أمازون هي نقطة تحول الرأسمالية

4 دقائق
نقطة تحول الرأسمالية
shutterstock.com/alexfan32

إليك هذا المقال عن نقطة تحول الرأسمالية تحديداً. تعرّض النظام الرأسمالي في السنوات الأخيرة إلى زلزال عنيف بعد إعادة صياغة التشريعات المتصلة بحوكمة الشركات في أعقاب الأزمة المالية العالمية. إلا أن الفضائح المتصلة بالحوكمة لا تزال تهيمن على الأخبار ضمن وسائل الإعلام بالرغم من تعزيز هذه القواعد - التي تنظم بدورها التفاعلات بين المساهمين والمدراء وأصحاب المصلحة. كما بات كل من كارلوس غصن ومارك زوكربيرغ وإيلون ماسك أبطالاً ضمن مسلسل دراما الشركات المستمر الذي لا ينتهي هذا.

ويرجع ما سبق في المقام الأول إلى النفوذ المتزايد للرؤساء التنفيذيين في الشركات، والنفوذ المتزايد للشركات في مجتمعاتنا. إذ لا تُظهر الزيادة في رواتب المسؤولين التنفيذيين أي علامة على التراجع على الرغم من مجموعة القواعد التي تهدف إلى مواءمة رواتب الرئيس التنفيذي مع مصلحة الشركات طويلة الأجل. واستمرت تعويضات الرؤساء التنفيذيين في النمو على الرغم من انحسار دور الأجور المتغيرة، الأمر الذي زاد بدوره من الفجوة بين تعويضات الإدارة العليا والعمال في عدم مساواة لفت الانتباه العالمي.

في الوقت نفسه، يزداد نمو الشركات الرائدة عالمياً مع تمتعها بإمكانية غير مرئية على التدخل في السياسات الوطنية، ما أدى إلى إطلاق المؤسس المشارك في فيسبوك دعوة إلى تفكيك الشركة. وتمثل القوة السياسية والاقتصادية المتنامية للشركات الكبرى تحديداً أحد الشواغل الرئيسة للمفوضية الأوروبية، والتي تتجلى عملياً في تجنب الضرائب والممارسات غير التنافسية.

وفعلياً، لدى الشركات العالمية الكبرى أهمية أكبر مما مضى ومساحات جغرافية أكبر مما كان لدى البنوك خلال الأزمة المالية، إذ تجاوزت الأرباح السنوية لشركة وول مارت الناتج المحلي الإجمالي لبلجيكا، في حين تجاوزت مبيعات فولكس فاغن ما حققته تشيلي على الرغم من الفضائح التي ألمت بالشركة. وكانت أمازون على وشك تجاوز شركة أبل كالشركة الأكثر قيمة في العالم ورئيسها التنفيذي جيف بيزوس كأغنى رجل في التاريخ الحديث إلى أن تصدّرت شركة أرامكو السعودية المشهد كأكثر الشركات ربحية في العالم هذا العام.

وبينما جاء الاهتمام الحاصل مؤخراً بأرامكو من الاكتتاب العام المتوقع والحوكمة فيها، إلا أن حوكمة أمازون هي في الواقع الأمر الواجب النظر إليه. بادئ ذي بدء، من الواضح أن أمازون في موضع يعطيها القدرة على تحقيق احتكار عالمي يدعمه نمو عضوي واستراتيجية طموحة عالمية للاستحواذ. ثانياً، ستنمو القوة الناعمة للشركة أيضاً بسبب مشاركتها السياسية، لاسيما دعمها المثير للجدل لنقل البنتاغون إلى الحوسبة السحابية.

لكن تعاني أمازون في الوقت نفسه من بعض المشاكل التي لا تعود أسبابها إلى واقع إمبراطوريتها المتنامية، ولا مشاركتها السياسية، ولا النزاع بين جيف بيزوس ودونالد ترامب، إذ تعكس الأحداث الأخيرة التي جرت في الشركة، من نواح كثيرة، حالة الضيق الواسعة من النظام الرأسمالي الحالي، سواء من حيث دور الشركة في الاقتصاد أو دور الرئيس التنفيذي داخل الشركة. وتقع أمازون في عين العاصفة في ثورة الحوكمة ضد النظام الحالي للرأسمالية العالمية.

أولاً، ترمز أمازون وغيرها من الشركات الضخمة القائمة الأخرى إلى ظهور منهجي لمؤسسات غير مالية مهمة ذات عمليات أساسية تؤثر بشدة على الاقتصاد والمجتمع العالميين. ثانياً، يُبرز أسلوب عمل الشركة قلقاً متزايداً حول دور رئيسها التنفيذي الذي تعززت سلطته من خلال سيطرته على الشركة بشكل لا يتناسب مع حصته فيها.

وظهر هذان الأمران بجلاء خلال آخر اجتماع للمساهمين في الشركة، إذ اقترحت مجموعة من الموظفين قراراً يطالب بتخفيض الوقود الأحفوري للشركة ويطلب منها الكشف عن بصمتها الكربونية (الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عملياتها). وكانت هذه لحظة فاصلة، ليس فقط في تاريخ أمازون إنما في تاريخ الشركات بشكل عام، إذ إن طرح الموظفين لقرارات تعارض رؤية الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة ليست أمراً شائعاً على غرار المعارك بالوكالة بين حملة الأسهم الرئيسين مثلاً.

اختار جيف بيزوس عدم تلبية طلب موظفيه ونصح مجلس الإدارة المساهمين بالتصويت ضد الاقتراح. ومع ذلك، من المغري أن نتخيل كيف كان يمكن للموقف أن يتطور لو كان لدى موظفي أمازون تمثيل في مجلس الإدارة. وفي الواقع، فإن اتجاهات حوكمة الشركات الحالية تدعم أكثر من أي وقت مضى مشاركة الموظفين في مجالس إدارة الشركات، حتى تلك التي لا يحملون أسهمها.

ويوصي قانون حوكمة الشركات المنقح لعام 2018 في المملكة المتحدة بتعيين مدير يمثل مصالح الموظفين، بينما يذكر تشريع "PACTE" (خطة العمل للنمو والتحول للمؤسسات) الذي صدر هذا العام في فرنسا وجوب إدراج مديرين يمثلان مصالح الموظفين ضمن مجالس إدارة الشركات الكبرى. ولدى ألمانيا وفنلندا والسويد أيضاً أحكاماً تسهل ترشيح الموظفين لمجالس الإدارة، على الرغم من أنها ليست إلزامية.

حتى في الولايات المتحدة، والتي لا توجد فيها تشريعات كهذه، تحدث حركة مماثلة على المستوى الشعبي. ففي اجتماع المساهمين في وول مارت، الذي أعقب ذاك الحاصل في أمازون، اقترح السيناتور بيرني ساندرز إصدار قرار بترشيح أحد "الموظفين الساعيين" ضمن مجلس الإدارة. وعلى الرغم من أنّ الاقتراح لم ينل التأييد وقتها، إلا أنه يمهد الطريق لحركات مماثلة ضمن شركات أميركية أخرى.

ويجب أن يُنظر إلى حركة إدراج الموظفين على أنها حلقة في سلسلة الإصلاحات التي تسعى إلى توسيع "هدف الشركة". ففي السنوات الأخيرة، وسعت الحكومات في فرنسا والمملكة المتحدة ودول أخرى "هدف الشركة"، مطالبة مجلس الإدارة ألا ينظر في مصالح مساهمي الشركة فحسب، إنما أيضاً مصالح أصحاب المصلحة. ونتيجة لذلك، أصبح أعضاء مجلس الإدارة مطالبين قانوناً أن يأخذوا بعين الاعتبار مقاييس الأداء غير المالية ومصالح الموظفين كمجموعة أصحاب مصلحة رئيسين.

وتحدث هذه التغيرات في نظام حوكمة الشركات في وقت يواجه فيه النظام الرأسمالي كما نعرفه مقاومة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى ضغط غير مسبوق على المؤسسات السياسية حول العالم لتطبيق سياسات العدالة الاجتماعية. ويعد إدراج موظفين ضمن مجالس إدارة أحد مظاهر هذا الضغط، ويلقى معارضة قوية من قطاع الشركات، كما تُظهر تجربة حكومة تيريزا ماي.

وبينما يبدو من المغري تكليف مجالس الإدارة بمعالجة مظالم العدالة الاجتماعية، تُظهر تجربة إدراج مدراء الموظفين ضمن المجالس التعقيد العملي لتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، أدت التغييرات الأخيرة في قانون الحوكمة والتي تُلزم الشركات بترشيح مدير يمثّل مصالح الموظفين إلى قيام معظم الشركات بترشيح مدراءها الحاليين غير التنفيذيين لذلك، وقيام شركة أخرى، في حالة فاضحة، بترشيح الرئيس التنفيذي السابق للشركة لهذا المنصب.

يمثل إدراج الموظفين في مجالس الإدارات نقطة تحول الرأسمالية العالمية، والذي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة لحل أزمة عدم المساواة. وعلى الرغم من أن إعطاء الموظفين صوتاً في عملية اتخاذ القرارات في الشركات هو هدف جدير بالاهتمام، إلا أنه يلزم توخي الحذر للتأكد من أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول لكفاءة مجلس الإدارة في وقت تواجه فيه مجالس الإدارة بالفعل تحديات أخرى تتمثل في مواجهة ضغوط ديمقراطية المساهمين من ناحية ورؤوس أموال أصحاب المصلحة من ناحية أخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي