ازداد شيوع تعيين مسؤولَين تنفيذييَن مشاركين في دور قيادي واحد في الشركات، وغالباً على مستوى الأقسام والإدارات، وأحياناً على مستوى الرئيس التنفيذي، وتتفاوت نتائج هذه الممارسة عموماً بين النجاح والفشل، لكن يمكن أن نعزو فشلها إلى عدم التوافق بين القائدَين أو عدم تحضيرهما كما يجب. وفي حين أن التوافق والتحضير عاملان مهمان، فإن مجالس الإدارة والقادة غالباً ما يفترضون أن التحدي الرئيسي يكمن في إعداد ترتيبات القيادة المشتركة.
لقد عملت مع قادة في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة على مدى 20 عاماً، ومنهم العديد من القادة المشاركين في مناصب ومستويات مختلفة، واكتشفت أن التحضير الأولي وحده لا يكفي، إذ يتعين على القائدين المشاركين بذل جهد مستمر لضمان نجاح هذا الهيكل الفريد بمرور الوقت؛ وإذا نجحا فعلاً فسيتمكنان من خلق قيمة استثنائية للمؤسسة، ولكن إن لم يواصل القائدان المشاركان تركيز جهودهما لضمان نجاح القيادة المشتركة فغالباً ما ينجرفان إلى أسوأ أوجه تقاسم السلطة فتظهر النزاعات بينهما ويزداد ترددهما في اتخاذ القرارات، ما يقوّض أداء الشركة.
وأفضل طريقة لفهم أسباب فشل القيادة المشتركة بهذه الطريقة هي تحديد أخطاء الشركات في مواجهة هذا التحدي، وسبب عدم كفاية إنشاء هيكلية القيادة المشتركة وترتيباتها فحسب. فيما يلي 8 أخطاء أرى أن الشركات ترتكبها غالباً عندما تتبع نهج القيادة المشتركة:
تختار الشركات القائدين المشاركين لمعالجة مشكلة معينة في إدارة المواهب، وليس لتحقيق نتائج مستدامة
تقرر الشركات في كثير من الأحيان تعيين قادة مشاركين لأسباب غير مناسبة. فعلى المستويات الأدنى من المناصب التنفيذية العليا، قد تعيّن الشركات قادة مشاركين لتخطيط التعاقب الوظيفي، ما يسمح باختبار عدة مرشحين للدور من أصحاب الأداء العالي وتقييم أداء كل منهم؛ أو قد ترغب في الاحتفاظ بموظف متميز الأداء لا يطمح إلى تولي منصب إداري، فتضعه مع قائد مشارك يتولى المهام الإدارية الرئيسية. في حال تعيين قائد مبتدئ على المستوى الإداري نفسه، قد تجمعه الإدارة مع قائد أكثر خبرة لضمان اندماجه بصورة أفضل.
هذه كلها أسباب منطقية، لكنها تركز عملياً على احتياجات المؤسسة من المواهب بدلاً من العمل الفعلي الذي يجب إنجازه.
تستعين الشركات بنموذج القيادة المشتركة بهدف ضمني يتمثل في حل مشكلة مرتبطة بالمواهب، وهي التحوط ضد المخاطر؛ فاختيار قائدين مشاركين يقلل الاعتماد على شخص واحد. قد يكون لهذا الأسلوب فائدة استراتيجية، لكنه يركز أيضاً على فكرة أن القيادة المشتركة هي الأهم، وليس عملية التعاون الفعلي بين القائدين المشاركين.
لا يستمر القائدان المشاركان في تعزيز المصداقية بمرور الوقت
ينص الفكر السائد على أنه يجب على المؤسسة أن تحدد سلطة القائدين المشاركين والمبرر المنطقي لاتباع نهج القيادة المشتركة منذ بداية تعيينهما، مستندة إلى خبراتهما ومهاراتهما وكيفية تكاملها؛ لا مشكلة في ذلك، لكنه ليس كافياً.
خلال السنة الأولى من تعيين القائدين المشاركين، يجب على كل منهما ترسيخ مصداقيته في الدور الجديد داخل المؤسسة وخارجها، والتنسيق مع القائد المشارك الآخر. عملياً، يعني ذلك الاستمرار في توضيح دور كل قائد مشارك وطريقة عمله مع إدراك أن هذا الجانب سيتطور مع التغيرات التي ستطرأ على الشركة وظهور احتياجات قيادية غير متوقعة. يجب أن يفهم القائدان المشاركان مسؤوليات دوريهما وأن يكونا قادرين على توضيحها للآخرين وتبادل الدعم فيما بينهما. وبعيداً عن التواصل الرسمي، سيلاحظ الزملاء والمرؤوسون كيف يعمل القائدان المشاركان معاً وسينتبهون إلى تفاصيل صغيرة مثل مَن يتحدث أولاً أو مَن يستحوذ على وقت أكبر في أحداث الشركة المهمة. وهذا يزيد من أهمية التنسيق. من الطرق الرائعة لتسهيل هذه العملية أن يجري القائدان جولة مشتركة في الشركة لنقل رؤيتهما للنجاح إلى الفرق التي يشرفان عليها وإشراكها، إذ يمكنهما شرح ما يهدفان إليه وكيف سيعزز ذلك أداء المؤسسة.
كما أن تحقيق مكاسب سريعة مشتركة في الأشهر القليلة الأولى سيساعد أيضاً على تعزيز المصداقية. يمكن أن تكون هذه المكاسب خارجية مثل تعزيز العلاقة مع عميل رئيسي، أو داخلية مثل تعيين موظفين في أدوار قيادية رئيسية أو تغيير فريق القيادة بالكامل بسلاسة. كما أن تبسيط عملية صنع القرار بشأن قضية رئيسية يمكن أن يعزز المصداقية هنا أيضاً، حيث يُظهر فعالية القائدين المشاركين في تحسين طريقة عمل المؤسسة كي تتمكن من خلق القيمة.
يفشل القائدان المشاركان في تحديد أوجه التعاون
يحدث الخطأ التالي عندما يخطط القائدان المشاركان لعملهما، إذ يتبعان عادة استراتيجية "فرّق تسد"، فيختار كل منهما بعض المواضيع أو التحديات ويحدد بها مجال مسؤوليته. والقصد من ذلك هو الفصل بين المجالات المختلفة، وبذلك يكتسب كل قائد منهما نفوذاً أكبر لأنه يتولى عدداً أقل من المهام ويتمتع بالدعم الكامل من القائد الآخر في أي نزاع. لكن استراتيجية "فرّق تسد" هذه هي النتيجة لا الخطة؛ إذ غالباً ما يتقاسم القائدان المشاركان العمل وفقاً لتفضيلاتهما لا لاحتياجات العمل.
يجب على القائدين تحديد الفرص والتهديدات في كل مجال وتوزيع المسؤوليات وفقاً للقيمة المحتملة التي يمكن خلقها بدلاً من التركيز على تفضيلاتهما أو مجالات خبرة كل منهما، ويمكن بالفعل تقاسم بعض المجالات بأمان، لكن العمل المشترك في بعض المجالات الأخرى يمكن أن يحقق نتائج أفضل بكثير من العمل الفردي.
هذا ما حدث في شركة خدمات مالية تعاونتُ معها؛ إذ كان للرئيسين التنفيذيين المشاركين خبرات مختلفة في التعامل مع العملاء والمنتجات، ولكن بدلاً من تقاسم المجالات فيما بينهما بطريقة تقليدية تعاملا مع مسؤولياتهما والاستراتيجية الحالية بعقلية منفتحة، فاستمرا بتنفيذ الاستراتيجية العامة ودرس كل منهما الأعمال التي يديرها الآخر وحددا فرصاً جديدة لمشاركة أفضل الممارسات وتعزيز النمو. لقد أسهم انفتاحهما وعملهما التعاوني في تسهيل تنفيذ المشاريع الجديدة إلى حد كبير.
لا يخلق القائدان المشاركان الدرجة المناسبة من التوتر لتحفيز الإبداع
يتعلق الخطأ الرابع بالنزاع. غالباً ما يهتم القائدان المشاركان بتجنب الخلافات لدرجة أنهما يبتعدان عن الخوض في القضايا الحساسة، فينحصر اهتمام كل منهما في مجالات مسؤولياته الخاصة وآرائه الخاصة حول العمل، ويمكن لمجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي مفاقمة هذه المشكلة عندما يشددون على الحاجة إلى التعاون والانسجام. لا شك في ضرورة ألا يكشف القائدان المشاركان خلافاتهما علناً وأن يظهرا متحدين أمام الجميع، لكن درجة التوتر المناسبة لتحفيز الإبداع في المحادثات الثنائية والاجتماعات الاستثنائية يمكن أن تكون مفيدة جداً للشركة؛ فهذا النوع من الصراع المثمر يمنع الانجراف في التفكير الجماعي ويضمن عدم التغاضي عن أي مشكلة.
نادراً ما تتوافر حلول واضحة ومباشرة لكثير من قرارات العمل الرئيسية، ووجود قائدين مشاركين هو فرصة للاستفادة من مواطن قوتيهما ووجهات نظرهما المختلفة من أجل التعامل مع المواقف والتحديات التي تواجهها الشركة. على سبيل المثال، قد يركز أحد القائدين على وجهة النظر التحليلية (ما تظهره البيانات)، في المقابل يقدم الآخر منظوراً نوعياً (كيف سيتأثر الموظفون؟). من خلال تحدي كل منهما للآخر يعزز القائدان المشاركان أفكاراً متنوعة، ما يؤدي إلى تقليل المخاطر وتحفيز الابتكار في الشركة. قد تبدو النقاشات الصريحة والعميقة أو المثيرة للخلاف محفوفة بالمخاطر، لكن يمكن أن تؤدي إلى قرارات فعّالة تأخذ الآراء كلها بعين الاعتبار، ويمكن أن تكون الخلافات في الواقع ميزة للقائدين المشاركين مقارنة بالقيادة الأحادية التي تميل إلى خنق وجهات النظر المخالفة.
يختلف أسلوبا القائدين في المشاركة
مع مرور الوقت، قد يبدأ القائدان المشاركان إعطاء الأولوية لمصالحهما الشخصية على حساب الأهداف المشتركة، وما دام كل شريك يبذل جهداً مساوياً لجهد الآخر فلا أحد لا يرى أي مشكلة؛ لكن في كثير من الأحيان، يؤدي أحد القائدين الجزء الأكبر من العمل على الأولويات المشتركة ويستاء من الشريك لتركيزه على مبادراته المفضلة. وفي غياب التنسيق المستمر والتوافق مع رئيس مجلس الإدارة، تتشوش رؤية القائدين المشاركين لتوزيع المسؤوليات والأولويات بينهما، وإذا كان أحدهما يتمتع بكاريزما أكبر ويستحوذ على الأضواء، فقد يؤدي ذلك إلى تهميش القائد الآخر.
من المهم أن يعمل القائدان المشاركان باستمرار على تنسيق الوقت الذي يستثمره كل منهما في العمل ومواءمة جهودهما وأن يتفقا دائماً على تحديد مَن يستحق التقدير والاعتراف بجهوده علناً. ليس من الضروري أن يوضحا للآخرين كيفية التنسيق بينهما، ولكن يجب أن يطمئن كل منهما الآخر باستمرار بأن الأجزاء المهمة من العمل موزعة بطريقة عادلة بينهما.
يغفل القائدان المشاركان عن معالجة فجوات التواصل
يبالغ القائدان المشاركان في بعض الأحيان في تقدير أهمية السمات القيادية، مثل الحضور والهيبة ومهارات تقديم العروض والتحدث عموماً، هذه السمات مهمة بلا شك لكنها نادراً ما تؤثر في نجاح القيادة المشتركة.
بدلاً من ذلك، يجب أن يركز القائدان على تحسين كفاءة التواصل بينهما، فأحد العوامل المهمة في إظهار اتحاد القائدين هو التواصل المستمر بينهما، كل يومين على الأقل، ومن المفضل أن يكون تواصلهما غنياً بالمعلومات ومختصراً غالباً، ويمكن تسهيل هذا التواصل من خلال موظف تنسيق مشترك بينهما. تصبح مهارة الاستماع عاملاً حاسماً لمضاعفة الكفاءة، لأنها تساعد القائدين المشاركين على استخلاص جوهر الرسالة وتجاوز القضايا الثانوية، وهو جانب بالغ الأهمية لتحقيق التفاهم المشترك.
من المفيد أيضاً أن يطور القائدان المشاركان طقوساً واختصارات مفهومة على نطاق واسع داخل منظومة العمل. على سبيل المثال، إذا رد أحد القائدين المشاركين على استفسار ما فهل سيبلغ القائد المشارك الآخر، أم لا يزال على الأشخاص التواصل مع كليهما؟ تضيف القيادة المشتركة تعقيداً على الإجراءات، لذا يتعين على القائدين اتباع أنماط سلوكية تمنع هذا التعقيد من إرباك المؤسسة.
لقد تعاونت مع قادة مشاركين لتحسين مهارة الاستماع الفعال لديهم مستخدماً أساليب مثل إعادة صياغة ما قاله الآخر لتأكيد الفهم، وقد ساعدتهم هذه الممارسة على تقليل مدة الاجتماعات وتسريع عملية اتخاذ القرار. سمح الإصغاء الفعال للقادة المشاركين بالظهور متحدين وتجنب "المراجحة"، حيث يلجأ المرؤوسون إلى القائد المشارك الذي يعتقدون أنه من المرجح أن يوافق على النتيجة التي يريدونها، على غرار الطريقة التي يلجأ من خلالها الطفل لأحد والديه إذا لم يوافق الآخر على طلبه.
يهمل القائدان المشاركان مراجعة الخطط بانتظام لتحسينها
غالباً ما يتجنب القائدان المشاركان المحادثات الصريحة حول طرق إنجاز العمل، وبسبب الخوف من إثارة المشاكل يحرصان على إبقاء المحادثات قصيرة ومقتصرة على الأحداث الجارية دون التعمق في الديناميات بينهما أو الاهتمام بمناقشة طرق التعاون. المشكلة هي أن هذا النهج يزيد احتمال حدوث معظم الأخطاء المذكورة في هذا المقال.
الأسلوب الأفضل هو استراتيجية لاحظتها في أثناء العمل مع إحدى الشركات التي تعاملت معها، حيث يخصص القائدان المشاركان فيها نصف يوم كل 3 أشهر لتقييم طريقة عملهما. خلال هذه الجلسة، يعملان على مراجعة "قواعد المشاركة" الواضحة، وهي قائمة متجددة من مبادئ العمل التي يتبعانها للتقييم الذاتي ومراجعة أثرهما. يمكن للقادة المشاركين الذين يتمتعون بثقة كبيرة في أنفسهم مشاركة هذه القائمة مع المسؤولين التنفيذيين الآخرين للحصول على ملاحظاتهم، وعليهم التركيز ليس فقط على تحديد أهداف العمل، بل أيضاً على طريقة إنجازه.
يغفل القائدان المشاركان عن فرص النمو الشخصي التي يوفرها نموذج القيادة المشتركة
لا يولي مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي غالباً اهتماماً كافياً لكيفية استفادة كل قائد مشارك من هذه التجربة، ويفترضون أن المنصب بحد ذاته هو مكافأة، وأن على كل قائد مشارك أن يكون ممتناً لحصوله على هذه الفرصة. لكن ترتيبات القيادة المشتركة قد تكون صعبة على القائدين المعنيين، بغض النظر عن فعالية تنفيذها. لتجنب الاحتراق الوظيفي، يجب أن يكون لدى القائدين المشاركين حوافز واهتمامات شخصية في هذا النهج، لذلك من المفيد أن يجري رئيس مجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي مناقشات منفصلة مع كل قائد مشارك حول ما سيكسبه من هذه التجربة. وغالباً ما تكشف هذه النقاشات أن الشراكة في إدارة وحدة أو قسم ما يمكن أن تكون تجربة نمو وتطوير تعيد الحيوية لحياة القائد المهنية وتعزز أيضاً الشعور بالتكافل ضمن الشركة. إن القيادة الفردية هي تجربة منعزلة، والقيادة المشتركة على الرغم من صعوبتها يمكن أن تكون أكثر فائدة على الصعيد الشخصي.
لا يتسم كل شخص بالقدرة على القيادة المشتركة، ويتعين على مجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي التأكد من رغبة القائدين المقترحين في التشارك وقدرتهما على دعم أحدهما للآخر واستعدادهما لذلك. لا يقتصر هذا الأمر على المرحلة الأولى فقط؛ فعلى القائدين المشاركين الفعّالين الالتزام بعملية مستمرة تحول دون تقسيم العمل إلى مناطق نفوذ منفصلة تقوّض القيمة في الشركة. من خلال تجنب 8 أخطاء شائعة، يمكن للشركة إنشاء أنواع جديدة من القيمة لا يمكن تحقيقها بإدارة قائد واحد.