هل نحن على شفا أزمة مالية جديدة؟

10 دقائق
أزمة مالية جديدة
بي إم إيميدجيز/غيتي إيميدجيز

ملخص: أدى انهيار أسعار العقارات عام 2008 إلى أزمة مالية عالمية. ويرى جون ماكومبر، المحاضر الأول في "كلية هارفارد للأعمال"، أن التاريخ قد يُعيد نفسه في القريب العاجل، وقد نكون على شفا أزمة مالية جديدة، هذه المرة بسبب فشلنا في الاعتراف بمخاطر التغير المناخي وعجزنا عن التصدي لها، حيث أخفق النظام المالي في تقييم مخاطر الحرائق والفيضانات والعواصف بالشكل الصحيح. وإذا حدث التصحيح فجأة، فقد يتأثر النظام المالي ككل بانهيار أسعار العقارات. لذا يجب أن تتخذ الإدارة الأميركية المقبلة خطوات قد لا تحظى بالقبول الشعبي على الصعيد السياسي لتجنب هذا السيناريو.

 

يرى جون ماكومبر، المحاضر الأول بوحدة الماليات في "كلية هارفارد للأعمال"، أن الولايات المتحدة قد تكون على شفا انهيار في أسعار العقارات وما يترتب على ذلك من أزمة مالية، هذه المرة بسبب الفشل في الاعتراف بالتغير المناخي والعجز عن التصدي له. وقد أجريت معه مقابلة شخصية عبر الهاتف ومن خلال المراسلات البريدية المكتوبة استعرض فيها تصوراته للمرحلة المقبلة وما يمكن أن تفعله إدارة جو بايدن القادمة للحيلولة دون وقوع هذا السيناريو.

منذ سنوات وأنت تحذّر من تجاهل سوق الإسكان في أميركا للأخطار المرتبطة بالتغير المناخي. فهل تعتقد أننا نوشك على الوصول إلى نقطة تصحيح؟

أجل. فقد تسارعت الأضرار الناجمة عن التغير المناخي بصورة أسرع مما توقعه الكثيرون، حيث تعرضت في الولايات المتحدة الأميركية عام 2020 لـ 16 كارثة مناخية تسببت كل منها في خسائر تتجاوز المليار دولار (تجاوز بعضها هذا المبلغ بكثير). وبلغ متوسط هذه الكوارث 13.8 كارثة خلال الفترة من عام 2015 إلى 2019، في حين كان المتوسط العام 6.6 كارثة خلال الأعوام الأربعين الماضية. علاوة على ذلك، فإننا نشهد مخاطر لم نكن نتوقعها قبل بضع سنوات. فقد كنا نخشى الفيضانات الساحلية الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر، ولكن السنوات العديدة الماضية شهدت أيضاً زيادة في معدلات فيضانات الأنهار من الأمطار والأضرار الجسيمة الناجمة عن حرائق الغابات.

ومع ذلك كله، لم نواجه السؤال الصعب حول ما إذا كان يجب منع الناس من البناء أو إعادة البناء في هذه الأماكن التي اتضح على مر القرون أنها تقع على خط النار وحرائق الغابات، كما هو الحال في كاليفورنيا. بل إننا طالبنا هيئات المرافق في ولاية كاليفورنيا بتوفير الطاقة للمنازل في هذه المناطق الخطرة، وها هي الولاية الآن تفرض على شركات التأمين تجديد سياسات مكافحة الحرائق بأسعار أقل من السوق. وهكذا، خرجت شركات التأمين الخاصة منذ فترة طويلة من سوق مخاطر الفيضانات على أصحاب المنازل في أجزاء من الساحل الشرقي، وبدلاً من ذلك يتم توفير التغطية التأمينية بأقساط مدعومة مالياً بقوة من قبل هيئات الولاية استناداً إلى "البرنامج الوطني للتأمين ضد الفيضانات" (National Flood Insurance Program).

هذا هو تشويه متعمد لآليات السوق.

بالضبط. فهو يشجع الناس على تنفيذ استثمارات عقارية أو التمسك بها على الرغم من أنها معرضة للخطر بصورة أكبر مما يظنون. وتتحمل الجهات الحكومية في الوقت الحالي التكلفة الإضافية لهذه المخاطر عند إصلاح هذه المنازل أو إعادة بنائها (باستخدام إيصالات الضرائب من مالكي العقارات الآخرين).

وقد أدى تأمين العقارات غير القابلة للتأمين وإصلاحها وإعادة بنائها إلى تضخم أسعار المساكن بصورة مصطنعة من خلال تغطية فجوة تسعير هذه المخاطر. ويستفيد الكثير من الأطراف من دعم أسعار المساكن على المدى المنظور، ولكن هذا النظام سيعجز عن تحمل هذا الأمر مع زيادة التعرض للخطر وفرض قيود أشد على الميزانيات الحكومية نظراً لاستنزافه الكثير من الأموال. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو ما إذا كان هذا النظام سينهار ببطء أم سينهار على جناح السرعة. وأخشى ما أخشاه أن ينفجر الوضع فجأة ونشهد عملية عملاقة لتصحيح الأوضاع تؤدي إلى زعزعة حقيقية في أسعار المساكن.

يُرجى أن تلقي الضوء على هذا السيناريو بصورة أكثر تفصيلاً.

لنتحدث عن السيناريو المتفائل الذي يفترض حدوث ارتفاع تدريجي في مستوى سطح البحر أو زيادة طفيفة في معدلات نشوب الحرائق، ما سيؤدي بدوره إلى تراجع تدريجي (أو تقدير أبطأ نسبياً) في أسعار المنازل. في هذه الحالة سيكون هناك متسع من الوقت أمام النظام للتأقلم مع الوضع.

وتتمثل المشكلة الكبرى في انقطاع دعم أقساط التأمين فجأة، وبدء الجهات المسؤولة عن تأمين الرهن العقاري في التعامل مع الخطر الجوهري لهذه المخاطر في الوقت نفسه. وستكون النتيجة ارتفاعاً دراماتيكياً في أقساط التأمين، إلى جانب انخفاض نسب قروض الرهن العقاري إلى قيمته (وفي أسوأ الأحوال العجز الكامل عن شراء التأمين ضد الحرائق والفيضانات على الإطلاق، أو إعادة تمويل الرهن العقاري). وهكذا، ستنهار أسعار المساكن في هذه المناطق. تجدر الإشارة هنا إلى أن الممتلكات العقارية تعتبر أهم الأصول بالنسبة للكثير من أصحاب المنازل. وستحدث مشكلة حقيقية في حال تراجع قيمة هذه الأصول أو حتى تحولها إلى قيمة سلبية (إذا كنت مديناً بأكثر من قيمة منزلك المعدلة حسب المخاطر).

سيؤدي هذا السيناريو إلى الوقوع في دائرة ثانية من المشاكل، حيث تحصل معظم البلديات الأميركية على النصيب الأكبر من إيراداتها من الضرائب العقارية. وترتبط الضرائب العقارية بقيمة المنازل والعقارات التجارية. وإذا انخفضت قيمة المساكن، فسوف تسقط الضريبة العقارية عن المواطنين دون حدوث انخفاض مواز في نفقات المدينة أو البلدة، وتعجز بالتالي عن خدمة سنداتها البلدية المستخدمة في تمويل ميزانيتها العامة. وقد يؤدي هذا إلى خفض تصنيف السندات. وهكذا تقع المدن والبلدات تحت ضغط خفض التكاليف، ما يؤدي بدوره إلى ضغوط أخرى على الهيئات الحكومية، كما أنه يُزيد من تكلفة الاقتراض، حيث يؤدي كلا العاملين إلى دوامة هبوطية.

ستكون لهذا الأمر تداعيات خطيرة تتمثل في التراجع المحتمل لتصنيفات سندات معينة وقيمتها. وتمثل أدوات الدخل الثابت المتحصلة من الضرائب، مثل السندات البلدية، جزءاً كبيراً من المحافظ الاستثمارية التقاعدية للكثير من الأشخاص (والكثير من احتياطيات شركات التأمين). وأزعم من هذا المنطلق أن هذا الجانب من المخاطر المناخية يمس جيوب الجميع.

تأثر النظام المالي ككل بتصحيح أسعار المساكن عام 2008. فهل هناك مخاوف من حدوث هذا الأمر مجدداً؟

أجل. ولعلك تعلم أن الخطر الحقيقي يأتي من التأثير التسلسلي للخوارزميات وانتقال المخاطر في المنتجات المالية المعقدة، حيث يشتري أصحاب المنازل وثائق التأمين على الممتلكات أو ضد الكوارث والتأمين ضد الحرائق أو الفيضانات من خلال شركات تأمين ذائعة الصيت، مثل "أول ستيت" (Allstate) أو "بروغريسيف" (Progressive). لكن هذه الشركات لا تحتفظ في كثير من الأحيان بكل المخاطر التي تضطرها إلى دفع التعويضات في حال حدوث خسائر. وهي لا تمانع دفع التعويضات على وجه الخصوص إذا احترق أحد المنازل، مثلاً، لأن الأقساط الأخرى التي تم جمعها تغطي تلك التكلفة.

ولكن إذا تعرضت مقاطعة بأكملها أو جزء من الولاية لضربات شديدة جراء إعصار ما، فستعجز عن تغطية الخسائر لكل تلك المنازل بمفردها. وغالباً ما تتعاقد بالجملة مع فئة أخرى من شركات التأمين تسمى شركات إعادة التأمين. تشمل هذه الشركات شركات عملاقة ولكنها أقل شهرة، مثل "سويس ري" (Swiss Re) و"ميونخ ري" (Munich Re) و"جنرال ري" (General Re)، حيث تحاول هذه الشركات الدولية توزيع مخاطرها في جميع أنحاء العالم وعبر العديد من فئات المخاطر مثل الأعاصير والزلازل والرياح والفيضانات.

وبالإضافة إلى تنويع المخاطر، يمكن لشركات إعادة التأمين أيضاً تحويل بعض المخاطر إلى أوراق مالية مرتبطة بالتأمين، مثل مشتقات الطقس التي تُعرف أحياناً باسم "سندات الكوارث"، حيث يتم تصنيف احتمالية وقوع حدث ما والتكلفة المحتملة للحدث من قبل العديد من الشركات المتخصصة، ثم يتم شراؤها وبيعها من قبل مستثمرين ماليين لا يعرفون منزلك أو مدينتك من قريب أو بعيد ولا يهتمون بمعرفتهما أصلاً والذين قد يتلقون حوافز مالية نظير قبولهم التعرض للمخاطر المالية لطبيعة محددة خلال فترة زمنية محددة في حال وقوع أي من الأحداث المحددة.

وهذا يعني أننا في موقف يكون فيه من يشتري أو يبيع المخاطر على بعد خطوات متعددة من العقار الفعلي. هل يبدو هذا مألوفاً لك؟ لذا، يصعب قياس حجم انتشار هذه الأدوات في النظام المالي.

هذا يشبه إلى حد كبير أسلحة الدمار الشامل المالية، مثل الأدوات المورّقة التي تم تداولها قبل الانهيار الاقتصادي لعام 2008. ماذا عن وكالات التصنيف؟ هل تبلى بلاءً حسناً في تقييم المخاطر بشكل مستقل؟

تمتلك الكيانات التي تضطلع بمهمة تقييم الأوراق المالية المرتبطة بالتأمين في هذه الحالة (ومعظم شركات إعادة التأمين التي تتداولها) أنظمة حصرية لتقييم المخاطر المختلفة وتوابعها في سوق التأمين الأوسع. قامت بعض الشركات، مثل "آر إم إس" (RMS) و"أيه آي آر" (AIR)، بنمذجة ليس فقط مخاطر الفيضانات والزلازل والأعاصير لسنوات، ولكن نماذجها شملت أيضاً مخاطر مثل الهجمات الإرهابية والجوائح. بينما تركز شركات أخرى، مثل "جوبتر" (Jupiter) و"427" على حوادث الطقس المحتملة، مثل حرائق الغابات والفيضانات وارتفاع مستوى البحر والجفاف.

تعترضنا هنا مشكلة واحدة، وهي عدم الاتفاق على المدخلات. إذ يغيب الإجماع على الأقل في الولايات المتحدة حول مخاطر الفيضانات الحالية، حتى إن تغاضينا عن قضية ارتفاع مستوى سطح البحر، ناهيك بارتفاعه المحتمل في المستقبل. أما الهاجس الثاني الذي يشغلنا فهو غياب الإجماع حول كيفية نمذجة ما يمكن أن يحدث. فيما يتمثل الهاجس الثالث، والأكثر إثارة للقلق من وجهة نظري، في أن توقعات هذه الشركات مملوكة لها حصراً، حيث يعرف خبراء تصميم النماذج وخبراء المالية الذين يعملون بها عن التوقعات الخاصة بممتلكاتي أكثر مما أعرف. وأجد أن عدم اتساق هذه المعلومات أمر يبعث على القلق. تُرى، من الطرف الأضعف هنا؟

تقف وكالات التصنيف الائتماني المعروفة، مثل "موديز" و"إس آند بي" و"فيتش"، وراء المنحنى الآن لأنها تفضل التركيز على النسب المالية، مثل تغطية خدمة الديون ونسبة القرض إلى القيمة. وقد ظل تعرض المنازل ومباني البلديات ومحطات توليد الطاقة للكوارث الطبيعية ثابتاً لعقود من الزمان، وكان سجل الخسائر في الماضي دليلاً جيداً جداً للخسائر المتوقعة في المستقبل. لكن لم يعد هذا الدليل محل ثقة. ويجب نشر عملية التفكير المعدلة هذه في مختلف جوانب القطاع أيضاً، وقد يؤدي هذا إلى تغيير تصنيف الكثير من السندات من التقييم (AAA) إلى (+BB)، وبحيث تنعكس مرة أخرى على الضمانات والمقايضات كما حدث قبل عقد من الزمان، وهو ما يمس من جديد الكثير من الأشخاص الذين لا يعيشون بالقرب من المناطق الجغرافية المتأثرة بالمشكلة ولا يستثمرون حتى في أي وعاء استثماري بخلاف خطة التقاعد 401(k) في الولايات المتحدة.

ما الذي يمكن أن تفعله إدارة بايدن القادمة لمواجهة هذه المخاطر؟

تتمثل الخطوة الأولى في البدء في الحديث بشفافية عن تعرض الأميركيين للمخاطر المرتبطة بالمناخ، حيث لم يتطرق سوى بضع وكالات حكومية إلى هذه المشكلة، مثل التقرير الصادر مؤخراً عن "البنك الاحتياطي الفيدرالي".

وهذا يعني نشر مجموعة مشتركة من الآثار المتوقعة. وقد أُرغمت "الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ" (FEMA)، على سبيل المثال، على إصدار تقارير متفائلة بشأن خرائط الفيضانات في بعض الأحيان تحت الضغط السياسي. ويجب وضع حد لهذا العبث. وتحرز "الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ" تقدماً ملموساً من خلال برنامج "تصنيف المخاطر 2.0" (Risk Rating 2.0) الذي يطمح إلى تحديث منهجية فهم مخاطر الفيضانات غير العادية على العقارات استناداً إلى المواقع الجغرافية والدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية (علوم المياه) المتاحة وبناء المنازل. كما تحاول الوكالة أيضاً تخصيص الأموال للوقاية من الكوارث بالإضافة إلى خططها التقليدية للتعافي من الكوارث، وهي طريقة أكثر فاعلية لتوجيه الأموال إذا تم تنفيذها بالشكل الصحيح، لاسيما مع برنامج "إنشاء بنى تحتية ومجتمعات قادرة على التحمل" (BRIC). وتعتبر هذه تجربة جديرة بالاهتمام، وعلى الإدارة الجديدة أن تدعمها بكل ما أوتيت من قوة. بيد أن هذا لا يكفي وحده لتعزيز كافة الممتلكات المعرضة للخطر، ولو على المدى المنظور، ناهيك بالمدى البعيد.

وتتمثل الخطوة الثانية في البدء بتقليص الآثار المشوهة للتسعير الخاطئ للتأمين ضد الفيضانات والحرائق. ولا يشترط أن يحدث هذا دفعة واحدة، فلسنا بحاجة إلى الانكفاء على هذه المشكلة في حين أن لدينا الكثير من المخاوف الأخرى، ولكن يجب أن يحدث ذلك على مدار ما يقرب من 10 سنوات على الأكثر. ويجب على مالكي المنازل البدء في اتخاذ قرارات الملكية وفق الإيقاع الطبيعي لحياتهم مع فهم المخاطر الماثلة أمامهم بصورة صحيحة. ويجب على الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات الخروج ببطء من أعمال التأمين ضد الفيضانات.

يأمل المرء أن يدرك فريق بايدن أن تصحيح الأسعار قادم لا محالة في نهاية المطاف لأن السوق والطبيعة الأم دائماً ما تحددان الأسعار في النهاية. وسيقل شعورنا بالصدمة إذا أفسحنا أمامها المجال للتنفيس عن نفسها ببطء بدلاً من تلقيها دفعة واحدة.

يبدو هذا السيناريو أشبه بأحداث فيلم "العجز الكبير" (The Big Short). هل يوجد مستثمرون مُهيّأون في الوقت الحالي لتحقيق أرباح من هذا التصحيح المرتقب؟

أجل، وبدأت الأنظار تلتفت إليهم بقوة، لكن المسألة أكثر تعقيداً بعض الشيء هذه المرة بالنسبة للمستثمرين، فثمة قدر من الغموض حول كيفية إنجاز صفقة بيع على المكشوف نظراً لعدم وجود سوق لبيع السندات المحلية أو سندات الإسكان على المكشوف بالطريقة المتبعة في سوق الأسهم (وهي العقبة ذاتها التي واجهت المضاربين في البيع على المكشوف في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة).

وأرى أن هناك 3 طرق رئيسية يشارك بها المستثمرون. أولاً: بات من السهل الآن على كبار ملاك العقارات، مثل "وول مارت" أو "بلاكستون" (Blackstone)، تفعيل نموذج التعرض لمخاطر الفيضانات والحرائق على المديين المنظور والبعيد: ما العقارات التي يُستحسن امتلاكها وأيها يُفضَّل عدم امتلاكها بناءً على هذه المعايير (بالإضافة إلى كافة العوامل الأخرى)؟ وبمقدور الراغبين في شراء المنازل وبيعها استخدام هذا النموذج أيضاً إذا توافرت لديهم المعلومات الصحيحة.

ثانياً: يمكن للمستثمرين الاختيار بين مدراء الأصول. فإذا كنت تدير محفظتك الاستثمارية الخاصة، على سبيل المثال، فهل تستطيع تحليل 3 أسهم مختلفة للشقق السكنية التابعة لـ "صندوق الاستثمار العقاري" (REIT) بناء على الموقع الجغرافي الذي تعتقد أنه معرض لمخاطر التغير المناخي؟ من البديهي أنك ستفضل الابتعاد عن بعض المواقع في فلوريدا وأريزونا وكاليفورنيا لصالح مواقع أخرى.

وأخيراً، قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، ولكن إذا نزحت أعداد كبيرة من الناس على مدار العقود المقبلة من فرجينيا أو ألاباما أو واشنطن بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، فأين سيذهبون؟ ربما ينتقلون إلى مدن تقع بالقرب من العمق الأميركي، مثل ريتشموند أو أورلاندو، أو ربما يتوجهون إلى دولوث أو روتشستر، وكلتاهما تضمان الكثير من العقارات السكنية والبنى التحتية الجاهزة، وتتميزان بمناخ أكثر اعتدالاً، علاوة على امتلاكهما بعض أكبر موارد المياه العذبة في العالم. وهكذا سيؤدي النزوح من منطقة معينة إلى التنمية في منطقة أخرى.

لا يزال الإنفاق على البنية التحتية يحظى بدعم الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. فهل تستطيع إدارة بايدن تشجيع البنية التحتية لتحسين القدرة على الصمود في وجه التغير المناخي؟ وأقصد هنا بناء المصدات البحرية وحواجز الفيضانات؟ 

هذه فكرة جيدة. وقد تحظى مبادرة كهذه بدعم الحزبين الديموقراطي والجمهوري. لكن يجب على الولايات المتحدة أولاً الاتفاق سياسياً على الهدف المنشود. ما الهدف من الاستثمار في البنية التحتية؟ هل هو تحسين جودة الحياة للكثير من الأميركيين؟ أم زيادة التنافسية الاقتصادية في نواح معينة من البلاد؟ أم حماية مجموعة فرعية من مُلاك المنازل من التعرض لمخاطر الحرائق والفيضانات؟ أم أنها مجرد عملية لتوزيع الأموال بحسب التوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية؟

أرى من وجهة نظري أننا يجب أن نفكر في "العنصر البشري أولاً" قبل التفكير في "أوجه الإنفاق". ويجب أن يكون المعيار الرئيسي لاختيار المشروع هو كيفية تحقيق أقصى فائدة ممكنة لأكبر شريحة ممكنة من الأفراد بأقل الموارد الممكنة (مفهوم يُنسب إلى ريتشارد باكمنستر فولر). وانطلاقاً من هذا المبدأ، إذا كان المعيار الرئيسي هو تحسين جودة الحياة، فيجب أن نستثمر أولاً في أعمال التطوير التي تخدم الاحتياجات الصحية المباشرة، مثل مشاريع المياه في مدينة فلينت أو مدينة فيلادلفيا. أما إذا كان المعيار الرئيسي هو دعم انتعاش فرص العمل بعد أزمة "كوفيد-19"، فيجب الاستثمار في النقل العام في المدن.

ويمكن بعد ذلك تنفيذ بعض، وليس كل، أساليب التكيف مع المناخ على المستوى الاقتصادي. كنت قد أشرت في مكان آخر إلى فكرة الاستثمار في القدرة على الصمود. ومن المثير للاهتمام أن المصدات البحرية وحواجز الفيضانات والسدود تحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الإعلامية، لكنها غالباً ما تكون باهظة الثمن ولا تؤدي الدور المطلوب منها على نحو جيد. وفيما يتعلق بالمخاطر التي يتعرض لها قطاع الإسكان والتي ناقشناها أعلاه، فليس من الواقعي أن نظل ندافع عن مئات الآلاف من المنازل لعقود. إذ تسهم المصدات البحرية في الحد من عنف العواصف في حال وقوعها، ولكن ليس على المدى البعيد لأن المياه قد تتسرب تحت المصدات البحرية بمرور الوقت إذا كانت التربة مسامية، كما أنها تعتبر الحلقة الأضعف في هذه المنظومة لأنه إذا ترك أحد ملاك العقارات مصده البحري عرضة للانهيار، فإن المياه ستضرب كل الجيران أيضاً. قد تكون مشاريع التخفيف من مخاطر ارتفاع مستوى البحر الأخرى أكثر فاعلية من حيث التكلفة، ولاسيما البنية التحتية الخضراء (الطبيعية) مثل السواتر الردمية وزراعة أشجار المانغروف وتجديد الغطاء النباتي في مناطق المد والجزر، وكذلك البنية التحتية الرمادية (الخرسانية)، مثل رفع المباني ورفع مجاري الصرف الصحي ورفع المحطات الفرعية وإنشاء الحواجز النارية في المناطق المعرضة للحرائق.

في النهاية، أتوقع أن بعض المناطق في الولايات المتحدة (وفي العالم أجمع) لن تكون صالحة للعيش إما بسبب الجفاف أو ارتفاع مستوى سطح البحر أو حرائق الغابات أو الفيضانات. قد تكون عملية إعادة المواءمة هذه غير عادلة للغاية للأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على رؤوس الأموال اللازمة ولا المعلومات الصحيحة (في حين أنها تفيد مَنْ يستطيعون الحصول على رؤوس الأموال والبيانات). كما أنها صالحة للتطبيق في المستقبل وإدارتها بشكل جيد وعادل. وكلما أسرعنا في مواجهة هذه الحقيقة، كان التصحيح أقل إيلاماً وأكثر إنصافاً وكان الابتعاد عن أزمة مالية جديدة ممكناً.

اقرأ أيضاً: أفضل عمل بعد التقاعد

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .