3 استراتيجيات تمكنك من دخول سوق لا يَكثُر فيها الطلب على منتجاتك

7 دقائق
الأسواق غير المستغلة
لانس كينغ/غيتي إيمدجز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تركّز أغلبية الشركات جهودها التوسعية في الأسواق الدولية على الأسواق التي يَكثُر فيها الطلب على منتجاتها أو خدماتها. ولكن تبيّن لكاتبيّ المقالة، من خلال سلسلة من المقابلات الشخصية مع أكثر من 100 مسؤول تنفيذي في شركات متعددة الجنسيات، أنه يمكن أيضاً التوسع في الأسواق العالمية دون وجود مؤشرات واضحة على الطلب (وأن هذا كثيراً ما يؤدي إلى تحقيق أرباح عالية). ويستعرض الكاتبان 3 استراتيجيات ساعدت الشركات في جميع أنحاء العالم على الانطلاق بنجاح في الأسواق غير المستغلة وهذه الاستراتيجيات هي: البدء باستثمار أولي صغير، والبحث عن طرق إبداعية لتعريف العملاء المحليين بالمُنتَج الجديد تماماً عليهم، وتكييف المنتجات لتلبية الاحتياجات المحلية. وفي حين أن دخول منطقة جغرافية جديدة لا يَكثُر فيها الطلب على مُنتَجك الحالي أمرٌ محفوف بالمخاطر، فيمكن بقليل من الصبر والإبداع أن تنجح الشركات في المنافسة وتجد طلباً كبيراً على مُنتَجاتها لفترات طويلة من الزمن، أو تستحدثه.

 

عند الإقدام على اختيار أسواق جديدة لدخولها، فإن الرهان الآمن يتمثل في التركيز على المناطق التي يَكثُر فيها الطلب على منتجاتك أو خدماتك. على سبيل المثال: لم تدخل شركة “هيونداي” الصين إلا عندما كان قطاع السيارات الصينية ينمو بالفعل بنسبة 20% سنوياً تقريباً. وانتظرت “أمازون” كثيراً قبل دخولها الهند حتى نما قطاع التجارة الإلكترونية في البلاد بمعدل 35% سنوياً. ولم تطرح “أوبر” خدمة الدراجات النارية في إندونيسيا إلا بعد نجاح منافسيها المحليين “غوجيك” (Gojek) و”غراب” (Grab) اللذين حازا شعبية كبيرة في تقديم خدمات مماثلة في المنطقة.

من الواضح أن هذه الاستراتيجية قد تكون فاعلة، ولكن لها سلبياتها أيضاً، فعندما تتكشف إمكانات السوق أمام الجميع، ستكون المنافسة الحامية الوطيس أمراً لا مفر منه. لذا يختار بعض الشركات اتباع نهج مختلف للتوسع على المستوى الدولي. ومن خلال سلسلة من المقابلات الشخصية المعمَّقة مع أكثر من 100 مسؤول في شركات متعددة الجنسيات، وجدنا أن أغلبية الشركات تركز جهودها على الأسواق التي يَكثُر فيها الطلب على منتجاتها الحالية، وعلى الرغم من ذلك، فمن الممكن في واقع الأمر تحقيق النجاح في سوق جديدة لا تُوجَد بها مؤشرات قوية على الطلب على منتجاتها، وإذا تم تنفيذه بالشكل الصحيح، فقد يكون هذا النهج فاعلاً للغاية لتجنب المنافسة الحامية الوطيس وإنشاء مركز قوي في السوق مبكراً.

وقد توصلنا على وجه التحديد إلى 3 استراتيجيات:

1. البدء باستثمارات صغيرة

في حال غياب دليل واضح على وجود إمكانات قوية للسوق، يجب على الشركات التوصّل إلى تخمينات مستنيرة حول كيفية تغير الطلب بمرور الوقت. على سبيل المثال: قد تشير التحولات السياسية أو الابتكارات التكنولوجية إلى وجود احتمالات قوية لنمو اقتصاد أو قطاع معين، أو قد تشير الاتجاهات الاجتماعية إلى حدوث تغيُّر مرتقب في سلوك المستهلك، أو قد يؤدي صعود الطبقة المتوسطة إلى إمكانية خلق حالة من الاهتمام المُستجدِّ بمنتجات أو خدمات معينة. واعتماداً على مستوى ثقة المؤسسة في هذه الافتراضات، قد يكون من المنطقي جس نبض سوق معينة باستثمار أولي صغير قبل اتخاذ قرار نهائي بضخ استثمارات كبيرة فيها. وحينما تتخذ خطوات صغيرة، فإن هذا يتيح إمكانية التحقق من صحة السوق الجديدة والتعرّف على خصوصياتها وتعديل أوضاعك وفقاً لذلك… دون إشهار إفلاسك.

على سبيل المثال: عندما افتتحت العلامة التجارية الإيطالية الفاخرة “زينيا” (Zegna)، أول متجر لها في الصين، بدت البلاد مصدراً غير محتمل للنمو. إذ كانت تكلفة بدلة “زينيا” في ذلك الحين تبلغ 3 أضعاف متوسط الراتب السنوي للمواطن الصيني في بكين، ما يشير إلى أن الطلب على منتجات الشركة سيكون ضئيلاً. وعلى الرغم من ذلك، فقد فتحت الشركة عدداً من المتاجر الصغيرة، ما جعلها أول شركة غربية للسلع الفاخرة تتوسع في الصين. ظلت هذه المتاجر تتكبّد خسائر لمدة 5 سنوات، ولكن نظراً لأن استثماراتها الأولية كانت صغيرة، فقد استطاعت “زينيا” تحمُّل هذه الخسائر. وواصلت الشركة تجربتها بصبر، وعملت على تعزيز عملياتها المحلية وتوسيع قاعدة مواهبها، حتى إنها جلبت مدراء من إيطاليا لتدريب الموظفين الصينيين غير المتمرسين في توزيع هذه الأنواع من السلع الفاخرة.

وفي ظل عدم وجود منافسين، تمكنت “زينيا” من بناء علامة تجارية نالت شهرة واسعة بين طبقة النخبة في الصين. وفي الوقت نفسه، تطورت السوق الصينية بشكل مطرد. وأحدث النمو السريع للطبقتين العليا والمتوسطة زيادة في الطلب على ملابس “زينيا” الراقية، في حين أدى تخفيف القيود المفروضة على الشركات الأجنبية إلى إلغاء شرط الشراكة مع الموزعين المحليين، ما عزز من قدرة “زينيا” على الاستفادة من السوق وتحقيق الربح. واستجابةً لهذه التحولات في السوق، نما اهتمام العلامات التجارية الفاخرة الأخرى بالسوق الصينية، لكن “زينيا” كانت تتمتع بميزة كبيرة بسبب قاعدة عملائها الراسخة وموظفيها المدربين تدريباً جيداً. وفي عام 2010، أي بعد أقل من 20 عاماً من دخول “زينيا” إلى الصين لأول مرة، كانت واحدة من أفضل 5 علامات تجارية للملابس الفاخرة في البلاد، وتمثل 50% من إجمالي مبيعات الملابس الرجالية الفاخرة. وباتت إيرادات شركة “زينيا” في الصين تشكّل اليوم ثلث الإيرادات العالمية للشركة، ويرجع ذلك في الأساس إلى دخولها المدروس إلى السوق مبكراً.

وكانت الاستراتيجيات المماثلة فاعلة في شتى أنحاء العالم. فعندما توسعت شركة “تيفا فارماسيوتيكال” (Teva Pharmaceuticals) الشرق أوسطية لأول مرة في الولايات المتحدة، كانت الأدوية ذات العلامات التجارية الشهيرة تهيمن على سوق الأدوية الأميركية. وكان الطلب محدوداً على البدائل المكافئة المعروفة باسم “أدوية جنيس”، لا سيما من شركة أجنبية صغيرة ناشئة، مثل “تيفا”. وعلى الرغم من ذلك، فقد اتخذت الشركة خطوة أولية صغيرة. فقد ضخّت أقل من 10% من رأسمالها مقدماً لإنشاء مشروع استثماري مشترك مناصفةً مع شريك أميركي “دبليو آر. غريس” (WR Grace)، كان مهتماً بتقنيات وخبرات شركة “تيفا”. واستطاعت “تيفا” بهذا الحد الأدنى من الاستثمار أن تحصل على موطئ قدم في السوق الأميركية، وسرعان ما آتت هذه الخطوة ثمارها عندما أدى تغيير القوانين الأميركية إلى تسهيل عملية الموافقة على الأدوية المكافئة وحفّز ازدهار السوق. وتعد الولايات المتحدة الآن أكبر سوق للأدوية المكافئة في العالم، وقد أسهم الدخول المبكر لشركة “تيفا” في مساعدة الشركة على أن تحتل مكانة رائدة في السوق، على الرغم من مواردها المحدودة.

2. طرح منتجات جديدة

على الرغم من سهولة بيع المُنتَج في أغلب الأحيان إذا كان عملاؤك على دراية بالمنتجات المماثلة، فيمكنك جني الكثير من المكاسب إذا استطاعت شركتك أن تكون أول شركة تطرح مُنتَجات جديدة من نوعها لجمهور المستهلكين. وهذا يستلزم أولاً ضرورة فهم السوق المحلية، ثم تطوير عرض القيمة بصورة جديدة تلقى صدى طيباً لدى العملاء المحليين.

على سبيل المثال: عندما دخلت شركة “كوستا كروزس” (Costa Cruises) الإيطالية للرحلات البحرية السوق الصينية لأول مرة عام 2006، لم يكن معظم السياح الصينيين قد سمعوا عن الرحلات البحرية من قبل، وكانوا ينظرون إلى السفن على أنها وسيلة للنقل فقط. لكن “كوستا” حددت اتجاهاً مهماً في السوق يتمثّل في تزايد اهتمام النخب الصينية بأي شيء جديد وأجنبي، خاصةً إذا كان أوروبياً.

وشغّلت الشركة سفينة صغيرة واحدة فقط بسعة 1,000 راكب في شنغهاي لجس نبض السوق (وهو ما يُعتبر أيضاً مثالاً على استراتيجية “البدء باستثمارات صغيرة”). وفي حين أن مثل هذه السفينة الصغيرة نسبياً ما كانت لتثير ضجة كبيرة في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث كان المسافرون أكثر اعتياداً على الرحلات البحرية، فإن حداثة هذه السفينة وغرابتها أحدثتا دوياً هائلاً بين العملاء الصينيين. وقدمت “كوستا” تجربة جديدة تماماً لقضاء الإجازات، من غرف مريحة للنزلاء ومأكولات عالمية، إضافة إلى عروض الأوبرا الإيطالية والمشروبات الفاخرة. كان ذلك نجاحاً كبيراً. ومنذ ذلك الحين، دخل الكثير من شركات الرحلات البحرية الأخرى إلى السوق الصينية، لكن دخول “كوستا” المبكر والنجاح المدوّي لعلامتها التجارية مكّناها من الحفاظ على مكانتها القوية.

لن يكون النجاح حليف كل مشروع على الفور، بطبيعة الحال. فعندما دخلت شركة “تولارام” (Tolaram) الإندونيسية لتوزيع المواد الغذائية إلى السوق النيجيرية لأول مرة بمُنتَج معكرونة النودلز سريعة التحضير (الإندومي)، عانت الشركة في البداية للترويج لبضاعتها. فلم يسبق للكثير من العملاء في نيجيريا أن أكلوا النودلز أو حتى شاهدوها، وبالتالي فشلت الشركة في ترجمة الشعبية الهائلة لهذا المُنتَج في آسيا إلى رواج في هذه السوق الجديدة. وسرعان ما أدركت شركة “تولارام” أن غياب الطلب على النودلز في ذلك الحين كان يستلزم اتباع نهج جديد، وهو ما دعا الشركة إلى تركيز أنشطتها التسويقية على انخفاض تكلفة الإندومي وتوافر العناصر الغذائية به، وهو ما لاقى صدى طيباً لدى قاعدة العملاء ذوي الدخل المحدود والمهتمين بالأطعمة الصحية. وعلى الرغم من بدايته الصعبة، أصبح الإندومي الآن طعاماً مألوفاً لدى المستهلك النيجيري، ويمثل أكثر من 70% من سوق النودلز السريعة التحضير في البلاد.

3. التكيُّف لتلبية الطلب الحالي

لن يستطيع جميع الرواد أن يستفيدوا بطبيعة الحال من التحولات المواتية في السوق أو أن يحققوا مكسباً مالياً من الاستجابة الحسنة للمنتجات الجديدة. وقد واجهت شركة “لينكد إن”، على سبيل المثال، ندرة الطلب على منتجات شبكتها الإلكترونية عندما دخلت الصين لأول مرة. حيث قدمت الشركة في البداية موقعها الإلكتروني لشبكة العلاقات المهنية بالطريقة ذاتها التي قدمته بها في البلدان الأخرى، ولكن على الرغم من نجاحه في أماكن أخرى، فقد وجد غالبية المستخدمين الصينيين أن فكرة الموقع غريبة على ثقافتهم وغير جذابة بالمرة. إذ لم يُبدِ المواطنون الصينيون ارتياحهم لعرض ملفاتهم التعريفية بطريقة تشبه عرض السيرة الذاتية على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ثقافة تشدد على أهمية بناء العلاقات الشخصية قبل تكوين علاقات عملية، فإن استخدام الملفات التعريفية الشخصية بصورة علنية لتسهيل إنشاء علاقات عملية، دون تكوين علاقات شخصية قوية، بدا أمراً غير مألوف وغير ملائم. وفي الوقت نفسه، فقد أدت القيود التنظيمية المفروضة على المنصات الاجتماعية إلى خلق صعوبات متزايدة على عمل شبكة “لينكد إن”.

واستجابةً لهذا الموقف، حوّلت “لينكد إن” تركيز عملياتها في الصين من الوظيفة الاجتماعية الأساسية للموقع إلى ميزات التوظيف. وكان العملاء الصينيون على دراية بالمواقع الأخرى المخصَّصة للبحث عن الوظائف، إلا أن شبكة “لينكد إن” العالمية التي تضم كبرى الشركات وكبار مسؤولي التوظيف قدمت ميزة لا يمكن للمنافسين محاكاتها. ومن هنا أدركت “لينكد إن” أنها كانت في وضع أفضل بكثير من منافسيها لتلبية هذا الطلب، بدلاً من خلق طلب جديد على منتجها الأساسي بين مستهلكين قابلوا مفهوم الشبكة الاجتماعية المهنية بنوع من الفتور. لذلك أعلنت الشركة، في وقت سابق من هذا العام، أنها ستغلق خدمتها الاجتماعية في الصين، وأنها ستطرح بدلاً من ذلك موقعاً جديداً لشغل الوظائف.

والزمن وحده كفيل بتحديد ما إذا كان هذا التحول سيؤتي ثماره، بطبيعة الحال. ولكن يمكننا القول، نظرياً على الأقل، إن هذا النهج يبدو متماشياً إلى حدٍّ بعيد مع طبيعة المشهد الثقافي والقانوني للسوق الصينية، وكذلك مع الطرق التي كانت قاعدة عملاء “لينكد إن” المحدودة تستخدم التطبيق من خلالها بالفعل. فإذا كنت تواجه مشكلة في إقناع عملاء جدد بقبول مُنتَجك (ولكن لا يزال يبدو أن السوق تستحق المتابعة)، فقد يكون من الأفضل أن تركز نشاطك التجاري على تلبية احتياجاتهم أياً كانت.

يعتبر دخول سوق جديدة لا يَكثُر فيها الطلب على مُنتَجك أمراً محفوفاً بالمخاطر. وتتسبب هذه المخاطر في ردع الكثير من الشركات العالمية التي تفضل دخول الأسواق بقدر أكبر من اليقين وفي ظل وجود فرص مؤكدة لتحقيق عوائد فورية. ولكن بقليل من الصبر والإبداع، يمكن لهذه الشركات اقتحام الأسواق غير المستغلة وإيجاد طلب كبير ومستدام على مُنتَجاتها، أو استحداثه. وسواء كنت تحاول إيجاد موطئ قدم في سوق جديدة من خلال استثمار استكشافي صغير أو الاستفادة من الميزات الفريدة لعلامتك التجارية لاستحداث مُنتَج جديد تماماً أو محاولة تكييف مُنتَجك لتلبية احتياجات العملاء المحليين بشكل أكثر فاعلية، فقد تحظى سوق يقل فيها الطلب على مُنتَجك الحالي باحتمالات تفوق قدراتها البادية على السطح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .