هذا ليس ابتكاراً

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لنبدأ بالأمر الواضح، الابتكار هو الكلمة الطنانة، وهي كذلك منذ وقت طويل في الحقيقة، ونستطيع القول إننا جمعنا مجموعة كبيرة من المعجبين حول مصطلح الابتكار.

تقول “بورد أوف إنوفيشن” Board of Innovation، وهي شركة استشارات عالمية، إنها تقدر أن حوالي 70 ألف كتاب حول الابتكار تُباع حالياً. وإذا كنتَ تقرأ حوالي 20 صفحة في اليوم، فأنت تحتاج إلى 2,500 عام لتقرأ هذه الكتب كلها. أتبحث عن طريق مختصر؟ يُقدم لك البحث على محرك “جوجل” قرابة ملياري نتيجة، وهذه النتائج وحدها تقدم لك 4,858 مقالة رقمية و10,192 دراسة حالة.

وتتطابق هذه الصورة العامة للابتكار مع ما يمنحه له الرؤساء التنفيذيون من أولوية على جداول أعمالهم. عام 2019، قال 55% من قادة الشركات المشاركين في الاستبيان العالمي السنوي الثاني والعشرين للرؤساء التنفيذيين الذي تجريه شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” PWC “لسنا قادرين على الابتكار بفعالية”، ما أدى إلى وضع فجوة المهارات الكبيرة على رأس القائمة. في تقرير شركة “سي سويت تشالينج” (C-Suite Challenge) لعام 2020، الذي نشره موقع “كونفرانس بورد” (Conference Board)، أستُطلعت آراء 740 رئيساً تنفيذياً حول العالم، وكان “بناء ثقافة الابتكار” واحداً من أهم 3 مخاوف داخلية ملحة لديهم.

الابتكار محط اهتمامنا، سواء في قاعة الدراسة، أو غرفة الأخبار، أو قاعة مجلس الإدارة.
ولكن هناك مشكلة وحيدة: نحن نحب الابتكار، ولكن معظم موظفينا يكرهونه.

اكتشفتُ هذا السر القذر الصغير لأول مرة بعد أن تركت عملي الآمن كأستاذة في كلية الأعمال، لأنشئ شركة استشارات خاصة بي، كنتُ أستهدف من خلالها – كما توقعتَ أنتَ الآن – مساعدة الشركات على تعلم طرق للابتكار.

وها أنا ذا، مُسلحة بأحدث الأبحاث، ومهيأة بأفكار عن طرق أساعد فيها أول عملائي -وهي شركة تعدين عالمية- لتزيد مرونتها وابتكارها. ولكنني وجدت نفسي وسط منشأة معالجة في مواجهة مباشرة مع مدير خط إنتاج يسألني بخشونة: هل تتعاطون شيئاً في شركة “إكس كوم” (ExCom)؟

ومن وقتها، سمعتُ السؤال نفسه يُطرح بطرق مختلفة في مرحلة ما من كل مشروع عملتُ عليه. ومنذ عدة أسابيع مضت، في فعالية سنوية لحشد الابتكار، تُقيمها شركة سلع استهلاكية، قال لي أحدهم بصراحة شديدة “بالنسبة لكم، الابتكار هو الأمر كله، وبالنسبة لنا، ما هو إلا عمل إضافي بلا نتائج. أو الأسوأ من ذلك، هو خسارة وظائفنا”.

تشهد البيانات على هذه المخاوف، فقد أجرى فريق من “جامعة تورنتو” (University of Toronto)، استطلاعاً لآراء 1,000 من العاملين في مجال المعارف في أميركا وكندا (جميعهم موظفون ويحملون شهادات جامعية) من أجل تقييم مواقفهم تجاه الابتكار. إضافة إلى قياس “التحفيز على الابتكار”. تمعن العلماء في أشياء مثل “الجرأة” و”تقبل المجازفة” في الدولتين، ضمن 3 فئات عمرية (تحت 35، من 35 حتى 44، فوق 45 عاماً).

ورغم تنوع نسبة حافز الابتكار لدى المشاركين، ما بين 14% و28%، تجاوزت مجموعتان فقط من المجموعات التي تم قياسها نسبة 25%. وكان الاستعداد للمجازفة ذا دلالة أكبر، ففي أفضل الأحوال، تكون نسبة 19% من موظفي شركتك على استعداد للمجازفة، وتتراجع النسبة لدى بعض الفئات العمرية إلى 11%.

وهذه بيانات اثنتين من أكثر دول العالم ابتكاراً. إذاً، ما الذي يجب على بقيتنا فعله؟

إليك أحد الاقتراحات: كفّوا عن تسميته ابتكاراً

قضى عالِم الاقتصاد السلوكي الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان، أكثر من 6 عقود وهو يبحث في طرق صناعة القرار. وإلامَ توصّل؟ استنتج أن “عقل السحلية”، وهو الجزء البدائي من الدماغ المسؤول عن الخوف والقتال والطيران، هو المسؤول عن قراراتنا في أغلب الأحيان. ورغم أنك قد تستخدم كلمة “ابتكار” بمعنى “التطوير”، فإنها تُطلق أجراس الإنذار لدى الموظفين فيسمعونها “خطر، خطر!” وليس هناك وقت لمحاولة النظر إليها بطريقة إيجابية.

ولذا، بدلاً من إخافة الجميع بكلمة “ابتكار”، ماذا لو استخدمتَ كلمة تعبر عن الاستمرار والربح في سياق شركتك الخاص (القطاع والدولة).

خذ، على سبيل المثال، شركة “دانفوس” (Danfoss) العالمية للتصنيع، أطلقت على عملية الابتكار لديها في تفاعلاتها مع موظفيها الداخليين اسماً بسيطاً ومقبولاً، وهو “فكرة”. قد لا يعتقد الجميع أنهم قادرون على الابتكار، إلا أن الجميع تقريباً يملكون “فكرة” على الأقل. وكذلك الأمر بالنسبة لشركة “نوف إنسيوليشن” (Knauf Insulation)، الرائدة في مواد البناء، فهي تخصص “أياماً لإعادة الابتكار” في صميم عملياتها، وتعتمد على كلمة تفيد الاستمرار والسهولة. يختار آخرون كلمات أو عبارات معيّنة للتعبير عن جهودهم وبرامجهم ووظائفهم التي تركز على الفائدة النهائية التي سيجنيها الموظفون، مثل البساطة والصحة التنظيمية أو حتى الاستمرار في العمل التجاري.

هل هذه الطريقة ناجحة؟

ليس لدي بحث رسمي يُثبت فعالية هذه الاستراتيجية، ولكن يمكنني قول إنه في حين اعتادت شركة “دانفوس” قضاء ما بين 18 إلى 24 شهراً في الانتقال من مرحلة الفكرة الجديدة إلى مرحلة براءة الاختراع، أنتجت فعاليتها الأولى بعنوان “24 فكرة” (24Idea) براءة اختراع في غضون 100 يوم. كما أن شركة “نوف إنسيوليشن” تُبلي حسناً أيضاً، فقد تتمكن من الفوز بعقود للعمل على مشاريع متطورة، بما فيها بناء من 57 طابقاً، في 19 يوماً فقط، في الصين.

وشركة التعدين التي بدأتُ معها هذا كله؟ في الأعوام السبعة الماضية، أنشأت شركة “يوريجان ريسورسز غروب” Eurasian Resources Group، عمليات جديدة لاستخراج النحاس والكوبلت من النفايات المعاد تدويرها في الكونغو، دون مشاركة الأطفال في العمل. وتابعت لتشارك في رئاسة “التحالف الدولي للبطاريات” التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يوحد أكثر من 70 مؤسسة بما فيها شركات الصناعات الثقيلة مثل “بي إم دبليو” (BMW)، و”فولفو” (Volvo)، و”باسف” (BASF)، إضافة إلى مؤسسات حكومية ودولية مثل “اليونيسيف” (Unicef)، ويسعى التحالف لزعزعة مستقبل الطاقة الخضراء. ابتكار؟ نعم، ولكن في الشركات هو – ببساطة – جزء من الاستراتيجية.

قد تكون كلمة “ابتكار” ذات معنى بالنسبة لمساهميك الخارجيين، ولكن فيما يتعلق بإشراك موظفيك، فقد حان الوقت للكف عن استخدام هذه الكلمة. ومهما كان المصطلح الذي تختاره، فليكن متعلقاً بمن توجهه إليهم، وليس متعلقاً بك أنت أو قسم الموارد البشرية، ولا بالإعلان الكبير التالي في “دافوس” (Davos). وبهذه الطريقة، سوف يحظى الابتكار بفرصة للنجاح فعلاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .