تواجه كل مؤسسة تقريباً تحدّيات استراتيجية رئيسة تستدعي منها غالباً التعرف على أسباب فشل الاستراتيجية وإعادة تحديد هدفها وهويتها واستراتيجيتها ونموذج أعمالها وهيكلها. إلا أن معظم جهود التحول هذه مآلها الفشل. ولا يعود سبب فشل معظم تلك المؤسسات في إجراء التحوّل إلى عيوب تشوب الاستراتيجيات الجديدة، وإنما إلى فشل الاستراتيجية أي الفشل في تنفيذ تلك الاستراتيجيات.
أسباب فشل الاستراتيجية
تمثل جائحة "كوفيد-19" بلا شك أكبر تحد واجهته المؤسسات من جميع الأنواع منذ أكثر من قرن. فقد تطلّبت من القادة إعادة تصور استراتيجياتهم وقيمهم في سياق "الوضع الطبيعي الجديد" المقبلين عليه، الأمر الذي يستدعي من المؤسسات تحويل أنظمتها القائمة على التنظيم والإدارة والقيادة إلى تمكين التنفيذ الفاعل للاتجاه الجديد بسرعة. وتُعتبر السرعة ضرورية في ظل هذه الجائحة.
وتشير تجربتي في العمل ودراسة التحولات المؤسسية إلى ستة أسباب مشتركة ومترابطة للفشل أدعوها بالعوائق الخفية. غالباً ما يفشل القادة في إدراك العوائق الخفية التي تقف في طريق تحوّل مؤسساتهم، وقد يتعمّدون تجاهلها في بعض الأحيان. ويُحجم الناس عادة عن الإفصاح عن تلك العوائق خوفاً من انحراف مساراتهم المهنية أو تعرّضهم للتسريح. تأمل مثال شركات "بوينغ" (Boeing) و"ويلز فارغو" (Wells Fargo) و"فولكس فاغن" (Volkswagen) وغيرها الكثير. والإحجام عن الإفصاح عن تلك العوائق بدوره يجعل من المستحيل على كبار أعضاء الفريق إدراكها وتغييرها.
إلا أن التغلب على الجائحة التي نواجهها اليوم يتطلّب من القادة مواجهة واقع بيئتهم التنافسية والعوائق الخفية التي تجعل مؤسساتهم غير فاعلة. لنلق نظرة على هذه العوائق الستة للتعرف على أسباب فشل الاستراتيجية بنجاح:
العائق الخفي الأول: قيم غير واضحة وأولويات متضاربة
لا تنطوي المشكلة في كثير من الأحيان على الاختيار بين الاستراتيجيات وإنما على العملية التي سبقت إعداد الاستراتيجية، أو عدم وجود أي عملية إعداد لها حتى. وغالباً ما يجري تطوير الاستراتيجية في هذه الحالات من قبل القائد جنباً إلى جنب مع الرئيس التنفيذي للاستراتيجية أو الرئيس التنفيذي للتسويق، ومن ثم مشاركتها مع كبار أعضاء الفريق للتشاور بشأنها. لكن إن لم يكن الفريق بأكمله معنياً في النقاش، لن يكون الوضوح والالتزام ممكنين.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- عدم وجود توجه محدد وواضح بشأن الاستراتيجية والقيم لتوجيه السلوك التنظيمي.
- تضارب الأولويات والصراعات على الموارد وسوء تنفيذ الاستراتيجية نتيجة التزام الإدارات والشركات بالتركيز على أولوياتها.
- شعور الموظفين بالضغط الزائد نتيجة تصنيف كل مهمة على أنها أولوية.
العائق الخفي الثاني: فرق إدارة عليا غير فاعلة
أبلغ موظفو المستويات الدنيا في جميع المؤسسات التي أجرينا دراسة عليها تقريباً عن عدم فاعلية فرق الإدارة العليا. وغالباً ما يعود سبب عدم الفاعلية إلى عدم توافق آراء فرق الإدارة العليا فيما يخص الاستراتيجية والقيم. وتمثّلت النتائج المترتبة على عدم التوافق في الآراء على مستوى المنظمة في انخفاض مستوى الثقة والالتزام بالقرارات الاستراتيجية وتضارب الآراء حول ماهية الاستراتيجية المتّبعة. وقد فشل القادة وكبار أعضاء فرقهم في جميع تلك الحالات في حل المشكلة الأساسية المتمثّلة في حثّ جميع كبار أعضاء الفريق على التحدث عن المشكلات التي تعترض سبيل تقدّمهم بصدق وبشكل بنّاء.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- قضاء المدراء معظم اجتماعاتهم في مشاركة المعلومات والتحديثات حول التفاصيل التشغيلية قصيرة المدى، والتي تُعرف أحياناً باسم "الموت بواسطة الباور بوينت"، بدلاً من علاج المشكلات الاستراتيجية والتنظيمية الصعبة وحلها.
- وجود قليل من الصراع البنّاء في الاجتماعات واتخاذ القرارات الحقيقية خارج قاعة الاجتماعات.
- عدم وجود توافق في الآراء بين كبار أعضاء الفريق حول الاستراتيجية والأولويات.
العائق الخفي الثالث: أساليب قيادة غير فاعلة
يوجد أسلوبان غير فاعلين عندما يتعلق الأمر بالقيادة الفردية، ألا وهما النهج التنازلي الذي لا يُشرك أعضاء الفرق بما فيه الكفاية، ونهج عدم التدخل والإحجام عن المواجهة. وقد وجدنا أن اتباع أي من النهجين يُعزى إلى رغبة القائد في تجنّب النزاعات أو إلى عدم وجود عملية محددة بوضوح لبدء نقاش بنّاء والتوصّل إلى قرار، بعبارة أخرى، عملية صناعة القرار. نتيجة لذلك، لا يكون لدى القائد أي فكرة حول آراء كبار أعضاء الفريق أو موظفي المستويات الدنيا فيما يتعلق بالقرارات الفاشلة وسبب فشلها.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- ميل القائد إلى الانشغال بالتفاصيل التشغيلية وعمله على مسؤوليات أقل من مستوى خبرته.
- يكون القائد غير متاحاً، ويقضي وقتاً قليلاً نسبياً في تعميم الاستراتيجية أو الاتجاه العام أو في فرض نقاش بنّاء من أجل حلّ الآراء المتضاربة.
- تجنّب القائد التطرّق إلى بعض القضايا أو تجنّب الدخول في نقاش مع الموظفين بشكل مباشر لحل النزاعات المتأججة.
العائق الخفي الرابع: ضعف التنسيق
يُمثل التنسيق بين الصوامع المنعزلة تحدّياً دائماً، لاسيما التنسيق المهم بين الإدارات ووحدات الأعمال أو المناطق الجغرافية على مستوى الشركة والذي يهدف إلى التنفيذ الفاعل للاستراتيجية. وغالباً ما تفشل فرق الإدارة العليا غير الفاعلة التي يدعم أعضاؤها إداراتهم في الاتفاق على كيفية إعادة تنظيم الثقافة وتغييرها بغية التغلب على العوائق التي تعترض سبيل التنسيق والتعاون بشكل طبيعي. ووجود أي احتكاك في هذا الصدد يدل على أن هيكل الفريق متعدد التخصصات الذي يهدف إلى دمج الأنشطة التي تنطوي على القيمة غير موجود أو به خلل ما، فضلاً عن أن عدم وجود محادثة صادقة وجماعية وعلنية يمنع المؤسسة من إدراك أوجه الخلل وتصحيحها.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- صعوبة تطبيق الاستراتيجية على الفرق متعددة التخصصات أو المبادرات التجارية أو الجغرافية، حتى مع وجود علاقات شخصية جيدة في بعض الأحيان.
- يُنظر إلى عمل الفرق الأفقية متعددة التخصصات على أنه عمل ثانوي هدفه تحقيق أهداف فردية (على سبيل المثال، الإدارة أو الشركة أو المنطقة).
