رغم أن التعاون أصبح أكثر تعقيداً، إلا أن النجاح ما زال يعتمد على الأساسيات المتعلقة بأسرار العمل الجماعي.
تختلف فرق العمل اليوم عن فرق الأمس: فهي أكثر تنوعاً وتوزعاً وديناميكيةً (وأعضاؤها يتغيرون بصورة متواترة). ورغم أن فرق العمل تواجه عقبات جديدة، إلا أن نجاحها ما زال يعتمد على مجموعة جوهرية من أساسيات التعاون ضمن المجموعة.
وكان ج. ريتشارد هاكمان، وهو أحد الرواد في مجال السلوك التنظيمي، قد حدّد أساسيات فعالية الفريق، إذ بدأ دراسة فرق العمل عام 1970. وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً من البحث، كشف عن رؤية في غاية الأهمية: إن أهم ما في العمل التعاوني ليس الشخصية أو المواقف أو الأنماط السلوكية. إذ أن ما تحتاجه فرق العمل من أجل الازدهار هو بعض "الظروف الملائمة". وفي الدراسات التي أجريناها (انظر العمود الجانبي "حول الدراسة")، وجدنا أن ثلاثة من الشروط التي وضعها هاكمان -وهي الاتجاه المقنع، والبنية القوية، والسياق الداعم- ما تزال ذات أهمية كبيرة على نحوٍ خاص لنجاح الفريق. وفي الحقيقة، تتطلب هذه الشروط الثلاثة اليوم اهتماماً أكبر من أي وقتٍ مضى. لكننا رأينا أيضاً أن الفرق المعاصرة عرضة لمشكلتين مدمرتين هما طريقة التفكير التي تعتمد على "نحن" و"هُم" والمعلومات الناقصة. ويتطلب التغلب على هاتين الهاويتين شرطاً أساسياً رابعاً وهو العقلية المشتركة.
عوامل نجاح العمل الجماعي
والخلاصة الرئيسية بالنسبة للقادة هي التالي: رغم أن فرق العمل تواجه مجموعة من التحديات متزايدة التعقيد، إلا أن عدداً قليلاً نسبياً من العوامل يملك تأثيراً ضخماً على نجاحها، ويمكن أن يحقق المديرون مكاسب كبيرة إذا أدركوا ما هي تلك العوامل وركزوا على إجادتها.
الظروف الملائمة
فلنستعرض بمزيد من التفصيل كيفية تهيئة المناخ الذي يساعد الفرق المتنوعة والموزعة والرقمية والديناميكية -وهي ما نفضل أن نطلق عليها "الفرق رباعية الأبعاد"- في تحقيق الأداء العالي.
الاتجاه المُقنع. إن الأساس في جميع الفرق الناجحة هو الاتجاه الذي يُنشّط الأعضاء ويوجههم ويتيح لهم المشاركة والتفاعل. ولا يمكن إلهام الفرق إذا لم يكونوا يعلمون الغاية التي يعملون لتحقيقها ولم تكن لديهم أهداف واضحة. إذ ينبغي أن تكون هذه الأهداف صعبة (فالأهداف المتواضعة ليست حافزاً) لكن ليس إلى الدرجة التي تجعل الفريق محبَطاً. ويجب أيضاً أن تكون لها تبعات: إذ ينبغي أن يهتم الناس بتحقيق الهدف، سواء لأنهم يتأهبون للحصول على مكافآت خارجية مثل التقدير أو التعويض المادي أو الترقيات، أو مكافآت داخلية مثل الرضا والإحساس بالنفس والمعنى.
اقرأ أيضاً: ثلاث طرق لتشجيع الفريق على العمل الجماعي بطريقة أذكى
ففي الفرق رباعية الأبعاد، يتمتع الاتجاه بأهمية خاصة لأنه من السهل أن يكون لدى الأعضاء البعيدين ذوي الخلفيات المتباينة وجهات نظر مختلفة حول هدف المجموعة. فلنأخذ أحد الفرق العالمية التي درسناها مثالاً، حيث اتفق جميع الأعضاء أن هدفهم هو خدمة العملاء، لكن معاني ذلك كانت متنوعة حسب مواقعهم الجغرافية. حيث رأى الأعضاء النرويجيين أنه يعني تقديم خدمة بأعلى جودة على الإطلاق مهما كانت التكلفة. أما زملاؤهم في المملكة المتحدة، فقد شعروا أنه إذا كان العميل يحتاج إلى منتج يساعده في حل 75% من متطلباته، فإن المنتج الأقل جودة يفي بالغرض. فكانت إزالة هذا التوتر تتطلب نقاشاً صريحاً من أجل التوصل إلى إجماع بشأن تحديد الفريق ككل لأهدافه.
البنية القوية. تحتاج الفرق أيضاً إلى المزيج الصحيح من الأعضاء والعدد المناسب منهم، إضافةً إلى المهمات والعمليات المصممة بالشكل الأمثل، والمبادئ التي تحبط السلوك المدمر وتعزز الديناميكيات الإيجابية.
وتتضمن الفرق ذات الأداء العالي أعضاءً لديهم رصيد من المهارات. وليس من الضروري أن يمتلك كل فرد من الأفراد مهارات فنية واجتماعية فائقة، لكن الفريق ككل يحتاج إلى جرعة مناسبة من كليهما. إذ أن تنوّع المعارف والآراء ووجهات النظر، إضافةً إلى تنوع الأعمار والجنس والعرق يمكن أن يساعد فرق العمل في أن تكون أكثر إبداعاً وأن تتجنّب التفكير الجمعي.
وهذا أحد المجالات التي تمتلك فيها الفرق رباعية الأبعاد الأفضلية. ففي إحدى الدراسات التي أجريناها في البنك الدولي، وجدنا أن الفرق استفادت من وجود مزيج من الأعضاء العالميين والمحليين؛ وهم الأشخاص الذين عاشوا في دول متعددة ويتحدثون العديد من اللغات، والأشخاص الذين لديهم جذور عميقة في المنطقة التي يعملون فيها. فالأعضاء العالميون يجلبون المعرفة والمهارات والخبرة التقنية التي يمكن تطبيقها في العديد من الحالات، بينما يجلب الأعضاء المحليون المعرفة والرؤية عن الدولة إلى سياسات فرع المنطقة وثقافته وأذواقه. ففي أحد فرق المصرف، أثبت هذا المزيج أهميته بالنسبة لنجاح مشروع تطوير أحد الأحياء الفقيرة في غرب إفريقيا. فأشار أحد الأعضاء المحليين إلى أنه ربما من الضروري وضع خطة للقروض الصغيرة من أجل مساعدة السكان على دفع فواتير المياه وخدمات الصرف الصحي التي خطّط لها الفريق، بينما شارك عضو عالمي معلومات قيّمة حول المشكلات التي واجهها عند محاولة تطبيق مثل هذه البرامج في بلدان أخرى. وعند أخذ وجهتي النظر بعين الاعتبار، توصّل الفريق إلى خطة مستدامة أكثر من أجل المشروع.
وإضافة الأعضاء إلى الفريق هي بالطبع واحدة من الطرق لضمان أن لديه المهارات والتنوع اللازمَين، إلا أن زيادة الحجم لا تأتي دون ثمن. حيث أن الفرق الكبيرة معرضة أكثر إلى ضعف التواصل، والتفتت، والانفلات (عند غياب المحاسبة). ففي الدورات التنفيذية التي نقيمها، كثيراً ما نسمع المديرين يشتكون من أن فرقهم قد تضخمت، وأنه يجري إضافة الخبراء العالميين وتعيين المزيد من الأعضاء من أجل جمع أعضاء جدد من أماكن وأقسام ووظائف مختلفة. ويجب على القادة أن يتنبّهوا لإضافة الأعضاء عند اللزوم فقط. إذ ينبغي أن يكون الهدف وجود الحد الأدنى من الأعضاء لا أكثر. وقد أخبرتنا إحدى المديرات أنها كلما تلقت طلباً لإضافة عضو إلى الفريق، فإنها تسأل ما هي القيمة الفريدة التي سيجلبها إلى المجموعة، وفي حال كان الفريق مكتمل العدد تماماً، فإنها تفكر عمن ستتخلى.
وينبغي تحديد واجبات الفريق بنفس القدر من العناية، فليس من الواجب أن تكون كل المهام إبداعية جداً أو مُلهِمة؛ فالكثير منها سيحتاج إلى عملٍ رتيبٍ شاق. إلا أن القادة يستطيعون جعل أية مهمة أكثر تحفيزاً عند تكليف الفريق بمسؤولية قسم كبير من العمل من بدايته إلى نهايته، مانحين أعضاء الفريق الكثير من الاستقلالية في إدارة العمل، مع تقديم الرأي لأعضائه حول أداء فريقهم.
وفي الفرق رباعية الأبعاد، غالباً ما يقوم أشخاص في مواقع مختلفة بأجزاء مختلفة من المهمة، وهذا الأمر يخلق صعوبات جديدة. فلنأخذ على سبيل المثال فريق تصميم البرمجيات الذي يعمل في سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا، ويرسل أجزاء من الكود البرمجي إلى نظرائه في بنغالور في الهند ليقوموا بمراجعتها أثناء الليل. هذا النمط من العمل البرمجي الذي يمتد على مدار الساعة شائع في الشركات التي تسعى إلى الاستفادة من الاختلاف في المناطق الزمنية. ولكن في أحد فرق العمل التي تحدثنا معها، أدى تقسيم العمل على هذا النحو إلى إحباط الفريق، لأن أعضاءه في الهند لم يستطيعوا فهم الشكل النهائي للكود بعد تركيبه بشكل كامل، أو معرفة نتيجة عملهم. كذلك لم يحصل المبرمجون في بنغالور على تقييم لعملهم إلا عندما لم يتوافق العمل الذي أرسلوه مع ما أُنجِز في الولايات المتحدة. لذا عندما تمت إعادة توزيعهم، بحيث استلم الفريق الهندي جزءاً متكاملاً من البرنامج ليعمل عليه، زاد حافزهم ومشاركتهم زيادةً كبيرة وتحسّنت جودة عملهم وكميته وكفاءته.
كما أن الديناميكيات الهدّامة يمكن أن تقوّض الجهود التعاونية. فقد واجهنا جميعاً أعضاء فريق يقومون بحجب المعلومات، أو يضغطون على الناس كي يتوافقوا معهم، أو يتجنبون تحمل المسؤولية، أو يلقون اللوم على الآخرين، وما إلى ذلك. ويمكن أن تقلل الفرق احتمال حدوث هذا الخلل من خلال وضع مبادئ واضحة، أي قواعد تعبّر عن عدد صغير من الأشياء التي يجب أن يفعلها أعضاء الفريق دائماً (مثل الوصول إلى الاجتماعات في الموعد المحدد، وإعطاء الجميع دورهم في الكلام) وعدد صغير من الأشياء التي يجب ألا يفعلوها مطلقاً (مثل المقاطعة). ويكون غرس مثل هذه المبادئ ضرورياً بشكلٍ خاص عندما يعمل أعضاء الفريق عبر ثقافات قومية وإقليمية وتنظيمية مختلفة (ولا يتشاركون النظرة ذاتها حول أهمية دقة المواعيد على سبيل المثال). وفي الفرق التي يتغير أعضاؤها بشكلٍ مستمر، من الهام تكرار المبادئ بوضوح بوتيرة منتظمة.
السياق الداعم. الحصول على الدعم المناسب هو الشرط الثالث الذي يؤمن فعالية الفريق. ويتضمن ذلك اتباع نظام المكافآت الذي يعزز الأداء الجيد، ونظام المعلومات الذي يتيح الوصول إلى البيانات الضرورية للعمل، والنظام التعليمي الذي يقدم التدريب، وأخيراً وليس آخراً، تأمين الموارد اللازمة للقيام بالعمل، مثل التمويل والدعم التقني. ورغم أنه ما من فريق على الإطلاق يحصل على كل ما يريده، إلا أن القادة يستطيعون التخلص من مشكلات كثيرة عن طريق تخصيص الوقت لتأمين الأجزاء الضرورية منذ البداية.
وغالباً ما يكون توفير السياق الداعم صعباً على الفرق المتباعدة جغرافياً والمعتمدة على التقنية في عملها، لأن الموارد المتاحة لأعضائها قد تتباين تبايناً كبيراً. فلننظر إلى تجربة جيم الذي قاد فريقاً جديداً لتطوير منتج في شركة "جنرال ميلز" (General Mills) التي كانت تعمل في بيع السلع الاستهلاكية في السوق المكسيكية. فبينما كان جيم يعمل في مينيسوتا في الولايات المتحدة، كان بعض أعضاء فريقه ينتمون إلى شركة تابعة مملوكة بالكامل في المكسيك. وكان الفريق يتعثر في الالتزام بمواعيده، ما أدى إلى نشوب خلافات بين أعضائه. لكن، عندما حظي جيم بفرصة لزيارة أعضاء فريقه في المكسيك، أدرك ضعف تكنولوجيا المعلومات لديهم وكم كانوا مقيدين في رأس المال واليد العاملة، لا سيما عند مقارنتهم بالفريق الموجود في المقر الرئيسي. وفي تلك الزيارة الوحيدة تحول غضب جيم إلى إعجاب بما استطاع زملاؤه المكسيكيون تحقيقه باستخدام الموارد القليلة المتوفرة لهم، وأدرك أن المشكلات التي افترض أنها ناتجة عن صدام ثقافي كانت في الحقيقة عائدة للاختلاف في الموارد المتاحة.
العقلية المشتركة. إن تهيئة الظروف المواتية الثلاث التي ذكرناها يمهد الطريق لنجاح الفريق كما بيّن هاكمان وزملاؤه. لكن دراستنا تشير إلى أن فرق العمل اليوم تحتاج إلى أكثر من ذلك. فالتباعد الجغرافي والتنوع، فضلاً عن التواصل الرقمي وتبدّل الأعضاء، هي عوامل تزيد احتمال حدوث مشكلتين: طريقة التفكير التي تعتمد على "نحن" و"هم" والمعلومات الناقصة. والحل لكلتا المشكلتين هو تطوير عقلية مشتركة بين أعضاء الفريق، وهو ما يستطيع قادة الفرق القيام به عن طريق تعزيز الهوية المشتركة والفهم المشترك.
ففي الماضي كانت فرق العمل تتألف عادة من مجموعة مستقرة من الأعضاء المتجانسين إلى حد ما، والذين كانوا يعملون وجهاً لوجه ويميلون لامتلاك عقلية متشابهة. لكن الحال لم يعد كذلك، وفرق العمل اليوم في أغلب الأحيان لا ترى نفسها على أنها مجموعة متناسقة واحدة، بل مجموعات جزئية صغيرة متعددة. وهذه هي ردة الفعل البشرية الطبيعية: إذ تستخدم أدمغتنا طرقاً معرفية مختصرة من أجل استيعاب عالمنا المعقد تعقيداً متزايداً، وإحدى الطرق لمعالجة تعقيد الفرق رباعية الأبعاد هي تصنيف الناس ضمن فئات. لكننا أيضاً ميّالون إلى النظر إلى مجموعاتنا الجزئية -سواء كانت حسب وظيفتنا أو الوحدة التي نعمل فيها أو منطقتنا أو ثقافتنا- بطريقة أكثر إيجابية من الآخرين، وغالباً ما تؤدي هذه العادة إلى خلق توترات وإعاقة التعاون.
اقرأ أيضاً: كيف يتحسّن العمل الجماعي عند مكافأة أفضل الموظفين؟
وهذا هو التحدي الذي كان يواجهه أليك، وهو مدير فريق هندسي في شركة "آي تي تي" (ITT)، يتولى مهمة توفير الحلول البرمجية للاتصالات اللاسلكية عالية المستوى. فكان فريقه منقسماً بين مدينتي تكساس ونيوجيرسي، وكانت المجموعتان تنظران إلى بعضهما البعض بتشكيك وقلق. فاختلاف المناطق الزمنية، والثقافات المحلية، وحتى اللهجات، أدت جميعها إلى تعزيز اختلافاتهم، وكان أليك يعاني لإبقاء الفريق على اطلاع كامل بالاستراتيجيات والأولويات والأدوار. وأصبح الوضع سيئاً إلى درجة أنه في زيارة الفريق إلى أحد الزبائن، اختار أعضاء الفريق من كلا المكتبين الإقامة في فندقين منفصلين. وفي سعيه لتوحيد الفريق، دعا أليك الجميع إلى العشاء، فوجد المجموعتان تجلسان في طرفين متقابلين.
وبالمثل، فإن نقص المعلومات هو أكثر انتشاراً في الفرق رباعية الأبعاد. وفي كثير من الأحيان، يكون لدى بعض أعضاء الفريق معلومات هامة لا يملكها الآخرون، ذلك لأنهم خبراء في مجالات تخصصية أو لأنهم متفرقون جغرافياً أو جدد أو كلاهما. ولن تضيف تلك المعلومات قيمة كبيرة إلا إذا وصلت إلى بقية أعضاء الفريق. ففي نهاية المطاف، تُعد المعلومات حجر الأساس في التعاون الفعال؛ فهي تمنح المجموعة إطاراً مرجعياً، وتسمح لها بتفسير المواقف والقرارات تفسيراً صحيحاً، وتساعد الناس على فهم بعضهم البعض فهماً أفضل، وتزيد الكفاءة بشكلٍ كبير.
إلا أن الاعتماد على التواصل الرقمي غالباً ما يعيق تبادل المعلومات. ففي الفرق التي تعمل وجهاً لوجه، يمكن للمشاركين الاعتماد على الإشارات السياقية وغير الكلامية للحصول على رؤية حول ما يجري. فعندما ندخل إلى اجتماع نحضره شخصياً على سبيل المثال، يمكننا فوراً أن نحسّ بمزاج الأشخاص الموجودين في الغرفة، وهي معلومات نستخدمها بوعي أو دون وعي في تحديد التفاعلات اللاحقة. واضطرارنا إلى الاعتماد على التواصل الرقمي يعيق نقل هذا النوع الأساسي من المعلومات.
وقد برزت بعض آثار نقص المعلومات خلال جلسة تعليم تنفيذي في شركة "تاكيدا" (Takeda) للصناعات الدوائية في اليابان. حيث كان نصف الحضور من العاملين في مكتب الشركة في اليابان والنصف الآخر في مكتب الولايات المتحدة.
واستغل أحد المديرين في الولايات المتحدة الفرصة للسؤال عن أمر كان يحيّره. فالشركة عملت على استراتيجية "تقاسم المعاناة" لمعالجة اختلافات المنطقة الزمنية، حيث يتم عقد الاجتماعات بين الفريقين مرة ليلاً لدى فريق الولايات المتحدة، ومرة ليلاً لدى فريق اليابان. وتساءل هذا المدير لماذا كان زملاؤه في اليابان يتلقون المكالمات المتأخرة في مكاتبهم، بينما كان هو وزملاؤه في الولايات المتحدة يتلقونها دائماً في المنزل. فكشفت إجابات زملائه اليابانيين عن مجموعة متنوعة من الأسباب وراء هذا الخيار، منها الرغبة في الفصل بين العمل والحياة الشخصية، والحاجة إلى الوجود مع زملاء العمل في حال احتاج لسؤالهم عن ترجمة كلمة ما ضمن الاجتماع، وعدم وجود مساحة للعمل المكتبي في المنزل النموذجي في أوساكا. لكن النتيجة كانت دائماً نفسها: رغم أن مديري الشركة كانوا ينوون "تقاسم المعاناة"، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك. حيث كان الأميركيون يغادرون مكاتبهم في الأوقات المعتادة، ويتناولون العشاء مع عائلاتهم، ويتلقون الاتصالات بسهولة وراحة في منازلهم، بينما زملاؤهم اليابانيون يبقون في المكتب، ويفوتهم قضاء الوقت مع العائلة، ويأملون أن تنتهي المكالمة قبل موعد القطار الأخير الذي سيأخذهم إلى المنزل.
احظوا أن نقص المعلومات في هذه الحالة لم يكن بخصوص مهمة الفريق، بل بشأن شيء لا يقل عنها أهميةً: وهو كيف يواجه اليابانيون تجربة العمل وعلاقاتهم مع أعضاء الفريق البعيدين.
ولحسن الحظ، هناك العديد من الطرق التي يستطيع القادة من خلالها تبني هوية مشتركة وفهم مشترك وتحطيم الحواجز أمام التعاون وتبادل المعلومات. وإحدى الطرق الفعالة لذلك هي ضمان أن جميع المجموعات الجزئية تشعر بالتقدير عن مساهماتها تجاه الأهداف الإجمالية للفريق.
اقرأ أيضاً: متى يكون العمل الجماعي في مصلحة الموظفين ومتى لا يكون كذلك؟
وبالعودة إلى أليك، مدير الفريق الذي نزلت المجموعتان الجزئيتان في فريقه في فندقين مختلفين: رغم أن العشاء الذي أقامه بدأ بجلوس الزملاء من تكساس ونيوحيرسي على طرفين مختلفين من الطاولة، إلا أن نهايته أبدت علامات بأن الفريق يهدم الجدار الداخلي الفاصل بينهما. وعلى مدار الأسابيع التالية، شدّد أليك على الأدوار الهامة التي يؤديها أعضاء المكتبين من أجل تحقيق الهدف المثير الجديد، وهو تصميم برنامج جديد يرصد معدات الحواسب عن بعد. وأكّد على تقديم الفريقين المهارات اللازمة لتنفيذ المشروع، وأشار إلى أنهما يعتمدان على بعضهما البعض لتحقيق النجاح. ومن أجل بناء جسور إضافية بينهما، جمع الفريق كاملاً عدة مرات على مدار الأشهر القليلة اللاحقة، فأوجد تجارب مشتركة ونقاطاً مرجعية وقصصاً مشتركة. وبفضل جهوده المستمرة، بدأ الأعضاء في النظر إلى الفريق بطريقة "نحن" بدلاً من "نحن" و"هم".
يعزز الكثير من المشاركين في دراستنا الميدانية وجلسات التعليم التنفيذي الفهم المشترك من خلال ممارسة تدعى "الوقت المنظَم غير المنظَم"، أي الوقت المخصص في جدول الأعمال للحديث عن أمور لا تتعلق مباشرةً بالمهمة الحالية. وغالباً ما يجري ذلك عن طريق تخصيص الدقائق العشر الأولى من الاجتماعات على مستوى الفريق من أجل النقاش المفتوح. والفكرة هي إتاحة الفرصة أمام الأعضاء للحديث عن أي جانب يختارونه من جوانب العمل أو الحياة اليومية، مثل سياسة المكتب أو الأسرة أو الأنشطة الشخصية. وهذا يساعد الناس على تكوين صورة أكثر اكتمالاً عن الزملاء البعيدين وعملهم وبيئتهم. إلا أنه يجب على القادة أن يجعلوا الغرض من النقاش وقواعده واضحةً، وإلا سيواجهون عشر دقائق من الإحراج حيث سينتظر الجميع حتى ينهي أحد أفراد الفريق حديثه.
اقرأ أيضاً: أهمية التوازن بين العمل والحياة
وكان لدى أحد الفرق التي مررنا بها تكتيك معيّن: حيث كان أعضاء الفريق "يلتقون" في البداية عن طريق مكالمة الفيديو ويقدّمون لزملائهم جولة افتراضية في أماكن عملهم، وذلك ببساطة عن طريق تدوير الكاميرا في أرجاء الغرفة، فكانوا قادرين على عرض بيئة عملهم على زملائهم البعيدين، بما في ذلك الأشياء التي يحتمل أن تشتت انتباههم أو تشوشهم، مثل الزملاء الذين يجلسون قريباً منهم في مساحة مفتوحة أو آلة تصوير موجودة في الجوار. ووجد أعضاء الفريق بعد الجولات أنهم قادرون على تفسير مواقف وسلوكيات زملائهم البعيدين وفهمها بصورة أفضل.
كيف تقيّم فريقك
تشكل الظروف المواتية الأربعة مجتمعةً وصفة لبناء فريق فعّال من الصفر. لكن حتى إذا ورثت فريقاً موجوداً، يمكنك أن تهيئ له أرضية النجاح عن طريق التركيز على الأساسيات الأربع.
فكيف تعرف ما إذا كانت جهودك ناجحة؟ اقترح هاكمان تقييم فعالية الفريق بناءً على ثلاثة معايير: النتائج، والقدرة التعاونية، والتطور الفردي للأعضاء. تبيّن لنا أن هذه المعايير صالحة بشكلٍ كبير، وننصح أن يستخدمها القادة في مُعايرة فرقهم مع مرور الزمن. وتجمع الطريقة المثالية بين الرقابة الخفيفة للوقاية والصيانة، وفحوصات أقل تكراراً لكن أكثر عمقاً عند حدوث المشاكل.
فيما يخص الرقابة المستمرة ننصح بإجراء قياس بسيط وسريع: صنّف فريقك كل بضعة أشهر وفق كل من الظروف الأربعة المواتية، وأيضاً وفق المعايير الثلاثة لفعالية الفريق. (انظر العمود الجانبي "هل فريقك جيد بما فيه الكفاية؟") وانظر تحديداً إلى الشرط ومعيار الفعالية اللذان يحققان أدنى نتيجة، وفكر كيف يمكن الربط بينهما. وسوف تبيّن النتائج لك موقع فريقك على المسار إضافة إلى الجوانب التي قد تشكل بيئة خصبة للمشاكل.
وإذا احتجت إلى تشخيص أعمق -عند ضعف الأداء أو نشوء أزمة ما- فخصّص ساعة أو أكثر لإجراء تقييم تدخلي. وادرس بعناية الروابط بين الشروط ومعايير فعالية الفريق ذوات الدرجة الأدنى؛ إذ أن المديرين الذين يفعلون هذا يكتشفون عادةً علاقة واضحة بينهما، ما يشير إلى المسار الذي ينبغي سلوكه.
ويمكنك إجراء كل من الفحص السريع والتدخل العميق بمفردك، أو تقييم التوافق الإجمالي عن طريق جعل جميع أعضاء الفريق يضعون تقييماً منفصلاً. ومن أجل الفحص على أساس الفريق، ينبغي أن تقارن النتائج عبر المجموعة. ومن أجل التدخل عن طريق الفريق، يمكنك زيادة التأثير عن طريق إقامة ورشة عمل شاملة، حيث يجتمع كافة الأعضاء لمناقشة النتائج والمقارنة بينها. ولا يعطيك ذلك بيانات أكثر اكتمالاً فحسب -من خلال تسليط الضوء على النقاط العمياء المحتملة- بل يكشف أيضاً عن الاختلافات في وجهات النظر ويفتح مساحات للنقاش. وقد وجدنا أنه في كثير من الأحيان تنشأ الرؤية العميقة عن طريق عملية مقارنة التقييمات، أي مقارنة تقييم القائد مع تقييم الفريق، ومقارنة تقييمات أعضاء الفريق بين بعضهم.
اقرأ أيضاً: العمل الجماعي أثناء العمل
لم يكن العمل الجماعي سهلاً أبداً، لكنه أصبح في السنوات الأخيرة أكثر تعقيداً بكثير. ويبدو أنه من المرجح أن تستمر الاتجاهات التي تجعله أصعب، ذلك عندما تصبح فرق العمل عالميةً وافتراضية أكثر وقائمة على المشروعات على نحوٍ متزايد. واتخاذ منهجية منتظمة في تحليل مدى استعداد فريقك للنجاح، وتحديد الأماكن التي تحتاج إلى التحسين، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً.
من السهل أن يكون لدى أعضاء الفريق البعيدين ذوي الخلفيات المتنوعة وجهات نظر مختلفة حول غاية المجموعةوأسرار العمل الجماعي.