قبل تفشي جائحة كورونا، وأعني قبل تفشيها بكثير، اشتريت بدلة جميلة ذات لون رمادي داكن وبطانة حريرية ناعمة. اشتريتها خاصة لحضور مقابلات التوظيف.

كنتُ قد تخرجتُ للتو في برنامج ماجستير الفنون الجميلة، وكنتُ أعتقد أن الانطباعات الأولى ترتبط في المقام الأول بمظهرنا الخارجي. وهذا صحيح إلى حدٍّ ما. لكن في الغرفة التي تشهد مقابلة التوظيف يظل هذا المظهر الخارجي مسألة سطحية فقط. إذ يجب أن تتحدث بذكاء وإيجاز بطبيعة الحال، ويتعيّن عليك استعراض مهاراتك وخبراتك التي تؤهّلك لشغل الأدوار الوظيفية التي تتقدم لها. لكن بينما كنت أحدق إلى نفسي في المرآة مرتديةً بدلتي الجميلة، نسيتُ بسذاجة أن الانطباعات الأولى أعمق من ذلك بكثير.

إذ تهدف الانطباعات الأولى إلى إثارة الإعجاب. وعبارة “إثارة الإعجاب” لها أكثر من معنى، وإن كان أكثرها شيوعاً هو نيل إعجاب الآخرين أو اهتمامهم. لكن إثارة الإعجاب تعني أيضاً ترك بصمة أو ممارسة الكثير من الضغوط على شيء ما أو بذل الجهد من أجل توجيهه في اتجاه معيَّن، بحيث تترك عليه بصمة دائمة.

وإذا فكرتَ في الأمر، فستجد أن جائحة فيروس كورونا المستجد مارست علينا هذه الضغوط، وتركت بصمتها علينا التي تمثّلت في دفعنا إلى إعادة النظر فيما هو مهم في حياتنا، خاصة حياتنا العملية. لقد حَدَت ببعضنا إلى إدراك الحاجة إلى أكثر من مجرد تبديل الوظائف، بل خلقت فينا أيضاً رغبة جذرية في السعي لنيل المزيد من المرونة والمال والسعادة في وظائفنا.

وإذا كنتَ أحد هؤلاء الذين يبحثون عن فرصة عمل جديدة، فإنك تستعد على الأرجح لخوض مقابلة توظيف (أو بضع مقابلات).

وإليك ما يجب ألا تفعله:

  • تخصيص كل وقتك لمطالعة المعلومات الماسة بالشركة والدور الوظيفي المُرتَقَب، وحفظها عن ظهر قلب: التعرُّف قدر الإمكان على الشركة التي تجري فيها مقابلة توظيف أمرٌ ينمُّ عن الذكاء، لكن الجميع يفعل ذلك. ومن الطبيعي أن يعرف المُحاور كل شيء عن أعمال شركته بالفعل، ولكنه يبحث عما يمكنك إضافته.
  • السهر حتى وقت متأخر من الليل للتفكير في كيفية الرد على الأسئلة المتوقعة: هل تبحث في جوجل عن “نصائح لإجراء مقابلة توظيف ناجحة” وتقرأ أهم المقالات في هذا الخصوص؟ وهل تتمرّن على إيضاح “أعظم مواطن قوتك وضعفك؟”، ثم تتثاءب، وينتابك الشعور بالملل.
  • الاكتفاء بذكر الحقائق الواردة في سيرتك الذاتية: لن تستطيع إثارة إعجاب المُحاور دون استحضار السياق العام لكيفية الظهور. وسيبقى الانطباع المأخوذ عنك سطحياً، ما يترك المُحاور دون رد فعل عاطفي يجبره على إلقاء نظرة أعمق عليك.

يتوقف نجاح مقابلة التوظيف على قدرة المرشح لشغل الوظيفة على رواية قصة رائعة.

ونحن جميعاً على دراية بأسئلة مقابلات التوظيف الأكثر شيوعاً:

  • “هلا حدثتني عن نفسك؟”.
  • “ما أعظم مواطن قوتك وضعفك؟”.
  • “هلا شرحت لي تحدياً استطعت التغلُّب عليه؟”.

يمكنك الاستفادة من كل سؤال ظرفي يطرحه عليك المُحاور لنسج خيوط قصة رائعة. ويكمن مفتاح التميُّز في فهم كيفية رواية قصة صادقة عن نفسك بطريقة تترك بصمة دائمة، أي بطريقة تسمح لصاحب العمل المحتمل بأن يراك على حقيقتك. ولدينا جميعاً قصة تستحق أن تُروى. وسواء كنّا قد تغلبنا على عقبة ما أو تعلمنا من خلال ارتكابنا خطأً ما، فإن عملنا يجبرنا على الغوص في أعماق أنفسنا وإبراز أبطالنا الداخليين.

ولكن كيف ترسم هذه الصورة للمُحاورين في مقابلات التوظيف؟ بصفتي مدربة لتأليف الكتب ومتخصصة في مجال رواية قصص إدارة الأعمال، فإن وظيفتي هي مساعدة الآخرين على مشاركة قصصهم الصادقة (وقد مررتُ شخصياً بعدد لا بأس به من مقابلات التوظيف).

فما الذي تعلمتُه؟ تعلمتُ أن القصة الرائعة هي تلك التي تأخذ الجمهور في رحلة مشوقة، لها بداية واضحة ووسط ونهاية. فقد قوبلت النسخة “السابقة” منك بتحدٍّ أجبرك على التعلُّم والنمو وفعل شيء مختلف في النهاية (البداية). وقد اتخذتَ قراراً لم تكن لتتخذه من قبل (الوسط). كنتَ تحقق النجاح في بعض الأحيان. وكنتَ تبوء بالفشل في أحيان أخرى. وفي كلتا الحالتين كنتَ تخرج بدروس مستفادة. وقد نجوتَ من التحدي وخرجت من المعمعة أكثر قوة من ذي قبل (النهاية).

البداية: اختر قصة تركت بصمة دائمة عليك.

من المؤكَّد أننا جميعاً واجهنا تحديات في العمل. وتتمثّل مهمتك في تفكيك بعض هذه المواقف وتسجيله، وهو أمر نادراً ما يخصِّص له بعضنا جزءاً من وقتهم، ثم تدرّب على روايته بطريقة مشوّقة وصادقة.

ربما أنقذت الموقف بالكشف عن سلوك غير عادل عندما رأيته يحدث أمامك. أو ربما أنقذتَ حساب عميل بفكرة رائعة. أو ربما ساندتَ زميلك في العمل ودعمته خلال يوم صعب. أو ربما تكون قد فشلتَ في بعض المواقف، وخرجت منها بدروس مستفادة من أخطائك، وبالتالي أصبحت أكثر أقوى وأفضل أداءً نتيجة لذلك.

تذكّر أننا جميعاً بشر، وقد نعجز أحياناً عن إلحاق هزيمة نكراء بالوحش، ولكن هذا لا يعني أننا لسنا أبطالاً. وستساعدنا رواية قصصنا عن كلٍّ من النجاحات والإخفاقات على إظهار أنفسنا أمام المُحاورين كمرشحين نتمتع بالذكاء العاطفي والوعي الذاتي. ولكلٍّ منا أسلوبه الخاص، سواء كان مميَّزاً أو غير مميَّز، للنمو من خلال المواقف العصيبة.

ولكي تبدأ رواية قصتك، انتقِ أحد هذه المواقف، وابذل قصارى جهدك لاختيار موقف يرتبط بالسؤال المطروح.

على سبيل المثال، ضع نفسك مكان المُحاور. ولنفترض أنك طرحتَ عليّ السؤال التالي: هلا حدثتني عن موقف كان عليك فيه التغلب على تحدٍّ ما؟ ولنفترض أنني أجريتُ بحثي وتوصّلتُ من خلاله إلى أن “القدرة على التحمل” و”الذكاء العاطفي” من الصفات التي تقدّرها شركتك. وللإجابة عن سؤالك بطريقة مشوّقة، سأختار قصة تُظهِر هذه المهارات وسأبدأ بشرح العقبة التي واجهتُها وكان عليّ التغلب عليها:

تم تكليفي بتصوير مهرجان خلال الصيف الأول من عملي صحفية في إحدى الصحف المحلية. وللحقيقة فإنني لا أجيد التصوير، ولم يسبق لي أن التقطتُ الكثير من الصور خلال مسيرتي المهنية. لكنني كنت صحفية ميدانية بارعة، وقد أثبتُّ لرئيسة التحرير أنني أستطيع نسج خيوط قصة متماسكة من رحم حدث ضخم.

كان من المفترض أن تُنشَر أخبار المهرجان على الصفحة الأولى للصحيفة، ما يعني أننا بحاجة إلى التقاط صور عالية الجودة للمهرجان وتغطية أخباره بإتقان. كان هذا عملي.

ماذا عن التحدث مع الغرباء عن كل المرح الذي استمتعوا به؟ في غاية السهولة. وماذا عن التعامل مع كاميرا ذات جودة احترافية بها عدسات طويلة وثقيلة كانت تمثل لي مشكلة كبيرة، حتى إنها كانت تُمسَح بقماشة خاصة وتُحمَل في حقيبة خاصة؟ كان هذا أسوأ كوابيسي.

الوسط: اجعل المُحاور يعيش ذكريات قصتك بكل تفاصيلها.

يقول المثل: “لولا التفاصيل لغابت الحقائق”. وعندما تروي قصتك في أثناء مقابلة التوظيف، فإنك تخصُّ المُحاور ببعض التفاصيل السريّة حول حياتك وهويتك، ما يشير ضمناً إلى ثقتك فيه. وسيُقابل ثقتك تلك على الأرجح بمنحك ثقته بدلاً من إقدامه على اتخاذ سلسلة من الردود التي تدرَّب عليها مسبّقاً.

على سبيل المثال، لا تكتفِ بذكر فوزك بجائزة ما أو نجاحك في إنجاز مهمة صعبة، بل تحدّث عن هذه الإنجازات من خلال سياق القصة، مع إشراك المُحاور في كل تفاصيلها. حاول أن تطرح الأسئلة وتجيب عنها بنفسك: “بماذا ضحيتَ لنيل هذه الجائزة؟ كيف كان شعورك عندما واجهت هذه التحديات؟ مَنْ الذي وقف بجانبك وساندك؟ أم كان عليك أن تفعل ذلك بمفردك؟”.

ليس هذا سطراً في سيرتك الذاتية، ولكنه ذكرى كاملة. وسيتمكن المُحاورون عندئذ من رؤية كل جوانب شخصيتك وتحليل قدرتك على حل المشكلات والتعرُّف على قوة عزيمتك أو إقدامك على تحمُّل المخاطر أو قدرتك على التفكير الذاتي.

وبالرجوع إلى مثالنا السابق، سأركِّز على جذب المُحاور بشكل أعمق إلى أحداث قصتي من خلال شرح الإحباطات التي شعرتُ بها عندما تحقق أسوأ كوابيسي:

أود أن أشير هنا إلى أن تجربتي في التصوير الفوتوغرافي كانت بمثابة انتصار، وأنني كنت فخورة جداً بنفسي لتغلُّبي على التحدي. لكن عندما عدتُ إلى المنزل ووصَّلتُ الكاميرا بجهاز الكمبيوتر، لم أجد أي صورة. وقع قلبي بين قدميّ. لقد فقدتُ كل الصور!

بعد قيادة سيارتي في جميع أنحاء المدينة لساعات، واللف والدوران على متاجر الكاميرات الفاخرة ومعامل التصوير من كل حدب وصوب، لم أستطع إصلاح بطاقة الذاكرة. أدركتُ حينها أنني سأضطر إلى العودة إلى مديرتي والاعتراف لها بأنني قد خذلتها. شعرت بالخجل من نفسي، لكنني أدركت أيضاً أن واجبي يحتّم عليّ مواجهة خوفي وتحمل مسؤولية خطئي أياً كانت النتيجة.

النهاية: لا تكتفِ بادعاء البطولة، ولا تخجل من إظهار ضعفك الشخصي.

لا يتمثّل هدفك من رواية قصتك خلال مقابلة التوظيف في إظهار نفسك كشخص مدهش طوال الوقت. فآخر ما تريده أن تظهر كأبطال أفلام الكارتون أحادية الأبعاد. (وهذا ما يفعله على الأرجح كل المرشحين الآخرين للوظيفة).

وإذا كنت تريد أن تميّز نفسك وتترك انطباعاً حقيقياً، فأنت بحاجة إلى إظهار كل جوانب شخصيتك. وبالعودة إلى مثالنا الأصلي، يمكنك تحقيق هذه الغاية عن طريق الموازنة بين قصص نجاحك وقصة أو قصتين من قصص الفشل. شارك تجربة أدت فيها نواياك الحسنة إلى نتيجة سيئة لم تكن تريدها. وعندما تعترف بأخطائك، وتعترف بأنك فعلت شيئاً مخالفاً لما كنتَ تريده، وعندما تسمح بظهور مواطن ضعفك، فإنك ستظهر أمام المُحاور بطريقة مدهشة.

ولإنهاء قصتي، أود أن أسأل: “ما الذي عرفتُه عن نفسي ولم أكن أعرفه من قبل، وكيف يمكنني ربطه بما يبحث عنه مدير التعيينات؟”. أود أن أنهي حديثي بمشاركة موقف ينمُّ عن مواطن ضعفي الشخصي، وكيف تغلبتُ عليها، والدروس التي استفدتُها من هذا الموقف، مع تسليط الضوء على المهارات التي أعرف أنهم يريدون رؤيتها: “القدرة على التحمل” و”الذكاء العاطفي”.

عندما جئتُ إلى رئيسة التحرير وشرحتُ لها ما حدث، شعرتُ بالرعب، لكن ما أدهشني في واقع الأمر أنها لم تغضب مني. وأخبرتني بأنه لا بأس بما حدث، وأنه ليس من العيب أن يخطئ الإنسان، وأنها لو أرادت أن يكون كل شيء مثالياً، لاستأجرت روبوتاً.

أدرك أن هذه ليست السردية التقليدية التي قد تتوقعها حول التغلب على التحدي، لكنني جاهدتُ نفسي كثيراً في ذلك اليوم حتى أرغمها على قول الحقيقة، وما تعلمتُه من هذه التجربة يفوق ما تعلمتُه من أعظم إنجازاتي.

وقد أظهرت لي السماحة التي قابلتني بها رئيسة التحرير أن اللطف أقوى أثراً من العقاب، وأن الأبطال ليسوا دائماً أبطالاً خارقين، وأن الإنسان لن يعدم ارتكاب الأخطاء. لقد تعلمتُ أن إبداء جوانب الضعف البشري هو سيف الانتصار الحقيقي عند مواجهة التحديات. فقد نرتكب أخطاءً، لكن يمكننا دائماً تصحيح هذه الأخطاء عندما نتصدى للموقف ونخلع أقنعتنا الزائفة التي تخفي حقيقتنا. وعندما نتواضع أمام أنفسنا بما يكفي للتخلُّص من مخاوفنا أو إبراز مواطن ضعفنا ومشاركتها مع الآخرين، يمكننا في واقع الأمر أن نتعلم شيئاً جديداً.

لا تزال هذه التجربة تؤثر على طريقة عملي اليوم. إذ أحمل نفسي على التحلي بالصدق والشجاعة في كل محنة أواجهها، وأتعامل مع زملائي وأعضاء فريقي بهذه الروح السمحة. وأجد أن هذا يجعل الجميع أكثر قدرة على التحمُّل وأكثر انفتاحاً وأكثر قدرة على التكيُّف مع التحديات في المستقبل.

وحينما تُظهِر للمُحاور مصداقيتك في إبداء جوانب ضعفك البشري، فإن هذا سيشي له بأنك لن تحضر للعمل كل يوم متظاهراً بأن كل شيء على أحسن ما يكون (وهو ما سيكون واقعاً كاذباً ويخالف الحقيقة على المدى البعيد). وهذا يعني أن أي شخص يعمل معك لن يضطر إلى إظهار خلاف ما يُبطن أيضاً. وعندئذٍ ستتفاجأ بشعور المُحاور بالارتياح لأنه يتحدث إلى إنسان وليس إلى شخصية كارتونية مصطنعة. ومقابلة التوظيف الناجحة حدث لا يُنسَى. وإبداء جوانب الضعف البشري أمر لا يُنسَى أيضاً.

والآن، اسمحوا لي بأن أُبدي ضعفي البشري مجدداً.

ماذا عن البدلة التي اشتريتها لحضور مقابلة التوظيف؟ لم تسعفني مطلقاً في الحصول على وظيفة. لقد حضرتُ بها مقابلات التوظيف، لكنني لم أحضُر هويتي الحقيقية في واقع الأمر. فقد كنتُ خائفة إلى حد الرعب لدرجة أنني لم أستطع الكشف عن هويتي الحقيقية للطرف الآخر.

لكن مع الوقت أصبحتُ أكثر ارتياحاً للأمر. لقد تعلمتُ أن الكشف عن هويتك الحقيقية لا يقل أهمية عن ملاحظة كيفية تفاعل المُحاور مع جوانب ضعفك البشري. وإذا تخلّى كلٌ منكما عن الإعجاب بنفسه بعد التفاعل المشترك بينكما، فستكون لديك فرصة جيدة لتلقي عرض عمل كنتَ تنتظره على أحر من الجمر.

وإذا لم يستجب مدير التعيينات بطريقة لطيفة، وإذا تعامل مع الأمر بسطحية ورفض إلقاء نظرة أعمق على هويتك، فيمكنك التخلي عن هذه الفرصة موقناً أنك لن تشعر بالسعادة عند العمل في هذا المكان. وبدلاً من الحصول على هذه الوظيفة وإهدار شهور أو سنوات من عمرك في محاولة تحويل بيئة سيئة إلى أخرى ملائمة، يمكنك إعادة توجيه طاقتك نحو بيئة أكثر مثالية.