- تكون الأدوار والمسؤوليات وحقوق اتخاذ القرار بالنسبة للإدارات أو وحدات الأعمال أو المناطق غير واضحة.
العائق الخفي الخامس: الافتقار إلى فرص تطوير القدرات القيادية
أظهرت البحوث أن قدرات القادة تتطور من خلال أداء مهام جديدة وصعبة، وليس من خلال التدريب. وهو ما يتطلب من المدراء التضحية من أجل الصالح العام من خلال التخلي عن قادتهم المحتملين إلى إدارات أخرى من المؤسسة من أجل تنميتهم. وعندما لا تجري تلك العملية بشكل طبيعي ومنتظم، يكون ذلك عائداً إلى ثلاثة عوائق خفية تمت مناقشتها بالفعل: فرق عليا غير فاعلة (العائق الثاني) في مؤسسة قائمة على الصوامع المنعزلة مع "إدارات" (العائق الرابع) لا تمتلك أي وجهات نظر أو قدرة على تحديد القيم والسلوكيات التعاونية التنظيمية التي تتوقعها من القادة (العائق الأول)، وغير قادرة على إعداد نظام لإدارة المواهب يعزز المهام التنموية متعددة التخصصات والمطلوبة لتطوير القدرات الإدارية العامة.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- اللجوء إلى موظفين محددين عند الحاجة إلى أداء مهمة ما.
- توفير فرص قليلة جداً لتطوير القيادة والإدارة.
- فشل كبار أعضاء الفريق في استعراض المواهب القيادية بشكل منتظم أو عرض مسارات مهنية تتيح للقادة تطوير قدرات الإدارة العامة لديهم.
العائق الخفي السادس: تواصل عمودي غير كاف
إن التواصل العمودي الصادق غير الكافي يشبه لعبة الهمس المعروفة، حيث لا يجري تعميم المعلومات الضرورية حول التوجه الاستراتيجي للمؤسسة وقيمها من كبار أعضاء الفريق إلى موظفي المستويات الدنيا، ولا يجري مشاركة المعلومات الضرورية حول العوائق التي تحول دون تحقيق ذلك التوجه وتلك القيم من موظفي المستويات الدنيا إلى كبار أعضاء الفريق. وقد نلاحظ وجود ارتباك متزايد، بدلاً من إجراء محادثات مثمرة.
ومن المحتمل أن يعترض هذا العائق سبيل تطور مؤسستك إذا لاحظت أياً من هذه العلامات:
- وجود عدد قليل من قنوات التواصل العمودي التي تمكّن المدراء والشركات الزميلة من التواصل بشكل مفتوح وعلني مع الإدارة العليا في بيئة منخفضة المخاطر.
- تعارض المناقشة العامة والمفتوحة للقضايا الصعبة مع الأعراف الثقافية.
- نادراً ما يلتمس كبار القادة معلومات من موظفي المستويات الدنيا حول المشكلات التي تقف في طريق فاعلية الشركة أو كيفية حل تلك المشكلات.
إن عدم القدرة على مواجهة العوائق الخفية الخمسة الأولى والفشل في تعزيز محادثة صادقة حولها بين فرق الإدارة العليا وموظفي المستويات الدنيا يجعل من المستحيل تحويل العوائق الخفية إلى نقاط قوة تمكّن المؤسسة من الحفاظ على أعمالها قائمة في ظل جائحة "كوفيد-19".
لذلك، ابدأ بإجراء تقييم. وإذا لاحظت وجود كل العوائق الستة المخفية الموضحة أعلاه أو معظمها ضمن أسباب فشل الاستراتيجية في مؤسستك، فمن المحتمل أن تكون مؤسستك تواجه صعوبة في إجراء تحول في بعض النواحي. وإذا أدركت صحة معظم العلامات التي تميّز أحد تلك العوائق في مؤسستك، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك العائق دوراً قوياً في تقويض فاعلية مؤسستك ورشاقتها.
اقرأ أيضاً: أسلوب القائد في القيادة