هل يمكنك إعادة اكتشاف تجزئة السوق فعلاً؟ يفرض التنوع الكبير في أنواع الناس تنوعاً كبيراً في أنماط الشراء. يدرك المسؤولون عن أبحاث السوق، وتطوير المنتج، والتسعير، والمبيعات، والاستراتيجية، هذه الحقيقة البسيطة بشكل جيد. لكنهم كانوا يعانون من نقص في المساعدة التي من المفترض أن تقدمها لهم تقنية معروفة جداً هي تجزئة السوق، والتي من شأنها إن طُبقت بشكل مناسب أن توجه الشركات لتصمم عروض منتجاتها وخدماتها لتستهدف المجموعات التي من المرجح أن تشتريها. لكن عوضاً عن ذلك انحصرت بؤرة تركيز تقنية تجزئة السوق على احتياجات الإعلان، حيث تتجسد الخدمة الأساسية التي تقدمها بتزويد الإعلانات التجارية بشخصيات يمكن للمشاهدين التفاعل معهم، وهو المعادل التسويقي لوكالة "سنترال كاستنغ " لتوظيف الممثلين.
معايير تجزئة السوق
بالكاد يجسد هذا الوضع الراهن ما كنا نتوقعه منذ 40 عاماً حينما طرح أحدنا مفهوم التجزئة اللاديمغرافية في مجلة هارفارد بزنس ريفيو كتصحيح للاعتماد المحدود على الوسائل الديموغرافية الصرفة في تصنيف المستهلكين إلى مجموعات. في مقاله الذي نشره عام 1964 تحت عنوان "معايير جديدة في تجزئة السوق"، يؤكد دانيال يانكيلوفيتش على النقاط التالية:
- لم تعد السمات الديموغرافية التقليدية كالعمر، والجنس، ومستويات التعليم، والدخل، تقدم معلومات كافية تؤهلها لتشكل قاعدة تُعتمد في استراتيجية التسويق.
- كان احتمال تأثير السمات اللاديمغرافية كالأسعار، والأذواق، والتفضيلات على مشتريات المستهلك، أكبر من دور السمات الديموغرافية في التأثير.
- اعتمدت استراتيجية التسويق الدقيقة على تحديد الشرائح التي من المحتمل أن تستجيب لعلامة تجارية وفئة منتج محددة.
تمحورت الفكرة حول توسيع استخدام تجزئة السوق لا لتكون قادرة على تقديم معلومات تثري الإعلان فحسب، بل لتساهم في ابتكار المنتج وتسعيره واختيار قنوات توزيعه وما إلى ذلك أيضاً. لكن التجزئة الحالية لا تؤدي إلا جزءاً يسيراً من هذه المهمة، مع أن الأسواق ووسائل الإعلام الحالية أصبحت مجزأة أكثر مما كانت عليه في العام 1964، والمستهلكون باتوا أكثر تنوعاً وميلاً لاتباع أذواقهم ونزواتهم الخاصة بهم.
بوسع تجزئة السوق أن تلعب دوراً أكبر بكثير من مجرد كونها مصدراً لأنماط الناس، والتي تتجسد بشكل فردي بابتكار ألقاب متنوعة مثل "هاري هاي تك" و"جو سيكس- باك"، و تعرف بشكل جماعي بمصطلح "التجزئة السيكوغرافية" أي التقسيم على أساس العوامل النفسية. قد تنجح التجزئة السيكوغرافية بالتقاط بعض الحقائق حول أنماط حياة الناس الحقيقية، ومواقفهم، وتصورهم عن ذواتهم، وتطلعاتهم، لكنها ضعيفة جداً في التنبؤ بما قد يشتريه أي من هؤلاء الناس من أي فئة منتج محددة. لذا فهي تعاني فقراً شديداً في القدرة على منح صناع القرار في الشركات أي افكار عن كيفية الحفاظ على عملائهم الحاليين أو كسب عملاء جدد.
ولكن، لا يجوز لإخفاقات التجزئة السيكوغرافية والخيبات التي سببتها لمستخدميها أن تلقي ظلالاً من الشكوك حول صحة التجزئة الدقيقة بشكل عام. في الحقيقة، يستمر المسوقون في الاعتماد عليها، كما يزداد طلب المدراء التنفيذيين المباشرين على التجزئة التي يمكن للمؤسسة ككل توظيفها بشكل عملي. بسبب الصلاحية الراسخة لهذه التقنية واستمرار حاجة المدراء لما يمكن أن تقدمه هناك سبب وجيه يدفعنا للاعتقاد بأن حرف مسار تجزئة السوق عن هدفها وقدرتها الأصليين قد يتم إعاقته. تعمل التجزئة الجيدة على تحديد المجموعات الأكثر جدارة بالمتابعة، مثل المحرومين، والمستائين، وأولئك الذين من المرجح قيامهم بأول عملية شراء. إنها تتمتع بالديناميكية، فهي تدرك أن الذين يقومون بأول عملية شراء لهم قد يتحولون إلى محرومين أو مستائين إذا تغير حالهم. وهم يخبرون الشركات أي المنتجات يجب وضعها أمام المستهلكين الأكثر قابلية للتأثر.
في هذا المقال سوف نعمل على توصيف عناصر استراتيجية تجزئة السوق الذكية. سوف نشرح كيف يمكن للتجزئة أن تعمل على تقوية هوية العلامة التجارية، وإنشاء رابط عاطفي مع مستهلكين يختلفون عن أولئك الذين يملكون القدرة على إخبار الشركة بالأسواق التي يجب أن تدخلها و السلع التي يجب أن تصنعها. كما سنعمل على طرح أداة جديدة ندعوها "خطورة طيف القرار"، والتي تركز على شكل سلوك المستهلك الذي يجب أن يكون على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للمسوقين، أي علاقة المستهلك بمنتج أو بفئة منتج، وليس علاقتهم بعملهم أو أصدقائهم أو عائلاتهم أو مجتمعهم، والذي يندرج كله ضمن حقل التجزئة السيكوغرافية.
الانجراف نحو الغموض.
اتسمت سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية بابتكارات استثنائية في المنتجات الاستهلاكية، كأجهزة المذياع الترانزستورية، والحفاضات التي تستعمل لمرة واحدة، وخراطيش شفرات الحلاقة، وعبوات الكولا الخالية من السكر بطعمها اللذيذ. لم يكن للإعلان بالنسبة للمنتجات الرائدة والمرغوبة على نطاق واسع دوراً يتجاوز التعريف بوجود المنتج ووصف مزاياه المبهرة.
في مطلع الستينيات من القرن العشرين أصبح المستهلكون أقل قابلية للتنبؤ بعادات شرائهم، فقد تحول العديد من الناس الذين لم يكونوا على قدر عالٍ من التعلم إلى أغنياء مترفين، فيما تحول أصحاب الذوق الرفيع إلى أشخاص حريصين جداً بالنسبة للأسعار. نتيجة لذلك، لم تعد الأذواق وأنماط الشراء تتماشى بدقة مع العمر والدخل، وفقدت تجزئة السوق الديموغرافية الصرفة قدرتها على توجيه قرارات الشركات. مع مرور الوقت، بقيت عمليات طرح السلع الجديدة على تواترها لكنها، وعلى نحو مطرد، كانت تفضي إلى تحسين العروض المتوفرة التي جاءت أساساً استجابة لحاجات المستهلك الحقيقية لكنها تحولت لتهتم بالتفضيلات البسيطة فحسب. مع تقديمها لتحسينات أقل أهمية من ذي قبل، ووسائل أقل للتمييز بين منتج خاص بالمستهلك ومنتج خاص بالمنافسة، أصبح الإعلان مملاً ومضجراً بطبيعته. انتقل تركيز القسم الإبداعي بشكل تدريجي من المنتَج إلى المستهلك، فإذا اعتبرنا أنه بحلول سبعينيات القرن الماضي أصبحت المنتجات أقل تمايزاً، فلا بد من الانتباه إلى أن الناس بدوا وكأنهم يتفجرون بتنوع غير مسبوق.
إحدى الطرق التي وجدتها الشركات لإقناع مجموعة معينة من المستهلكين أن المنتج كان مثالياً لهم كانت من خلال وضع شخص يشبهونه أو يتمنون أن يشبهوه في رسالة الإعلان. كانت هناك طريقة أخرى انبثقت عن توجه المستهلك في الطريقة الأولى، ألا وهي التركيز على الفوائد العاطفية أكثر من الفوائد العملية للمنتَج، مثل الشعور بالفخر لامتلاكه، وارتفاع المكانة، والجاذبية للمنتج. قد لا يكون مذاق خلطات الكعك التي تتميز بإضافة بيضة طازجة إلى مكوناتها أفضل من الأنواع السابقة التي صنعت بالبيض المجفف على سبيل المثال، إلا أنها كانت تحقق مبيعات أعلى، والسبب أن هذه الخطوة الإضافية منحت المرأة التي تعد الكعك شعوراً بالرضا لأنها كانت تلعب دوراً أقرب إلى دور الزوجة التقليدي. على عكس المنتجات الحديثة الرائدة، مثل الشامبو الفعال المضاد للقشرة والقابل للبيع مباشرة دون وصفة طبية، والتي تلبي حاجات ملحة غير ملباة، كان على منتجات الجيل الثالث العادية أن تجد المستهلكين الذين كانوا سلفاً وبشكل خاص قابلين للتأثر بجاذبيتها. ونظراً لأن هذا التأثر كان يعتمد على عناصر مثل المكانة، فقد كان من المنطقي تعديل الأقسام التي تعكس السمات الشخصية وأنماط حياة المستهلكين المستهدفين. ومع تزايد سرعة ومهارة المتنافسين في نسخ وتصميم المنتجات، أصبح البعد الوظيفي للعروض المتوفرة أقل إقناعاً. من قبيل المفارقة، وبحلول منتصف سبعينيات القرن العشرين، يمكن القول أن الإيمان بقدرة الصور على تحفيز مبيعات منتجات مملة قد بدأ ربما بتخفيف الضغط على مطوري المنتج المسؤولين عن ابتكار منتجات وخدمات تقدم تكنولوجيا مبتكرة وتصميماً حديثاً بحق، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.
أدى حدوث تطوران متزامنان إلى منح التركيز الجديد على صورة المستهلك عن ذاته، وعواطفه، وشخصيته، مزيداً من الدقة. بدأ علماء الاجتماع بتطبيق طرق تحليلهم لمشاكل الأعمال التجارية، ورحب المدراء التنفيذيون برؤيتهم هذه بعد أن أصابهم الارتباك نتيجة لتشتت الجموع والسرعة التي كانت تتغير بها الأذواق. باستخدام مؤشرات توجيهية مماثلة لتلك المستنبطة من اختبارات الشخصية، اقتطع علماء النفس شرائح تسويقية اعتماداً على المفهوم المشترك لأفرادها عن العالم. كانت أوائل هذه الشرائح تشمل الأشخاص المقادين بدوافعهم الذاتية، والمتمسكين بالتقاليد، وعاشقي المتعة، ومن شابههم.
في العام 1978 أطلق آرنولد ميتشل وزملاؤه في معهد "ستانفورد للأبحاث" برنامج "القيم وأنماط الحياة" (VALS)، وهي خدمة أبحاث تجارية سرعان ما استُعين بها من قبل الكثير من شركات السلع التجارية ووكالات الإعلان. اعتمد برنامج (VALS) بشدة على الأنظمة التي طورها عالم الاجتماع وخريج "جامعة هارفارد"، ديفيد ريسمان، المؤلف المشارك لكتاب "الحشد الوحيد" (The Lonely Crowd)، وأبراهام ماسلو عالم النفس من "جامعة براندز" الذي وضع التسلسل الهرمي للاحتياجات المعروف في أيامنا هذه. قام برنامج (VALS) بتقسيم الأفراد تبعاً لتسعة أنماط نفسية ثابتة. تقول النظرية أن سلوك المستهلك الفردي يمكن أن يفسر بدوره تبعاً لمدى توافقه مع أحد هذه الأنماط. سرعان ما تمكن برنامج (VALS) والنماذج الشبيهة به من جعل التجزئة السيكوغرافية واحدة من أكثر أنواع تجزئة السوق قبولاً. وكما هو متوقع، تبنى هذا النمط من التجزئة الأقسام ووكالات الإعلان الذين كانوا يقدرون حصولهم على تقنية تتمتع بمصداقية علمية وتختص في ابتكار الشخصيات تماماً كما كانوا هم يفعلون لبعض الوقت.
يجب القول أن التجزئة السيكوغرافية تمكنت من إثبات نجاحها في تعزيز العلامات التجارية ومواقعها. على سبيل المثال، تمكنت حملة "جيل بيبسي" التي أجريت منذ عقود مضت من ضم تشكيلة واسعة من المستهلكين في مجموعة واحدة تتماهى مع فكرة ثقافة الشباب التي انبثقت في ذلك الوقت. لكن رغم أن الحملات التي تقام على أساس التجزئة السيكوغرافية جيدة في تحريض المشاهدين عاطفياً إلا أن السمات والمواقف التي تعتمد عليها مثل هذه الإعلانات هي ببساطة غير قادرة على تشكيل دوافع للنشاط التجاري. على الأرجح، العناصر التي تساهم في ذلك هي أشياء مثل تاريخ الشراء، والولاء للمنتج، والميل للمبادلة، والتي تعتمد جميعها على المواقف والقيم التي تدفع المستهلكين إلى رؤية عروض معينة بطريقة مختلفة. أضف إلى ذلك المساهمة الضئيلة للتجزئة السيكوغرافية في تنوير الشركات التي تقوم بتكليفها حول نوعية الأسواق التي يجب دخولها، أو طبيعة العروض التي يجب القيام بها، أو كيفية طرح المنتجات في الأسواق، أو كيفية تسعيرها.
بالرغم من أدائها المخيب للآمال لا تزال التجزئة السيكوغرافية مستخدمة على نطاق واسع. على سبيل المثال، عندما قامت شركة "ماراكون أسوشيتس" ووحدة الاستخبارات الاقتصادية في العام 2004 بإجراء مسح على 200 من كبار المدراء التنفيذيين في شركات كبرى، أفاد 59% منهم باتباع تدريبات رئيسية على القيام بالتجزئة خلال العامين السابقين. ومع ذلك فإن هذا الدليل يشير إلى أنها ليست أداة فعالة جداً: حيث أن 14% فقط من التنفيذيين قالوا أنهم استفادوا بشكل فعلي من هذا التدريب.
ما الذي يحدث عندما تحاول شركة ما تطبيق تجزئة السوق المناسبة لتطوير حملاتها الإعلانية بهدف تحسين منتجها أو تحديد سعره؟ دعونا نفكر في تجربة بشركة سوف ندعوها باسم (HomeAirCo) شركة "التكييف المنزلي"، شركة رائدة في تصنيع وتركيب أنظمة التبريد والتدفئة. قام رئيس قسم التسويق بعد مرور أقل من عام على استلامه منصبه، بتكليف شركة مرموقة مختصة بأبحاث المستهلك وماهرة في التحليل الإحصائي بإجراء دراسة تجزئة باهظة باستخدام معلومات من وكالة الإعلان الخاصة بشركة (HomeAirCo) شركة "التكييف المنزلي". تمكنت الوكالة من إجراء حملة ذكية ضمت شخصيات بناء على 5 تصنيفات تعكس بشكل واقعي اهتمامات وعادات المشاهدة لأعضاء كل من هذه الشرائح. صورت إحداها على سبيل المثال رجلاً تقليدياً يحاول العمل على بناء نظام تدفئة خاص به وفشله في تحقيق ذلك نتيجة مناكدة زوجته له ومطالبته بالاتصال مع شركة (HomeAirCo)، فيما صورت أخرى امرأة تمارس اليوغا في بيئة مثالية لأنها كانت تملك نظام تكييف من شركة (HomeAirCo)، لكن كل شريحة من هذه الشرائح كانت تملك نفس العدد من مستهلكي شركة (HomeAirCo) فيها، الأمر الذي ترك الشركة عاجزة عن تقرير أي شريحة هي التي على الأرجح سترغب في تطوير أنظمة التحكم بالحرارة في منازلها. انطوت الهفوات الكثيرة في عملية التجزئة على فشل في تحديد شريحة مشتري المنازل القديمة في الأحياء المرموقة التي كما أشارت تجربة الشركة العملية يجسد أفرادها الاحتمال الأعلى والأرجح ليكونوا مشتري هذا النوع من الأنظمة.
بالتأكيد أثرت إعلانات شركة "ميلر لايت" التي ضمت عارضات أزياء شهيرات يتصارعن في الوحل على شريحة الجيل الشاب من الذكور التي كانت الشركة تستهدفها، لكن المبيعات لم ترتفع.
الحقيقة هي أنه حتى أكثر الإعلانات التي لا تُنسى تكون مساهمتها في تحفيز المبيعات أو الحصول على حصة في السوق ثانوية، إذا ما كانت تعتمد على تخطيط فج في التجزئة. بالطبع تركت حملة "قتال القطط" (Catfight) الأخيرة للترويج لمنتج "ميلر لايت"، والتي ضمت عارضات أزياء يتصارعن على الوحل، انطباعاً قوياً على شريحة الجيل الشاب من الذكور التي كانت الشركة تعمل على استهدافها، لكن مبيعات هذا النوع من شراب الشعير لم ترتفع. صادف وجود شريحة من محبي شراب الشعير الخفيف التي كانت لتنجذب إلى نوع "ميلر لايت" فقط لو أن أعضاءها عرفوا أنها تحوي نسبة كربوهيدرات أقل من تلك الموجودة في نوع "بد لايت". كيف لنا أن نعرف؟ نجحت حملة شركة "ميلر" التي أخبرتهم بهذه المعلومة فعلياً برفع نسبة المبيعات.
طريق العودة.
إذا كانت تجزئة السوق الهادفة تعتمد على اكتشاف الأنماط في سلوك الشراء الفعلي لعملائك، فإن إنشاء عملية تجزئة بشكل صحيح يحتاج إلى جمع البيانات ذات الصلة. بناءً على السؤال الذي يهدف تدريبك بشكل رئيسي للإجابة عليه، فإنك قد ترغب في الحصول على معلومات عن الفوائد والمزايا التي تهم عملاءك. أو أي نمط من المستهلكين مستعد لدفع أسعار أعلى أو يطالب بأسعار أدنى. أو المزايا والعيوب النسبية التي يميزها العملاء في عروضك المتوفرة. كما أنك ستحتاج لبيانات عن التوجهات التقنية والاقتصادية والاجتماعية الناشئة والتي من المحتمل أن تغير في أنماط الاستهلاك والشراء.
تلتقط الكثير من الشركات هذه المعلومات بشكل روتيني. في حال لم تكن شركتك تقوم بذلك، بإمكانك حينها استخدام أبحاث نوعية لاستكشاف الدوافع والحاجات الضمنية التي توجه عمليات الشراء القائمة، كما يمكنك استخدامها لفهم مواضع القوة والضعف التنافسية. بإمكانك إعادة التدقيق في بيانات المبيعات التي تملكها حالياً للكشف عن الأنماط المستترة في سلوك المستهلكين. ويمكنك أيضاً الاستعانة بخدمات دوائر رصد التوجهات.
يتيح لك تسلحك بهذه البيانات تعديل عملية تجزئة السوق لتصبح أكثر قدرة على كشف المعلومات المفيدة وأكثر قابلية للتطبيق. ستتمكن هذه التجزئة من:
- تجسيد استراتيجية الشركة.
- الإشارة إلى مواضع مصادر الإيرادات أو الأرباح.
- تحديد قيم ومواقف واعتقادات المستهلكين فيما يتعلق بارتباطها بعروض السلع أو الخدمات بشكل خاص.
- التركيز على سلوك العميل الفعلي.
- تبدو منطقية بالنسبة لكبار المدراء التنفيذيين.
- استيعاب أو توقع التغييرات التي تطرأ على الأسواق أو على سلوك العملاء.
دعونا ننظر إلى كل عنصر على حدة:
ما الذي نحاول فعله؟
عندما تعمل الشركات على تغيير مدراء التسويق نادراً ما تكون عملية التجزئة الجديدة متخلفة عن الركب. غالباً ما يستخدم مدراء أقسام التسويق تمرين تجزئة كطريقة يضعون من خلالها ختمهم الخاص بهم على الأعمال التجارية. لسوء الحظ، قلة من مدراء التسويق يعرفون أو حتى فكروا في معرفة أي من قرارات الشركة الاستراتيجية قد تستفيد من توجيه عملية التجزئة لها. بالنسبة لدار سمسرة على سبيل المثال، قد يكون التحدي الأصعب هو تقليل نسبة العملاء الذين يهجرون الدور لصالح وسطاء الخصم. وقد يكمن التحدي بالنسبة لشركة منتجات العناية الشخصية في كيفية توسيع علامة صابون تجارية ناجحة لتشمل مزيلات العرق. أما بالنسبة لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة فقد تكون في التفكير بإدراج قائمة طعام بديلة تحمل خيارات أغنى بالأطعمة الصحية. لن تحاول عمليات التجزئة المصممة لتلقي الضوء على هذه المسائل اكتشاف شخصيات العملاء، بل ستحاول تحديد مجموعات العملاء المهتمين والأكثر قابلية للتأثر بحيث تكون هذه المجموعات كبيرة ومربحة بشكل كاف لتبرير متابعتها. بالتأكيد سوف تتطلب الخطوات الاستراتيجية اللاحقة عمليات تجزئة جديدة ومختلفة.
أي من العملاء هم من يقود الأرباح؟
يجب على عملية التجزئة أن تحدد المجموعات المهمة لأداء الشركة المالي لتكون فعالة. كبداية يمكن للشركات تصنيف عملائهم بناء على الربحية وذلك كي توليهم القدر الصحيح من الاهتمام. لكن لزيادة الإيرادات يجب على الشركة أن تفهم الصفات التي تجعل أفضل عملائها على هذا القدر من الربحية بالنسبة لها، ثم السعي وراء عملاء جدد يشتركون بصفتين على الأقل معهم. قد تلاحظ شركة حقائب، على سبيل المثال، تُحقق حقائبها الخفيفة والمتينة أعلى أرباحها، أن أغلبية الناس الذين يشترون حقائبها هم مسافرون دوليون عن طريق الجو. لذا فهي ستقوم بمتابعة مسافرين دوليين آخرين كعملاء محتملين.
كي نفهم أهمية هذا السؤال دعونا نفكر في تجربة أحد المصارف الرائدة الذي يملك قطاع أعمال لإدارة الثروات الكبيرة. عانى المصرف من معدلات نمو منخفضة وركود في حصة السوق، الأمر الذي شكل مصدر قلق. قامت عملية التجزئة الموجودة حينها بتقسيم العملاء تبعاً لمستوى الموظفين الذين قدموا لهم الخدمات، والذين قد يكونون إما مدراء علاقات أو كبار موظفي الفرع أو صغار موظفي الفرع، ويعتمد مستوى الموظف غالباً على ممتلكات العميل ودخله. كان العملاء الأكثر ربحية من نصيب مدراء العلاقات، وهكذا دواليك. لكن المصرف لم يكن يعرف ما الذي قد يميز عميل مدير العلاقات عن غيره.
قرر المصرف أن يتجاوز كم المعلومات التي كانت لديه حول قاعدة العملاء الموجودة، والحصول على أبحاث السوق حول القيمة الدائمة لعملاء أغنياء محتملين. تم إجراء البحث على ثلاثة أصعدة:
- ديموغرافي ( العمر، المهنة، الممتلكات، وما إلى هنالك).
- سلوكي (الخدمات التي استخدمها العميل من قبل، عدد المؤسسات التي عملوا معها، عدد المعاملات التي قاموا بها خلال شهر).
- توجهي (التطور المالي، الوقت الذي قضاه في الاستثمار، درجة تحمل المخاطر).
اختلفت التجزئة الناتجة عن البحث بشكل ملفت عن سابقتها. ساهم كل عنصر من عناصر الربحية الثلاثة الرئيسة بتشكيل صورة توضح القيمة الدائمة للعميل. على سبيل المثال، أظهرت الشرائح الجديدة التي تم تحديدها، كالعائلات الفتية، تنوعاً كبيراً في الربحية حتى في الشريحة ذات الربحية العالية الموجودة. بعد تزويده بهذه المعلومات أصبح المصرف أكثر استعداداً ليبدأ بالمهمة المكلفة التي تتجلي في تكييف العروض لتلائم العملاء المحتملين، حيث أنه كان واثقاً جداً بأن هذا المجهود سيعود عليه بفائدة اقتصادية كبيرة. اكتشف 3 شرائح، ممن لا زالوا يشقون طريقهم، ومن العائلات المستقرة، ومخططي التقاعد، الذين لم يقدموا تقريباً أي ربح للمصرف رغم أنهم كانوا يشكلون نصف قاعدة العملاء. وبالرغم من ذلك فإن الكثير من أفراد هذه الشرائح تم تحويلهم إلى مدراء العلاقات. تصرف المصرف بسرعة لتخفيض تكلفة خدمة هؤلاء الأشخاص وذلك بتحويلهم إلى صغار موظفي الفرع ، أو إلى مراكز الاتصال، أو إلى شبكة الإنترنت.
ما هي المواقف المهمة لعملية قرار الشراء؟
بالرغم من أن تجزئة العملاء تبعاً لصفاتهم الشخصية الثابتة قلما يكون مثمراً، إلا أنه يوجد مكان مناسب لفحص أنماط حياة الناس، ومواقفهم، وتصورهم عن ذواتهم، وطموحاتهم. يجب اكتشاف هذه الصفات، تماماً كما فعل المصرف، في سياق يرتبط مباشرة بالسلع والخدمات التي تكون قيد الدراسة. على عكس التجزئة السيكوغرافية الصرفة، يمكن توقع تغير هذه الصفات بتغير قيم وبيئة العميل.
ما الذي يفعله عملائي في الواقع؟
رغم التنوع والتبصر الذي قد تضيفه المواقف والقيم والتفضيلات المعرب عنها إلى عملية التجزئة، إلا أنها تفتقر إلى القدرة التنبؤية لسلوك الشراء الفعلي، ككثافة الاستخدام، وتغيير العلامات التجارية، وتنسيق البيع بالتجزئة، وتغيير القنوات. في حال كنت ترغب في فهم الطريقة التي قد يستجيب فيها العميل لمنتجات أو مزايا لم تطرح بعد فيمكنك الخروج بأفضل استنتاج ممكن للسلوك الفعلي من خلال القيام بمحاكاة مخبرية يمكن تطبيق تقنيات تحليلية خاصة عليها. أحد هذه التطبيقات يدعى "التحليل الموحد" ويتضمن تقديم مجموعة من الميزات للعملاء. يلي ذلك سؤال العملاء عن مدى رغبتهم في شراء المنتج المعني في حال تمت إضافة بعض الصفات المعينة أو إزالتها، أو في حال تغير السعر.
نذكر هنا مثالاً عن كيفية تطبيق هذه التقنية: منحت شركة تصنيع أغذية الحيوانات الأليفة مستهلكيها الفرصة ليصمموا علب الطعام الخاصة بحيواناتهم. رأى العملاء على شاشات حواسيبهم أثناء الاختبار باقة عامة يمكنهم أن يختاروا منها أي ميزة يفضلونها، كالفتحات القابلة لإعادة الغلق، والمقبض المعلق بالعلب من وزن 25 رطل. ثم بعد ذلك طُرح عليهم سؤال عن المبلغ الإضافي الذي قد يدفعونه لقاء منتجات تضم تشكيلات مختلفة من هذه الميزات. تلا ذلك تقسيم المستهلكين إلى شرائح تبعاً لمدى حساسيتهم تجاه الأسعار، ورغبتهم في شراء راحتهم. بناء على هذا الأساس كان بوسع الشركة إعادة تصميم عبواتها بميزات إضافية تحافظ من خلالها على العملاء الموجودين وتجذب عملاء جدد. كما بوسعها أيضاً استبعاد الميزات التي تتطلب كلفتها فرض رسوم مرتفعة على السعر الإجمالي.
هل ستكون هذه التجزئة منطقية بالنسبة للإدارة العليا؟
يرى ممارسو التسويق المعاصرون أن قطاع عملهم يتوجه في أنشطته نحو الجانب الخارجي، أي يركز على الاستماع والتواصل مع العملاء والأسواق. في الواقع، قد يلحق التسويق الضرر بنفسه إذا ما فشل في توضيح نفسه أمام جمهوره الداخلي، الإدارة العليا. مع تطور حال التسويق ليصبح أكثر علمية وتخصصية أصبح ممارسوه يلجؤون على نحو متزايد إلى تقنيات الإحصاء المتطورة في تقسيم الشرائح إلى أجزاء أكثر دقة من قبل، تضم توليفات غير معهودة من السمات. غالباً ما ينجذب البارعون في هذه التقنيات إلى إبراز براعتهم التقنية عوضاً عن تحديد الشرائح التي تخاطب الحس البديهي عند كبار المدراء. في حال تضارب الشرائح مع خبرة المدراء الطويلة، وفشل المدراء في فهم كيفية استنباطها، فعلى الأرجح لن يُقبل البحث الذي يقدمونه أو يُطبق.
اكتشفت إحدى شركات الخدمات الاقتصادية هذه المعلومة بالطريقة الصعبة. أرادت الشركة، التي تعمل على تطوير المنتجات الاستثمارية المباعة من قبل مستشاري استثمار طرف ثالث، دوراً أكبر لنفسها في إدارة الأصول، وهي خدمة تقتصر عادة على المستثمرين الأغنياء. بناء عليه قامت الشركة بابتكار عرض متكامل الخدمات ليلائم المستثمرين الأصغر. كان التحدي الذي واجهته الشركة يكمن في معرفة أي نوع من المستشارين هو الأكثر ترجيحاً لتزكية الخدمة أمام هذه الفئة الجديدة من العملاء. لسوء الحظ، كشفت تصنيفات المستشارين المتوفرة - سمسار/ وسيط محلي، سمسار/ وسيط إقليمي، موظف في المصرف، ومستقل - عن اختلافات ثانوية في أنماط التزكية أصغر من أن تحمل أي دلالة.
لذا قررت الشركة تجزئة مستشاري الاستثمار لديها بطريقة مجدية أكثر، وذلك تبعاً لأنماط التزكية التي قدموها لعملائهم. في البداية لجأت الشركة إلى أسلوب قوي إحصائياً لكنه في غاية التعقيد. طورت ملفات عن المستثمرين النموذجيين بالاعتماد على أعمارهم، وممتلكاتهم، ودرجة تحملهم للمخاطر، وما إلى ذلك. ثم قامت باستطلاع طلبت فيه من المستشارين اختيار مجموعة الاستثمارات المناسبة لكل ملف تعريف بالعميل. كشف التحليل الإحصائي نمط الاستثمار الأساسي لكل مستشار ثم عمل على جمع أصحاب الأنماط المتشابهة مع بعضهم. بعض المستشارون على سبيل المثال قلما أوصوا بالأسهم المتداولة فردياً، فيما جعل آخرون من الأسهم أساساً لحافظات عملائهم.
رغم دقة التجزئة من الناحية الرياضية إلا أن الإدارة لم تثق بنتائجها. أحد الأسباب لذلك هو اعتماد عملية التجزئة بشكل كبير على ما إذا كان المستشارون يتلقون أتعاباً أم عمولات، وهو الفارق الذي أصر التحليل الإحصائي على أهميته. بما أنه من المفترض أن يعتمد المنتج الجديد على الأتعاب، فإن الشرائح التي تعتمد على العمولة ستكون غير مرتبطة إلى حد كبير بالموضوع. لهذا السبب لم يفهم كبار المدراء السبب وراء إجراء تجزئة على هذا المنوال. لربما كانوا قد قبلوا الدراسة لو تمكنوا من فهم كيفية التوصل إلى استنتاجاتها. لكن اعتماد الدراسة على عمليات إحصائية معقدة استبعد هذا الاحتمال. شعر المدراء المكلفون بتطبيق نتائج الدراسة بالقلق من فكرة افتقارهم لإجابات تقنع الإدارة العليا في حال فشل عملية التجزئة، وكان هذا بحد ذاته سبباً كافياً.
قرر فريق علوم التسويق الداخلي والشركة الاستشارية التي تساعده تعديل عملية التجزئة لتستخدم معايير بسيطة عوضاً عن الإحصائيات. في البداية، تم تجميع المستشارين على أساس متوسط القيمة الصافية لعملائهم. ثم تم تصنيفهم بناء على ما إذا كانت استثمارات عملائهم تدار بشكل فعال. وكانت النتيجة أربع شرائح تم تصنيفها بناء على بُعدين. ندرجها هنا حسب العنوان الداخلي بالترتيب التنازلي لثروة العميل وفعالية محفظته:
- مستثمرون فاعلون (عملاء ذوي ثروات كبيرة، اعتماد كبير على استثمارات ذات إدارة نشطة كالأسهم والسندات).
- مدربون مرموقون (عملاء ذوي ثروات كبيرة، اعتماد طفيف على استثمارات ذات إدارة نشطة).
- مدربو السوق الجماهيرية (عملاء ذوي ثروات قليلة، اعتماد كبير على استثمارات ذات إدارة نشطة).
- التوجه نحو المنتج (عملاء ذوي ثروات قليلة، اعتماد طفيف على استثمارات ذات إدارة نشطة).
اتضح أن المدربين المرموقين كانوا الأكثر جدارة بدراسة منتج إدارة الأصول الجديد. أظهر مدربو السوق الجماهيرية إمكانية محتملة أيضاً. لم تكن الشريحتان الخارجتان عن نطاق هاتين الاثنتين تتمتعان بأي إمكانيات تقريباً. في مقابلات لاحقة، اعترف المستثمرون الفاعلون بأنهم اعتبروا الشركة التي تعمل على تطوير المنتج الجديد منافساً يطرح خدمة تتشابه إلى حد مزعج مع خدماتهم. أما شريحة التوجه نحو المنتج فكان لها اعتراض معاكس لسابقتها، ألا وهو عدم اهتمام عملائهم بإدارة أي شخص لأملاكه بطريقة نشطة. لكن كان بإمكان المنتج الجديد أن يكمل الخدمة التي تعمل الشريحتين الوسطيتين على تقديمها دون تعرضها لخطر استبدالها. بمعنى آخر، اتضح أن المدراء الأكثر سلبية للعملاء ذوي الثروات الكبيرة والمدراء الأكثر نشاطاً للعملاء ذوي الثروات القليلة هما المجموعتان اللتان تستحقان الاستهداف، وقد تمكنت الإدارة من فهم هذه النتيجة وقبولها دون تردد.
هل يمكن لسجل عملية التجزئة الخاص بنا أن يتغير؟
يتم اعتبار عمليات التجزئة من قبل الكثير من رعاتها على أنها محاولات تخاطر بكل شيء ولمرة واحدة بهدف تقديم صورة شاملة عن العملاء يمكن أن تقدم المعلومات الضرورية لكافة قرارات التسويق اللاحقة. أما نحن فنعتبر أن عمليات التجزئة يجب أن تكون جزءاً من عملية بحث مستمر عن أجوبة الأسئلة الهامة في مجال الأعمال حين ظهورها. وبالتالي، فإن عمليات التجزئة الفعالة تتصف بالديناميكية، من ناحيتين. أولاً، تركز عمليات التجزئة على احتياجات العملاء ومواقفهم وسلوكهم، والتي يمكن لها أن تتغير بسرعة، أكثر من اعتمادها على السمات الشخصية، والتي غالباً ما تستمر طوال حياة الإنسان. ثانياً، يتغير تشكيل هذه العمليات تبعاً لظروف السوق، كالاقتصاد المتقلب والقطاعات الاستهلاكية الناشئة والتقنيات الحديثة التي تتطور في عالمنا المعاصر بشكل أسرع من أي وقت مضى. باختصار، تركز عمليات التجزئة على مسألة واحدة أو اثنتين فقط، وهي تحتاج لإعادة صياغتها حالما تفقد فعاليتها.
تركز عمليات التجزئة الفعالة على مسألة واحدة أو اثنتين، ويتعين إعادة صياغتها حالما تفقد فعاليتها.
نذكر على سبيل المثال أنه مع بزوغ فجر الشبكة العنكبوتية العالمية كان معيار عملية التجزئة الشائع هو مدى خبرة الشخص في استخدام هذه الشبكة. كان المستخدمون الأوائل يشعرون بالراحة إزاء استكشاف الشبكة بأنفسهم، أما المبتدئون أو المستخدمون اللاحقون فقد سعوا للحصول على مستويات عالية من الدعم. مع تقلص عدد الوافدين الجدد في هذا المجال انتقل التركيز إلى مجموعة ناشئة من المستخدمين، هي مجموعة المتعاملين، الذين لم يلقوا بالاً لمشاركة معلوماتهم الشخصية، بما فيها أرقام بطاقات اعتمادهم، في سبيل إنجاز معاملاتهم. الآن بعد أن أصبح عدد الناس الذين تقلقهم أشياء كهذه أقل من قبل، الكثير من عمليات التجزئة اليوم أصبحت تميل نحو الخدمات والوظائف التي تعتمد بطبيعتها على الشبكة، كالألعاب وأجهزة المراقبة الأبوية ومشاركة الملفات، والتي يتضمن كل منها مجموعة من المصالح والاهتمامات القابلة للقياس بشكل منفصل.
خطورة طيف القرار.
يعتبر تطبيق تجزئة السوق المصممة لإلقاء الضوء على نوع واحد من المشاكل لأغراض أخرى ليست مصممة لها، الخطأ الأكثر شيوعاً بين المسوقين. لكن ما هي أنماط التجزئة الأفضل وأي أغراض تخدم؟ نقترح على المسوقين البدء بتقييم التوقعات التي يقدمها العملاء حول نوع محدد من التعاملات. قد تقع هذه ضمن خطورة طيف قرارنا الذي سيخبرك بمدى عمق حاجتك لاكتشاف دوافع وهموم وحتى نفوس المستهلكين..
بعض القرارات التي يتخذها الناس، كتجربة نوع جديد من ورق التواليت ، أو التقدم بطلب للحصول على بطاقة ائتمان، هي قرارات غير هامة نسبياً. في حال لم يكن المنتج مرضياً فإن أسوا ما يحصل هو هدر مبلغ صغير من المال والتسبب ببعض الإزعاج. لكن قرارات كشراء منزل أو اختيار علاج لمرض السرطان هي على قدر عال من الأهمية نظراً لما تنطوي عليه من فوائد وأضرار إضافة إلى التكاليف المنوطة بها.
في طرف الطيف الضحل يسعى المستهلكون للحصول على منتجات وخدمات يعتقدون أنها ستوفر عليهم الوقت والجهد والأموال. لذا فإن تجزئة السوق على مواد مثل مستلزمات النظافة والوجبات السريعة تسعى إلى قياس أشياء مثل الحساسية للأسعار والعادات والاندفاع الذين يتصف بهم المستهلكون المستهدفون. أما التجزئة الخاصة بعمليات الشراء الباهظة كالسيارات والأجهزة الإلكترونية، والتي تقع في منتصف الطيف، فتختبر مدى اهتمام المستهلكين بالنوعية والتصميم والتعقيد والمكانة التي قد يمنحها المنتج لمشتريه. في الطرف الأكثر عمقاً، يعد الاستثمار العاطفي للمستهلكين أمراً رائعاً، ويتم إشراك قيمهم الجوهرية في ذلك. غالباً ما تكون هذه القيم في حالة صراع مع قيم السوق، ويتوجب على عمليات تجزئة السوق الكشف عن هذا التعارض. تشكل الرعاية الصحية نموذجاً عالي الخطورة عن هذه الإشكالية. يحدد معرض "ما الذي على المحك؟" الاختلافات في قرارات العمل وقرارات المستهلك وطرق القيام بالتجزئة التي تنجم عن ازدياد خطورة قرار الشراء الذي يتخذه المستهلك .
يلي ذلك ثلاثة توضيحات تمثل ثلاث نقاط على طول الطيف. بالتأكيد يوجد هناك العديد من حالات التداخل فيما بينها.
الطرف الضحل.
واجه معمل لتصنيع منتجات الحلاقة الرجالية معضلة هي: كيفية تحفيز النمو السريع إذا كانت الشركة قد هيمنت بالفعل على أكثر الفئات الفرعية ربحاً، ألا وهي مجموعات الحلاقة (مقبض ماكينة حلاقة بالإضافة إلى شفرات قابلة للتبديل). ابتعدت الشركة عن ماكينات الحلاقة ذات الاستخدام الواحد، والتي تشكل مجالاً هاماً يمكنها الدخول فيه، خوفاً من أن يؤدي هذا إلى تقليص مبيعاتها لمجموعات الحلاقة التابعة لها. لكن، وتحت ضغط من الإدارة العليا، قامت الوحدة المسؤولة عن منتج (الماكينة مع الشفرة) بإجراء تجزئة جديدة لمعرفة إن كان هناك أي أساس واقعي لمخاوفها.
ماكينات الحلاقة هي عناصر منخفضة التكلفة. وعلى الرغم من أن الرجال بشكل طبيعي يرغبون بمظهر نظيف ومرتب إلا أن معظمهم لا يبذل جهداً لاختيار التقنية أو العلامة التجارية، نظراً لأن كل المنتجات في النهاية تعطي نتائج متشابهة إلى حد كبير. جرت العادة أن ينصب اهتمام الرجال على راحة ودقة الحلاقة، ومدى سهولة استعمال الماكينة (وهذا ما يقرر غالباً تفضيل الناس لاختيار مجموعة حلاقة أو ماكينة قابلة للاستخدام مرة واحدة)، إضافة إلى السعر.
تبعاً لذلك، ولتحديد ما إذا كان طرح منتج جديد سيقلص من مبيعات المنتجات الحالية، استخدمت أول عملية تجزئة سجلات مشتريات منزلية مفصلة لتصنيف المستهلكين ضمن واحدة من ثلاث مجموعات: أولئك الذين يشترون مجموعات حلاقة حصراً، وأولئك الذين يشترون المنتج المخصص للاستعمال مرة واحدة حصراً، وأولئك الذي يتنقلون بين الخيارين. تفاجأت الإدارة لدى معرفتها أن شريحة التنقل بين خيارين كانت صغيرة جداً، الأمر الذي أشار إلى إمكانية طرح ماكينات الحلاقة ذات الاستعمال الواحد بسعر أعلى دون أن يؤثر هذا على مبيعات مجموعات الحلاقة.
السؤال الثاني كان عن وجود عدد كاف من مستخدمي المنتج المخصص للاستخدام لمرة واحدة، والذين يُعتقد أنهم يبحثون عن وسيلة أقل تكلفة للحلاقة، المستعدين لشراء أداة أعلى جودة إنما بسعر أعلى. لهذا السبب، سعت تجزئة السوق الثانية لتقييم الحساسية تجاه الأسعار بهدف الكشف عن ميل المستهلكين للقيام بهذه المقايضة. جاءت النتائج مطابقة للتوقعات، حيث أن الكثير من الرجال لم يكونوا مهتمين بأداة مخصصة لاستعمال واحد أفضل ولكن أغلى من غيرها. مع ذلك فقد كشف البحث عن مستوى بسيط من الاستثمار العاطفي في المنتج من جهة الشباب اليافعين الذين لديهم صديقات أو كانوا في طور المواعدة. بالنسبة لهم كان ملمس بشرتهم يوازي بأهميته تقريباً مظهرهم الخارجي، وبالتالي فقد يكونوا على استعداد لدفع المزيد لقاء الحصول على هذا الملمس الناعم. بعد تزودهم بهذه الفكرة أطلقت الشركة منتجاً مخصصاً لاستعمال واحد بهامش ربح عالي جداً، الأمر الذي جعلها تكتسب حصة سوقية راسخة ودائمة دون التأثير على أخواتها من العلامات التجارية.
في المنتصف.
طرحت شركة "تويوتا" في عام 1997 سيارة هجينة فريدة ذات محرك يعمل بالكهرباء وبنظام الاحتراق الداخلي، وقد حققت نجاحاً باهراً في سوقها المحلي. لكن الأميركيين كانوا متوجسين من هذه التقنية الحديثة. كانوا يسعون للحصول على قوة أكبر وتسارع أفضل عند نقطة سعر سيارة "بريوس". أضف إلى ذلك أنه في نهاية التسعينيات من القرن الماضي لم يكن معظم سائقي السيارات في الولايات المتحدة الأميركية مهتمين باستهلاك الوقود، وهي قضية اقتصادية بالنسبة للبعض وليست قضية بيئية.
نظراً لأنه حتى السيارات ذات الأسعار المقبولة نسبياً تشكل عبئاً ثقيلاً بنفقاتها على معظم العائلات، ولأن السيارات التي يقودها الناس تؤثر بشكل كبير على صورتهم في نظرهم وفي أعين الناس، فقد كان من المبرر القيام باستكشاف بعض قيم العملاء وعواطفهم. من ثم، وعند قيام "تويوتا" بهذه الدراسة، اكتشفت شركة صناعة السيارات أن حوالي 10% من مشتري السيارات لم يعجبوا بتصميم السيارة ويتقبلوا أداءها فحسب، لكنهم كانوا مسرورين لفكرة أنها أقل ضرراً بالبيئة من باقي السيارات. بالرغم من أن شراء سيارة "بريوس" ينطوي على شيء من المغامرة، إلا أنه في مجتمعات معينة قد تكون عملية الشراء هذه أمراً مثيراً للإعجاب بفضل القيم التي تجسدها. بإمكان "تويوتا" جني الأرباح من السيارة إذا ما تمكنت من الوصول إلى هذه المجموعة الصغيرة من المشترين المحتملين بطريقة فعالة ومجدية وليس من خلال حملة إعلامية مكلفة. وكما اتضح لاحقاً، تم التواصل مع أكثرهم قابلية للشراء من خلال الإنترنت وتمكنت سيارة "بريوس" من تحقيق خطة أهداف المبيعات والربح لعامها الأول بسهولة.
الطرف العميق.
مجتمعات الرعاية المستمرة للمتقاعدين (CCRCs) هي مرافق سكنية للمتقاعدين المعافين ميسوري الحال. عادة تحوي مثل هذه المجتمعات على منازل منفصلة للعائلة، ومنازل ذات طابقين، وشقق سكنية يعيش فيها النزلاء قبل انتقالهم إلى منشآت المساعدة المعيشية أو دور التمريض اللتين تتواجدان في حرم المكان نفسه. بفضل تمويلها من قبل مؤسسات لا ربحية وأخرى ربحية كمؤسسة حياة، تمكنت (CCRCs) من مضاعفة عدد مراكزها لتصل حتى 5 أضعاف خلال 15 عاماً.
تعتبر مجتمعات الرعاية المستمرة للمتقاعدين باهظة التكاليف. يدفع كبار السن رسوم دخول ضخمة تتراوح بين 125,000 و400,000 دولار (تبعاً لحجم المسكن الذي يختارونه وموقعه الجغرافي)، ويحدث ذلك عادة بعد بيعهم لمنزل العائلة. بالرغم من ذلك، لا يتمتع السكان بحق امتلاك وحداتهم، وهذا أمر خالٍ من المساواة. يذهب قسم كبير من الرسوم لدفع تكلفة بوليصة التأمين التي تغطي تكاليف المساعدة المعيشية والرعاية التمريضية الماهرة التي يتلقاها المقيم في حال تدهور صحته. كما يدفع المقيمون رسوماً شهرية لقاء الوجبات وخدمات التدبير المنزلي والمرافق وغيرها من وسائل الراحة. بالرغم من أن مجتمعات الرعاية المستمرة للمتقاعدين الاعتيادية تعيد 90% من الرسوم الأولية عند انتقال المقيم أو في حال وفاته، إلا أن الفرد أو العقار يعاني من خسارة مالية كبيرة بالنظر إلى معدل ارتفاع سوق العقارات اليوم.
إذاً ما الذي يفسر الطلب على (CCRCs)؟ تم الكشف عن الإجابات من خلال تجزئة موجهة نحو القيم العائلية المتغيرة. تشير تعليقات منشورة للمقيمين في (CCRCs) وخبراء الصناعة إلى أن شريحة المسنين الذين ينجذبون لهذا الخيار يسعون لتجنب الاعتماد على العائلة والأصدقاء القدامى، الذين كان من الممكن في فترات سابقة أن يقدموا لهم الرعاية. اتسمت هذه الشريحة بصفتين أساسيتين:
- الرغبة في الاستقلال - تجنب التحول إلى عبء يثقل كاهل أحبائهم.
- الاستعداد لتقبل الحياة في بيئة شبه مؤسسية بين غرباء عوضاً عن أمان ودفء التواجد بين العائلة والأصدقاء.
من الواضح أن تجزئة السوق هذه تعمل على أعمق مستوى من خطورة طيف القرار. تخبر هذه التجزئة قطاع التقاعد أن إضافة رعاية مرض الزهايمر إلى الباقة سوف يجذب أعداداً كبيرة من المسنين الذين يشعرون بالقلق إزاء تحولهم إلى عبء، وأن العيش بالقرب من أو الانتساب إلى مجتمع سوف يزيد من الإحساس بالانتماء إلى المجتمع، وهو شعور يقع موضع تقدير في مجتمعات الرعاية المستمرة للمتقاعدين.
جاءت المبادرات الأولى لعملية تجزئة السوق مخيبة بشكل عام لآمال الشركات التي أطلقتها. أخذت نقاط فشلها في الغالب ثلاثة أشكال. أولها هو الاهتمام المفرط بهويات العملاء، والذي صرف انتباه المسوقين عن مزايا المنتج الأكثر أهمية بالنسبة للعملاء المحتملين والحاليين لفئات وعلامات تجارية معينة. وثانيها هو قلة التركيز على سلوك العملاء الفعليين، والذي يكشف بصورة قطعية عن مواقفهم ويساعد على التنبؤ بنتائج الأعمال. أما ثالثها فهو الاستغراق المفرط في التفاصيل التقنية لتخطيط عملية التجزئة، الأمر الذي باعد بين المسوقين وأصحاب القرار الذين تعتمد هذه المبادرات على دعمهم.
نعتقد أن المنظمات القادرة على التغلب على نقاط الضعف الثلاث هذه ستتمكن من التجاوب بشكل أسرع وأكثر فاعلية مع التغيرات السريعة لظروف السوق، وتطوير رؤى حول مكان وكيفية التنافس، وتحقيق أقصى فائدة من موارد التسويق النادرة.
بدأت التجزئة اللاديمغرافية منذ أكثر من 40 عاماً كوسيلة للتركيز على الاختلافات بين العملاء التي تتمتع بأهمية قصوى من الناحية الاستراتيجية. نظراً لعدم قدرتها على فعل ذلك خلال أكثر من نصف تلك المدة، فإننا نأمل أن تتمكن إعادة الاكتشاف التي نعرضها هنا من تعويض الوقت الضائع والنجاح أخيراً خلال 40 سنة قادمة في تحقيق الهدف الأساسي من عمليات تجزئة السوق بالفعل.
اقرأ أيضاً: