كيف تتصرف عندما تُعرضك وظيفتك لموقف يتنافى مع قيَمك وأخلاقك؟

7 دقائق
مصطلح الضرر الأخلاقي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدهشتنا ردود القراء على مقالتنا الأخيرة بعنوان “6 استراتيجيات للتأكد من أن أفعالك لا تضر بقيم موظفيك الأخلاقية“. أخبرنا الكثير منهم أنهم تمكنوا أخيراً من إيجاد كلمات تتيح لهم وصف تجاربهم المؤلمة المماثلة، وطلب آخرون نصائح خاصة حول كيفية التصرف في حال تعرضوا لضرر أخلاقي بالفعل.

باختصار، يُعرّف مصطلح الضرر الأخلاقي بأنه رد فعل للصدمة التي تحدث عند مشاهدة سلوكيات تتعارض مع المعتقدات الأخلاقية للفرد في المواقف الشديدة الخطورة في مكان العمل أو المشاركة فيها. وتتضمن الأحداث المضرة عادة تجاوزات من قبل الآخرين، كالمدراء أو زملاء العمل؛ والتجاوزات التي يرتكبها الأفراد أنفسهم؛ والخيانة. وسنتعمق في هذه المقالة في تعريف الضرر الأخلاقي وآثاره، ثم نقدم عدة استراتيجيات للتعامل معه.

سلسلة متواصلة من الأذى

من الجدير ملاحظة أن العديد من المواقف المزعجة في مكان العمل لا ترقى إلى مستوى الضرر الأخلاقي؛ إذ تمثّل المواقف المضرة من الناحية الأخلاقية مخاطر كبيرة وتنطوي على احتمال تعرّض الآخرين لأذى جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي، كالسماح للتنمر في مكان العمل بإلحاق الضرر بصحة الموظفين، والتلاعب بالزبائن الضعفاء لجعلهم يُنفقون مبالغ طائلة تعرّضهم لضائقة مالية، وحرمان المرضى من الرعاية الطبية المنقذة للحياة. ومن المهم تمييز الأحداث الأخلاقية (كالإجبار على الكذب) عن ردود الفعل الأخلاقية (كالشعور بالذنب)، كما هو الحال مع أي رد فعل للضغط.

وتشير الدراسات الحديثة حول المواءمة بين المصطلحات المختلفة المستخدمة لوصف ردود الفعل على الأحداث الأخلاقية إلى سلسلة متواصلة من الضرر الأخلاقي. ومن الطبيعي أن يؤدي تعقيد المواقف الأخلاقية وتنوعها إلى جعل أي عملية تصنيف غير كاملة. فمن المرجح أن تؤدي المواقف التي تنطوي على ارتكاب تجاوزات أخلاقية إلى الشعور بالخزي والذنب، في حين من المرجح أن يقود التعرض للخيانة إلى الشعور بالغضب أو الحزن. بالإضافة إلى ذلك، يوجد أيضاً اختلافات فردية في الحساسية إزاء الأحداث المؤلمة أخلاقياً، ويمكن تحديد تلك الاختلافات بالمعرفة والخبرة. ومع ذلك، إليكم ملخصاً مفيداً:

تُمثّل التحديات الأخلاقية حوادث منعزلة من تجاوزات منخفضة المخاطر نسبياً. على سبيل المثال، قد يُطلب من العمال استخدام مواد منخفضة الجودة في تطوير منتج ما (كاستخدام منتج غير عضوي عند نفاد المنتجات العضوية). وقد يطلبُ مدير ما من موظفه العمل حتى وقت متأخر، كاستثناء نادر. وقد يسفر ذلك عن “إحباط أخلاقي” مؤلم لكنه عابر، مع مستويات معتدلة من الغضب أو الشعور بالذنب.

وقد تؤدي الضغوط الأخلاقية إلى ضائقة أخلاقية أكبر تتضمن تجاوزات أكثر جوهرية ومنتظمة أحياناً، كإجبار مدير ما موظفيه على العمل حتى وقت متأخر عدة مرات كل شهر، أو إجراء أحد المتخصصين في الموارد البشرية استقصاءً لمعنويات الموظفين على الرغم من علمه أنه لن يجري استخدام النتائج أبداً، تماماً كجميع الاستقصاءات السابقة. وقد تلجأ إحدى عيادات طب الأسنان إلى بيع المرضى علاجات غير ضرورية لكنها غير ضارة. وقد تُسفر تلك التجاوزات عن مشاعر أخلاقية سلبية مزعجة قد تدوم طويلاً لكنها لا تتعارض مع الأداء اليومي. (ومع ذلك، تُعتبر التجربة المشار إليها باسم “الضائقة الأخلاقية” في بعض أبحاث التمريض شديدة للغاية، وقد تستوفي حتى معايير التصنيف ضمن مصطلح الضرر الأخلاقي).

وتُعتبر الأحداث المضرة الأشد جسامة. على سبيل المثال، يمكن للمسؤولين التنفيذيين الضغط على مدير ما للتلاعب بالموظفين الذين يشعرون بالاحتراق الوظيفي ومطالبتهم بالتخلي عن أيام عطلهم ورفاههم بشكل منتظم، في حين تواصل المؤسسة نشر إعلانات الوظائف الشاغرة لعدة أشهر عن عمد. وقد يُطلب من عامل في مجال الرعاية الصحية تقديم علاجات طبية يُحتمل أن تؤدي إلى مزيد من العلاجات على الرغم من توفر العلاج. وقد تؤدي مثل تلك المواقف إلى ضرر أخلاقي مؤلم للغاية تكون المشاعر الأخلاقية السلبية فيه شديدة ومتكررة بما يكفي لتقوّض أداء الموظف اليومي. وقد يشعر الموظف بخزي شديد يدفعه إلى عزل نفسه أو إيذائها أو إلى ترك وظيفته حاقداً. ويتشابه هذا المستوى من الإجهاد الناجم عن الضغوط الأخلاقية مع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ويتداخل معه جزئياً على الأقل.

استراتيجيات التعامل مع الضرر الأخلاقي

على الرغم من أن مسؤولية منع الضرر الأخلاقي تقع على عاتق صانعي القرار المؤسسي، غالباً ما يضطر الموظفون الأفراد إلى التعامل مع العواقب بأنفسهم. ونصيحتنا موجهة إلى أولئك الذين يجب عليهم الاعتناء بأنفسهم عندما يضعهم أصحاب العمل في مواقف تؤدي إلى ضرر أخلاقي. وإذا ما تأذى ضميرك بالفعل، ولو بسببك، فإليك بعض الأساليب التي تمكنك من السير في درب التعافي.

واجه الإنكار وأصغ إلى ألمك

قد يُغريك ألم الضرر الأخلاقي في التقليل من وطأته، وقد يكون الإنكار آلية مريحة للتكيف والصمود. لكن قد تقود غريزة النجاة مع الوقت إلى متلازمة تعاطف الضحية مع المجرم، بمعنى أننا نرتبط ببيئتنا المسيئة وننكر آثارها الضارة، ونقمع إشارات الألم مثل القلق والحزن والشعور بالذنب والشك بالنفس.

فإذا لاحظت أنك تبرر أخطاء غيرك بقولك: “ربما لم تكن تقصد ذلك” أو “لا بدّ من أنه يمر بأسبوع صعب مرة أخرى”، فاحذر. صحيح أن افتراض حسن النية أمر جيد، لكن لمرة أو مرتين. فإذا قاد نمط من السلوك إلى نتائج مدمرة للآخرين، فقد حان الوقت لتقر لنفسك أنك في طريق الأذى. قد يضع الإنكار بلسماً حول مركز قيمنا الأخلاقي لمنعه من الشعور بالخزي والغضب. لكن هذا الألم الأخلاقي يمثّل دليلاً قوياً ينبهنا إلى أن صحة ضمائرنا في خطر. وتُعتبر مواجهة الضرر الذي تسببنا فيه، والضرر الذي ساعدنا في إلحاقه، الخطوة الأولى نحو التعافي الأخلاقي.

مارس سلوكيات العناية بالروح كما تمارس العناية بالنفس

يوُصف الضرر الأخلاقي بأنه “جرح الروح”. ويتطلب شفاء الروح نوعاً خاصاً من الاهتمام. وعلى عكس العناية بالنفس التي غالباً ما ترتبط بتدليل النفس، لا يمكنك اتباع الأسلوب نفسه مع الروح.

بل تتمثّل إحدى أعظم حالات الإفصاح عن الألم العاطفي في إجراء محادثة صريحة وصادقة مع شخص مهني موثوق به. قد يساعدك المدرب أو المعالج أو غيره من المتخصصين المتدربين في مجال الصحة العقلية على التعامل مع ردود الفعل التي تلي الصدمات من خلال استكشاف الألم الذي تشعر به. لكن إذا كان الوصول إلى المساعدة المهنية أمراً صعباً، ففكر على الأقل في كتابة تقرير مفصل عن معاناتك في يوميات.

تحدثت إحدى المسؤولات التنفيذيات التي دربها أحد مؤلفي المقالة، رون، في أثناء إجازة تفرغها العلمية بشكل صريح عن مديرها المسيء والمعاملة القاسية التي عاملت بها فريقها بدورها. وأسفر مزيج مشاعرها الذي انطوى على الذنب والعار والاستياء والخوف من الفشل في بلوغ أهداف مسارها المهني عن شعورها بالشلل العاطفي وانعزالها عن الآخرين. وساعدناها بعد التحليل الدقيق لكل جانب من جوانب ألمها على وضع خطة لإعادة تقييم قيمها الشخصية، وتقديم تعويضات عن أولئك الذين ألحقت بهم الضرر، والتسامح مع نفسها ومديرها والثقافة التي ألحقت بها كثيراً من الأذى. لقد كانت عملية موجهة بأمان عززت شجاعتها في أن تكون صادقة مع نفسها. كما أنها أفصحت حتى عن السبب الرئيس الذي جعلها ضعيفة في مواجهة مثل تلك البيئة. إن التعافي ليس عملية سريعة، لكن إذا كنت ترغب في التخلص من بقايا الضرر الأخلاقي، فيجب عليك الالتزام بجعل العملية أولوية.

تجنب ردود الفعل الانتقامية والمستحقة

قد تجعلنا مرارة الأذى الأخلاقي نتوق إلى الانتقام. لكن كن على ثقة بأن إرضاء النفس المؤقت قصير الأجل. وأنك ستبقى تتنازل عن نفس القيم التي تعرضت للضرر في البداية بغض النظر عن مدى شعورك بأنك على حق. قد يكون بلوغك حد الانفجار والرد على شخص كان مسؤولاً عن إلحاق الضرر الأخلاقي بك خطِراً. وإذا كنت تقضي كثيراً من الوقت في تخيل العقوبات التي تعتقد أن الشخص الذي أساء لك أخلاقياً يستحقها، وفي مدى استيائك من سلوكياته المدمرة، فتلك علامة خطِرة على أنك تعزز سوء النية. وقد تتحول تلك النية السيئة إلى نوبة غضب أو أزمة عاطفية أو تدهور مفاجئ في صحتك العقلية.

ويُعد تعلم التنظيم الذاتي أمراً بالغ الأهمية للتخلص من السلوك الاندفاعي. وقد تكون ممارسات التنفس العميق مفيدة جداً في التقليل من حدة التوتر في مثل تلك اللحظات. كما قد يكون وجود صديق مقرب أو موجه أو مدرب للتواصل معه بشكل مفاجئ مفيداً أيضاً. على سبيل المثال، ابتكر أحد العملاء الذين عملت معه المؤلفة المشاركة في كتابة هذه المقالة، لودميلا، عبارة قصيرة ومريحة يكررها لنفسه في اللحظات التي يتصرف فيها مديره بقسوة أو بشكل غير عادل. وتضمنت تلك العبارة بعض قيمه الجوهرية المتمثلة في التعاطف واللطف، مذكرة إياه بالسلوكيات التي يجب عليه اتباعها عند التعامل مع الآخرين الذين لم يسيئوا إليه. باختصار، تساعدنا إعادة التواصل بقيمنا الجوهرية على الارتقاء في شخصياتنا وتجنبنا الانحدار إلى المستوى السيئ لأولئك الذين أساؤوا إلينا.

فكّر في أهمية التسامح

قد يكون اختيار التسامح وأسلوبه عندما تتعرض لضرر أخلاقي أمراً معقداً. وقد يتطلب ذلك منك الرجوع خطوة للوراء أولاً واستكشاف علاقتك بتلك القيمة التي غالباً ما يساء فهمها.

استرجع أولاً معنى التسامح؛ فالتسامح لا يعني استعادة الثقة. وليس من الضروري أن تكون على علاقة وثيقة مع الشخص أو النظام الذي تسامحه. بل يعني ببساطة أن تتخلى عن ألمك ورغبتك في الانتقام جراء الضرر الذي لحق بك. ويعني، كما يقول الدكتور مارك غولستون، “قبول الاعتذار الذي لن تتلقاه أبداً”. ويعني التخلص عن غضبك باعتباره مصدراً للتحفيز. وهو ليس حدثاً لمرة واحدة تقول فيه ببساطة، “سامحتك”. فالتسامح ليس عملية، بل هو عبارة عن مجموعة يومية من الخيارات العميقة لإشراك المشاعر التي تستحوذ على عقلك في الأوقات غير المناسبة وغير المتوقعة، ومن ثم إطلاقها. وتعني بعد ذلك التخلي عن التوقعات بأن الموظف أو المؤسسة سيبدون ندمهم على أفعالهم الخاطئة.

كن على يقين بأن التشبث بالألم والمحفزات السلبية التي يخلقها الألم داخلك مدمرة لصحتك العاطفية والجسدية، بما في ذلك زيادة احتمالية إصابتك باضطراب ما بعد الصدمة. فالتسامح صعب لكنه ضروري للتعافي الكامل من الضرر الأخلاقي. ويجد الكثيرون أن أصعب أنواع التسامح هو التسامح مع الذات.

تخلص من العار لتستعيد قيم مركزك الأخلاقي

يتمثّل أحد أكثر الاكتشافات إيلاماً عند التصدي للضرر الأخلاقي في الضرر الذي ألحقناه بأنفسنا. كان أحد المسؤولين التنفيذيين الذين دربهم رون مسؤولاً عن تطوير برمجيات المراقبة والرصد لإنتاجية الموظفين الذين يعملون من المنزل في أثناء الجائحة. لكنه اعترف بعد تقديم تقاريره إلى المدراء حول الموظفين الذين لم يكونوا متصلين بالإنترنت طوال عدد الساعات التي حددتها الشركة قائلاً:

شعرت بالسوء. كنت أتجسس على الموظفين الذين كانوا يجهدون أنفسهم في محاولة التوفيق بين جميع متطلبات حياتهم، أو يوهمون الآخرين بأنهم يعملون بينما لم يكونوا كذلك. كان يجب عليّ أن أرفض طلب مديري لإدراكي أنه سلوك خاطئ. لم يسبق أن خذلنا موظفونا قطّ وكنت أعرف أنهم لن يفعلوا ذلك حتى. لكن بمجرد أن اكتشفوا أنه يجري تعقبهم، أصبح الأمر برمته لعبة.

كان يشعر بالذنب بشدة لدرجة أن صحته تدهورت، وانتهى به الأمر إلى طلب إجازة مرضية. كانت الثقة قيمة مقدسة بالنسبة له، وشعر أنه انتهكها بشكل لا يمكن إصلاحه. وكان قادراً بمرور الوقت على الفصل بين مسؤوليته ومسؤوليات المؤسسة، وعلى تقبّل الأمور التي فعلها والأمور التي لم يفعلها من أجل التخلص من مشاعر الندم والعار. وأعاد تجديد قناعاته حول أهمية الثقة في مكان العمل. وانتهى به الأمر بترك المؤسسة في النهاية.

غيّر وضعك

لن تُشفى جراحنا في حال لم نغيّر الوضع الذي تعرضنا فيه للضرر. ولا يمكن لضمائرنا أن تتعافى في ظل تعرض قيمنا للانتهاك باستمرار. يمكننا أحياناً مواصلة تقديم أداء جيد حتى لو كانت مؤسساتنا بعيدة عن الكمال. ويمكننا في أحيان أخرى إجراء تعديلات بشكل فردي، أو حتى المساعدة في تغيير مؤسساتنا، كالمساعدة في وضع قوانين جديدة لمعالجة مشكلات العمل الإضافي أو قوانين المراقبة. لكن إن لم تتمكن من أداء عملك دون تعرض قيمك للانتهاك بشكل مستمر، فسيكون تغيير الوضع أو ترك العمل في المؤسسة حينها خطوة ضرورية.

قد يترك الضرر الأخلاقي آثاراً دائمة على نفسيتنا، لكن يجب علينا ألا ندعه يوهن عزيمتنا، بل يمكننا في الواقع أن نتجاوزه، كغيره من الصدمات والأذيات الأخرى. كما يمكننا تعزيز قدرتنا على التحمل بهدف تجاوز الضرر واستعادة مراكز قيمنا الأخلاقية. قد نتمكن أحياناً من تحسين بيئات عملنا خلال تلك الرحلة، وقد نضطر إلى تركها أحياناً أخرى. وفي كلتا الحالتين، إذا كنت تحمل عبء الضرر الأخلاقي على عاتقك، فلا تنتظر أن يزعزع ذلك العبء نظرتك عن الحياة وعن نفسك. بل تحلّ بالشجاعة لتواجه ما اختبرته وفعلته ولتستعيد القيم التي تعتز بها كثيراً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .