل بنظام أندرويد وجهاز كمبيوتر يعمل بنظام ويندوز. تتمثل ميزة الاستراتيجية المفتوحة في احتمالية وجود تأثيرات شبكة تخلق قيمة، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة العائدات وفوز الأفضل أداءً بكل شيء.
التحكم التام
لدى هذه الخيارات التنظيمية مزايا محددة يمكننا التعلم منها.
إطلاق منظومة جديدة
إن جلب تكنولوجيا جديدة إلى السوق يمثل مشكلة كمعضلة الدجاجة والبيضة: يحتاج المنتج إلى إمدادات من العروض التكميلية، لكن الموردين ومجتمعات التطوير المكملة ليسوا موجودين بعد، ولا يرغب أي رائد أعمال في ربط مصيره بتكنولوجيا لم تُطرَح في السوق بعد.
هناك طريقتان "لحل" هذه المشكلة. أولاً، يمكنك توقيت السوق والانتظار حتى تنضج المنظومة، على الرغم من أنك بذلك تخاطر بالانتظار لفترة طويلة. ثانياً، يمكنك قيادة السوق، أو توفير جميع المستلزمات والمكملات الضرورية بنفسك. تخيل الأيام الأولى لاكتشاف الكهرباء: سيكون من الصعب بيع توربينات لتوليد الطاقة إن لم تكن هناك مصابيح كهربائية وغسالات كهربائية. في أوائل القرن العشرين وفرت شركة جنرال إلكتريك (General Electric) مولدات ومنتجات لاستخدام الكهرباء.
بالنسبة إلى تيسلا، اختار ماسك قيادة السوق (ولا يُقصد هنا التورية) من خلال توفير كل من السيارات الكهربائية ومحطات الشحن التي تعتمد عليها هذه السيارات.
تحصيل قيمة أكبر
من خلال التحكم في المنظومة بأكملها، يمكن للشركات تحصيل قيمة فائضة. شركة آبل، على سبيل المثال، يمكن أن تحقق أرباحاً إضافية من خلال صنع كابل شحن خاص بها، في حين أن الشركات التي تستخدم كابل يو إس بي المفتوح العادي لا يمكنها ذلك. علاوة على ذلك، قد يجد شخص ما لديه العديد من كابلات لايتنينغ أنه من الأنسب الاستمرار في شراء أجهزة آبل. وعلى غرار آبل، فإن محولات الشحن المملوكة لتيسلا التي تستخدمها سياراتها ومحطات الشحن الخاصة بها (في الشبكة الوطنية وفي المنزل) تتيح تحصيل قيمة في المستقبل. قد يجد الشخص الذي ركَّب بالفعل محطة شحن من تيسلا في المنزل أنه من الأنسب شراء سيارة من سيارات تيسلا في عملية الشراء التالية.
مخاطر العمل بمفردك
بينما يمكننا تبرير استراتيجية ماسك القائمة على فعل كل شيء على المدى القصير، فإن هذه الاستراتيجية ستعرضه على المدى الطويل لمخاطر كبيرة.
الحرمان من مزايا السوق.
من خلال القيام بكل شيء بنفسك، فأنت بذلك تواجه الخطر المتمثل في عدم التمكن من الاستفادة من السوق عندما تظهر في النهاية أطراف ثالثة يمكنها توفير مستلزمات ومكملات بسعر أفضل أو تقديم ابتكارات جديدة رائدة. في حين أن العروض الواسعة النطاق التي تقدمها شركة جنرال إلكتريك كانت منطقية في الأيام الأولى، فإنه لا حاجة بعد الآن إلى أن تكون الغسالات وطواحين الهواء في مكان واحد.
تعاني إنتل من هذه المشكلة اليوم، فقد انتهجت لعقود استراتيجية متكاملة رأسياً في كل من تصميم معالجاتها وتصنيعها. وقد وضعتها هذه الاستراتيجية في مأزق اليوم؛ فعندما تراجعت تكنولوجيا التصنيع الخاصة بها أمام شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC) المتخصصة في التصنيع، أصبح مصممو الرقاقات الإلكترونية لشركة إنتل مقيدين تقنياً وتنظيمياً بقدرات التصنيع الداخلية لإنتل.
يمكن أن يواجه ماسك مشكلات مماثلة؛ فإذا ظهر ابتكار جديد في البطاريات خارج الشركة، قد تتكبد تيسلا تكاليف كبيرة غير ضرورية على المدى الطويل لأنها ستظل عالقة في "شراء" بطارياتها.
تأثيرات الشبكة المعرقِلة للمنظومة
يتعين على شركات التكنولوجيا القيام بمفاضلة أساسية بين خلق القيمة على المدى الطويل وتحصيل القيمة على المدى القصير؛ فاختيار نهج الملكية الخاصة يقيد بطبيعته الطريقة التي يمكن أن تسهم بها الأطراف الثالثة في المنظومة. على سبيل المثال، الأنفاق التي تخطط شركة ذا بورينغ كومباني لحفرها بعرض 12 قدماً هي أضيق بمقدار 5 أقدام من العرض القياسي المستخدم لقطار الأنفاق بالمدينة، وبالتالي فهي غير متوافقة مع القطارات الموجودة حالياً. إذا نجح نظام النقل الخاص بالشركة، فستعتمد على تكنولوجيتها حصراً. وإن لم يحدث ذلك، فلن يكون هناك استخدام بديل للأنفاق أو الآلات، ولن تكون هناك مساعدات خارجية.
الموارد
الطريقة الوحيدة لتتبع المشكلات الواسعة النطاق والشديدة التعقيد باستخدام تصميم تنظيمي متكامل رأسياً ومغلق هي أن تكون لديك إمكانية الحصول على كميات هائلة من رأس المال الصبور. وبالطبع يمكن لماسك الحصول على رأس المال. فمن خلال 8 شركات من شركاته جمع أكثر من 34 مليار دولار. وقد جمعت نيورالينك وحدها أكثر من ثلاثة أضعاف رأس المال الذي جمعته أمازون.
تُعد هذه العلاقة التي بين ماسك ومستثمريه هي العامل الأساسي الذي يمكّن استراتيجيته، وهي أيضاً الأصعب في تقليدها. يكافح معظم محللي وول ستريت (Wall Street) لفهم كيفية عملها، ويراقبها معظم الرؤساء التنفيذيين بينما تعطي الأسواق فرصاً لماسك لم يتمكنوا قطّ من الحصول عليها.
كيف يفعل ذلك؟ لفهم مدى إتقان ماسك لفن الإقناع، ومتى يفشل الإقناع، سنناقش وسائل الإقناع الثلاثة التي حددها أرسطو: المصداقية والعواطف والمنطق.
المصداقية
وهي تعني جذب الانتباه لسلطة المتحدث أو إخلاصه. كان الموظفون في شركة ماسك الناشئة الثانية إكس دوت كوم (X.com) (التي أصبحت باي بال لاحقاً) يقولون للموظفين الجدد: "لديه 13 مليون دولار". فقد استثمر معظم الثروة التي جمعها من بيع شركته الأولى، ودائماً ما يكون لديه الكثير على المحك في شركاته. بلغ استثماره الأولي في سبيس إكس 100 مليون دولار من 175.8 مليون دولار التي حصل عليها من بيع باي بال. وقد استمر في استثمار ثروته الشخصية بالكامل في سبيس إكس وتيسلا حتى عام 2008 عندما نفد منه المال واضطر إلى الاقتراض من الأصدقاء.
العواطف
وهي تعني إثارة مشاعر الجمهور. استطاع ماسك من خلال شركاته تكوين منظور ملهم للعالم، وقد وصفه آشلي فانس كاتب سيرته الذاتية بأنه "عبقري مجنون في أكبر مهمة يمكن أن تخطر على بال أي شخص". فبراعة الأداء التي يتمتع بها ماسك تمنحه قدرات غير تقليدية على حشد الموارد. واليوم، يمكن أن تستنهض تغريدات إيلون ماسك الملايين من المستثمرين في مجال تجارة التجزئة. وقد قال أحد المحللين مؤخراً عن قدرة ماسك على إثارة المشاعر: "سيتبع [المستثمرون] في مجال تجارة التجزئة إيلون إلى أي مكان يذهب إليه أياً كانت خطورته".
المنطق
وهو يعني الانجذاب للأشياء المنطقية أو على الأقل ما يحاكي المنطق، وهذا هو ما قد يقول منتقدو ماسك في وول ستريت إنه الأضعف فيه. فالعديد من أعماله التجارية لا تعبر عن منطق واضح، وهو ما يتجلى في الطريقة غير المتوقعة التي تتوصل بها هذه الأعمال إلى حلول أو منتجات في النهاية. على سبيل المثال، كان الدافع الأولي لسبيس إكس هو جعل الناس يهتمون بالفضاء من خلال زراعة أول نبتة على سطح المريخ. وتمثلت الفكرة في إجراء تعديلات على دفيئة يمكن إطلاقها إلى المريخ باستخدام صاروخ روسي. لم يعتقد أي شخص في قطاع الفضاء الجوي أنه سيتمكن من القيام بذلك. ومع ذلك، انضم المهندسون والمستثمرون الذين انبهروا برؤيته إلى الشركة.
يوضح هذا المثال الغموض المنطقي الذي يكتنف نهجه. وقد أوضح ماسك جزءاً من منطقه السابق في مجموعة من "الخطط الرئيسية"، لكن معظم الأسس المنطقية لكيفية نجاحه لا تزال غامضة. لكن هذا ليس بالضرورة خطأ ماسك أو نتيجة للإهمال في حد ذاته؛ فعند السعي إلى ابتكار تكنولوجيات جديدة، لا سيما تلك التي تفتح أسواقاً جديدة، لا يمكن لأحد توقع المجموعة الكاملة من الاحتمالات بشأن ما ستكون هذه التكنولوجيا قادرة على فعله (وما لن تستطيع فعله). يميل مستثمرو ماسك إلى التركيز على المستقبل، وما يحمسهم بشكل أساسي هو الانجذاب إلى سلطته ومشاعرهم تجاهه وتطلعاتهم للمستقبل. ولحسن حظ ماسك أن هذا هو نوع المستثمرين الذين يلتفون حوله عند تتبع المشكلات التي تحاول شركاته التصدي لها.
صفقة تويتر واستراتيجية ماسك
لنعد إلى محاولة ماسك شراء تويتر. قد لا نعرف أبداً كيف سيبدو تويتر المملوك لماسك وكذلك الطريقة التي يمكن أن يعمل بها. يحاول ماسك التراجع عن الصفقة، وقد رفعت تويتر دعوى قضائية ضده، ما ينذر بمعركة قضائية. ولكن هل كان شراء ماسك لتويتر منطقياً فعلاً بالنظر إلى الاستراتيجية الموضحة أعلاه؟
قال المؤسس المشارك لشركة باي بال والمستثمر صاحب رأس المال المغامر (الجريء)، بيتر ثيل، ساخراً حول تويتر في عام 2013: "أردنا سيارات طائرة، ولكننا حصلنا بدلاً من ذلك على 140 حرفاً". وقد اعتبر ماسك أنه مَن سيجلب هذه السيارات الطائرة. فما الذي يريده ماسك من تويتر؟ الأمر هو أن المشهد التكنولوجي تغير على مدار العقد الماضي، وأصبحت كيفية الاعتدال في الخطاب وتوقيته مشكلة خطِرة، وبالنسبة إلى شركات التواصل الاجتماعي تُعد هذه مشكلة مصيرية. بعبارة أخرى، بدا الاعتدال في الخطاب من نوع المشكلات الاستراتيجية الكبيرة والمعقدة التي تستحوذ على اهتمام ماسك.
ولكنها أيضاً مشكلة من نوع مختلف، أولاً لأن هناك القليل من الأدلة على أن تأثيرات منحنى الخبرة تنطبق هنا. فقد تم تأسيس موقع يوتيوب منذ 17 عاماً، وموقع ريديت (Reddit) منذ 16 عاماً. ويوظف فيسبوك مراجعي محتوى أكثر من عدد العاملين في سبيس إكس. وقد أنفقت هذه الشركات وحدها الكثير من المال والوقت سعياً إلى حل مشكلة الاعتدال في المحتوى. وزاد الاهتمام بوظائف تويتر بأكثر من 250% بعد إعلان ماسك، على الرغم من أن ماسك لا يمتلك سجلاً حافلاً بالتغييرات المؤسسية. وهو لم يؤسس تويتر، كما أنها لا تعمل بثقافة العمل المفرط الموجودة في شركاته الأخرى. ومن غير الواضح ما إذا كانت ملكيته لها ستكون محفزة أم محبِطة.
ثم هناك المسألة المتعلقة بما إذا كان إجراء عملية إعادة تنظيم على نسق هذه الشركات الأخرى، مع أخذ كل شيء داخل الشركة وجعله مملوكاً لها، سينجح في تويتر. تقرر غالبية الشركات الاستعانة بمصادر داخلية فيما يتعلق بأدوات تحقيق الاعتدال في المحتوى القائمة على الذكاء الاصطناعي، التي تتسم بأنها قابلة للتطوير، والاستعانة بمصادر خارجية لتحقيق الاعتدال في المحتوى البشري، لأنها عملية مرهِقة ولا تتطلب مهارات تقنية. لكن تحقيق التكامل الرأسي في المهمات الأساسية وغير التقنية في شركات ماسك، مثل مهمات اللحام في شركة سبيس إكس، أدى إلى تحسين المهمة نفسها والعمليات المرتبطة بها. ومن ناحية أخرى، ليس من الواضح كيف سيؤدي ميل ماسك نحو الأنظمة المغلقة إلى تحصيل قيمة إضافية.
الأمر الواضح هو أن قدرة ماسك على حشد الموارد لا تزال قوية. فقد قام باستثمار شخصي كبير في تويتر، يبلغ 10% تقريباً من صافي ثروته، ما يؤكد أنه متوائم مع المستثمرين ومستقبل الشركة على المدى الطويل (المصداقية). ومن ناحية أخرى، فإن إثارة ماسك للمشاعر (العواطف) كانت أيضاً معقدة بعض الشيء، لأنه يستقطب الناس بوجه عام وفقاً لأسس أيديولوجية. وعلى الرغم من عرض خطط غامضة فقط وزَعْم أن شراء تويتر لا يتعلق بكسب المال (المنطق)، يبدو أن المستثمرين ما زالوا يذعنون أمام سجل إنجازاته وسلطته.
قد لا نعرف أبداً ما إذا كانت استراتيجيات ماسك ستؤتي ثمارها في تويتر، لكن هذه الملحمة تقدم درساً مفيداً آخر: خسر العديد من المستثمرين أموالهم لأنهم احتذوا بقادة ملهمين فشلوا في تحقيق النتائج المنشودة في النهاية، ولا يمكن فهم منطقهم أبداً ولم يتم توضيحه. بمعنى آخر، الفرق بين العبقرية والجنون غير واضح، وغالباً لا يتم اكتشافه إلا بعد فوات الأوان. الأمر الواضح هو أن ماسك حقق بالفعل إنجازات عظيمة لم يكن أحد يعتقد أنه من الممكن تحقيقها، وقد فعل ذلك من خلال استراتيجيته الثابتة الجريئة.