حينما حاول مارك تايبرجين، الرئيس التنفيذي للحلول الاستشارية، استشراف مستقبل شركة "بيرشينغ" التابعة لـ "بنك نيويورك ميلون (بي إن واي)" (BNY-Mellon/Pershing)، كان يعلم أنها تواجه مشكلة تتمثل في عدم اكتراث جيل الألفية بالعمل في مجال الخدمات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أفراد جيل الألفية ممن انضموا للعمل بالشركة كانت معدلات مغادرتهم أعلى من أقرانهم الأكبر سناً. فماذا عن أسباب نجاح الإرشاد العكسي في الشركات؟
اقرأ أيضاً: أربعة أسباب تدفع المدراء لتخصيص وقت أكبر لإرشاد الموظفين
يعاني العديد من الشركات الأخرى المعاناة نفسها التي تعانيها "بيرشينغ" للاحتفاظ بمواهب جيل الألفية، كما تعاني من أجل تقديم ما يناسب صغار المستهلكين. وقد سعى قادة فرق عمل كبرى الشركات حول العالم، في سبيل مواجهة تلك التحديات، إلى تنفيذ برامج الإرشاد العكسي. حيث يجمع الإرشاد العكسي كلاً من صغار الموظفين وأفراد الفريق التنفيذي لمنحهم إرشادات حول مختلف الموضوعات الاستراتيجية والثقافية ذات الصلة. وهناك سابقة لاستخدام هذا النهج تعود إلى أواخر التسعينيات، حين استخدم جاك ويلش، الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" الإرشاد العكسي لتعليم كبار المسؤولين التنفيذيين أسس الإنترنت. ولكن الإرشاد العكسي الحديث يتجاوز الاكتفاء بتبادل المعرفة حول التكنولوجيا وأحدث البرامج، ويركز على نهج تفكير القيادة العليا في القضايا الاستراتيجية، والقيادة، والعقلية التي يديرون بها أعمالهم. وتصف كايلا كينللي (إحدى مسؤولي الإرشاد الأوائل بشركة "بيرشينغ") القضايا الأساسية التي تناولتها في برنامج الإرشاد، قائلة: "إحدى القضايا التي تصدرت القائمة التي أعدها (مارك تايبرجين)، هو بحثه عن إجابة لسؤاله: "كيف يمكنني التواصل مع جيل الشباب؟" ثم: "كيف يمكنني جذب واستبقاء المواهب الشابة؟" عادة ما كانت التكنولوجيا أحد أهم العوامل، ولكنها كثيراً ما تتذيل قوائم مسؤولي/متلقي الإرشاد".
وخلال دراستنا، توصلنا إلى 4 فوائد رئيسية لبرامج الإرشاد العكسي.
أسباب نجاح الإرشاد العكسي
زيادة معدل الاحتفاظ بجيل الألفية
توفر برامج الإرشاد العكسي الشفافية لجيل الألفية، وما يسعون إليه من تقدير الإدارة لإمكاناتهم. وقد صرح جيري تامبورو، المدير الإداري الأسبق لشركة "بيرشينغ"، وأحد المستفيدين من البرنامج وكذلك أحد مؤسسيه في الوقت ذاته، قائلاً: "لقد ساعد هذا (البرنامج) لجنة المسؤولين التنفيذيين على التحلي بالشفافية، كما ساعدهم على الاستعانة بآراء الأفراد داخل المؤسسة في اتخاذ العديد من القرارات". وشارك رون ديشيكو، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "بيرشينغ"، وجيميلين كامينو، مسؤول إرشاد جيل الألفية، الذي تولى إرشاده، في إجراء دردشات ودية لزيادة التواصل بين الموظفين والرئيس التنفيذي. وفي تلك الدردشات، التي استمرت لأكثر من 3 سنوات، وكانت الحدث الأكثر جماهيرية داخل الشركة، ناقش ديشيكو قضايا مهمة وطلب الحصول على آراء الموظفين ومقترحاتهم. وشهدت شركة "بيرشينغ" زيادة في معدل الاحتفاظ بأول مجموعة من مرشدي جيل الألفية التي بلغت 96%.
اقرأ أيضاً: الإرشاد الذي يركز على مواطن القوة من شأنه أن يُضعفك
مشاركة المهارات الرقمية أحد أسباب نجاح الإرشاد العكسي
رغم أن تنمية المهارات الرقمية لم تكن محور اهتمام برنامج الإرشاد العكسي، فإن العديد من الشركات التي خضعت للدراسة، أشارت إلى أن ذلك كان جزءاً مهماً في تلك العلاقة. ونجد على سبيل المثال أن الرئيس التنفيذي الحالي لشركة "بيرشينغ"، (وبعده رئيس العمليات) استعان بمسؤول الإرشاد الخاص به، ليساعده في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم يدمجها أبداً في حياته العملية، ولكنه أصبح الآن أحد أكثر الأفراد تعطشاً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي داخل الشركة. وهذا ما صرح به كامينو حين قال: "لقد تبدلت طريقة جيم [كراولي] في التفاعل والتواصل مع موظفيه، فقد أصبح نشطاً على [منصة وسائل التواصل الاجتماعي الداخلية الخاصة بالشركة]. وهو أحد ممثلي الشركة النشطاء [على "لينكد إن"] وهذا مغاير تماماً لما كان عليه قبل بدء البرنامج".
الدفع إلى تغيير ثقافة القيادة
لاحظ فابريتسيو فريدا، الرئيس التنفيذي لشركة "إستي لودر" (Estée Lauder)، أن الشركة وصلت إلى منعطف لم يعد بعده التنبؤ بالمستقبل من خلال أحداث الماضي أمراً ممكناً، لذا قرر تنفيذ برنامج الإرشاد العكسي. وإلى جانب تعريف كبار المسؤولين التنفيذيين بأهمية دور أصحاب التأثير العام في وسائل التواصل الاجتماعي على حركة التسوق عموماً، لجأ أبناء جيل الألفية من مسؤولي الإرشاد إلى إنشاء منصة "دريم سبيس" (Dreamspace) لتبادل الأفكار. وترسل الشركة إشعارات نصف شهرية للموظفين، بما في ذلك فريق القيادة العليا، حول الموضوعات الأساسية التي نوقشت على "دريم سبيس". وأخبرتنا كينللي من شركة "بيرشينغ" بأنها ناقشت مع مَن تولت إرشاده الأسباب وراء عدم انجذاب الشباب إلى مهنة الخدمات المالية. وقالت: "لقد طلب مني البحث عن إجابة لهذا السؤال. وعدت إليه بثلاثة أسباب، وكان من بينها انعدام الثقة تماماً في هذا القطاع، والتمثيل السلبي للقطاع في وسائل الإعلام، والفكرة المغلوطة عن أن تلك المهنة تتمحور فقط حول المبيعات، وبعدها استخدم هذه الأسباب في تشكيل استراتيجية التوظيف".
تعزيز التنوع واحد من أسباب نجاح الإرشاد العكسي
نفَّذت شركة المحاماة العالمية "لينك ليترز" (Linklaters) إطلاقاً تجريبياً لبرنامج الإرشاد العكسي لتحسين مفهوم القادة لقضايا الأقليات، بما في ذلك الأقليات العرقية. وفي عام 2014، أطلقت شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PricewaterhouseCoopers) برنامج الإرشاد العكسي كجزء من سعيها لتحقيق التنوع والاندماج. يضم المشروع الآن حوالي 122 فرداً من جيل الألفية يتولون إرشاد 200 شريك ومدير على مستوى العالم.
ويجب على منظمي البرنامج النظر في النقاط الأربع التالية، التي وجدنا أنها ستكون حاسمة لتحقيق فوائد الإرشاد العكسي:
اقرأ أيضاً: إكساب المدراء مهارة التدريب التوجيهي للموظفين
اختيار النظير المناسب أمر حاسم
أولاً، لا بد من التأكيد على التنوع، والملاءمة للمناطق والأقسام والمواقع. والاختيار الأنسب للشخصيات المتنوعة (على سبيل المثال، يعتبر دمج شخص انطوائي مع آخر منفتح أفضل من دمج اثنين من الانطوائيين). ثانياً: يجب استشارة الأفراد الخاضعين للإرشاد قبل اتخاذ قرار رسمي بشأن هذا الدمج. ورغم أن معظم مسؤولي الإرشاد بجيل الألفية يقبلون بأي دمج (ما دام متلقي الإرشاد راضياً)، نجد أن متلقي الإرشاد من المسؤولين التنفيذيين كانوا أكثر انتقائية، لأنهم كانوا متخوفين من تخطي حدود التراتبية وظهور أي تضارب في المصالح.
التعامل مع الخوف وانعدام الثقة لدى متلقي الإرشاد
يخشى العديد من المسؤولين التنفيذيين إظهار قلة معرفتهم أمام صغار الموظفين. ولكن إذا نجحت في التعامل مع تلك المخاوف بوضوح، فقد تكون المشاركة المفتوحة ذات نفع كبير. وكانت هذه المخاوف جزءاً من المناقشات الأولية التي دارت داخل مجتمعات مسؤولي ومتلقي الإرشاد. واتضح ذلك في تصريح كراولي حين قال: "أنت تعلم أنك تكشف نفسك، وتفضح نقاط ضعفك وأعتقد أن ذلك يساعد في الواقع على تعزيز الرابطة بينكما وأن ذلك ليس أمراً سيئاً"، كما يخشى متلقي الإرشاد أن يشارك صغار الموظفين معلومات حساسة عنه مع زملائهم في العمل، إلا أننا لم نواجه أي مشكلة تتعلق بخرق السرية في أي من الشركات التي تولينا دراستها.
ضمان التزام قوي من متلقي الإرشاد
إن السبب الأول الذي يُعزى إليه فشل برامج الإرشاد العكسي هو أن المسؤولين التنفيذيين لا يضعون العلاقة بمرشديهم ضمن أولوياتهم، فبعد إلغاء عدة جلسات سرعان ما يخبو حماسهم، ولكن يظل دور مرشدي جيل الألفية هو الدفع بالبرنامج للأمام وتبادل أفضل الممارسات والمساعدة في اختيار مجموعات جديدة وتدريب المرشدين، فقد أثبتت الأبحاث أن علاقات المرشدين بمتلقي الإرشاد لم تنجح سوى بمقدار الثلث في غياب التدريب، وزادت إلى الثلثين في وجود التدريب. وفي الشركات التي تمت دراستها، شمل التدريب إعداد مسؤولي إرشاد جدد حول كيفية تنظيم جلسات ناجحة مع متلقي الإرشاد ومشاركة التحديات التي يواجهونها في علاقاتهم معاً.
فصل مجالس الظل عن برامج الإرشاد العكسي
كتبنا في يونيو/حزيران الماضي عن طريقة أخرى لدمج جيل الألفية في المؤسسة - أو ما يعرف باسم مجالس الظل. حيث حاولت بعض الشركات التي شملتها الدراسة تطبيق كلا البرنامجين ضمن مجموعة واحدة. ما أدى إلى نجاح أحدهما دون الآخر، ولم يتحقق نجاحهما معاً أبداً، فالشركات التي ترغب في تطبيق مجلس الظل وبرنامج الإرشاد العكسي في الوقت ذاته يمكنها أن تحذو حذو "إستي لودر" باستخدام مشاركين مختلفين لكل برنامج من أجل دراسة وتحديد أسباب نجاح الإرشاد العكسي لديهم.
اقرأ أيضاً: أهمية التحدي والحزم في تعامل المرشد مع الموظفات