4 أساليب تساعدك في التغلب على الأزمات الشخصية ومواصلة التقدم المهني

6 دقائق
أزمة شخصية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من المحتمل وأنت في أوج ازدهارك المهني أن تواجه أزمة شخصية تهدد بقلب حياتك المهنية رأساً على عقب، إن حدث ذلك بالفعل، فأنت لست وحدك.

خذ مثلاً كوثر، قبل أن تصعد على متن الطائرة المتجهة من مدينة بوسطن إلى مدينة لندن لعقد اجتماع مع عميل مهم، تلقت اتصالاً من ابنتها ذات العشرة أعوام، ياسمين، ليس لتتمنى لها رحلة ميمونة بل لتستنجد بها بعد أن تملكتها نوبة هلع، وكانت تلك بداية رحلة استمرت 18 شهراً عانت فيها ياسمين قلقاً حاداً.

وكذلك رندة، وهي مديرة أولى ورائدة فكر في مجالها، تتذكر محادثتين خاضتهما في أسبوع واحد وكان لهما أثر مفصلي في حياتها؛ “إحداهما مع الوزير ووالديّ حول إجراءات حفل التأبين الوشيك لوالدتي التي ترقد على فراش الموت، والأخرى في اجتماع مع ابني وطبيبه النفسي لمناقشة طرق وضع خطة للتعامل معه عندما تتملكه الأفكار الانتحارية”.

خذ أدهم المسؤول التنفيذي في شركة عالمية مثالاً آخر؛ يقول: “إن كنت ناجحاً كما كنت في حياتي المهنية فستختار أوصافاً إيجابية لنفسك، ولن تستخدم عبارة ’مدمن على الكحول‘”، كان يشعر بأنه مهزوم أمام زوجته وطفليه للمرة الأولى في حياته.

هذه قصص مسؤولين تنفيذيين ناجحين من عملائي الذين أعمل على تدريبهم ممن واجهوا أزمات عائلية تهدد أداءهم في العمل، بعضهم عانى في مواجهة تحديات تراكمت على مدى أعوام بسبب خوفه من الاعتراف بالمشكلة وطلب المساعدة، والبعض الآخر كانت الدوامة التي تجرفه تزداد سرعة بسبب الزيارات الروتينية لعيادة الطبيب أو مكالمة هاتفية غير متوقعة. كان عليهم التغلب على الصدمة ومواجهة الحقائق المرة ومجابهة الخزي والمجازفة بالإضرار بحياتهم المهنية. تفاقمت هذه الموجات الغامرة من الأحداث المحفزة بفعل العواطف اللاحقة التي جعلتهم يدورون في حلقة مفرغة ثم رمت بهم إلى منطقة الوضوح حيث يتعين عليهم اتخاذ الخيارات والتحدث إلى زملائهم.

بعد إجراء مقابلات متعمقة مع عدد من عملائي ورؤية التحديات التي كشفها عملاء آخرون في محادثات جلسات التدريب، وبناء على خبرتي في التعامل مع الشدائد، نمت لدي قناعة بأن لكل شخص حالة فريدة يواجهها باستجابة فريدة. تبرز هذه القصص مجتمعة 4 أساليب فعالة يمكننا اتباعها من أجل التعامل مع كل من العمل والأزمة والعائلة وأنفسنا.

اعمل على إدارة تدفق المعلومات

ينطوي أحد أول الأساليب على طريقة التحدث عن ظروفنا إلى زملائنا ومقدار ما يمكننا الإفصاح عنه. إن كانت المشكلة علنية مثل وفاة أحد أفراد العائلة التي أعلنت في نشرة الأخبار، أو مرئية مثل الخضوع إلى علاج مكثف لمرض السرطان، فيجب علينا أن نكون أول من يخبر زملاءنا في العمل عن الأمر. قد نشعر بداية برغبة في إخفاء مشكلة تبدو لنا معيبة أو نعتبرها خاصة ببساطة، ولكن هذه التحديات شائعة في حياة البشر ويمكن أن يشكل الزملاء الذين يبدون مشاركة وجدانية دعماً هائلاً. كما يساعدنا أن نبادر بتقديم هذه المعلومات في ضمان دقتها.

بعض الأشخاص يحبون مناقشة بعض المشكلات، مثل الأمراض النفسية، علناً من أجل المساعدة على الحدّ من الوصمة التي ترافق هذه المعاناة الشديدة الانتشار، ولكن إن كان أحد أحبائنا هو من يعاني فعلينا أخذ خصوصيته في الاعتبار أيضاً، إضافة إلى أن الإفصاح عن مشكلة أحد أطفالنا قد يولد اعتقاداً لدى زملائنا بأنه لن يكون بالإمكان الاعتماد علينا بنفس القدر، وأننا سنكون مشتتين وغير قادرين على استثمار وقتنا في العمل. ويتعين علينا كذلك أن نتنبه إلى أن التحدث عن مشكلة قائمة مستمرة يختلف عن الإفصاح عن مشكلة واجهناها في الماضي وانتهت؛ من الممكن أن تولد المشاعر الأولية الآخذة بالتطور شعوراً بالإحراج من الآخرين الذين قد يلجؤون إلى معاملتنا بطريقة خاصة لم نطلبها، لذلك من الأفضل أن نشارك بعض الأمور الخاصة مع الزملاء المقربين الذين سيلاحظون التغيير في أدائنا وقد يكون من الضروري أن يفهموا مشكلتنا ويساعدونا على التعامل معها. كما أن المدراء لديهم اعتبارات أخرى؛ قالت رندة: “أظن أن المبالغة في المشاركة خطِرة، لا سيما بالنسبة للمدراء”، وبالنسبة للبعض قد يكون من المفيد عدم مشاركة الكثير من التفاصيل، مثل قول: “شكراً لسؤالك، سأخبرك المزيد لاحقاً”.

يمكنك اتباع توجيهات مماثلة في المنزل لتحديد ما ستفصح عنه؛ فالتواصل مع الأبناء يستحق تفكيراً خاصاً، عدا عن الاعتبارات الجلية مثل أعمارهم، يجب عليك أولاً أن تناقش الخيارات مع شريك حياتك وتبدأ بالقيم التي تتبنيانها كلاكما. علمنا بوفاة شقيق زوجي مساءً بعد نوم أولادنا، واتفقنا على أن أخبرهم بالأمر في صباح اليوم التالي. أردنا أن نتحدث إليهم بشفافية عما حدث وأن نفسح لهم المجال ليحزنوا على خسارتهم، ولأني أوصلت النبأ إليهم بنفسي لم يشعروا بضغط لمواساة والدهم قبل أن يتعاملوا مع مشاعرهم.

وضح ما تفضله وما تتوقعه

عندما نفصح عن الصعوبات التي نواجهها يجب أن نوضح ما نريده أو لا نريده من الآخرين. مثلاً: “أشعر بالارتباك وعدم القدرة على تقبل النصائح أو عروض المساعدة؛ أفضل ما يمكنكم فعله لأجلي هو الاستماع فحسب”. يجب أن توضح للجميع الأمور التي لا يمكن التفاوض عليها، مثل أوقات أخذ الأطفال من الروضة إن كنت مسؤولاً عنهم. كما يجب أن نحدد وسيلة التواصل المناسبة. عندما فُجعت لانا بانتحار أحد أحبائها أخبرت شخصين فقط في العمل، ثم أرسلت بعد ذلك رسالة إلكترونية لفريقها طلبت فيها من زملائها الاستمرار بمعاملتها كالعادة لأن مناقشة الأمر كانت مؤلمة جداً لها.

أخبرني الكثيرون بأن العمل ساعدهم على تجاوز تحديات صعبة عندما وضعوا حدوداً واضحة لمعالجة احتياجاتهم الفورية وصحتهم العاطفية. قالت رندة: “كان العمل فرصة للتحكم ببعض الأشياء في حين كنت أواجه كثيراً من الأشياء التي لا يمكنني التحكم بها. كان العمل يمثل الجانب القابل للإنجاز من الوضع”. إن كنت بحاجة إلى أخذ إجازة من العمل، سواء للاهتمام بشخص آخر أو الاهتمام بصحتك أنت، فاحرص على تقديم طلب واضح وستحصل على ما تطلبه على الأغلب. قالت لانا: “لم يناقشني أحد حين كنت بحاجة إلى إجازة لقضاء بعض الوقت مع عائلتي، وكان ذلك أهم ما أطلبه”.

احرص على الاهتمام بنفسك كل يوم

لا شك في أن تخصيص الوقت للعناية اليومية بالذات في أثناء الأزمة هو أمر لا يمكن التفاوض عليه، من الممكن أن نتفاوض على مدته ولكن ليس على طقوسه بحد ذاتها. يمكن تخفيض الوقت الذي نقضيه للعناية بأنفسنا ليصل إلى 10 دقائق يومياً إن استدعت الحاجة، ولكن إن واجهنا ظرفاً يولّد صدمة أكبر فمن الضروري تخصيص وقت أكبر. يقول أدهم: “عندما أحضر مناسبات مهمة حيث يتمثل جزء من عملي في الترفيه، تزداد أهمية العناية بنفسي؛ أخرج للركض كل صباح وأخصص ساعة في فترة بعد الظهيرة من كل يوم لأجلس وأفكر كي أتمكن من العودة إلى العمل بطاقة متجددة”. تشمل العناية بالذات العديد من الأنشطة، مثل التأمل وكتابة اليوميات والعزف على آلة الغيتار وممارسة التمارين الرياضية وما إلى ذلك. أما لانا فتقول إن عنايتها بنفسها تتمثل في: “تخصيص مساحة لممارسة التنفس الذهني كي تتمكن من رؤية نفسك فيما تفعله ورؤية طريقة فعلك له”. كما قال عميل آخر أصبح ملازماً للتمارين الرياضية مع حمل الأثقال بعد علاجه من السرطان: “يجب أن تكتسب قوة جسدية كي تكتسب قوة في العمل أيضاً”.

تساعدنا العناية بالذات على معرفة أنفسنا بصورة أفضل، فهي تتيح لنا إدراك العوامل المحفزة لتراجعنا وعلاماته وأن تغيير ما يدور في أذهاننا له قوة تحويلية. كما حث كثير ممن أجريت معهم مقابلات شخصية على طلب مساعدة أخصائي العلاج النفسي لأنفسهم ولأولادهم، وتحدثوا عن الأمر صراحة من أجل كسر النظرة النمطية التي تعتبره من المحظورات. في الحقيقة، الأفكار التي أطرحها في هذا المقال ليست بديلة عن الدعم الذي يقدمه طبيب الصحة النفسية، وأنا لست طبيبة نفسية، لذا أرجو أن تراجع طبيباً نفسياً إن كان التحدي الذي تواجهه يحتاج إلى رعاية أخصائي. أسهمت الرعاية الطبية المقدمة عن بعد في جعل الأمر أسهل من أي وقت مضى، حتى بالنسبة لأكثرنا انشغالاً.

التمس قوة الجماعة

قال الأشخاص الذين أخبروني بقصصهم إنه ما كان بإمكانهم تجاوز ما تجاوزوه بمفردهم. يقسّم الأزواج عادة العبء بينهم وفقاً لمكامن قوة كل منهم؛ قالت رندة: “كنت أقوم بعمل عاطفي كبير وكان زوجي يقوم بالعمل الجسدي”. عانت ابنة كوثر ذات العشرة أعوام، ياسمين، قلقاً حاداً، وبما أن كوثر تسافر كثيراً في رحلات دولية مختلفة، فقد حددت مواعيد جلسات العلاج لابنتها في أيام الجمعة كي تتمكن هي وزوجها إياد من مرافقتها، وفي الأسابيع التي لا تسافر فيها وتبقى في المنزل كانت تؤدي أهم مهام العمل في الصباح الباكر كي تتمكن من تخصيص وقتها في المساء لمرافقة ابنتها على العشاء وفي طقوس الخلود إلى النوم، وكان زوجها يسهر إلى وقت متأخر ليلاً لتنظيف المطبخ. بعد 3 أشهر قررت كوثر وزوجها أن تكمل ابنتهما دراستها في المنزل، وأخذ إياد إجازة من عمله كي يعمل على تدريسها.

واعتمد المدراء على فرقهم بدرجة أكبر، ما أدى إلى استفادة الطرفين. قال لي أحد عملائي كان يحمل على عاتقه دوراً موسعاً في المنزل: “كانت الاستمرارية لأجل الأولاد مبدأ توجيهياً، فاكتسب أفراد فريقي قدرات أكبر من ذي قبل، وأنا واثق من أن خروجي أنشأ فراغاً دفع أفراداً آخرين لشغله، حتى إني حصلت على ترقية”.

في حين يعتمد البعض على دائرة صغيرة من الأصدقاء القدامى الموثوقين، فمجموعة المقربين هذه تتقبلنا وتحررنا من الحاجة إلى الاختباء وتساعدنا على تحمل المسؤولية. كانت إحدى عميلاتي تخوض تجربة الطلاق وتعمل على تربية أبنائها بمفردها وتخضع للعلاج من الإدمان في آن معاً، تقول: “كانوا إما سيقبلونني وإما سيرفضونني، وكنت عازمة على تكريس نفسي بالكامل للأمر وليس جزءاً مني فحسب”. كما تناوب أصدقاء كوثر على دعم عائلتها في أثناء سفرها.

ماذا يحمل الجانب الآخر من الأزمة العائلية؟ ثمة صعوبات تمر وتنتهي، في حين يصبح بعضها جزءاً من الوضع الطبيعي الجديد، ويفضي بنا كثير منها إلى مكان أفضل بكثير من الذي كنا فيه. يقول أغلب عملائي الذين مروا بفترات عصيبة إنهم أصبحوا يتمتعون بصحة أفضل، وحصل بعضهم على ترقيات في العمل، ويؤمن الكثير منهم أن علاقاتهم بمن حولهم باتت أقوى من أي وقت مضى. وما إن يتحرروا من براثن هذه التحديات يسارعون للوفاء بالعطاء؛ فيبادرون بأفعال إحسان بسيطة أو يقدمون التوجيه والرعاية للآخرين أو يحضرون لأجل الآخرين ويستمعون لهم ببساطة ومن دون إطلاق الأحكام. تقول رندة: “كلما ازداد إدراكنا لفكرة أن الأشخاص الذين نعمل معهم مضطرون للتعامل مع هذه الأمور بين الفينة والأخرى، ازدادت قدرتنا على التعاطف وأصبح مكان العمل يعبق بالإنسانية بدرجة أكبر”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .