ملخص: يمكن أن يجعلنا الغموض نتمسك بما هو مألوف بالنسبة إلينا، ولكنه أيضاً فرصة لتوسيع نطاق التفكير واستكشاف سبل جديدة للنمو. وضع المؤلفان، استناداً إلى خبراتهما بوصفهما مستشارين ومدربين في مجال القيادة، 5 استراتيجيات يمكن أن تساعد أي شخص على إعادة اكتشاف حياته المهنية: أولاً، استكشف مجموعة من الخيارات، بما في ذلك الخيارات التي لا يمكن تصورها. ثانياً، تخيَّل أفضل سيناريو يمكن حدوثه في المستقبل. ثالثاً، احرص على بناء القدرات ذات الصلة بالشخصية التي تتمنى أن تكون عليها في المستقبل. رابعاً، ابدأ بخطوات صغيرة وبسيطة. وأخيراً، كن حازماً بشأن ما تحتاج إلى تنحيته جانباً. لا توجد حلول أو إجابات سهلة، ولكن باتباع هذه الاستراتيجيات ستكون لديك الأدوات اللازمة للتعامل مع كل ما قد يجلبه المستقبل.
في الأوقات التي يشوبها القلق والغموض نميل إلى التمسك بالوضع الراهن. فنصاب بنوع من قصر النظر ونركز على قراراتنا الأكثر إلحاحاً: كيف نحافظ على سلامة عائلاتنا وصحتهم وكيف نرضي مدراءنا وكيف سنجد وظيفة جديدة بأسرع ما يمكن إذا فقدنا الوظيفة الحالية. وعندما نشعر بالضغط والارتباك، يكون من الصعب أن نجد الوقت والتحفيز والطاقة الذهنية للتفكير في التساؤلات الأطول أجلاً.
وعلى الرغم من التحديات التي تجلبها الفترات الممتدة من القلق والغموض، فإن هذه الفترات تتيح أيضاً فرصاً غير مسبوقة للتخطيط الاستراتيجي. دائماً ما تكون السيطرة الكاملة والقدرة على التنبؤ عبارة عن وهم، وعندما تزيل الظروف هذا الوهم، يمكن أن تُفتح عقولنا على مجموعة كبيرة من المسارات التي يمكننا أن نسلكها. استناداً إلى خبرتنا بوصفنا مستشارين ومدربين في مجال القيادة، وضعنا 5 استراتيجيات يمكن أن تساعد أي شخص على الاستفادة من قوة الغموض لإعادة اكتشاف استراتيجية حياته المهنية.
5 استراتيجيات يمكن أن تساعد أي شخص على إعادة اكتشاف استراتيجية حياته المهنية
1. استكشف مجموعة من الخيارات، بما في ذلك الخيارات التي لا يمكن تصورها
في الأوقات التي يشوبها القلق والغموض، يمكن لأي شيء أي يحدث. إذ يمكن أن يكون نطاق النتائج المحتملة متسعاً للغاية، وحتى عندما نتفهمها من الناحية الفكرية فإننا غالباً ما نتجنب مواجهة أسوأ السيناريوهات. ولكن التفكير بوضوح في أكثر النتائج التي لا يمكن تصورها يمكن أن يجعلها أقل رعباً وتهديداً، ما يتيح لك التفكير في خياراتك بشكل أكثر وضوحاً والتخطيط لحياتك بشكل أكثر فاعلية.
عملت دوري مع مؤسسة تصوغ الميزانيات مع تحديد ما ستفعله بالتفصيل إذا تسببت الجائحة في انخفاض الإيرادات بنسبة 5% أو 10% أو 20% في هذا العام. وقد حثتها دوري على صياغة سيناريو تخسر فيه 50% من إيراداتها. ولحسن الحظ، لم يتحقق هذا السيناريو السوداوي. ولكن معرفة ما ستفعله المؤسسة في هذه الحالة يعني أنها كانت مستعدة لأي شيء أياً كان، ما جعل فرصها في النجاح أكبر بكثير من المؤسسات النظيرة التي تجنبت التفكير في احتمالية حدوث ذلك.
وبالمثل، إذا كنت تبحث عن عمل، لا تفكر في التخطيط للسيناريوهات الأكثر ترجيحاً فحسب ولكن خطط أيضاً للسيناريوهات التي قد تكون عاطلاً فيها عن العمل ضعف المدة التي تتوقعها، أو التي يفقد فيها شريك حياتك وظيفته أيضاً. على الرغم من صعوبة التفكير في هذه الاحتمالات، فإن معرفة الكيفية التي ستتعامل بها مع هذه السيناريوهات، وتجهيز محفزات لاتخاذ القرارات مثل "إذا لم أحصل على وظيفة بنهاية شهر فبراير/شباط، سأنتقل إلى شقة أقل تكلفة أو سأُؤَجِّر غرفة النوم الإضافية"، يمكن أن تساعد في ضمان ألا تجد نفسك في وضع أكثر صعوبة لاحقاً مثل الاضطرار إلى بيع منزلكذ أو الانتقال للعيش مع أقاربك.
2. تخيَّل أفضل سيناريو يمكن حدوثه في المستقبل
بالطبع لا يتعلق التخطيط الاستراتيجي بتخيُّل أسوأ النتائج الممكنة فحسب. فمن المهم أيضاً دراسة الأفكار والفرص التي ربما لم تخطر ببالك من قبل. لذلك تحدَّ الافتراضات التي تضعها عن نفسك مثل "لم أجرب هذا النوع من العمل من قبل، لذا لن أكون مرشحاً جيداً" و"لست مؤهلاً للإدارة". وفكّر في طرق مختلفة يمكنك من خلالها استغلال مهاراتك وإشباع شغفك، في العمل والجوانب الأخرى من حياتك على حد سواء. على سبيل المثال، هل سيمنحك العمل لمدة 3 أيام في الأسبوع المزيد من الوقت لرعاية الوالدين أو للقيام بمشاريع أعمال حرة؟ كلما فكّرت في الخيارات المتاحة أمامك، ستصبح أكثر استعداداً للتصرف عند ظهور أي فرصة.
قد يبدو هذا الأمر بسيطاً، ولكن تخيُّل أفضل السيناريوهات المستقبلية يكون أحياناً أصعب من الاستعداد لأسوأها. فيما يلي بعض الاستراتيجيات لمساعدتك على البدء في ذلك.
- لتستمد الإلهام، تذكّر أكثر الأوقات صعوبة، كالتحديات التي واجهتها في أثناء الجائحة، وفكّر في المهارات التي اكتسبتها أو التكييفات المبتكرة التي أجريتها للتغلب عليها. فربما كنت تعاني من دون روتين الذهاب في رحلتك اليومية إلى العمل ولكنك استفدت من هذا الوقت في بناء روتين جديد للحفاظ على لياقتك. وبالتالي قد يشير ذلك إلى أنه ينبغي لك من الآن فصاعداً التفكير في فرص العمل عن بُعد.
- أنشئ سجلاً يضم أفضل اللحظات الشخصية لمساعدتك على تذكُّر الأوقات التي كنت خلالها في أفضل حالاتك. إذ يمكن أن تكون الأنماط التي تكتشفها بمثابة إشارات أو أفكار. على سبيل المثال، إذا كنت قد استمتعت بتوجيه زملائك، فيمكنك التفكير في كيفية تنمية مهارات جديدة حول التدريب الإرشادي أو البحث عن طرق لتجعله يشغل جزءاً أكبر من حياتك المهنية.
- ولمعرفة ما يعد ذا قيمة بالنسبة إليك، فكّر في الكيفية التي تقضي بها وقت فراغك. على سبيل المثال، هناك عميلة لدى ديفيد شغوفة بالكتابة وقد تركت مؤخراً وظيفتها وبدأت في تأليف كتاب.
- تجاوز حدود خبراتك السابقة وقطاعك الحالي لاستكشاف مجالات وتوجهات جديدة. قبل سنوات قليلة، لاحظ زميل سابق لديفيد أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي يتزايد بسرعة. وعلى الرغم من افتقاره إلى خبرة رسمية في المجال، فقد قدّم طلباً للحصول على وظيفة في قسم جديد للابتكار يركز على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنفيذها، وسرعان ما حصل على هذه الوظيفة بالفعل.
3. احرص على بناء القدرات ذات الصلة بالشخصية التي تتمنى أن تكون عليها في المستقبل
في الأوقات العادية، من المعتاد أن تحدد أولاً الوظيفة التي ترغب فيها ثم تعمل على اكتساب المهارات اللازمة للحصول عليها. ولكن في الأوقات التي يشوبها القلق والغموض، فإن هذا النهج يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر لأن الشركة أو حتى القطاع الذي تركز عليه قد يواجه زعزعة غير متوقعة. ولذلك نقترح اتباع نهج "المهارات أولاً"؛ ما يعني تحديد المهارات التي تحتاج إلى صقلها لتحقيق أهدافك الشخصية والمهنية، ثم تحديد الوظائف التي قد تكون مناسبة لك. كان أحد زملائنا متمسكاً بفكرة أن يصبح "قائداً عالمياً". ولتحقيق هذا الهدف رفيع المستوى، قرر أنه يتعين عليه تحسين مهاراته في التواصل بين الثقافات، بغض النظر عن متطلبات أي وظيفة معينة متاحة.
لتحديد المهارات الجديدة وتنميتها، نوصي باتباع الاستراتيجيات التالية:
- ابحث عن فرص لممارسة المهارات الجديدة في وظيفتك الحالية. على سبيل المثال، الزميل الذي ذكرناه للتو بذل جهداً لبناء علاقات مع زملائه في العمل ذوي الخلفيات المختلفة إلى حد كبير لفهم تجاربهم المتنوعة على نحو أفضل دون أن يغير دوره الوظيفي الرسمي على الإطلاق.
- استكشف برامج ودورات تدريبية عبر الإنترنت. استثمر زميلنا في العديد من الدورات التدريبية التي تركز على الإدارة بين الثقافات، ما عزز ثقته بنفسه وساعده على تجنُّب الوقوع في أخطاء المبتدئين.
- تواصل مع الأشخاص الذين يمكنك التعلم منهم من خلال التوجيه غير الرسمي أو التدريب الإرشادي الرسمي. شبكة علاقاتك هي أفضل مواردك التعليمية، وقد يقوم الأشخاص داخلها بتأييدك أو ترشيحك في المستقبل لأنهم على عِلم بمهاراتك المتنامية. سأل زميلنا موجهة عما إذا كان بإمكانه أن يتعلم من خبراتها من خلال حضور مكالمات واجتماعات محددة ليلاحظ كيفية تعاملها مع مختلف المواقف، ما سيعطيه منظوراً واقعياً قيماً.
4. ابدأ بخطوات صغيرة وبسيطة
لتجاوز حالة الشلل والجمود التي يسببها الغموض، ركّز على ما يمكنك تغييره على المدى القصير. على سبيل المثال، إذا كانت مهامك مثيرة للتوتر، حاول "تقسيمها" إلى مهام فرعية يَسهُل إدارتها. وأيضاً قد يبدو تأليف كتاب أمراً صعباً ولكن يمكن وضع مخطط رفيع المستوى له في وقت الظهيرة. وإذا لم تكن متأكداً مما يجب إيلاء الأولوية له، ابدأ ببعض الخطوات "التي لن تندم عليها"، وهي الخطوات التي ستكون مفيدة بغض النظر عن الظروف المتغيرة، كصقل سيرتك الذاتية وتحسينها أو تحديث ملفك الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. وأخيراً، اسأل نفسك "ما هي الخطوات الصغيرة التي يمكنني اتخاذها اليوم وستسعدني في المستقبل؟" أو "ما الذي يمكنني إنجازه في أسبوع؟".
كان أحد المسؤولين التنفيذيين الذين نعرفهم يفكر في اتخاذ خطوة مهنية، ولكن بعد سنوات من التركيز حصرياً على المهام اليومية لوظيفته، وجد أن إمكانية إعادة بناء مهاراته وشبكة علاقاته ستكون صعبة إلى حد ما. لذا كخطوة أولى، قرر أن يجري 5 مكالمات كل أسبوع مع أشخاص في شبكة علاقاته (أصدقاء الجامعة والعملاء السابقون والأشخاص الذين تعرّف عليهم في المناسبات الاجتماعية) لمتابعة الأخبار في قطاعات عملهم المختلفة ومعرفة المزيد عن مختلف الأدوار الوظيفية والمؤسسات. وبعد بضعة أشهر، بدأ بعض من هؤلاء الأشخاص في إرسال الوظائف الشاغرة التي يعتقدون أنها ستكون ملائمة له، وقد حصل على إحداها في نهاية المطاف.
5. كن حازماً بشأن ما تحتاج إلى تنحيته جانباً
لا يتعلق التخطيط لمستقبل غامض بتسليح نفسك بمهارات جديدة أو بناء علاقات جديدة فحسب، بل يتعلق باتخاذ خيارات استراتيجية بشأن الأشياء والأشخاص الذين ينبغي تنحيتهم جانباً. من الصعب بالطبع التخلي عن الأشياء التي استثمرت فيها الكثير من الوقت والجهد والطاقة. ومن السهل أيضاً الشعور بالحنين إلى الماضي، خاصة عند مواجهة الغموض الذي يكتنف الوقت الحاضر. ولكن المضي قدماً يعني التفكير بوضوح فيما لم يعد يخدمك وإتاحة الفرصة لنفسك للسعي وراء شيء جديد.
لطالما كانت ترغب إحدى زميلات ديفيد في العمل في عدة وظائف بدوام جزئي في وقت واحد، وتشمل إحداها العمل في مجلس إدارة شركة ما. ولكنها أدركت أنها لم تكن على المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف لأنها ملأت جدول مواعيدها بالكثير من الالتزامات المتعلقة بالعمل والأنشطة التطوعية. وبمجرد أن أدركت تكلفة الفرصة الضائعة نظراً إلى جدول مواعيدها الحالي، بدأت في تفويض المزيد من المسؤوليات. ووضعت خططاً رسمية لتسليم المهام وجهزت نصاً لاستخدامه في رفض الطلبات بشكل أكثر حزماً وتدربت على مثل هذه المحادثات الحساسة. وبمجرد أن تخلصت من المسؤوليات غير الضرورية التي كانت تثقل كاهلها، أصبح لديها المزيد من الوقت والاستعداد الذهني والنفسي لاستكشاف الفرص المتاحة للعمل كعضو مجلس إدارة.
البشر يميلون بطبيعتهم إلى تجنُّب الغموض، ولكن مهما بلغ جهدك في المحاولة، فلا مفر من مواجهته. ولذلك من الأفضل النظر إلى الغموض على أنه فرصة للنمو، سواء كان ذلك يعني استكشاف مهارات جديدة أو وظيفة جديدة أو حتى مسار مهني جديد تماماً. لا توجد حلول أو إجابات سهلة، ولكن باتباع الاستراتيجيات الموضحة أعلاه ستكون لديك الأدوات اللازمة للتعامل مع كل ما قد يجلبه المستقبل، وستتمكن من إعادة اكتشاف حياتك المهنية بشكل صحيح.
اقرأ أيضاً: السرعة والدقة في إنجاز العمل