كيف نعد أطفالنا لعصر الذكاء الاصطناعي الذي ينتظرهم في المستقبل؟

5 دقائق
الأطفال والذكاء الإصطناعي
shutterstock.com/Bas Nastassia

إذا كنت مثلنا، فقد نشأتَ في طفولتك على فكرة مفادها أنك إذا اخترت تخصصاً جامعياً جيداً، وكرست له قدراً مناسباً من وقتك وتفوقت في الامتحانات، فسوف تضمن لنفسك الحصول على وظيفة محترمة ستتحول على الأرجح إلى مسار مهني تعمل فيه مدى الحياة. وعند الحديث عن الأطفال والذكاء الإصطناعي، فإن أحد اهتماماتنا الرئيسية كبالغين –شأننا في ذلك شأن آبائنا وأمهاتنا في الماضي- تتمحور الآن حول ضمان تسليحهم بالمهارات والأدوات التي تؤهلهم للنجاح عند انضمامهم إلى قوة العمل. إلا أن النظام التعليمي الذي يحتاجه أطفالنا الآن لا يتماثل بالضرورة مع النظام الذي كنا نحتاج إليه في صغرنا، ولكي نتمكن من إعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل، ذلك المستقبل الحافل بالتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي، يجب علينا أولاً أن نتعرف على النظام التعليمي المطبق حالياً، ونفهم نقاط ضعفه في تأهيل أطفالنا لتطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية، ونتخذ الخطوات اللازمة بأنفسنا لتسليحهم بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح في عصر الذكاء الاصطناعى.

الموضوع بكل بساطة أن نظامنا التعليمي المعاصر قد أكل عليه الدهر وشرب، ولم يعد مناسباً أو مواكباً لمجريات العصر الحديث، حتى بات يُوصف في كثير من الأحيان بـ "نموذج المصنع التعليمي"، ذلك أن هذا النظام يُعد الطلاب في الأساس؛ ليصبحوا نسخاً مبرمجة على نحو متماثل في مراحلهم التعليمية المختلفة، فيلقنهم مجموعة جامدة من النظريات والمهارات، ونتيجة لذلك يُخرّج نسخاً متطابقة من المنتج نفسه. ربما كان هذا مقبولاً في العصر الفيكتوري حينما وضِع بغرض تدريب موظفي الدولة على اكتساب مجموعة محددة من المهارات، لكنه غير مناسب بشكل كبير لتلبية احتياجات الأطفال الذين سيعملون في عصر الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها.

في حين كانت الانعزالية السمة المميزة للثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة، يمكن اعتبار الثورة الصناعية الرابعة "ثورة تأسيسية" تعمل فيها التقنيات الحديثة على ابتكار طرق جديدة تماماً لتمكين التكنولوجيا في الحياة. وبدلاً من التطور بطريقة خطية، ستأخذ هذه التقنيات في التقارب بعضها مع البعض، ويعد الذكاء الاصطناعي أبرز الأمثلة على ذلك.

اقرأ أيضاً: على الذكاء الاصطناعي أن يصبح أقل نخبوية

ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل العمل ولمستقبل أطفالنا؟

هذا يعني أن غالبية الوظائف التي يضطلع نظامنا التعليمي الحالي بمهمة إعداد أطفالنا لها ستكون عديمة القيمة حينما يكبرون؛ فوفقاً لأحد التقديرات، فإن ما يصل إلى 65% من أطفال المدارس الابتدائية سينتهي بهم المطاف في وظائف لا وجود لها في المستقبل. الأدهى من ذلك أنهم سيُحرمون من رفاهية الحياة المهنية المستقرة والأمن الوظيفي اللذين نعمنا بهما نحن ذات يوم. وبمقدورنا ملاحظة هذه الاتجاهات من الآن، حيث أفاد 21% من أفراد جيل الألفية بأنهم غيروا وظائفهم خلال العام الماضي، وفق أحد التقارير الصادرة مؤخراً عن مؤسسة "غالوب"، كما أظهر استقصاء منصة "ذا ميوز" (The Muse) للتوظيف أن 58% من قاعدة مستخدميها الذين ينتمي الأغلبية الكاسحة منهم إلى جيل الألفية يخططون لتغيير وظائفهم هذا العام.

وتشهد مشاعر الولاء لأصحاب العمل الحاليين تراجعاً ملحوظاً بين أفراد هذا الجيل الذين يبحثون باستمرار عن فرص التعلم والنمو والمرونة؛ ووفقاً لدراسة لمنصة "آب وورك" (Upwork) بعنوان "اتجاهات العمل المستقل في أميركا" لعام 2017، من المتوقع أن يشكل الموظفون المستقلون غالبية قوة العمل الأميركية خلال العقد المقبل. وفي ظل قدرتهم على سرعة التأقلم مع التقنيات الحديثة، إلى جانب تطور المشهد الوظيفي، فإن الحياة المهنية لأفراد جيل الألفية وما بعده ستختلف تمام الاختلاف عن الحياة المهنية التي عشناها.

العناصر الأربعة لإعداد الأطفال لعصر الذكاء الاصطناعي

وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: ما الذي يمكننا فعله كآباء لإعداد أطفالنا لهذه التغييرات؟

حددنا أربعة مجالات رئيسية يجب أن نطورها ونشجع أطفالنا على خوضها للتصدي لهذه التحديات المرتقبة، وأسميناها "العناصر الأربعة": الإبداع والبرمجة والتواصل والثقة.

الإبداع:

عادة ما كان الإبداع قدرة لا تحظى بالتقدير والتشجيع المناسبين من قِبل آباء وأمهات جيلنا، رغم أن الإبداع يمثل صلب ريادة الأعمال، ومع تنامي اقتصاد الأعمال المستقلة، ستتزايد أعداد الموظفين المستقلين الذين يخلقون وظائفهم بأنفسهم، بالإضافة إلى زيادة أعداد الموظفين المستقلين الذين يعملون لحسابهم الخاص، أو الأشخاص الذين يملكون ما يكفي من المهارات والمعرفة للعمل في مجالات مختلفة لمؤسسات مختلفة. لا بد إذن من تغذية روح الإبداع لدى أطفالنا، حتى يستطيعوا خوض غمار المنافسة في مستقبل يُنتظر أن تضطلع فيه الآلات بأداء المزيد والمزيد من المهمات التي لا تتطلب جهداً ذهنياً، فشجع أطفالك على القراءة، وحفّزهم على التفكير خارج الصندوق.

البرمجة:

تمنح البرمجة الأطفال فرصة للتفاعل مع الأجهزة والكمبيوترات بطريقة بناءة، وتساعدهم على فهم العلاقة بين البشر والتكنولوجيا بصورة أفضل. (لكن لاحظ أن هذا يختلف تماماً عن مجرد السماح للأطفال بالمكوث لساعات طويلة أمام الأجهزة التكنولوجية)، فمن شأن رفع مستوى براعتهم في التعامل مع التقنيات التكنولوجية أن يتيح أمام الأطفال مزيداً من فرص الانضمام إلى قوة العمل في المستقبل، كما أن تكوين علاقة صحية ومعرفة عملية بهذه التكنولوجيا من شأنه أن يمكّنهم من استخدامها كوسيلة لتحسين جودة الحياة، بدلاً من مجرد رؤيتها كخطر يمثل تهديداً لهم. فاحرص على إلحاق أطفالك بدورات تعليم البرمجة في وقت مبكر، أو الأفضل من ذلك أن تعلمهم إياها بنفسك!

التواصل:

تعد القدرة على التواصل ببلاغة وفاعلية إحدى أفضل الأدوات التي يمكننا تسليح أطفالنا بها، لكنهم وبكل أسف يكبرون اليوم في بيئة لا تساعد على اكتساب تلك المهارة؛ فالهواتف الجوالة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية واستخدام البريد الإلكتروني، كلها أدوات تسهل علينا تجنب التواصل المباشر، وتتيح لنا في كثير من الأحيان فرصة الهروب من المواقف غير المريحة، على الرغم من أهميتها، حتى إن الكثير من الأطفال الناشئين يفتقرون إلى القدرة على كتابة رسالة بسيطة بالبريد الإلكتروني، ناهيك عن عرض طلباتهم بأدب وبأسلوب بليغ؛ وغني عن البيان أن قراءة الإشارات اللفظية والاستماع الإيجابي وحل المشكلات مع شخص آخر أمور ضرورية للنجاح المهني، كما أن القدرة على التعبير عن النفس لفظياً تؤدي أيضاً إلى تحسين اللياقة العاطفية. فشجع أطفالك على تجاذب أطراف الحديث معك والتعبير عن مشاعرهم. فإذا ارتكبوا خطأ، على سبيل المثال، فلا ترسلهم إلى غرفتهم بصحبة هواتفهم أو ألعابهم، بل اطلب منهم بدلاً من ذلك وصف مشاعرهم في مفكرة، ثم اطلب منهم أن يقصوها عليك فيما بعد؛ إضافة إلى أن تشجيعهم على تعلم لغة جديدة يعتبر أيضاً طريقة رائعة لفتح سبل جديدة أمامهم للتعبير عن أنفسهم ورؤية العالم من حولهم.

الثقة:

أخيراً، يجب علينا غرس الثقة في نفوس أطفالنا، وبينما نقترب أكثر وأكثر من مستقبل يكتنفه المجهول ويعج بكل ما هو جديد بالنسبة لنا جميعاً، يجب أن يشعر الأطفال بأنهم مسؤولون عن مصيرهم. هذا يسمح لهم باتخاذ القرارات دون الخوف من ارتكاب الأخطاء أو الشك في حسن تقديرهم الشخصي. وإحدى أفضل الطرق التي يمكننا بها تعزيز هذا السلوك أن نشجعهم على تحمل المخاطر، وأن يصبحوا صناع قرار إيجابيين في حياتهم اليومية. يمكن أن يكون الأمر بسيطاً، كالسماح لهم بالاختيار بين القرنبيط أو الهليون على العشاء في إحدى الأمسيات. وعندما يجربون شيئاً جديداً، احتفِ به، حتى لو لم يسر الأمر على النحو المخطط له. دعهم يتعلموا أن الكثير من الانتصارات تأتي بعد عدد أكبر من الهزائم.

اقرأ أيضاً: نحن بحاجة إلى ذكاء اصطناعي قابل للتفسير والتدقيق ويتمتع بالشفافية

على الرغم من استحالة الجزم بالصورة التي سيبدو عليها العالم في السنوات الخمس أو العشر المقبلة، فمن الواضح أن نظامنا التعليمي الحديث لا يؤدي الدور المنوط به في إعداد أطفالنا لمستقبل ستتحكم التكنولوجيا في كل مجرياته. وإلى حين تغير هذا النظام، فإننا مطالبون كآباء وأمهات بغرس المهارات والسلوكيات اللازمة لنجاح أطفالنا؛ ومن خلال تقليل تركيزنا على نتائج "اختبار سات" والتقدير التراكمي وبتشجيع "العناصر الأربعة"، سنسلّح أطفالنا بأدوات ستوفر لهم ميزة في مستقبل يصعب التنبؤ بأحداثه وتضمن لهم ميزة تنافسية ممتازة في مستقبل يعيش فيه الأطفال والذكاء الإصطناعي بانسجام تام.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .