تخيل أن الغياب المؤقت عن مكان عملك، قد يؤدي إلى نسيان 10 سنوات من الأداء العالي المتواصل. وتخيل أن علاقتك بالزملاء الفاعلين في شركتك، ممن عملت معهم عن كثب، قد ساءت بشكل كبير. كانت هذه تجربة ثريّا بعد عودتها المبكرة إلى العمل بعد نهاية إجازة الأمومة. قالت لنا: "قبل أن أذهب، وعدوني باستعادة جميع عملائي لدى العودة؛ وهو ما كان سبباً من أسباب عودتي فعلاً. ظننت أنه كلما أسرعت باستعادة عملائي كان ذلك أفضل، لكن عندما عدت، لم يحدث ذلك، ولم أستعد أياً منهم". بعودتها، اكتشفت ثريّا أنها لم تفشل فقط في استعادة عملائها، ولكن الزميل الذي تولى التعامل معهم بعدها لم يكن يدري أنها سبق أن أدارتهم أصلاً.
العودة للعمل بعد نهاية إجازة الأمومة
تمثل تجربة ثريّا تجربة العديد من النساء الموهوبات، اللواتي شملهن بحثنا حول العودة إلى العمل بعد إجازة الأمومة. ويشير بحثنا إلى أنّ العديد من الشركات يفشل في دعم المواهب النسائية العائدة، وأن النساء غالباً ما يُتركن للشعور بالإحباط وخيبة الأمل من جرّاء ذلك.
بالنسبة إلى العديد من النساء، فإن العودة إلى العمل بعد إجازة الأمومة تُعتبر نقطة تحوّل وظيفية أساسية. وقبل العودة من الإجازة، يشعر العديد من النساء بالعواطف المختلطة؛ إذ يساورهن القلق من ترك أطفالهن مع مقدّم رعاية آخر، ولكنهن يَتُقن إلى العودة إلى عالم الكبار المهني، حيث يُجِدن ما يفعلن. ولكن حتى مع ذلك، فإن العودة إلى العمل بعد الإجازة أصعب مما يتوقع العديد من النساء.
ولمعرفة المزيد حول الأمور التي تهم الموهوبات المتميزات اللواتي يواجهن الوضع، وما يجعل بعض التحولات أكثر صعوبة من غيرها؛ أجرينا دراسة متعددة المراحل (لقد عرضنا في الآونة الأخيرة نتائج أولية في أكاديمية الإدارة). في المرحلة الأولى، أجرينا مسحاً شمل 300 امرأة في إجازة الأمومة في إيرلندا والمملكة المتحدة، مع اقتراب موعد عودتهن إلى العمل. وفي هذه المرحلة، أعربت النساء عن قلقهن من ترك أطفالهن، ولكن أعربن أيضاً عن حماستهن إزاء العودة إلى العمل. أخبرننا، على وجه الخصوص، بتطلّعهن إلى العودة إلى روتين العمل والالتحاق بزملائهن.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن مساعدة الأمهات غير العاملات على العودة إلى العمل؟
لمعرفة ما يحدث بعد عودة المرأة إلى العمل؛ أجرينا مرحلة ثانية من البحث. وتضمنت هذه المرحلة جولة من المقابلات مع الأشخاص في 28 مؤسسة، عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، بما في ذلك الطيران والخدمات المصرفية والأدوية والخدمات المهنية والتكنولوجيا. وكانت هذه المؤسسات جميعها من كبار أصحاب الأعمال، ممن يملكون أنظمة موارد بشرية متطورة نسبياً؛ إذ كان العديد منهم نجوماً، ولاعبين عالميين رائدين في قطاعاتهم. وفي كل شركة من هذه الشركات، أجرينا مقابلة مع امرأة صُنِّفت من أفضل أصحاب الأداء من العائدين إلى العمل في الأشهر الستة السابقة للمقابلة، إضافة إلى مقابلة مديرها المباشر ومسؤول كبير في الموارد البشرية.
في هذه المرحلة من بحثنا، أخبرتنا النساء اللواتي تحدثنا إليهن، بأن العودة إلى العمل كانت أصعب مما توقعن؛ فقد عانَين انخفاضاً كبيراً في المشاعر الإيجابية بمجرد عودتهن إلى العمل؛ ما يعكس التحديات التي تواجههن بسبب هذا التحول. وفي العديد من الشركات، كان يُنظر إلى إجازة الأمومة باعتبارها عامل زعزعة كبيراً. وأظهرت المقابلات التي أجريناها مؤشرات على أن الحياة المهنية للمرأة، قد خرجت عن مسارها بعد عودتها من الإجازة، وأن الزملاء تكوّنت لديهم تحيزات غير واعية ضد النساء العائدات، وأن العلاقات المهنية تدهورت أيضاً بعد العودة من الإجازة.
ومع ذلك، فقد استمعنا أيضاً إلى العديد من القصص الإيجابية، من نساء عملن في شركات اعترف مديروها بأن إجازة الأمومة، في نظرهم، ما هي إلّا فاصل قصير في المسيرة المهنية الطويلة الأجل. وفي ثقافات الشركات الداعمة تلك، تحدثت النساء العائدات عن طاقة متجددة وتركيز في عملهن، وعن شعورهن بالقيمة، وتعزيز العلاقات المهنية.
الدروس المستفادة للمؤسسات
بينما يُنفق معظم المؤسسات بشكل كبير على برامج الإعداد للقادمين الجدد وتوظيف الخريجين، وجدنا أن لا أحد تقريباً يهتم بالقدر نفسه بإعادة دمج الموظفين بعد إجازة الأمومة. ويشير بحثنا إلى ست توصيات؛ ثلاث منها لقادة الموارد البشرية، وثلاث للمدراء المباشرين:
نصائح إلى قادة الموارد البشرية:
1- ادعم ثقافة مؤسسية تَعتبر إجازة الأمومة فاصلاً قصيراً لا عامل زعزعة كبيراً. حيث تركز الثقافات المؤسسية الصحية أيضاً على النتائج على مدار الوقت.
2- اعرض العودة المرحلية. وفي هذا الإطار، تتحدد "أيام تسجيل الوصول" التي يسجل فيها الموظف العائد حضوره إلى العمل في أثناء الإجازة. وتتراوح العودة التدريجية بين ثلاثة أيام في الأسبوع وأربعة، ثم خمسة أيام.
3- قُم بإعداد برامج التوجيه للموظفين العائدين، حيث تُطابق أصحاب الأداء العالي المتمتعين بخبرات رعاية أكبر مع أصحاب الأداء العالي من الآباء الجدد. ويمكنك أيضاً تقديم تدريب جماعي، أو استحداث أنظمة صداقة غير رسمية ليكون خياراً آخر.
نصائح إلى المدراء المباشرين:
1- أطلق حواراً مفتوحاً مع النساء العائدات، ويجب أن يبدأ الحوار قبل أخذ إجازة الأمومة، ويناقش كيفية التعامل مع الإجازة، وتفضيلات سبل التواصل في أثنائها، وفي مرحلة العودة. ضع خطة محددة لعمليات التسليم في العمل، في بداية الإجازة ونهايتها.
2- تحقق من افتراضاتك حول أولويات الآباء والأمهات الجدد، فيما يخص الصعيدين المهني والأسري؛ فقد يحتاج بعض الموظفين إلى إجراء تغييرات في مواعيد العمل، أو يطلبون ذلك صراحة، بينما لن يحتاج آخرون إلى ذلك.
3- كن واعياً إلى أن هذه التجربة هي مسألة شخصية تمس الإنسان من داخله بالنسبة إلى الجميع، وأن لك دوراً حاسماً في التأثير في هذه التجربة كلها. ثم إن بعض الأشياء التي تبدو صغيرة مثل توقيت الاجتماعات، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً (على سبيل المثال، الاجتماعات في الصباح الباكر أو في وقت متأخر بعد الظهر، غالباً ما تكون صعبة على الآباء الذين يسابقون الزمن لبدء الرعاية النهارية أو إنهائها).
ماذا عن طول مدة الإجازة؟
تشير النتائج التي تَوصّلنا إليها، إلى أن الطريقة التي يتم التعامل بها مع العودة، هي في العادة أكثر أهمية من المدة الفعلية للإجازة نفسها، وربما يكون التأثير أقل قوة؛ إذ إن الحد الأدنى من الحقوق هو في الحقيقة أعلى في الجزء الخاص بنا من العالم. في إيرلندا، على سبيل المثال، تحصل الأمهات على إجازة مدفوعة الأجر لمدة 26 أسبوعاً في معظم الحالات، ويمكن أن تمتد 16 أسبوعاً آخر بلا أجر، مع الحماية القانونية الكاملة. حصلت النساء المشاركات جميعهن في بحثنا على إجازة مدتها 26 أسبوعاً، فيما حصل نصفهن تقريباً على إجازة إضافية غير مدفوعة الأجر، لمدة تتراوح بين شهر وأربعة أشهر.
عندما تكون الإجازة أقصر من هذا، فإن بضعة أسابيع إضافية قد تُحدث فرقاً كبيراً. وفي أحد الأمثلة البارزة، زادت شركة جوجل مدة الإجازة من 12 أسبوعاً إلى 18 أسبوعاً، وخفضت بذلك معدل ترك الأمهات الجديدات العمل إلى النصف. وفي مثال شركة أكسنتشر (Accenture)، عندما ضاعفت مدة الإجازة من 8 أسابيع إلى 16 أسبوعاً، انخفض معدل ترك الأمهات الجديدات العمل بنسبة 40%.
اقرأ أيضاً: عندما تحملين مسؤولية رعاية مسنين
تشير الأدلة الحالية إلى أن مدة 26 أسبوعاً، هي المدة المُثلى لتحقيق بعض النتائج بالنسبة إلى الأمهات وأطفالهن. ومع ذلك، فإن السياسات التي تسمح بإجازات تزيد على ستة أشهر للأمهات فقط، ولا تسمح للآباء بالمثل، يبدو أنها تتسبب في تفاقم الفجوة بين الجنسين من حيث التقدم الوظيفي.
ماذا عن الآباء؟
بينما ركزت دراستنا على الأمهات الجديدات، فقد صادفنا بعض الأمثلة الجيدة لكبار القادة من الذكور، ممن أخذوا إجازة الأبوة، وأمثلة لشركات أبدعت بعمل رائع في مشاركة هذه القصص، وتشجيع الرجال على أخذ إجازة الأبوة.
أشار العديد من النساء في بحثنا، إلى أمثلة مشجعة لكبار القادة من الذكور في مؤسساتهم، ممن قاموا أيضاً بأدوار الرعاية الأولية أو الرعاية المشتركة في أسرهم. ويمكن أن يمثّل دعم هذه المبادرات على المستوى المجتمعي والتنظيمي خطوة إيجابية جداً، على طريق زيادة المساواة بين الجنسين في الإجازة المأخوذة لرعاية الأطفال، وفي الحد من تأثير إجازة الأمومة في المسيرة المهنية للأمهات.
في السويد، على سبيل المثال، يحق للآباء الجدد الحصول على 480 يوماً من الإجازة المدعومة لكل طفل، ويمكن الوالدين التشارك فيها كما يحلو لهما. وتدفع الحكومة 390 يوماً من تلك الأيام بمعدل 80% من الراتب، ويجب على كل من الأبوين أخذ إجازة ثلاثة أشهر على الأقل. وثمّة اتجاه متزايد نحو إجازة أبوة أفضل في جميع أنحاء العالم. وفي الولايات المتحدة، يتزايد عدد الشركات الكبرى التي تقدم إجازات أبوة تزايداً مستمراً.
ليست القضية مجرد إجازة
ركّزنا في دراستنا، تحديداً، على العوامل التي يمكن أن تساعد على عودة المرأة إلى العمل أو تعرقلها بعد إجازة الأمومة، لكن يوجد الكثير الذي تُمليه الأمومة والأبوة، بما يفوق الولادة أو ملء أوراق تسجيل الطفل. وتدرك الشركات الأكثر دعماً هذا الوضع، وتستمر في دعم الآباء العاملين بمجموعة متنوعة من الطرق الإبداعية.
اقرأ أيضاً: نقاط القوة والضعف في الإدارة.
على سبيل المثال، من المرجح أن تقدم الشركات، الأفضل أداء في بحث ماكنزي الجديد حول المرأة في مكان العمل، إجازة أبوة طويلة، إضافة إلى برامج لتسهيل الانتقال من الإجازة وإليها لكي يكون الانتقال سلساً، لكنها أيضاً أكثر احتمالاً بمعدل الضعف عن تلك في أسفل سلّم التوزيع، من حيث تقديم خدمات رعاية الطفل الاحتياطية في حالات الطوارئ، وأكثر احتمالاً بمعدل ثلاثة أضعاف لتقديم رعاية الأطفال في الموقع.
اقرأ أيضاً: الجوانب الإيجابية من حياة الأم العاملة
يشير بحثنا بوضوح إلى أن العودة إلى العمل بعد نهاية اجازة الأمومة، تُعد تحدياً صعباً بالنسبة إلى النساء، في ظل خطر كبير من انحراف المسار الوظيفي. نحدد بعض التغييرات الرئيسة التي يمكن أن تحسّن تجربة هؤلاء الأمهات بشكل كبير، وتؤدي إلى نتائج أفضل للآباء والمؤسسات على حد سواء. ويمكن تنفيذ معظم التغييرات التي نقترحها دون تكلفة كبيرة. ويُعد التأمل في ثقافة الشركات المتعلقة بالإجازة نقطة الانطلاق الرئيسة، مع تثقيف المدراء بشأن كيفية العمل الأفضل مع الأمهات العائدات لضمان انتقال سلس، والتركيز على المحادثات المفتوحة حول تفضيلاتهن.
اقرأ أيضاً: بحث: النساء تسجل نقاطاً أعلى من الرجال في معظم المهارات القيادية