يتعين على الشركات سريعة النمو مكافحة الأعباء الزائدة

6 دقائق
مكافحة الأعباء الزائدة في العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو الأمر مروعاً عندما يكون عملك في مرحلة من الازدهار الشديد وتعمل باجتهاد أكثر من أي وقت مضى، لكن شعورك بالإرهاق في ازدياد مستمر. فماذا عن مكافحة الأعباء الزائدة في العمل؟

عندما يكون عملك ناجحاً، لكنك تشعر بالفشل. اعتدت أن تكون قادراً على تتبّع كل شيء باستخدام برنامج “إكسل” الذي صمّمه الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركتك بنفسه، والآن تقوم بتثبيت تطبيقات “إس أيه بي” (SAP) في مكانه، بدعم من قسم تكنولوجيا المعلومات بأكمله. كنت أنت والفريق المؤسّس تشعرون بأنكم أعضاءٌ في نفس المجموعة الصغيرة؛ وإذا بك تجد نفسك تعمل مع مستويات غير مألوفة من الموظفين المعيّنين من قِبل شركات لها ثقافة مختلفة عن ثقافتك. كنت تعرف عملاءك المهمين بأسمائهم. والآن صاروا مجرد أرقام على شرائح “الباوربوينت”. كل موظف كان يعرف تماماً ما الذي جعل مهمتك مميزة؛ الآن معظمهم لا يعرفون ذلك. خرجت الأمور عن السيطرة، ولا تعرف ماذا تفعل.

ما الذي يحدث؟

لقد بدأت تتحمل ما لا تطيق – بسبب الخلل الداخلي وفقدان قوة الدفع الخارجية الذي يصيب الشركات الناشئة سريعة النمو وهي تحاول توسيع نطاق أعمالها بسرعة. الحِمل الزائد هو أحد الأزمات الثلاث المتوقع حدوثها للشركات في أثناء نموها. كلّما زادت أعباء العمل، شعر الموظفون بالتوتر وقلّ التركيز على العميل. من المفيد تخيل صورة الشخص الذي يؤدي لعبة تدوير الصحون فوق العصي. لكي يقوم بإعداد المزيد والمزيد من الصحون للدوران (النمو)، لا بدّ له من إبقائها جميعاً في حالة حركة. تزداد الصعوبة شيئاً فشيئاً، خاصةً إذا لم يكن ذلك الشخص مستعداً لتحديات الموقف بما يكفي. بعد فترة وجيزة تبدأ العملية التي كانت ممتعة بإثارة القلق والتهديد (العبء الزائد): تبدأ الصحون في التمايل، ويتعيّن على اللاعب أن يهرول مسرعاً لإبقائها في وضع الحركة. لقد تغيرت مهمته. لم يعد يفكر في تقديم خدماته وإسعاد جمهوره (العملاء). إنه يحاول فقط إدارة الفوضى وتجنب الكارثة.

هناك الكثير من الدلائل على أنه وصل لمرحلة لا طاقة له بها. تبدأ الأشياء بالسقوط. ويحاول المرور من عنق الزجاجة. الأنظمة لا تتوسّع. يبدأ الموظفون الموهوبون، الذين زادت أعباؤهم إلى درجة الانهيار، الصراع فيما بينهم، بل ومغادرة الشركة. تندلع المشاكل داخل المؤسسة، ثم تنتقل إلى الخارج، ما يؤدي إلى تدنّي كفاءة الأداء في السوق وخذلان العملاء ونقص الأموال.

انظر مثلاً إلى شركة “نورويجان كروز لاين” (Norwegian Cruise Line) التي تأسست عام 1966، وسرعان ما أصبحت مبتكِرة في مجالها كأول شركة تقدّم رحلات بحرية ذهاباً وإياباً يمكن لأي شخص تقريباً تحمل تكاليفها. قادت الشركة هذا المجال سنوات عديدة، مسترشدةً بطموحات النمو القوية والمستثمرين الجادين. ولكنها أفلست بحلول التسعينيات من القرن الماضي: لم تكن قد طورت أنظمة مناسبة لتنفيذ استراتيجيتها للنمو داخلياً، وبالتالي تعطلت هذه الاستراتيجية في عشرات من نقاط التنفيذ على خط المواجهة — مع العملاء، وطواقم العمل، والموظفين على البر، والشركاء من وكلاء السفر. في عام 2000، ومع تدفق نقدي سلبي وصلت قيمته لأكثر من 100 مليون دولار، وافقت الشركة على أن تستحوذ عليها شركة “ستار كروزيز” (Star Cruises)، وهي شركة رائدة في مجال الرحلات البحرية في آسيا.

قامت شركة “نورويجان” بأول خطوة واعدة في ظل إدارتها الجديدة: بدأت في تقديم ما يُسمّى الرحلات البحرية الحرة “فري ستايل كروزينغ” (Freestyle Cruising) للضيوف، والتي توفر أماكن متعددة لتناول الطعام والترفيه في أوقات مرنة، مقارنةً بالنموذج الذي كان سائداً قبل ذلك حيث كانت الأماكن والأوقات محددة. كان المفهوم ثورياً، لكن التنفيذ صعب. على سبيل المثال، تم فصل المطابخ على سفن “نورويجان” عن مناطق تناول الطعام في المخطط الجديد، وهو ما دفع الركاب إلى الانتظار لفترة طويلة للحصول على الطعام. بدأ الضيوف يشعرون بالغضب، وكذلك شعر العمّال بالضيق وعدم الانتماء بسبب عدم رضا الضيوف والضغط المتوقع من تعميم ذلك المخطط الجديد. ومع ذلك، مضت الشركة بقوة في توسعها، حيث نمت فقط من أجل النمو – وبذلك كانت ترتكب نفس الخطأ الذي فعله الشخص الذي يدير الصحون على العصي.

عمّت الفوضى. في النهاية، وفي ظل شعور الشركة بعدم وجود خيار آخر، اعتمدت استراتيجية خفض التكلفة: خفّضت الأسعار في اللحظات الأخيرة. ولكن ذلك جعل الفوضى مركّبة. ففقدت الشركة ثقة موظفيها الأساسيين وفقدت التزام شركائها وكلاء السفر وولاء ركابها الذين اتجهوا بشكل متزايد إلى شركات الرحلات الأخرى.

لحسن الحظ، لم تكن هذه الإخفاقات نهاية الشركة. ذلك لأن مسألة الحمل الزائد هي أزمة يمكن التغلب عليها – تحت القيادة الصحيحة. وفي عام 2007، وصل القائد الصحيح: كيفن شيهان، المدير التنفيذي المخضرم، الذي يتمتع بخبرة في صناعات تأجير السيارات والترفيه.

قام شيهان بسرعة بتشخيص عِلة “نورويجان”. وأوضح الأمر قائلاً:

“كانت أكبر مشاكلنا داخلية، لا علاقة لها بمجال الصناعة. لقد كنا رواداً في “فري ستايل كروزينغ” لكننا قمنا بالتنفيذ على نحو سيئ، ما أدى إلى طوابير طويلة وركاب غير راضين. كانت أسعارنا موحدة، في حين كانت القيمة الحقيقية للكبائن متفاوتة بشدة، وكنا نحن بحاجة إلى نظام عائد متطور، مثلما حدث في مجال تأجير السيارات، للمطابقة بين الطلب والقيمة وتسعير الخدمات بشكل ديناميكي. شركاؤنا من وكلاء السفر أعربوا عن ضجرهم بسبب تخفيض الأسعار في اللحظة الأخيرة ولم يشعروا بأنهم شركاء حقيقيون. والأهم من ذلك، فقد موظفو الخطوط الأمامية لدينا الشعور بما يستحق الأهمية. هل كنا نخفض الأسعار؟ هل كنا من المبتكرين؟ هل ركزنا على العملاء؟ أم ماذا؟”.

كيفية التغلب على أعباء العمل

تصرّف شيهان بسرعة لمعالجة هذه المشاكل. خلال عامه الأول، غيّر أكثر من 80% من كبار المدراء التنفيذيين في الشركة، وبحث عن طرق لإعادة اكتشاف المهمة الأساسية للشركة، وبدأ عمل التحول من الخط الأمامي إلى الأعلى. في أثناء قيامه بذلك، اعتمد على ما نسميه عقلية المؤسس، وهو إطار ذهني ومجموعة من السلوكيات التي يجسدها عادة مؤسس جريء وطموح، ولكن يمكن لأي قائد تبنيها لمساعدة الشركات بشكل فعال في التغلب على تحديات العبء الزائد في طريقها إلى استدامة النمو. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي تبناها شيهان:

فتح خطوط التواصل

أحد الاختلالات المركزية التي ابتليت بها الشركة خلال تراجعها، هو أن العاملين على متن السفن لم يصدقوا أن العاملين على البر فهموا تحديات عملهم، والعكس صحيح. في أثناء التعامل مع الحمل الزائد، جعل كيفن شيهان ربط هذين الجانبين أولوية رئيسية. وللتأكد من أن كل شخص قد تعلم من الآخر، بدأ هو وفريقه دمج العاملين على متن السفن في العمليات والقرارات التي سبق معالجتها حصرياً في مكتب الشركة، ودعا الضباط من كل الأسطول إلى حضور رحلات استجمام قيادات الشركة. يمكن لكل شركة، وخاصة سريعة النمو، الاستفادة من هذا النوع من التغذية المتداخلة. في الواقع، لا يمكن مكافحة الأعباء الزائدة دون القيام بذلك.

تشجيع أبطال خط المواجهة ومكافأتهم

في أثناء مواجهتهم للعبء الزائد، غالباً ما يتفاعل المدراء بطرق تضع حواجز بينهم وبين الخط الأمامي. لتجنب هذه المشكلة، قدّم شيهان وفريقه برنامج بطل العطلة، الذي علّم الموظفين كيف يمكنهم تحسين إشراك الضيوف، والذي ساعد كذلك على تحديد أولئك الذين بذلوا قصارى جهدهم لجعل تجربة الركاب مميزة. منطق شيهان كان بسيطاً: لقد علم أن الشركة التي تكافح الأعباء الزائدة هي التي يحب موظفو الخطوط الأمامية فيها تفاصيل العمل ويشعرون بالحماس لحل مشكلات التخطيط على الفور، وبذلك يتهيأ لهم مناخ يساعد على النمو، والحفاظ على سرعة عملية اتخاذ القرار وسلاستها، والحفاظ على ولاء وإنتاجية الموظفين. والنتيجة ستكون منظمة تتمتع بالتصحيح الذاتي وقادرة على التعلم والتكيّف تلقائياً تقريباً.

تركيز الاهتمام على مبدأ التحسين المستمر

وضع فريق القيادة في الشركة نظام “كايزن” (kaizen)(التحسين المستمر) لجمع الأفكار من خط المواجهة حول كيفية تحسين العمليات في كامل المؤسسة وتبسيطها، وإنشاء منتديات نقاشية مكثفة وتقدير أفضل الأفكار. حتى إنهم طوّروا طريقة لإشراك الموظفين في تفاصيل تصميم السفن، وهو مثال قوي على تركيزهم الجديد على النمو الرأسي بدلاً من الأفقي. شجعت الشركة موظفيها على تبني عقلية المالك، وهو شعور قوي بالمسؤولية تجاه جميع موظفيهم وعملائهم ومنتجاتهم وقراراتهم. الفرق بين الموظفين الذين يعملون بعقلية المالك وغيرهم كالفرق بين الأمهات المخلصات والمربيات المضطربات.

تدوين أفضل الممارسات

طورت الشركة برنامجاً جديداً تم تسليمه من خلال أجهزة الآيباد وتولى تعريف المدخلات وجمعها حسب المعايير البلاتينية — أي أفضل الممارسات المتعلقة بالعمليات وكسب ولاء الركاب. أدرك شيهان الأهمية الحاسمة لهذه الخطوة. إذا أخذت الوقت الكافي لتدوين ممارساتك ومبادئك الأساسية، واستخدامها كبوصلة للمساعدة في رسم مسارك، فيمكنك مساعدة شركتك في الحفاظ على شعور قوي بالهدف واتساق متين في العمل في أثناء تعاملك مع الأعباء الزائدة.

وقد نجحت استراتيجية شيهان. في أوائل عام 2013، أصبحت الشركة عامة وصارت واحدة من أنجح الاكتتابات العامة لذلك العام، حيث أغلقت العام بنسبة 87% فوق سعر الاكتتاب العام الأولي. من عام 2008 إلى عام 2013، ارتفع هامش الأرباح قبل الفوائد، والضرائب، والاستهلاك، وإهلاك الدين (EBITDA) لمدة 20 ربعاً سنوياً متتالياً، من 5% إلى 25%. بشكل عام، نمت إيرادات الشركة بنسبة 50%، وأصبح صافي العائد ومتوسط ​​عمر الأسطول الآن هو الأفضل على الإطلاق في هذا المجال. واحتلت الشركة موقع الريادة مرة أخرى بعد أن نجت من أزمة الحِمل الزائد.

تُعدّ تلك الأزمة حول مكافحة الأعباء الزائدة في العمل مرهقة لأنها تحدث عندما يعمل الناس فعلاً بجد واجتهاد أكثر من أي وقت مضى، مع قدرة محدودة على التعامل مع المزيد من متطلبات العمل. إن بدأت ترى أعراض الحِمل الزائد في شركتك، فإن التحديات الأساسية تتمثل في إعادة تركيز الشركة على العملاء والموظفين في الخطوط الأمامية وإزالة الحواجز التي تحول دون اتخاذ القرارات. من خلال تبني عقلية المؤسس والتصرف بسرعة، يمكنك توجيه شركتك مرة أخرى إلى مسارها الصحيح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .