ما الذي يريد جيل الألفية الحصول عليه في العمل؟

6 دقائق
ما يريد جيل الألفية الحصول عليه في العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عرض برنامج “ساتارداي نايت لايف” (Saturday Night Live) (أو برنامج ليلة السبت – مباشر) مشهداً يسخر من جيل الألفية. يبدأ المشهد بشابة تراسل مديرها سريعاً عبر هاتفها الآيفون وتطلب الحصول على ترقية. فيسألها المدير عن المدة التي أمضتها في العمل ضمن الشركة. تجيب “ثلاثة أيام”.

يفهم الجميع المقصود من المشهد. يرى التصور التقليدي أن جيل الألفية يحق له أن يكون سهل التشتيت وغير صبور ومستغرق بالتفكير وكسول ومن غير المرجح استمراره في أي وظيفة لفترة طويلة. ومن الناحية الإيجابية فهو جيل يرغب في القيام بعمل هادف ويهتم بالحصول على الملاحظات وبتحقيق التوازن في الحياة الشخصية. لكن ما الذي يردي جيل الألفية الحصول عليه في العمل؟ للإجابة عن هذا السؤال تسعى الشركات بشكل مهووس لفهم هذا الجيل أكثر.

الافتتان بجيل الألفية

لقد أدى هذا الافتتان بجيل الألفية إلى ظهور مجال استشاري جديد. تتنافس المئات من الشركات والمتحدثين والمؤلفين والخبراء المستقلين للحصول على سهم في قطاع “جيل الألفية جيل مختلف” ضمن سوق استشارات الموارد البشرية العالمي والذي يقدر بـ 150 مليار دولار سنوياً. تساهم مجموعة مذهلة من الكتب والندوات والمقالات، مثل “من رابطة العنق إلى الوشم” (Ties to Tattoos) و”هلا أخبرتني يا صديقي ما هي وظيفتي؟ إدارة جيل الألفية ضمن القوة العاملة اليوم” (Dude, What’s My Job? Managing Millennials in Today’s Workforce)، في تحويل الفوارق بين الأجيال إلى أصل من أصول الشركات. حتى أن هناك شركة استشارية متخصصة في مساعدة المستشارين في تجهيز رسالتهم للاستفادة من هذه السوق المربحة.

ومع أن الأعمال التي تصف جيل الألفية ومميزاته ببلاغة تُطرح باعتبارها أمراً بديهياً وتبدو أنها تصيب كبد الحقيقة، إلا أن القليل منها فقط مدعوم بأبحاث تجريبية قوية. وخلافاً لذلك، يشير عدد متزايد من الأدلة إلى تشابه الموظفين بجميع الأعمار في سلوكياتهم وقيمهم المتعلقة بالعمل أكثر من اختلافهم فيها. وإن كان هناك فجوات فهي لا تتعدى اعتبارها فوارق صغيرة وجدت عبر التاريخ بين الموظفين الأصغر والأكبر سناً ولا تتعلق كثيراً بجيل الألفية بحد ذاته.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها. حللت مجموعة من الباحثين من “جامعة جورج واشنطن” (George Washington University) ووزارة الدفاع أكثر من 20 دراسة منشورة وغير منشورة تبحث الفوارق بين الأجيال، حيث توصلت إلى أنه، وعلى الأرجح، لا توجد فوارق جوهرية بين الأجيال في مكان العمل. وتعزى الفوارق الصغيرة ربما إلى عوامل مثل المرحلة الحياتية أكثر من الجيل الذي ينتمي إليه الموظف. ويقول الباحثون: “قد تكون التدخلات المستهدفة المؤسسية والتي تعالج الفوارق بين الأجيال غير فاعلة”. وكما كتبت إليزابيث ريف في مجلة “ذي أتلانتيك” (The Atlantic) عام 2013، “الأشخاص المولودون بعد عام 1980 تحديداً ليسوا نرجسيين، بل الأشخاص بعمر الشباب عموماً نرجسيون ويتغلبون على كبريائهم مع تقدم العمر”.

يبدو أنه حتى الصور النمطية المقبولة على نطاق واسع حول جيل الألفية غير صحيحة. فقد أصدرت مؤسسة “آي بي إم إنستيتيوت فور بزنس فاليو” (BM’s Institute for Business Value) تقريراً بعنوان “خرافات ومبالغات وحقائق غير مريحة: الحقيقة حول جيل الألفية في مكان العمل” (Myths, Exaggerations and Uncomfortable Truths: The Real Story Behind Millennials in the Workplace). كما وجدت دراسة شملت 1,784 موظفاً من أجيال مختلفة يعملون في شركات تتوزع في 12 دولة و6 قطاعات مختلفة، أن نسبة 25% من جيل الألفية تقريباً ترغب في ترك أثر إيجابي في المؤسسة وهي مقاربة للنسبة من جيل إكس (21%) وجيل الطفرة (23%). وقد ظهرت بعض الفوارق ضمن الحد الأدنى بصورة موحدة عبر 9 متغيرات أخرى.

تظهر هذه النتائج أيضاً في دراسة وطنية أجريت عام 2015 بتكليف من قناة “سي إن بي سي” (CNBC). بدراسة أهمية ست صفات في صاحب العمل المحتمل، وهي الأخلاق والممارسات البيئية والتوازن بين الحياة العملية والشخصية والربحية والتنوع وسمعة توظيف أفضل الأشخاص. وجدت سي إن بي سي أن تفضيلات جيل الألفية مماثلة تقريباً لتفضيلات مجمل العينة لجميع الصفات. بل أفاد المشاركون من جيل الألفية، على عكس الصور النمطية صعبة الإرضاء، مزيداً من الرضا حول برامج التدريب وتطوير المهارات مقارنة بنسبة 76% من باقي العينة، إذ كانت نسبة 76% راضية بفرص الترقية، وهي تمثل زيادة بمقدار 10 نقاط مئوية عن باقي العينة.

جيل الألفية في مكان العمل

وعلى الرغم من أهمية الاطلاع على الاستقصاءات البحثية، إلا أنه من المهم أيضاً ملاحظة نتائج مشابهة في مؤسستك. في شركة “كيه بي إم جي” (KPMG) التي أعمل فيها، وهي إحدى شركات المحاسبة الأربع الأقوى عالمياً، يشكل جيل الألفية غالبية القوة العاملة لدينا والمؤلفة من 30 ألف شخص. وجدنا أيضاً عدم وجود فوارق بين جيل الألفية وغيره في الاستبانة السنوية لتقييم الموظفين. كما تراوحت تقييمات الأفضلية لجيل الألفية بين 5 نقاط أعلى أو أدنى من تقييم الآخرين في 70% من العناصر، وتساوت مع تقييمات زملائهم فوق سن الـ 35 أو زادت عنها في ثلثي العناصر، وهذا بدراسة 88 مقياساً يتعلق بالروح المعنوية والحياة العملية. واتضح أيضاً تطابق تقييم جيل الألفية في “كيه بي إم جي” تقريباً مع تقييم زملائهم الأكبر سناً وفقاً لجميع مقاييس الاندماج عموماً، مثل الاعتزاز بالمؤسسة والتفاؤل بمستقبل الشركة والثقة بالقيادة والاستعداد لتزكية شركة “كيه بي إم جي” إلى صديق.

بالإضافة إلى ذلك، عندما دعونا جميع الموظفين ليخبرونا عن طموحهم الأعلى المتعلق بالعمل ضمن مبادرة إلكترونية أطلقنا عليها اسم “تحدي الـ 10 آلاف قصة”، توقع العديد من قادتنا أن المبادرة ستروق لموظفي جيل الألفية “المتعطشين لتحقيق الأهداف” على الأغلب. ولكننا تلقينا أكثر من 40 ألف قصة من الموظفين، وقد كانت معدلات المشاركة متساوية تقريباً عبر مختلف الأجيال.

ومع أن معدل الدوران الوظيفي الطوعي كان أعلى ضمن عينة جيل الألفية، إلا أنه ليس بالأمر الجديد. إذ يرجح انتقال الموظفين تحت سن الـ 35 إلى فرص جديدة مقارنة بزملائهم الأكبر سناً عموماً، إلا أن هذا الاتجاه استمر عبر العقدين الماضيين على الأقل. أما الآن، من الأقل ترجيحاً أن يترك الموظفون حالياً ممن هم تحت سن الـ 35 الشركة التي يعملون فيها مقارنة بنظرائهم من الفئة العمرية ذاتها في الأعوام الماضية.

في الواقع، كتب “بن كاسيلمان” على موقع “فايف ثيرتي أيت.كوم” (FiveThirtyEight.com) “جيل الألفية المتنقل من وظيفة إلى أخرى هي مجرد خرافة. إذ يتضح باستمرار من خلال البيانات أن شباب اليوم فعلياً يغيرون وظائفهم بنسبة أقل من الأجيال السابقة”.

وفي ضوء كل هذه الأدلة، من المحتمل أن تكون جهود الشركات الساعية وراء استراتيجيات انخراط موظفي جيل الألفية مضيعة للوقت والتركيز والمال. سيكون من الأفضل بكثير تركيزهم على العوامل التي تؤدي إلى مشاركة جميع الموظفين والاستمرار في وظائفهم وتقديم أفضل أداء. إذاً، ما الذي يجعل هذه الخرافات حول جيل الألفية تستمر على الرغم من وجود مثل هذه الأدلة القاطعة؟

جزء من السبب هو انتشار “الأبحاث” الضعيفة أو الاستنتاجات المبالغة أو غير الدقيقة بناء على وقائع صحيحة. من أشد الأمثلة وضوحاً على هذه الأبحاث المغلوطة هي “دراسات” جيل الألفية التي تفتقر إلى المقارنة بأي مجموعات ضبط لموظفين آخرين أو فئة الشباب من أجيال أخرى. راجع توماس ريفز ويونزنج ووه (Eunjung Oh)، وهما باحثان في “جامعة جورجيا” (University of Georgia) عشرات الدراسات حول الفوارق بين الأجيال. واستنتجا أنه “يجب التعامل بحذر شديد مع التعميم الجسيم المبني على الاستقصاءات البحثية الضعيفة وتخمينات المستشارين الموجهين بالأرباح”.

كما أن الحديث عن الفوارق بين المجموعات والتغييرات في مكان العمل أكثر جذباً للانتباه من إعداد التقارير حول درجة التشابه بينها. في العالم الرقمي الذي لا يفرق دائماً بين الأبحاث عالية الجودة ومنخفضة الجودة، تحصل الدراسات ذات النتائج الاستفزازية على أكبر قدر من التفاعل، وهو ما يجعلها تبدو صحيحة. وبما أن معظمنا يفضل الاعتقاد بأننا وصلنا إلى قمة التفكير الحديث والمبتكر، نتجه للتحرك كالقطيع عندما يبدأ انتشار الأخبار التي تحمل تصورات تقليدية.

انخراط القوة العاملة في الشركات

وأخيراً، قد يشكل عزو التحديات المرتبطة بانخراط القوة العاملة إلى قوى الأجيال التي تتجاوز سيطرتنا كثيرا،ً أساساً منطقياً للمؤسسات لتجنب معالجة مشاكل اندماج القوة العاملة الأصعب مثل عبء العمل والتطور المهني وكفاية المكافآت المالية والعمل المجدي.

وجدتُ وإيرا كاي في بحثنا المعروض في كتابنا الذي صدر عام 2002، والذي يحمل عنوان “حافة رأس المال البشري” (The Human Capital Edge)، أن الموظفين من كلا الجنسين ومن مختلف الأجيال والأعراق يبحثون دائماً عن الشيء ذاته في العمل. تتكرر أربعة أسئلة أساسية أثناء اتخاذ الموظفين قراراً يتعلق بالانضمام إلى مؤسسة ما أو الاستمرار فيها أو تقديم أفضل أداء. ويبدو أن هذه الأسئلة تصمد أمام اختبار الزمن:

* هل تعد هذه مؤسسة ناجحة ويمكنني أن أفخر بانضمامي إليها؟ يرغب الموظفون بالشعور بالفخر بالمؤسسة التي يعملون فيها. ويريدون العمل في شركة ناجحة ذات أداء مرتفع ومع قادة يجمعون بين الكفاءة والنزاهة والرؤية.

* هل يمكنني رفع مستوى أدائي لأقصى درجة في هذه الوظيفة؟ يرغب جميع الموظفين تقريباً بإتقان أعمالهم، وهذا يعني العمل ضمن بيئة تستغل مهاراتهم إلى أقصى حد ممكن، وتوفر لهم الموارد والمعلومات والصلاحيات والتدريبات اللازمة لتقديم أفضل أداء.

* هل يُعامل الناس جيداً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية؟ يرغب الناس بالعمل في بيئة شاملة يشعرون فيها بالاحترام والتقدير والعدل. ويريدون أن تؤخذ آراؤهم بعين الاعتبار وأن يُعترف بمساهماتهم وأن يكافؤوا عليها مادياً ومعنوياً.

* هل العمل بحد ذاته مُرض وممتع؟ يرغب الجميع بالاستمتاع بالعمل الذي يقومون به ومع الأشخاص الذين يعملون معهم. ويرغبون أيضاً بالشعور أن العمل الذي يقومون به يومياً مجد وهادف.

إن الشركات التي توفر بيئة يجيب فيها الموظفون على هذه الأسئلة الأربعة بكلمة “نعم” مدوية، بغض النظر عن الجيل الذي ينتمون إليه، هي الشركات التي يرجح انتصارها في حرب المواهب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .