تختلف أشكال التنوع من شخص إلى آخر، ففي دراسة شملت 180 مديراً لشركات إسبانية، اكتشفنا عدة تصورات سائدة حول التنوع، ووجدنا أن معنى التنوع قد اختلف بالنسبة لكل مجيب وانحصر في أحد هذه الأمور الثلاثة: تنوع اجتماعي (مثل الجنس الاجتماعي، والعرق، والميول العاطفية وغيرها)، وتنوع تجريبي (مثل أوجه التقارب، والهوايات، والقدرات)، وتنوع معرفي (أي كيفية معالجة المشاكل وكيفية التفكير حول الأمور مختلفة)، إن هذه التصنيفات الثلاثة للتنوع تشكل هوية الإنسان أو بالأحرى هوياتنا المختلفة.
يرتبط التنوع الاجتماعي "بهويات المنشأ"، وهي السمات التي تصنفنا لحظة ولادتنا، والتي نحملها لبقية حياتنا. ويستند التنوع التجريبي على تجاربنا الحياتية والتي تشكل عواطفنا، إلى جانب الانسجام الذي يربطنا بالأشخاص الذين نشاركهم اهتماماتنا، والذي نبني على أساسه مجموعات متعاطفة، ويؤثر التنوع التجريبي على ما يمكن تسميته بـ "هويات النمو". أما التنوع المعرفي فيجعلنا ننظر إلى رؤية الآخرين بأسلوب يكمّل رؤيتنا الخاصة والذي يمكن أن نسميه بـ "هويات الطموح".
من المهم تذكر أن أشكال التنوع تخدم فقط غرض التصنيف؛ أما على أرض الواقع، فإن الاختلافات بين هذه الفئات غير واضحة. إذ إن التنوع يتصف بالديناميكية، لكننا نعتقد أن هيكل التنوع هذا، على الرغم من أنه اصطناعي نوعاً ما، يمكن أن يكون مفيداً للشركات التي تحاول تجديد نهجها في إدارة التنوع.
أشكال التنوع
ما هو شكل التنوع الذي تركز عليه شركتك؟ وهل يمكنك الاستفادة من توسيع نطاق وجهة نظرك؟ دعونا ننظر عن كثب إلى إدارة كل شكل من أشكال التنوع.
إدارة هويات المنشأ. منذ ثمانينيات القرن الماضي، عملت معظم الشركات العالمية على تطوير إدارة التنوع وسياسات الإدماج؛ وقامت إدارات الموارد البشرية بإدارة هذه العملية. وقد تضمنت معظم العمليات أدوات تقييم (مثل الاستقصاءات حول بيئة العمل، ومراقبة الإحصائيات، والأهداف التي تسعى إليها الأقليات)، وبرامج الموارد البشرية (مثل السياسات المرنة، والإرشاد والتوجيه)، وحملات دعم التواصل وبرامج التدريب.
على سبيل المثال: يمكن أخذ تجربة شركة "سوديكسو" (Sodexho)، التي عيّنت في العام 2002 أناند روهيني رئيسة تنفيذية للتنوع، لتجعل من إدارة التنوع أولوية من أولويات الشركة. وقد ركزت بعض أولوياتها على الجنس والانتماء العرقي وحالات الاحتياجات الخاصة والعمر، وشملت استراتيجية التنوع التي اتبعتها الشركة على سلسلة من الأنظمة والعمليات التي غطّت سياسات الموارد البشرية (مثل الإجراءات المرنة، والتدريب، وعمليات الاختيار، والخدمات الوظيفية)؛ وتم النظر في سجلات أداء التنوع، والأهداف الكمية، وعدد النساء والأقليات بشكل أساسي، وليس فقط ضمن صفوف الموظفين بل شملت أيضاً مواقع القيادة. في العام 2005، أثبتت "سوديسكو" نفسها رائدة في إدارة التنوع، ولأكثر من عقد تم تصنيفها ضمن قائمة أفضل 50 شركة من حيث التنوع التي تصدرها سنوياً شركة "ديفيرسيتي إنك" (DiversityInc)، كما لمع نجم أناند روهيني على نطاق واسع كمناصرة عالمية للتنوع.
بالنسبة لشركة "سوديسكو" وشركات أخرى، فإن الأخذ بنهج مشابه يثمر عنه تعزيز صورة الشركة وسمعتها. إذ يختار الأفراد الموهوبون عادة، (ولكن من الأقليات بشكل خاص)، الشركات التي يشعرون أنها سوف تقدر مواهبهم.
إدارة هويات النمو. تزودنا هويات النمو بالإحساس بالأمان، إذ إن اهتماماتنا تتغير بمرور الوقت، وكذلك مجموعات الانسجام التي ننتمي إليها، بينما تملي علينا هوية النمو الخاصة بنا مع من يجب قضاء وقتنا.
طورت العديد من الشركات مجموعات مبنية على المودة الاجتماعية بين الموظفين، إذ ينظمون عادة نشاطات مثل نزهات نهاية الأسبوع وحفلات أعياد الميلاد، في محاولة لخلق روابط عاطفية بين الموظفين والشركة. ولكن لا يمكن التنبؤ بمستقبل هذه المجموعات المتعاطفة، ويصعب إدارتها على المدى الطويل؛ لأن ما يجعلها متماسكة إلى هذا الحد هي الاهتمامات التي تجمعها. بالنتيجة، هذه المجموعات المتعاطفة تستطيع في بعض الأحيان العمل لصالح المؤسسات، إلا أنه يمكن أن تخلق أيضاً تأثيراً معاكساً، خاصة عندما يشارك الموظفون ما لا يستهويهم من سياسات معينة، أو مدير معين، أو ما يعتقدون أنه موقف غير منصف.
تشير أبحاثنا إلى أن السياسة الأفضل للتعامل مع مجموعات النمو هي من خلال التدخل الأقل. إذ إن المجموعات المتعاطفة تظهر في المؤسسة سواء كانت الإدارة ترغب بذلك أم لا، وسوف تشكل أيضاً مساحتها الخاصة. إن خلق مجموعات منسجمة هو أمر إيجابي للشركة، لكن يجب الانتباه إلى أن هذه المجموعات يجب أن تكون دائماً مشكلة بشكل طوعي، وأن يُسمح لها بتطوير مسارها الخاص بعيداً عن تدخلات الإدارة.
إدارة هويات الطموح. تشق اختلافاتنا المعرفية طريقها إلى مجموعات الطموح، ففي تلك المجموعات يتم ملاحظة أسلوبنا الفريد في التفهم وتفسير أحداث العالم. إن مجموعة الطموح هي المكان، حيث أفكارنا مقدّرة في مساهمتها بنجاح مشروع مشترك، بغض النظر عن سماتنا المختلفة واهتماماتنا الفردية.
تنتقل المؤسسات المبتكرة باستراتيجياتها من إدارة الوحدات إلى إدارة التحديات أو المشاريع، ويبقى سؤال الموظفين حول رغبتهم بالانضمام الطوعي في المشاريع، من شأنه أن يخلق بيئة، حيث يمكن للموظفين الخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم للانضمام إلى مجموعات الطموح المؤقتة التي تعزز روابط تطال المؤسسة كاملة، وتساعدها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
تُظهر تجارب المؤسسات أن معظم الاستراتيجيات الفعالة التي اتبعتها الشركات لإدارة مجموعات الطموح؛ هي التي تسعى إلى خلق الظروف والبرامج المناسبة لهم ليثبتوا أنفسهم.
طورت شركة "فالف" (Valve Corporation) على سبيل المثال، وهي شركة متخصصة في تطوير ألعاب الفيديو، بنية تعاون فريدة مستغنية عن دور الرؤساء أو المدراء. إذ تم دعوة كل فرد في الشركة لتحديد مساهمته وفقاً لاختياراته وتفضيلاته. فقد يختار مطور موهوب متخصص في تصميم الرسوم المتحركة العمل على لعبة وأن يتولى "دور مساهم ضمن مجموعة"، أي أن يصبح جزءاً من مجموعة تعمل على تطوير تلك اللعبة. وبعد الانتهاء من "مساهمته في هذه المجموعة"، فإن الشخص نفسه يمكن أن يختار العمل على المهمة القادمة بأسلوب فردي أكثر. وقد انعكس نهج "حرية الاختيار" هذا على تصميم مكاتب الشركة التي تضمنت عجلات لتسهيل التنقل والسماح بتسريع عملية تشكيل وفضّ المجموعات وعمل الأشخاص.
إن فهم الأشكال المتعددة للتنوع مرتبط بشكل خاص بالرجوع إلى عصرنا القبلي، ولكن اليوم، يشكّل الأفراد هوياتهم عن وعي كامل. ونحن نريد الاستفادة من تعددية هوياتنا واستخدامها في أدوار مختلفة على قدر ما تسمح لنا به اختلافات انتماءاتنا.
نشهد اليوم أوقاتاً معقدة، حيث تُعد الحلول المعقدة مطلوبة أيضاً، وحيث لم يعد البعد الواحد في أسلوب تفكيرنا ناجعاً. ويجب الأخذ بالاعتبار أن كل شكل من أشكال التنوع مختلف عن الآخر، ويتطلب استراتيجية إدارية خاصة لتعمل بدورها على دمج الموظفين بفاعلية، ويمكننا أخيراً النظر إلى التنوع على أنه رحلة جميلة تحتاج كغيرها من الرحلات إلى مِلاحة حذرة.
اقرأ أيضاً:
- السر وراء التحولات المؤسسية الناجحة
- ما المطلوب لتحسين التنوع في الاجتماعات؟
- التنوع العصبي كميزة تنافسية
- أنت بحاجة إلى خطة تنوع في سلاسل التوريد