ربما تكون إدارة التغيير اختباراً لأي شركة، حيث أظهرت عدة دراسات لشركة "تاورز واتسون" (Towers Watson) أنه لا تنجح سوى 25% فقط من مبادرات إدارة التغيير على المدى الطويل. لن يفاجئني الأمر إن كانت الإحصاءات أسوأ في مجالي، وهو الخدمات المالية، التي تكون فيه الكثير من الشركات كبيرة وعالمية، ومُنظمة ومعقدة هيكلياً.
لهذا قبل أربع سنوات، عندما كنت المديرة التنفيذية لشركة "جنرال إلكتريك" للتمويل بالتجزئة، وكُلفت بقيادة مبادرة ضخمة للتغيير (تقسيم وحدتنا إلى شركة جديدة للتداول العام، تدعى "سينكروني فايننشال" (Synchrony Financial)) نظرت إلى تلك المهمة على أنها تحد كبير.
حدثت تغييرات تنظيمية رئيسية شملت كل شيء، من التوظيف والعلامة التجارية إلى الموافقات التنظيمية والتسويق، في تعاقب سريع، مع موعد نهائي صعب يقدر بـ12 شهراً لتجهيز كل شيء للاكتتاب العام، ومدة 18 شهراً قبل الاكتتاب لانفصالنا الكامل عن جنرال إلكتريك.
وبينما يُعتبر كل مدير تنفيذي مضطراً للعمل عبر التغيير التنظيمي، لكنه سيخبر الكثير منهم أنّ من بين كل واجباتهم، ما يخيفهم أكثر هو إدارة التغيير، لأنها تضع تحت الاختبار تقريباً كل جانب من جوانب الشركة وقيادتها.
لا شك أنّ إدارة التغيير تضعنا تحت الاختبار بالفعل. هكذا انتقلنا من كوننا جزءاً من شركة لها ما يفوق 300,000 موظف، في "جنرال إلكتريك"، إلى شركة من 10,000 موظف، في "سينكروني فايننشال"، بين عشية وضحاها على ما يبدو.
قمنا بتوظيف ما يقارب 1000 موظف جديد بفترة 15 شهراً لبناء عملياتنا، ومواردنا البشرية، والتزامنا الوظيفي وفرقنا التكنولوجية. (وظفنا أكثر من 5,000 موظف جديد منذ بداية هذه الجهود أواخر 2013).
خلال هذا الوقت، كان علينا الفصل كلياً عن الثقافة المميزة، ذات المئة سنة في "جنرال إلكتريك" وخلق شيء فريد خاص بنا.
وهذا ما تعلمته:
اسأل، استمع، وكن واضحاً مع الموظفين. عندما تم الإعلان عن خطط الانفصال، كنت أعرف أنّ موظفينا سيكونون قلقين. لكن لم أكن أعرف من أي ناحية سيكونون قلقين.
أما ما كنت أعرفه فهو أنني وفريق قيادتنا نحتاج إلى طلب ردود الفعل، الكثير منها. وكان أول شيء قمنا به هو المشاركة في جلسات استماع مستمرة.
عقدنا جلسات مع مجموعات موظفين صغيرة من مختلف المهام، وتحدّثنا عن كل شيء، بما في ذلك القيادة، والعمليات، والتعويض، والفوائد والتوظيف. كما تحدثنا عن كيف يمكننا إدارة الأعمال وخدمة عملائنا بينما نُعدّ أنفسنا للانفصال. لا نستطيع أن نضغط زر الإيقاف المؤقت حتى نعرف ما الذي ينبغي علينا فعله.
سألنا عن آمال الموظفين ومخاوفهم. عقدنا اجتماعات شهرية في مبنى البلدية، حيث استطعنا مناقشة هذه القضايا في مجموعات كبيرة، وأنشأنا صندوق أسئلة مجهول "اسأل مارغريت"، حيث أتاح هذا الصندوق لكل موظف اتصالاً مباشراً بي. هكذا تلاشت المخاوف المشتركة بسرعة كبيرة.
وجدنا أنه بينما يفهم الناس رؤيتنا، نراهم قلقين على وظائفهم وما الذي سيحدث لبرامجهم الصحية والاستثمارية طويلة الأجل.
فوجئت في البداية كم كانت بعض هذه الأسئلة مباشرة وشخصية، مع ذلك كانت معقولة جداً من حيث التغيير الهائل الذي كنا نُقدم عليه: هل ستُسلّم الرواتب في نفس اليوم الذي كانت تُسلم فيه سابقاً؟ هل سيحصل الموظفون على نفس عدد أيام الإجازات؟ هل ستشمل برامج التأمين الصحي لدينا أطبائهم ومستشفياتهم؟ أراد الناس إجابات مفصلة، وكانوا يريدونها بسرعة. وعندما كنا بطيئين جداً في الرد، لم يترددوا في إخبارنا بذلك.
عندما اكتشفنا هذه المشاكل، بذلنا أقصى ما في وسعنا لإصلاحها، سواء أكان ذلك يعني توظيف أشخاص جدد، تغيير السياسيات، أو إعادة التنظيم.
أثناء قيامنا بذلك، خرجنا في جولة تفقدية، مع فريق القيادة العليا لعقد لقاءات شخصية مع الموظفين عبر أنحاء العالم. لدينا أكثر من 1000 موظف في عدد من مواقع الشركاء المختلفين، لهذا احتجنا إلى التأكد أنّ كل موظف سمع ذات الرسالة مباشرة منا، وليس عبر البريد الإلكتروني فقط. ولم نقل ذلك مرة واحدة فقط.
لقد شرحنا باستمرار ماذا كنا نفعل ولماذا نفعل ذلك من أجل ألا يكون هناك أي مجال لسوء الفهم أو الشائعات. كنا نهدف إلى شفافية مستمرة، حتى قبل أن يكون كل شيء نهائياً.
إنشاء (أو مراجعة) مهمة وقيم محددة. بينما كنت وفريقي نُجيب بدقة على الأسئلة حول هدف شركتنا، كنت أعرف أنّ الإجابات لا يمكن أن تأتي فقط من الأعلى.
في كثير من الأحيان كنت أتلقى هذا السؤال من موظفينا: "كيف يمكن أن نحافظ على تراثنا من "جنرال إلكتريك" في حين نحتضن مستقبلنا الجديد كشركة قائمة بذاتها؟". للحصول على الجواب، وجهت إليهم ذات الأسئلة التي طرحتها على قادتنا الكبار.
تحدثنا عن مشاعرهم: ما الذي يلهمهم للمجيء للعمل كل يوم؟ ما هي الكلمات التي أثارت عواطفهم حول الشركة؟ ما هي القيم التي تقودهم؟ ما الذي يجعلهم فخورين؟ في المجمل، أشركنا 500 موظف وأكثر من جميع أنحاء العالم لتقديم الآراء حول ثقافتنا عبر مجموعات التركيز، والمقابلات والورشات وجلسات التفكير المجهولة.
وسرعان ما أدركنا أنّ المفتاح لبناء ثقافتنا المتميزة هو التقاط الطموح الموجود بالفعل، والفرصة التي جذبت الناس للشركة في المقام الأول. وحوّلنا هذه المشاعر إلى جملة بسيطة: "نحن روّاد مستقبل التمويل، نحن نحسّن نجاح كل عمل تجاري نخدّمه، وجودة كل حياة نتصل بها". أصبحت هذه الجملة في نهاية المطاف "مركز الاستقطاب الحقيقي" الذي احتشد موظفونا حوله.
كن منفتحاً لإنشاء سياسات وفوائد عمل جديدة. "ما يكون معقولاً في تجمع من 300,000 شخص ضمن شركة مثل "جنرال إلكتريك" لا يكون معقولاً بالضرورة لمؤسسة ذات 10,000 شخص" خطر لي هذا التعليق في إحدى جلساتنا لتلقي الآراء، وبقي في ذهني.
متى ما عرفنا ما الذي نمثله، لابد علينا أن نحوّل هذه الكلمات إلى أفعال. كان علينا أيضاً أن نحلل احتياجات الفئات المختلفة، ليس فقط في المقر الرئيسي، بل في كل مكان وعلى جميع المستويات. لقد ابتعدنا كثيراً عن مقاس واحد يناسب الجميع.
ويتمثل أحد الدروس الكبرى التي تعلمتها: ألا تفترض أنك تعرف ما يقدّره الناس. لأن المدير التنفيذي بعيد كل البعد عن الانشغالات اليومية لمعظم الموظفين.
ربما يبدو أحد البرامج أو الفوائد جيداً، لكن إن لم يُحسّن حياة الموظفين، فلابد علينا إذن من إيجاد شيء آخر يفعل ذلك. خلال مناقشتنا للآراء، على سبيل المثال، أظهر العديد من المشاركين رغبتهم في المزيد من المرونة.
على سبيل المثال، يحتاج الأفراد الذين يحاولون حضور التظاهرات المدرسية للأطفال، ومواعيد طبيب الأسنان، أو القيام بالأعمال المنزلية، المزيد من التحكم في جداول العمل.
ماذا فعلنا؟ قمنا بإنشاء سياسة تسمح لهم بأخذ إجازة، وذلك بزيادة ساعة عمل واحدة (مقابل أربع ساعات مطلوبة كحد أدنى في شركتنا السابقة). كان هذا التغيير قيّماً للغاية.
وبعدما درسنا المزيد من ردود أفعال الموظفين، بالإضافة إلى ترتيب قوتنا العاملة التي كانت مختلفة جداً عن قوة "جنرال إلكتريك" العاملة، قمنا بالعديد من التغييرات.
قمنا بتطوير خطة انتقالية مدتها أربع سنوات للانتقال من تقاعد محدد المزايا إلى خطة محسنة 401 (K)، وغيّرنا فلسفتنا ونهجنا إلى خطط المكافأة، وقمنا حتى بتغيير مستويات التعويض والمسميات الوظيفية لتتوافق بشكل أفضل مع مجالنا.
كنّا واضحين تماماً بشأن كل هذه التغييرات وأخذنا بعين الاعتبار آراء الموظفين بقدر ما نستطيع.
وكانت الفكرة الوحيدة التي احتفظنا بها من "جنرال إلكتريك" هي الاحتفال بالتنوع. في نفس الوقت، كان لزاماً علينا القيام بها بطريقتنا الخاصة. حافظنا على شبكات التنوع التي تمثل النساء، والأميركيين أصحاب الأصول الأفريقية، والآسيويين، والإسبانيين، والمحاربين القدامى، وفئات الاحتياجات الخاصة.
أضفنا كذلك ندوة تنوع تجمع معاً أعضاء من هذه المجموعات بشكل سنوي لمشاركة وجهات نظرهم الفريدة، وهي وجهات نظر قادرة على إنتاج أفكار عظيمة تساعد على تقديم خدمة أفضل لقاعدة عملائنا المتنوعة.
جد طُرقاً للمرح. بينما نحن نمضي قُدماً في خطة الانفصال، طرح أحد قادتي الكبار هذا السؤال: "في حين أنّ الجميع يبذل أقصى ما لديه، كيف سنجد وقتا للاحتفال؟" أؤمن أنّ الاحتفال بالنجاح من الأمور الحاسمة، لكن من المهم كذلك جعله شخصياً وحقيقياً.
وهذه هي إحدى المجالات التي لا يكون فيها التناسق بالضرورة نقطة قوة. يتوجب عليك أن تتيح لكل قائد إنشاء فكرته الخاصة عن المرح، طالما أنها تؤدي إلى فكرة أكبر. فمن الخطير دائماً أن تحاول تصميم الثقافة بدقة مبالغ فيها.
خلال الفترة الانتقالية، من السهل التركيز على العمل. لكن هذا هو الوقت المناسب الذي يصبح فيه التركيز على الأشخاص أكثر أهمية من أي وقت آخر. عندما استطعنا أخذ استراحة من كل التدريب، وشؤون التنوع، ومبادرات الثقافة، ضاعفنا استثمارنا فيهم. وهذا ما أثمر نجاحاً ممتازاً.
لا ينبغي أن يكون التغيير السريع مصدراً للارتباك. تستطيع الارتقاء بتفاعل الموظفين وإنتاجيتهم إلى مستويات جديدة عندما تتسم الشركات والقيادة بالشفافية، وتأخذ آراء الجميع بجدية، وتقدم رؤية مشتركة حقيقية.
في شركة "سينكروني"، كان علينا أن نتطور بسرعة ونواجه بشجاعة المشاكل التي اكتشفناها. هكذا انتهى الأمر بهيكل المؤسسة لأن يبدو مختلفاً كثيراً عمّا توقعته أنا أو أي شخص آخر.
بطبيعة الحال، لم تنته الرحلة بعد. انفصلنا، ودخلنا الاكتتاب العام، وأنشأنا اسماً وعلامة تجارية. وعلى الرغم من أنه لدينا الآن ثقافة فريدة في "سينكروني"، لكن الأمر لا ينتهي هناك. لأنه ببساطة لا يوجد خط نهاية للثقافة. لكني أشعر بالسعادة الغامرة للمكان الذي وصلنا إليه، وحتى أكثر من ذلك إلى أين نتجه.