لماذا يلجأ ورثة الشركات العائلية إلى التواصل عبر “واتساب”؟

5 دقائق
ورثة الشركات العائلية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“الثروة لا تدوم ثلاثة أجيال”؛ هكذا يصف المثل الصيني القديم انهيار الشركات العائلية الكبيرة، مؤكداً الاعتقاد الشائع بأن دورة حياة الإمبراطوريات التجارية تتوقف لدى الجيل الثالث، وذلك عندما تسير كل الخطط بطريقة خاطئة.

تشير إحصائيات مركز “كونواي” للأعمال العائلية، إلى أن أكثر من 30% من جميع الشركات العائلية تنتقل إلى الجيل الثاني. في الوقت الذي تصل فيه 12% فقط إلى الجيل الثالث، مع نسبة نجاة للجيل الرابع لا تتجاوز 3% فقط من جميع الشركات العائلية. والشركة العائلية هي كل شركة يمتلكها ويديرها شخصان أو أكثر من أفراد الأسرة ذاتها.

غياب رؤية المؤسس

أحد أكبر تحديات انتقال الثروة بين الأجيال هو فقدان المنظور والرؤية الأساسية للشركة العائلية. وذلك كان سبب انهيار بعض فروع “غوتشي” مع الجيل الثالث. ربما تشتهر “غوتشي” على مستوى العالم بحقائب اليد العصرية، لكن الإيطالي “غوتشيو غوتشي” أسس هذه الإمبراطورية في أوائل القرن العشرين لتبدأ عملها في مجال الأمتعة، وعندما رحل المؤسس ترك العمل لابنه الأكبر “ألدو”، الذي تولى القيادة حتى أصبحت “غوتشي” علامة رائدة في مجال الموضة.

ظهرت المشاكل بعد فترة وجيزة من سيطرة الجيل الثالث على “غوتشي”. وعلى الرغم من أن التطور في السوق، يتطلب تقديم رؤية جديدة من الشركات العائلية حتى لا تصاب بالركود، واستحداث تغييرات تدريجياً والاستفادة من الموروث الثقافي المتنوع في صناعة القرار بطريقة تتماشى مع رؤية الجيل الثاني، فإن المخاطرة غير المدروسة تعتبر مجازفة مجهولة العواقب. لكن الرؤية التي وضعها الجيل المؤسس والجيل الثاني في “غوتشي” بدأت تتلاشى رويداً رويداً. فامتلك الحفيد “باولو” تطلعات مختلفة إلى حد كبير. وأطلق خط أزياء كارثي أدى إلى نزيف الأموال. ثم أشرف “ماوريتسيو” نجل أخيه على الإمبراطورية التي واصلت معاناتها مع الديون، وتراجعت قيمتها بالفعل.

لعل الرؤية الخاطئة للجيل الثالث في “غوتشي” كانت سبباً مهماً في تدهور العلامة التجارية في فترة ما؛ لكن لماذا اقترنت العلاقة بين توقف نجاح الشركات العائلية بالجيل الثالث أكثر من غيره؟

حسناً، ربما يعود الفضل إلى رجل الأعمال الأميركي “أندرو كارنيغي” في القول المأثور الأكثر شهرة في الأعمال العائلية “كدّ الأجداد يضيعه الأحفاد” (Shirtsleeves to Shirtsleeves)، حيث تشير هذه العبارة إلى الاعتقاد الشائع بأنه في دورة حياة إمبراطوريات الشركات العائلية، تحل الكوارث عندما يتولى الجيل الثالث مهام القيادة، وتبدأ رحلة الشركة في الانهيار، في إطار يتماشى مع “قاعدة الأجيال الثلاثة” التي تؤكد أن غالبية هذه الشركات لا تستمر أكثر من ثلاثة أجيال، علماً أن خرافة الأجيال الثلاثة نبعت من دراسة أُجريت في ثمانينيات القرن الماضي حول شركات التصنيع في ولاية إلينوي الأميركية.

تحديات الجيل الثالث

لا تتوقف أسباب فشل الجيل الثالث في الشركات العائلية عند اختلاف المنظور فقط، بل إن ارتفاع عدد أصحاب المصلحة يؤدي دوراً أيضاً؛ ما يزيد من الأصوات في الاجتماعات بدوافع مختلفة عن إدارة الشركة العائلية، وذلك على خلاف البداية مع الجيل المؤسس أو الجيل الثاني، لذا فبات احتمال النزاع والخلاف يرتفع تدريجياً. وذلك ما تناولناه في مقال “معضلة الجيل الثالث في الشركات العائلية“، حيث يعتمد نجاح الجيل الثالث على التأهيل للمسؤولية مستقبلاً قبل تولي الإدارة بالفعل، ما يعني التزوّد بالمعرفة الكافية عن الحالات التي يمكن أن تنشأ فيها الخلافات والإشكالات للعمل على تجنبها تماماً.

وهناك مصادر مختلفة للتوتر تعاني منها الشركات العائلية، سواء بسبب فقدان الثقة المتبادلة، أو سوء الإدارة والصراع على وراثة المناصب من جيل إلى جيل، أو تجنب النقاش الهادف لمعالجة القضايا الشائكة، لكن ماذا إن لم تكن المسؤوليات والاختلافات وزيادة أصحاب المصلحة هي سبب فشل الجيل الثالث، بل إن السبب يكمن في عقلية الأفراد أنفسهم؟ هل يمكن أن يكون التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم واحداً من الأسباب أيضاً؟ فالتطبيقات الإلكترونية آخذة في الانتشار بسرعة مهولة، فضلاً عن الشبكات الاجتماعية والمنصات المختلفة؛ ما يترك آثاراً سلبية على المدير من الجيل الثالث في بعض الأحيان، ومعاناة نفسية تؤثر في قراراته. يصف الباحث حسن علي عباس من جامعة الكويت، في دراسة بعنوان “آثار اضطرابات الشخصية والمواقف تجاه خدمات الشبكات الاجتماعية: أدلة من ورثة الشركات العائلية في العالم العربي” تولي الجيل الثالث إدارة الشركات العائلية، بوقت إقلاع الطائرة أو هبوطها، الذي تكون فيه أكثر عرضة للمخاطر.

التواصل الافتراضي لورثة الشركات العائلية

يستخدم ورثة الشركات العائلية، الإنترنت بشكل عام والشبكات الاجتماعية بشكل خاص، دون الاكتراث بأهمية تعزيز التواصل الواقعي في هذا العالم الافتراضي؛ ما يتسبب في زيادة الاضطرابات الشخصية مثل العزلة الاجتماعية والوحدة والخجل والاكتئاب. وتؤكد الدراسة الكويتية التي شملت 511 من ورثة الشركات العائلية أن الأجيال الجديدة تعمد إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من الأمور مثل التسوق الإلكتروني. ومع مرور الوقت، يبدؤون في الاستعانة بأنظمة المراسلة الفورية من أجل تعويض النقص والفشل في قدراتهم الاجتماعية.

تحكمت عدد من العوامل في كيفية استخدام 25.2% من الإناث، و72.4% من الذكور، لنظام المراسلة الفوري الشهير “واتساب”، منها:

الخجل الشديد

أكثر من 80% من الشركات حول العالم هي شركات عائلية، وتعبّر هذه النسبة عن نفسها بوضوح أكثر في الاقتصادات الناشئة والنامية. إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 87% من الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي هي شركات عائلية تسهم بنصيب وافر في الناتج المحلي الإجمالي الوطني.

تتخذ الشركات العائلية العديد من الإجراءات التي تمكن من استمرارها بفضل قيادة الأجيال الأولى؛ ما يشكل عبئاً على الجيل الثالث أو ما بعده؛ بسبب الضغوط النفسية للعمل على نهج الأجداد والحفاظ على الإرث، دون الوقوع في الفخاخ والمعضلات التي تواكب التطور الزمني للأعمال. وإذا كانت الشركات العائلية تعتبر أحد أشكال الأنظمة المؤسسية السائدة والطويلة الأمد، فلا بد إذن من وجود أسرار مكنتها من النجاح، مع اتباع نموذج محدد للقدرة على التحمل وخطة واضحة لإدارة المخاطر التي قد تواجهها المؤسسة.

كل تلك الأمور، وغيرها، تساهم في فقدان ورثة الشركات العائلية للثقة؛ ما يدفعهم إلى استخدام أنظمة المراسلة الفورية، أو الشبكات الاجتماعي لتجنب التردد الواضح في شخصياتهم؛ وفقاً للدراسة المذكورة سابقاً.

العزلة الاجتماعية

في الوقت الذي يسيطر على مندوبو المبيعات “غياب القلق الاجتماعي“، يعاني بعض ورثة الشركات العائلية والمسؤولين فيها من متلازمة هذا الاضطراب الذي يمنعهم من التواصل بحرية، والتعبير عن أنفسهم دون خوف.

تؤدي العزلة الاجتماعية على أرض الواقع، إلى اللجوء إلى التعامل الافتراضي، ويعتبر تطبيق “واتساب” مثالاً مهيمناً على أنظمة المراسلة الفورية. ونظراً لمعاناة ورثة الشركات العائلية من الوحدة والهجر، فإن الاستعانة بالشبكات الاجتماعية هي السبيل الوحيد للانخراط في التعاملات الفعلية، وتعزيز الحضور الاجتماعي بين الآخرين حتى إن كان افتراضياً، دون الحاجة إلى تبادل الصور أو الفيديوهات على سبيل المثال.

ووفقاً للدراسة الكويتية، فإن أكثر من 71% من ورثة الشركات العائلية يعانون من الوحدة بالفعل، إضافة إلى الشعور بالخجل، علماً أن 70% منهم غير ملتزمين بارتباطات اجتماعية، لذا قرروا قضاء أطول وقت على الإنترنت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. حيث أنه من الأسهل والأكثر راحة التواصل عبر الإنترنت من التواصل وجهاً لوجه. لذلك يمكننا القول إن الهجر كان سبباً في زيادة الضغوط النفسية على ورثة الشركات العائلية؛ ما منعهم من الاستمتاع بأوقاتهم، ودفعهم نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

إذن الأمر لا يعني أن جميع الشركات العائلية محكوم عليها بالفشل بمجرد أن يتدخل أحفاد المؤسس. حيث تعد كل من “وول مارت”، و”فورد”، و”إيكيا” أمثلة على الشركات العائلية التي تدحض هذه النظرية. وبالمقارنة مع الشركات العامة التي يملكها عدد كبير من المساهمين، فإن الشركات العائلية تزدهر في وقت الأزمات، وقد أثبتت جائحة “كوفيد-19” ذلك، لكن الضغوط النفسية تشكل عاملاً مهماً قد يؤثر في صنّاع القرار من ورثة الشركات العائلية ممن يحاولون الحفاظ على إرث الأسلاف بنجاح.

نُشر المقال استناداً على أبحاث من منصة ساهم

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .