التنفيذ السيّء هو جزء من المشكلة فقط.
لا زالت عملية إدخال التحوّلات على الشركات الكبرى تسجّل معدّلات مزرية من الفشل، رغم أن الباحثين والاستشاريين قد أدخلوا تحسينات هائلة على فهمنا للآلية التي تسير وفقها هذه العمليات. وتشير الدراسات المختلفة إلى أنّ ما يُقارب ثلاثة أرباع جهود التغيير تخفق – فهي إما تفشل في تحقيق المنافع المتوقعة أو يجري التخلّي عنها بالكامل. فما هي الأخطاء الشائعة في إدارة التغيير؟
بما أنّ التنفيذ الخاطئ هو في أغلب الأحيان المتّهم الرئيسي الذي يُعتبرُ مسؤولاً عن حالات الفشل هذه، فإنّ المؤسسات ركّزت على تحسين عملية التنفيذ. وقد تبنّت هذه المؤسسات الفكرة القائلة بأنّ التحوّل هو عملية تنطوي على مراحل رئيسية يجب إدارتها بعناية، وعلى عناصر يجب استغلالها بالشكل الصحيح – حتى أن تعابير من قبيل "حرق المراحل"، و"الائتلاف الموجِّه"، و"المكاسب السريعة" باتت شائعة في القاموس الخاص بإدارة التغيير.
لكنّ التنفيذ السيّء هو جزء من المشكلة فقط؛ حيث يشير تحليلنا إلى أن التشخيص الخاطئ مسؤول هو الآخر وبالقدر ذاته عن الفشل. فغالباً ما تسعى المؤسسات إلى إنجاز التغييرات الخاطئة – ولاسيما في البيئات المعقدة والسريعة التحرّك، التي يمكن فيها للقرارات المتعلقة بتحديد الأشياء التي يجب تغييرها للمحافظة على القدرة التنافسية أن تكون قرارات متسرّعة أو خاطئة.
فقبل القلق بشأن "كيفية" التغيير، يجب على الفريق التنفيذي أن يحدّد "ماهية" الشيء الذي يجب تغييره – وبالتحديد ما الذي يجب تغييره "أولاً". وهذا هو التحدّي الذي عملنا على دراسته على مدار 4 سنوات، حيث شملت دراستنا التحوّلات التي طالت 62 شركة.
عندما لا تختار الشركات معاركها الخاصة بالتحوّل بحكمة فإن جهودها ستترك أثراً سلبياً على الأداء. ولنأخذ مثلاً ما حصل بعد أن تولّى رون جونسون منصب الرئيس التنفيذي في شركة جيه سي بيني (J.C. Penney): فقد عمل وعلى الفور على إدخال إصلاح شامل طال تصميم المتاجر والأسعار بهدف استقطاب الزبائن الأكثر شباباً وملاحقة للموضة. وقد تراجعت المبيعات بمقدار الربع، في حين انخفضت قيمة سهم الشركة بمقدار النصف.
كانت الأولوية الأولى بالنسبة لجونسون يجب أن تكون تحقيق تكامل أفضل بين عمليات متاجر جيه سي بيني وأنشطة مبيعات الشركة على شبكة الانترنت. ففي ذلك الوقت، كان الزبائن قادرون على أن يجدوا في المتاجر ما هو معروض على الإنترنت، والعكس صحيح. وكانت هاتان القناتان تُداران بطريقتين منفصلتين، حيث كان لكل قناة بضائعها وسلسلة التوريد الخاصة بها. وقد أدرك مارفين إليسون، الذي حلّ مكان جونسون في نهاية المطاف حالة عدم التوافق، هذه وأعاد سلسلة المتاجر إلى تحقيق الأرباح. وتحت قيادة إليسون، أصبحت جيه سي بيني أكثر رشاقة، وأكثر قدرة على التجاوب مع طلبات الزبائن الراغبين بالحصول على الصفقات (والذين هجروا الشركة زرافات بسبب التغييرات التي أدخلها جونسون). وقد أعادت شركة التجزئة هذه تصميم تطبيقها الإلكتروني الخاص بالتسوّق لكي تسهّل على الزبائن الراغبين بالتسوّق داخل المتجر إيجاد الحسومات التي يريدونها، وحسّنت موقعها الإلكتروني، ولحقت بركب المنافسين من خلال توفير إمكانية استلام المواد المطلوبة عن طريقة الإنترنت من المتجر في اليوم ذاته.
وكما تعلّمت جيه سي بيني وغيرها من الشركات الدرس، فإن تكاليف الشروع في رحلة تحوّل خاطئ يمكن أن تكون باهظة: أولاً، المشاكل الأساسية سوف تستمر، بل وستصبح أسوأ بما أن الاهتمام سينصبّ على المجالات الأخرى (سجّل ترتيب جيه سي بيني تراجعاً إضافياً من حيث مبيعات الإنترنت بعد أن حسّنت تصميم متاجرها). ثانياً، قد تظهر مشاكل جديدة (فقد تسبّبت جيه سي بيني بإغضاب الزبائن المخلصين ممّن يبحثون عن صفقات مربحة من خلال تطبيق استراتيجية تسعير جديدة وأثقلت نفسها بديون تفوق الخمسة مليارات دولار، مما أعاق قدرتها على الاستثمار في التكنولوجيا). ثالثاً، سيكون الفريق التنفيذي معرّضاً لخطر تقويض التزام الموظفين بالمبادرات المستقبلية (فقد اضطر إليسون إلى حشد جهود فريق العمل الذي كان لا يزال تحت تأثير الصدمة جرّاء وصول جيه سي بيني إلى حافة الانهيار في عهد جونسون).
وبعد أن انتهى الفريق القيادي لدى إليسون من حلّ المشكلة الأساسية، حوّل اهتمامه نحو تحسين صورة جيه سي بيني في أعين المتسوّقين في العقود المقبلة لتكون خيارهم المفضّل. ورغم أنّ الشركة تجنّبت الكارثة، إلا أنّ هناك الكثير من الإصلاحات التي يتوجّب عليها القيام بها. فبعد موسم أعياد صعب خلال العام 2016، قرّر الفريق التنفيذي إغلاق ما يُقارب 140 متجراً من أجل التنافس بفعالية أكبر مع متاجر التسوق الإلكتروني. ولا تزال هناك حاجة إلى المضي قدماً في التحوّلات.
وبناءً عليه، كيف يمكن للقادة أن يقرّروا ما هي التغييرات التي يجب أن تحظى بالأولوية في الوقت الحاضر؟ يكون هذا الأمر من خلال الفهم الكامل لثلاثة أشياء: العامل المحفّز الداعي إلى إدخال التحوّلات، والهدف المُبتغى الأساسي للشركة، والقدرات القيادية المطلوبة لتحقيق هذا التحوّل المنشود. يشير تحليلنا الذي أجريناه وطال عمليات التحوّل التي أصابها الجمود إلى أنّ الإخفاق في دراسة هذه العناصر وتحقيق التوافق فيما بينها يقلّل كثيراً من احتمالات تحقيق التغيير الدائم المطلوب. وفي هذه المقالة، سوف نوضح هذه الديناميكية المدعومة بعدد من دراسات الحالات التي تقدّم مسافة كافية لملاحظة محصلات واضحة ويمكن التحقق منها وإجراء مقارنة فيما بينها للمساعدة في تشخيص ما هو مطلوب كجزء من المساعي الرامية إلى إدخال التحوّلات على شركتكم.
العامل المحفّز: السعي وراء تحقيق القيمة
إن العامل المحفّز لإدخال التحوّل في أي شركة هو السعي وراء تحقيق القيمة. ولتنفيذ هذا الأمر بصورة مثالية، فإن ذلك يستدعي تحسين الكفاءة (من خلال تبسيط العمليات وخفض التكاليف) وإعادة الاستثمار في النمو. لكن العديد من الجهود الرامية إلى إدخال التحوّلات تخرج عن المسار المرسوم لها لأنها تفرط في التركيز الضيّق على هذا العنصر أو ذاك.
ففي بعض الحالات، قد تؤدّي المحاولات الهادفة إلى تبسيط العمليات من خلال إدخال تحسينات على الإنتاجية، أو تعهيد المهام إلى جهات خارجية، أو التخارجات، أو إعادة الهيكلة إلى تقويض النمو. وقد يكون التخفيض في التكاليف عميقاً جدّاً إلى الحد الذي يفرّغ معه بعض القدرات من مضمونها، ويقود إلى تراجع في المعنويات، ويمكن أن يلغي القدرات الفائضة التي كان يمكن أن تشكّل الوقود المشغّل للمساعي والجهود الجديدة.
دعونا نأخذ مثالاً من شركة نورسك سكوغ (Norske Skog)، التي كانت في يوم من الأيام واحدة من أكبر منتجي أوراق الصحف والمجلات في العالم – وهي الآن في المرتبة الثالثة على مستوى أوروبا بحسب بلومبيرغ، في سوق دخلت طور التضاؤل. فبعد أن تلقّت هذه الشركة النرويجية ضربة جرّاء تراجع الطلب على الورق قبل أكثر من عقد من الزمن، أُجْبِرَت على التخارج من أنشطتها غير المربحة والتي كانت منتشرة في أربع قارّات في أنحاء العالم. وبفضل برنامجها الرامي إلى تحسين الربحية، أصبحت بارعة في تحديد الأماكن المناسبة لإجراء تخفيض في النفقات إلى حدّ أنها تلقت مديحاً من مجلة بزنس ويك في عام 2009 بسبب قدرتها على تحويل "عملية تصغير الحجم إلى علم".
ورغم أنّ الشركة تمكّنت من النجاة بنفسها والبقاء على قيد الحياة، إلا أنها لم تجد طريقة لمعاودة الصعود نحو الأعلى مجدّداً. وكما هو حال العديد من الشركات العاملة في قطاع المقاولات أو تصنيع السلع، فإنها ظلت عالقة في طور الانقلاب من الخسارة إلى الربحية. وفي المقابل، فإن غريمتها السويدية الفنلندية المتخصصة بصناعة الورق ستورا إنسو (Stora Enso) مرّت بعدّة جولات من عمليات إعادة الهيكلة المؤلمة، لكنّها تمكّنت بعد ذلك من إعادة تشكيل نفسها بحلّة جديدة، وبصفة شركة تعمل في مجال المواد المتجدّدة.
وفي حالات أخرى، تخرج عملية إعادة الاستثمار في النمو عن السيطرة. وكانت شركة ليغو قد عانت من هذه المشكلة. فقد أجرت هذه الشركة الدنماركية محاولتين واسعتي النطاق لإدخال تحولات من خلال الاعتماد على قدر أكبر من الابتكار. أفضت المحاولة الأولى التي أطلقت عام 2000 إلى الكثير من التجريب الحر الذي دفع الشركة خلال السنوات القليلة التالية إلى حافة الإفلاس. أمّا المحاولة الثانية، التي أطلقت في 2006 (بعد أن كانت الشركة قد استعادت استقرارها المالي) فقد جعلت ليغو تصل إلى المرتبة الثالثة بعد العملاقتين الأميركيتين هازبرو وماتيل لتصبح أكثر شركات الألعاب ربحية في العالم بحلول العام 2014، حيث فاقت هوامش أرباحها 30%. فلماذا هذا الفرق الكبير؟ في المرة الثانية، وتحت قيادة الرئيس التنفيذي يورغين فيغ كنودشتورب، تمكّنت ليغو من التركيز وبشكل ثنائي على النمو والانضباط معاً. فقد أسّست الشركة لجنة تضمّ ممثلين عن مختلف الوظائف اسمتها (المجموعة التنفيذية لحوكمة الابتكار) بهدف تمويل الأنشطة المبتكرة، ومراقبتها، والاضطلاع بالتنسيق الاستراتيجي الخاص بها، للمحافظة على تركيز الشركة على أنشطتها الأساسية عوضاً عن الابتعاد عنها هنا وهناك.
يقودنا هذا المثال إلى نقطة أكبر بخصوص العوامل المحفّزة على التغيير: أثناء سعيكم الحثيث لتحقيق النمو، فإن الانضباط – من خلال الحوكمة والمقاييس، وغير ذلك من الضوابط – يسمح لكم بالمحافظة على مساركم في وقت لاحق، بعد أن تكونوا قد اخترتم الاتجاه الذي ستسير فيه الرحلة. فدون وجود هذه الضوابط، فإن شركتكم يمكن أن تضلّ طريقها بسهولة. وغالباً ما يحصل هذا الأمر من خلال الاستحواذ المتعجّل على ابتكار يهدف إلى دعم التحوّل والذي قد يكون بسعر أعلى من السعر الطبيعي، أو قد يكون من الصعب دمجه ضمن الأنشطة الأساسية للشركة. ورغم أنّ الغاية من هذا الاستحواذ قد تكون هي إعادة توجيه الاستراتيجية، لكنّه قد يقود في نهاية المطاف إلى استنزاف قيمة الشركة. ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان شركة هيوليت-باكارد (آتش بي): هل تذكرون استحواذها الفاشل على كومباك (Compaq)، وإي دي إس (EDS)، وأوتونومي (Autonomy)؟
ولكن كيف يمكنكم أنتم والآخرون في الفريق القيادي أن تحدّدوا نوع التحوّل الذي ستسعون إلى تحقيقه، عندما تكون فرص النمو أو التراجع في الأداء قد نبّهتكم إلى ضرورة إدخال شيء من التغيّر الرئيسي؟ هذه هي الخطوة الثانية في العملية – أي تحديد الهدف المُبتغى.
الهدف المُبتغى: كيف تختارون الاتجاه الذي ستسيرون فيه
في المرحلة التالية، يجب على المؤسسة أن تحدّد المُبتغى المحدّد الذي سيقود إلى توليد قدر أكبر من القيمة. ويلجأ المدراء التنفيذيون بصورة متزايدة إلى استعمال كلمة "التحوّل" كمختصر لعبارة "التحوّل الرقمي". لكن الثورة الرقمية المستمرّة لا تشكّل تحوّلاً بحدّ ذاتها – فهي عبارة عن وسيلة للوصول إلى الغاية المنشودة، ويجب عليكم أن تحدّدوا ماهيّة هذه الغاية.
تُظهرُ الدراسات والتحليلات التي أجريناها بأنّ معظم الجهود الرامية إلى إحداث تحوّلات في الشركات هي إمّا مشتقّة من الأهداف الخمسة النموذجية التالية أو أنها مزيج منها:
1. الحضور العالمي:
توسيع الامتداد في السوق من أجل زيادة الوصول إلى مكانة دولية أكبر، سواءً على مستوى القيادة، أو الابتكار، أو حركة الأشخاص الموهوبين، أو القدرات، أو الممارسات الفضلى.
2. التركيز على الزبائن:
فهم احتياجات زبائنكم وتوفير آراء أو تجارب أو محصلات أفضل (حلول متكاملة) عوضاً عن مجرّد منتجات أو خدمات.
3. الرشاقة:
تسريع العمليات، أو تبسيط طريقة الإنجاز من أجل زيادة الرشاقة على المستويات الاستراتيجية والتشغيلية والثقافية.
4. الابتكار:
الاستعانة بأفكار ومقاربات من مصادر جديدة، سواء داخلية أو خارجية، بهدف توسيع خيارات المؤسسة التي تتيح لها استكشاف فرص جديدة.
5. الاستدامة:
تحسين الجوانب الصديقة للبيئة، وزيادة الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية أثناء عمليات التمركز والتنفيذ.
إنّ لكل واحد من هذه الأهداف المُبتغاة تركيزه، والعناصر المُمكّنة له، والعناصر التي قد تخرجه عن مساره،. وكلّ واحد منها يستدعي إدخال الشركة لشيء إضافي على نموذجها التشغيلي، أو شركائها، أو عملياتها الداخلية، أو مواردها، أو تغييرهم. يمكن "للتحوّل الرقمي" أن يدعم أيّاً من الأهداف الخمسة المُبتغاة، وكلها تستدعي وجود حالة من الانضباط. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "فهم الأهداف الخمسة المُبتغاة").
دعونا نعود إلى عملاقة صناعة الورق ستورا إنسو لنرى كيف حدّدت هدفها المُبتغى. لقد كان العامل المحفّز لحصول التحوّل هو الهبوط الحاد في الطلب على الورق، إضافة إلى تصاعد عملية الرقمنة الإلكترونية. وبالتالي لم تكن ستورا بحاجة ماسة إلى خفض التكاليف فحسب، وإنما كانت مضطرّة أيضاً إلى إعادة النظر في الأشياء التي يركّز عليها نموذجها التجاري.
لقد أجرى أعضاء فريق القيادة العليا مشاورات واسعة النطاق مع مختلف الأقسام والمستويات الوظيفية في الشركة، كما دخلوا في مداولات مطوّلة. وبعد أن وزنوا الخيارات المختلفة، خلصوا إلى أنّ السعي وراء الرشاقة، أو الحضور العالمي، أو التركيز على الزبائن لن يفضي إلا إلى المزيد من الحصّة السوقية في صناعة متدهورة أصلاً.
كما أنّ الابتكار لن يحلّ المشكلة أيضاً. لكنّ الشركة كانت قد طوّرت بعض المنتجات التي تشكّل خرقاً إيجابياً في المجال البيئي بما في ذلك مواد تغليف وتعبئة صديقة للبيئة تناسب عمليات تسليم طرود التجارة الإلكترونية التي كانت آخذة بالاتساع. وقد كمنت الفرصة الأعظم في تحويل محور العمل بأكمله نحو التخصّص في المنتجات المصنّعة بمواد متجدّدة وذات أساس حيوي.
لذلك فإن الهدف المُبتغى لستورا كان تحقيق الاستدامة. وقد ثبت بأنّ هذا التحوّل كان خطوة تنمّ عن الذكاء. ولا تمثّل المنتجات الورقية التقليدية حالياً إلا 8% فقط من أرباح ستورا، في حين تضاعف سعر سهم الشركة ثلاث مرّات تقريباً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
قد يكون من الصعب اختيار الهدف المبُتغى الصحيح. هل يجب على الشركة التوسّع في مناطق جديدة، أم التقرّب أكثر من الزبائن، أم ممارسة الابتكار مع المزيد من الشركاء، أم التحرّك بسرعة أكبر وزيادة القدرة على التجاوب، أم زيادة مستوى الاستدامة؟ في بعض الأحيان، يجيب المدراء التنفيذيون عن ذلك قائلين: "كل ما سبق". لكنّ التعامل مع كلّ هذه الأشياء دفعة واحدة هو أمر صعب. يجب أن يكون الهدف المُبتغى الصحيح أولوية ملحّة ولا نقاش فيها. في بعض الحالات التي طالها تحليلنا لجأت الشركات إلى القفز بين هدف مُبتغى إلى آخر (التركيز على الزبائن والرشاقة، مثلاً، أو الابتكار والاستدامة). يمكن لهذا الشيء أن ينجح طالما أنّ المكوّنات مندمجة ضمن تركيز واحد واضح ومقنع.
مع وجود تحدّيات مؤسسية متعدّدة تتنافس فيما بينها للحصول على الاهتمام، فإنّ فرق الإدارة العليا ستخسر إذا ما اختلف أعضاؤها على الأولوية التي يجب اتّباعها في إدخال التحوّلات. هذا ما دفعنا إلى صياغة وثيقة تدقيق هي عبارة عن 15 سؤالاً (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "كيف تجري تدقيقاً لتحديد الهدف المُبتغى").
في أثناء الأبحاث وعمليات المشورة التي أجريناها، وجدنا بأنّ هذه الأداة تسمح للمدراء التنفيذيين بإجراء المراجعة المنهجية الخاصّة بهم بحيث يستطيعون اتخاذ قرارات ذكية بخصوص التحوّلات التي يريدون تطبيقها. فعلى سبيل المثال، في إحدى شركات المياه والكهرباء الفرنسية التي عملنا معها، شارك أهم 200 مدير تنفيذي فيها في ملء استمارة تحدّد الوضع الراهن للشركة لاختيار التحوّل المطلوب، وذلك عن طريق تحديد العوامل الأساسية المُمكّنة والمعرقلة لكل هدف مُبتغى محتمل. وقد ساعدت هذه العملية إضافة إلى "تدقيق الهدف المُبتغى" في توضيح الأولويات الخاصّة بالأجزاء المختلفة للمؤسسة، سواءً مجلس الإدارة أو نادي كبار المدراء التنفيذيين أو الخطوط الأمامية وتحقيق التوافق فيما بينها.
القدرات: تطوير القادة
أخيراً، إذا ما أرادت الشركة دعم الهدف المُبتغى المُختار فإنها يجب أن تطوّر القادة القادرين على إنجاز المهمّة. فالتحوّل المستدام يتوقّف على ذلك.
مرّة أخرى، تُعتبرُ ستورا إنسو مثالاً مفيداً على هذه الحالة. فقد أدرك جوكو كارفينين، الذي ظل رئيساً تنفيذياّ للشركة حتى يوليو/ تمّوز 2014، بأنّ فريقه التنفيذي – وكل أعضائه من النرويجيين ومن المعتقين في هذا القطاع – سيكون قادراً على الاستمرار في ضغط النفقات في الأقسام الأساسية لكنه سيجد صعوبة في استكشاف آفاق جديدة للنمو. لذلك، وبالتعاون الوثيق مع رئيس قسم الموارد البشرية لارس هاغشتروم، أنشأ فريقاً قيادياً موازياً مؤلفاً من 12 مديراً من مختلف الأقسام في الشركة وأوكل إليهم مهمّة تحديد فرص الاستدامة التي قد تكون كامنة في الجدران الفاصلة ما بين مختلف الأقسام، إضافة إلى مهمّة عريضة تتمثّل في تحدّي الطرق القديمة في العمل، والتي كانت سائدة في الشركة.
وقد لجأت الشركة كلّ عام إلى استبدال هذا الفريق بمجموعة جديدة من المدراء الزملاء البالغ عددهم 16 شخصاً. في البداية، كانت هذه الطريقة تهدف بصورة أساسية إلى استقطاب آراء جديدة لتصبح جزءاً من عملية صنع القرار على أعلى المستويات، لكنّها توسّعت لتصبح برنامجاً يهدف إلى تحديد العناصر القادرين على إحداث التغيير ضمن المؤسسة، وتطويرهم بحيث يصبحون بمثابة مستشارين إداريين داخليين. وقد أصبح برنامج المدراء هذا درّة التاج في الأنشطة الجديدة لتطوير القيادة في الشركة.
تفقد رحلات التحوّل في الشركات زخمها عندما تهمل هذه الشركات تطوير القيادة. وإذا ما أراد المدراء التنفيذيون وغيرهم من المدراء الآخرين وعلى جميع المستويات المحافظة على سير المؤسسة في الاتجاه المنشود، فإنهم يجب أن يفهموا ما هي الذهنيات والسلوكيات التي ستنقل الشركة إلى هذا المكان المرغوب، وينبغي عليهم بعدها تصميم النماذج المطلوبة بعناية بحيث يعرف الموظفون كيف يتصرّفون ضمن السياق الجديد.
إنّ وجود أيّ شيء من عدم التوافق بين جهود تطوير القيادة والهدف المُبتغى لعملية التحوّل سيقود في نهاية المطاف إلى الإضرار بعملية توليد القيمة. وثمّة قصّة مألوفة ومعبّرة تظهر مدى أهمية الحاجة إلى هذا التوافق وهي قصّة شركتين آسيويتين متنافستين تعملان في عالم الحواسيب الشخصية.
ففي العام 2008، حلّت شركة آيسر (Acer) التايوانية ولينوفو (Lenovo) الصينية في المرتبتين الثالثة والرابعة على التوالي من حيث الحصة السوقية العالمية، متأخرتين كثيراً عن آتش بي (HP) وديل (Dell). وبحلول العام 2015 ارتقت لينوفو إلى المرتبة الأولى في حين حلّت آيسر في المرتبة السادسة. وكانت الشركتان قد حدّدتا هدفين مُبتغيين متشابهين – وهو توسيع حضورهما على مستوى العالم – واتبعتا استراتيجيات متشابهة، مُغتنمتين الفرص لتوليد القيمة وإدخال تحوّلات على حضورهما العالمي من خلال الاستحواذ على الشركات الغربية المتعثّرة. فقد اشترت لينوفو قسم الحواسيب الشخصية في شركة آي بي إم (IBM) في العام 2005؛ في حين استحوذت آيسر على شركة غايتواي (Gateway) الأميركية في 2007 وباكارد بيل (Packard Bell) الأوروبية في 2008. لكنّ واحداً من الفروق الأساسية بين ليوفو وآيسر تمثّل في موضوع الالتزام بعولمة كبار المدراء القياديين.
فقد واجه مجلس إدارة آيسر معاناة في قبول فكرة تقليل حضور التايوانيين، إذ رفض الخطط الجريئة التي طرحها الرئيس التنفيذي جيانفرانكو لانسي والتي قضت بتعيين أشخاص موهوبين أجانب من ذوي الخبرة في تكنولوجيا الأجهزة المحمولة وفي مضاعفة أعداد المهندسين ثلاث مرّات. (من الجدير بالذكر بأن لانسي سرعان ما ترك آيسر ليترأس وحدة الحواسيب الشخصية في لينوفو). وفي العام 2010، كان لدى آيسر ستة مدراء تنفيذيين أجانب من أصل 24 مديراً تنفيذياً؛ وبحلول العام 2014، تراجع العدد إلى 3 من أصل 23. وخلال الفترة ذاتها، تراجع عدد أعضاء مجلس الإدارة الأجانب من 2 إلى 1. وكما هو متوقع، فإن عملية اتخاذ القرار على مستوى فريق الإدارة العليا باتت أكثر حذراً واحتراساً وأكثر انعزالية. وفي 2016، على سبيل المثال، استعانت الشركة بابن المؤسس ليترأس قسم الحوسبة السحابية فيها، مما دفع مطبوعة تيك نيوز (TechNews) إلى عنونة مقال لها على النحو التالي: "هل باتت آيسر شركة عائلية؟"
وفي المقابل، كان تطوير القيادات في لينوفو متماشياً بالكامل مع الهدف المُبتغى للشركة والمتمثّل في توسيع حضورها على مستوى العالم. فبحلول العام 2012، كان فريق القيادة العليا المؤلف من تسعة أشخاص يمثّل ست جنسيات. في حين انتقل الرئيس التنفيذي الصيني للشركة يانغ يوانكينغ إلى العيش في أميركا، بينما توزّع أعضاء الفريق الآخرون في أنحاء العالم، حيث يجتمعون لأسبوع واحد كل شهر في سوق استراتيجية مختلفة. وبما أنّ الرئيس التنفيذي أدرك التحدّيات التي واجهها فريقه نتيجة لتنوّع خلفيات أفراده، فقد استعان بمرشد للعمل مع المدراء التنفيذيين لمعالجة المسائل المتعلقة بالتباينات الثقافية. وبهدف الترويج للتنوّع بوصفه مصدراً للميزة التنافسية – سواء في التوظيف أو في العمليات على مستوى الشركة – فقد رفّعت الشركة دور نائب الرئيس لشؤون التكامل والتنوّع الثقافيين لتضعه في مصاف نادي كبار المدراء التنفيذيين. وقد مهّدت هذه الجهود الطريق أمام الاستحواذات الطموحة والشركات المشتركة مع شركات ألمانية ويابانية وبرازيلية وأميركية – الأمر الذي مكّن لينوفو من توسيع أعمالها لتشمل فئات جديدة في مجال البرمجيات والخدمات.
أفخاخ عملية التحوّل
يتعرّض الكثير من الجهود في مجال إحداث التحوّلات إلى خطر الفشل خلال مرحلة تحديد الهدف المُبتغى. حيث يتشتّت انتباه الفرق القيادية أو تتبعثر جهودها عندما تفقد تركيزها على القيمة التي تستحق السعي وراءها – أو عندما يتبنّى الفريق قدراً من التغييرات يفوق قدرات القيادة على توجيهه. تكشف استقصاءاتنا عن ثلاث نتائج شائعة:
إهمال الهدف المُبتغى
في الشركات التي لا تحدّد هدفاً قادراً على حشد جهود الموظفين وتعبئتها، فإن خلق القيمة وتطوير القيادة يمكن أن يصبحا غايتين بحدّ ذاتهما – أو عبارة عن جهود عامّة غير مرتبطة حقاً بالاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تبنّت شركة إنفوسيس (Infosys) الهندية مقاربة في تطوير القيادة حظيت بالإعجاب على نطاق واسع، لكنّها واجهت مصاعب لأنها فشلت في ربطها باحتياجات الشركة في مجال التحوّلات – مما أجبر عملاقة التكنولوجيا على اللجوء إلى رئيس تنفيذي خارجي لقيادة التغيّرات الضرورية.
الخضوع لإغراء الهدف المُبتغى الخاطئ. قد يضلّ مجلس الإدارة وفريق الإدارة العليا الطريق بسبب رؤية يفرضها رئيس تنفيذي مُستحكم (مثل روي جونسون في جيه سي بيني)، أو قد يحاولان تقليد التحرّكات الاستراتيجية للشركات المنافسة، أو قد يقعان فريسة لتوصيات الاستشاريين الذين قد يفضّلون أهدافاً مُبتغاة معيّنة. في مثل هذه الحالات، ربما يعطي الهدف المُبتغى المختار نتائج عكسية لأنه لم يكن ناتجاً عن مداولات عميقة أو قناعة مشتركة، أو لأنه قد يفشل في معالجة القضية الأساسية. فعلى سبيل المثال، حاول بوب نارديلي إدخال تحوّل على هوم ديبوت (Home Depot) – بعد أن عمد إلى تقليد ما قام به في شركة جنرال إلكتريك (GE)– من خلال بيع المستلزمات إلى المتخصصين في الإنشاءات وأصحاب المساكن على حدّ سواء.
وقد شتّت هذا السعي وراء الزبائن في سوقين متجاورتين الانتباه عن مشكلة هوم ديبوت الأساسية المتمثلة في تراجع مبيعات المتاجر. وعندما استقال نارديلي من منصبه تحت ضغط المساهمين، عملت الإدارة اللاحقة على عكس الاستراتيجية، بينما باعت الذراع المتخصّصة بمبيعات الجملة للسماح للشركة بإعادة التركيز على عملها الأساسي المتمثّل في البيع بالتجزئة للأفراد. وبعد أن كانت الشركة تحتل وقتها المرتبة السابعة عالمياً على مستوى متاجر التجزئة العالمية تقدّمت الآن إلى المرتبة الثالثة.
التركيز على عدّة أهداف مُبتغاة في الوقت ذاته
ربّما يتعرّض الهدف المُبتغى إلى التشويش إذا لم يتمكّن القادة من الاتفاق على الاتجاه الذي ينبغي السير فيه. فالأقسام المختلفة في أي شركة (المناطق والوظائف والمستويات المختلفة) ترى مشاكل وأولويات مختلفة. وبعض الشركات قد تبالغ في تبنّيها لعدد كبير من الأهداف المُبتغاة دفعة واحدة أو قد تبالغ في تقدير قدرات قياداتها في مجال معيّن. ففي العام 2009، أطلق الرئيس التنفيذي القادم وقتها لشركة كارفور (Carrefour) لارس أولوفسون خطة طموحة لإدخال تحوّل على عملاق التجزئة بناءً على سبع مبادرات استراتيجية تشمل تعزيز الابتكار، والتفاعل مع الزبائن، والرشاقة في العمل، والتوسّع على مستوى العالم.
فماذا كانت النتيجة؟ حالة من الإرباك، وخسارة للحصة السوقية في الأسواق المحلية، وتراجع بنسبة 53% في سعر السهم خلال عام واحد. ولم يمكث الرجل في منصبه أكثر من عام واحد. في حين انتقد خليفته جورج بلاسا القدرات القيادية للفريق السابق، واصفاً أعضاءه بـ"الانتقاص إلى الكفاءة في مبيعات التجزئة الجماهيرية". وفي خطة إصلاحية ناجحة ركّز بلاسا أولاً على التخلّص من العمليات في الأسواق غير الأساسية وعلى تبسيط العمليات الداخلية. ثم عمد إلى إعادة تفعيل المبيعات المحلية من خلال خفض الأسعار وتنويع المتاجر. وبعد ثلاث سنوات، استعادت متاجر كارفور موقعها الريادي الواضح في السوق الفرنسية.
البداية والانطلاق
قد يكون من المفيد النظر إلى توليد القيمة وتطوير القيادة بوصفهما عجلتا العربة اللتين تدعمان التحوّل، وإلى الهدف المُبتغى بوصفه الحصان الذي يقود العربة في الاتجاه المنشود وبالزخم المطلوب. ويُعتبر التواؤم بين هذه العناصر الثلاثة أمراً أساسياً إذا كنتم تريدون الوصول إلى الوجهة المنشودة.
تساعد عملية التدقيق في الهدف المُبتغى في تحقيق التواؤم من خلال تسهيل عملية تشخيص الوضع الراهن، وتحديد أي التحوّلات التي قد تؤدّي إلى تغيير قواعد اللعبة، وتحديد العوامل المُمكّنة والمعرقلة التي يجب استهدافها لتمكين ذلك من الحصول. وقد جرى التثبّت من صحّة هذه الأداة مع أكثر من 500 مدير تنفيذي كما جرّبتها أكثر من 12 شركة (في قطاعات وبلدان مختلفة) ترغب في إدخال تحوّلات على طريقة عملها. وهي تساعد في مواجهة التحدّيات التالية:
مواجهة الواقع
إنّ وجود طريقة منظّمة لطلب الآراء وتجميعها يسمح لفرق الإدارة العليا بإجراء مراجعة هادئة ومعمّقة لوضع الشركة. فربما تكون المعرفة أو الكفاءات أو الأنشطة التي كانت يوماً ما أساسية ومركزية بالنسبة للشركة قد أصبحت هي العناصر الأساسية المعطّلة بحسب تعبير دورثي ليونارد بارتون من جامعة هارفارد. وإذا كان هذا هو الحال، فإنها بحاجة إلى تكييف أو إلى التخلّي عنها. وكلّما كان التحوّل أكثر جذرية، كلّما كانت فرصة الكشف عن هذه القيود وتعريتها أكبر. كما أنّ مواجهة الواقع الصعب قد تنطوي أيضاً على تحديد النقاط العمياء ومواجهتها.
بالنسبة لمديرة قسم الموارد البشرية في إحدى المجموعات البريدية الأوروبية، كشف تدقيق الهدف المبتغى عن وجود نمط مقلق. وبحسب ما قالت لفريقها: "فإنّ العلامات المتدّنية التي سجلناها في مجال القيمة، والتركيز على الزبائن، والابتكار، تسلّط الضوء على عدم فعالية شركتنا في الإصغاء باحترام إلى السوق، وإلى زبائننا، وإلى المورّدين والشركاء. من الصعب الاعتراف بذلك، ولكن من الأفضل أن نعترف الآن بالعطالة الموجودة في مؤسستنا والتي تحتاج إلى معالجة عاجلة."
وعلى المنوال ذاته، لاحظ رئيس قسم الموارد البشرية في مجموعة أغذية يابانية بأنّ هذا التمرين فتح المجال أمام إجراء حوار داخل الفريق بخصوص القضايا التي كانت سابقاً من المحرّمات. "لقد أعطانا هذا التمرين "الأذن" بالتأمّل في الواقع الحالي وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه. وقد قادتنا هذه الحصانة إلى طرح بعض الأسئلة بطريقة جديدة تماماً تشكّل خرقاً لتساعدنا في فهم التحدّي الذي نواجهه، وما الذي ينبغي علينا فعله لحل هذه المشكلة."
مناقشة سلّم الأولويات
غالباً ما يكشف التشخيص النقاب عن تحدّيات متعدّدة، ويتركّز النقاش على تحديد أي منها يحظى بأهمية أكبر – أو أي منها يمكن أن يُعالج فوراً، بناءً على القدرات القيادية الحالية للشركة. فالأدوات المفاهيمية لا تستطيع أن تقول للفرق العليا ما يجب عليها فعله، لكنّها تستطيع دعم إجراء نقاش ذكي، وخاصّة أن الكثير من المعلومات الحرجة والأساسية تكون ظاهرة بلمح البصر.
عندما تُرسم خارطة تبيّن الفرص والمخاطر التي تراها الأطراف المختلفة فإن ذلك يسمح للمدراء التنفيذيين بتجنّب فخ أساسي من فخاخ اتخاذ القرار ألا وهو الوقوع في براثن اختيار مزيّف بين اتباع خيار استراتيجي واحد وعدم فعل أي شيء. فتحديد الضغوط والتحدّيات يسهّل مناقشة المقاييس المرتبطة بالاستجابات المختلفة وتقويمها.
لنأخذ حالة شركة كونسينتينو (Cosentino) الإسبانية المتخصّصة بتصنيع السطوح الهندسية للمطابخ والحمّامات. فبما أنّ الشركة كانت قد أسّست شبكة توزيع متينة في الولايات المتحدة، فقد كانت الاستراتيجية الأوضح هي الاستمرار في توسيع حضورها على مستوى العالم. ولكن بعد أن استعملت تدقيق الهدف المُبتغى لدراسة مختلف الخيارات المتاحة، قرّر أكبر 70 مديراً تنفيذياً عوضاً عن ذلك إعطاء الأولوية للابتكار المشترك – ليس فقط مع شركاء كونسينتينو في سلسلة التوريد وإنما مع غيرهم من الشركات الرفيعة المستوى في مجال المطابخ والحمّامات (الواجهات، والأرضيات، والتجهيزات) – بهدف توقّع التوجهات الجديدة. لقد اختاروا العمل على معالجة أكبر نقطة ضعف لديهم عوضاً عن البناء على نقطة قوّة واضحة.
إنّ التوصّل إلى توافق في حال وجود اختلاف في الآراء والأولويات ووضع فهم مشترك للسبب الكامن وراء الوضع الراهن هو عملية لا تخلو من الألم. لكنّ تنحية حالة عدم الارتياح هذه جانباً لا يفعل شيئاً سوى التقليل من فرص اختيار هدف قابل للتحقق خلال عملية التحوّل. فوفقاً لرئيس القسم المالي في مجموعة إيطالية للأزياء: "سلّطت نقاشاتنا الضوء على المجالات التي كنا نفتقر فيها ربّما إلى التوافق المطلوب، وأكّدت على نقاط الألم المشتركة بغضّ النظر عن موقع كل منّا داخل المؤسسة. وقد ساعدتنا عملية التأمّل هذه في التوصّل إلى توافق بخصوص الأشياء التي كنّا يجب أن نقوم بها، والأشياء التي يجب أن نتوقّف عن القيام بها".
كما يُسهم التشاور المشترك في بناء إحساس بالتفاعل يعزّز التصوّر بوجود عملية تتسم بالإنصاف مما يقوّي الالتزام بالمسار الإجرائي الذي وقع عليه الاختيار.
التعبير عن الخيارات والإبلاغ عنها
بعد أن ينتهي قادة المؤسسة من مناقشة الأولويات والتحديات، سيكونون أكثر ثقة في المطالبة باتخاذ مسار إجرائي محدّد، وإيصال الرسائل المطلوبة إلى الآخرين. وهم أقدر على شرح الكيفية التي وصلوا بها إلى هذه الخلاصة، وما هي البدائل التي درسوها، ولماذا يعتقدون بأنّ هذه هي رحلة التحوّل الصحيحة. فإذا ما شعر الموظفون بأنّ العمل التحليلي كان شاملاً وجامعاً، فإنّهم سيكونون أميل إلى قبول القرار، حتى لو كان لا يعجبهم.
بطبيعة الحال، نادراً ما يكون التحليل لوحده كافياً لدفع الناس إلى التصرّف بطرق غير مألوفة وربما غير مرحّب بها. وعند قيادة الناس نحو مستقبل غامض، سيكون مفيداً بالنسبة لصنّاع القرار أن يجمعوا هؤلاء الناس للحديث عن العوامل المُمكّنة والعوامل المعيقة. فهذا الأمر يعطي الجميع إحساساً بالأرضية التي تقع عليها المؤسسة، وما هي الأشياء التي يجب أن تُدخل عليها التحولات – ولماذا تستحق الرحلة عناء خوضها بعيداً عن موضوع "البقاء على قيد الحياة".
وفيما يلي مثال يبيّن كيف يمكن لذلك أن يحصل: ففي "غروب إم" (GroupM) وهي أكبر مجموعة للاستثمار في وسائل الإعلام في العالم، خلص أكبر فريق إداري مسؤول عن العمليات في جنوب آسيا إلى أن منافسي الشركة في العصر الرقمي لم يكونوا يقتصرون على شبكات الوكالات التقليدية، وإنما أيضاً الشركات الناشئة والمنصات الرقمية المُزعزعة التي كانت قادرة على الوصول مباشرة إلى زبائنها. وبعد أن ناقش الفريق الأولويات، برز موضوع الابتكار عبر الشراكات الأعمق مع المنافسين المحتملين الجدد بوصفه الأولوية الأولى. كما كشفت النقاشات الإضافية، بما في ذلك نقاش توسطت فيه لجنة شبابية مؤلفة من مجموعة من الشباب الناجحين دون السن الثلاثين، بأنّ العامل المُمكِّن الأساسي كان القدرة على اختيار شركاء الابتكار الصائبين.
أمّا العامل المعيق الأساسي بحسب سي في إل سرينيفاس، الرئيس التنفيذي للقسم، فقد كان: "دفع الناس الذين يعملون في مؤسسة ناجحة إلى تغيير عقليتهم وقبول فكرة حاجتنا إلى التغيير من أجل المحافظة على أهمية موقعنا." لذلك اختار فريق القيادة استراتيجية تواصل وازنت ما بين المقاربات القاسية والمقاربات اللينة: وضع مستهدفات صعبة للموظفين لزيادة حصّتهم من العمل الرقمي مع التوضيح بأنّهم سيحصلون على الدعم والتدريب المطلوبين لتحقيق هذه الأهداف.
بما أنّ مدّة صلاحية الاستراتيجيات التجارية باتت أقصر وأقصر، فإنّ قدرة الشركة على إدخال التحوّلات على عملها تصبح هي الميزة الوحيدة الباقية لها. ففي حالة شركة ليغو، وقع الاختيار على الابتكار كهدف مُبتغى أساسي ركّزت عليه عملية التحوّل تحت إدارة كنودشتورب.
أمّا الآن، ومع اقتراب ليغو من مرحلة التشبّع في أسواقها الأساسية مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، فإن اهتمامها ينصبّ على الاقتصادات الناشئة ذات النمو السريع – بحيث بات الهدف المُبتغى الجديد هو تحويل العلامة التجارة الدنماركية إلى شركة عالمية بحق. وبما أنّ المعيار الطبيعي بات يقتضي إدخال سلسلة من التحوّلات، فإن واحداً من الأسئلة الاستراتيجية الأساسية التي يطرحها قائد أي مؤسسة هو: كيف يمكننا أن نجعل تحوّلنا القادم يزدهر؟ وكيف نتفادى الأخطاء الشائعة في إدارة التغيير؟ هذه المقالة سوف تساعدكم في الإجابة عن تلك الأسئلة.
اقرأ أيضاً: لماذا تفشل محاولات التغيير؟