كيف يمكن لمروجي الرحلات التقليديين التأقلم مع رقمنة قطاع السياحة والسفر؟

4 دقائق
التسويق للفنادق على الأنترنت
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعرف قطاع السياحة والسفر، والذي يعتبر إحدى أعمدة الاقتصاد العالمي، برقم معاملات أدنى بقليل من 7 تريليون دولار، موجة كاسحة من الرقمنة واعتماد الإنترنت في المعاملات السياحية. وأثرت الرقمنة على كل الخدمات المرتبطة بالسفر، من نقل وإقامة وطعام وإرشاد وترفيه وزيارات وغيرها، كما طغت على جميع مراحله من الترويج والتسويق إلى الحجز والأداء. وهكذا أصبح من الممكن التسويق للفنادق على الأنترنت واستخدام الإنترنت لحجز رحلة طيران، وإقامة الفندق، وسيارة للتنقل داخل الوجهة السياحية، وزيارات في المكان وكذلك السهرات في المطاعم، من دون الحاجة لوكيل السفر، ودون شراء عروضات وكلاء الرحلات.

وهذا يعني أنّ النموذج الكلاسيكي لوكيل السفر أو صاحب مكتب الرحلات يبدو مقبلاً على الاندثار على المدى البعيد، بحيث لن يعود المحتكر الوحيد لأسعار وعروض الرحلات والحجوزات.

اقرأ أيضاً: الشيخوخة والأتمتة: تحديان متلازمان تواجههما دول مجلس التعاون الخليجي

كان نموذج تنظيم الرحلات الكلاسيكي يعتمد على أربعة مبادئ  فقدت أهميتها  الآن: أولاً، كان المروّج هو الجهة الوحيدة التي يتعرّف من خلالها الزبون على وجهة سياحية معينة. هذا الأمر لم يعد موجوداً لأن العالم كله صار في متناول أي شخص يحمل هاتفاً ذكياً في كل أنحاء المعمورة. ثانياً، المروّج يقدم أسعاراً تنافسية مقارنة مع اللاعبين الآخرين سواء كانوا وكالات سفر أو فنادق أو شركات للنقل السياحي، وذلك لأنه يقوم بحجوزات مكثفة من حيث العدد وعلى المدى الطويل، ويفرض على أصحاب الفنادق وشركات الطيران ووكالات السفر  المحلية وغيرها تخفيض أسعارها، هذا الأمر تغيّر الآن لأن العروض على مستوى الإنترنت أصبحت أكثر تنافسية وفي متناول شرائح عديدة من المسافرين. ثالثاَ، مكتب الرحلات كان يتحكم في كل تفاصيل الرحلة، لكن هذا أصبح اليوم خارج سيطرته مع ظهور شركات الطيران المنخفضة التكلفة والمستقلة عن مروّجي الرحلات وشركات الترويج للفنادق على الإنترنت، والتي تعمل مباشرة مع أصحاب الفنادق وغيرها من الخدمات التي استقلت عن سيطرة مكاتب الرحلات وصارت تعمل مباشرة مع العملاء (شركات كانوا أو أشخاص عاديين). 

التسويق للفنادق على الأنترنت

أثّر ظهور الشركات التي تعتمد على برامج معلوماتية وقاعدة بيانات وتقدم عروضاً لحجوزات الفنادق ورحلات الطيران مثل إكسبيديا وأوبودو وبوكينغ دوت كوم، على نظام شركات الرحلات التقليدي، بالإضافة إلى ظهور شركات تقدم عروضاً مغرية للإقامة على الإنترنت لمنازل مفروشة ومناسبة الثمن مثل إير بي إن بي، وهو ما يشكل خطراً حتى على الفنادق نفسها التي فقدت جزءاً من عملائها، وشركات ثالثة تقدم خدمات النقل بجودة وأثمان منافسة مثل أوبر، وشركات طيران منخفضة التكلفة تقوم بمئات الرحلات يومياً بين الأسواق الأوروبية والوجهات السياحية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وجنوب وغرب أوروبا مثل راين إير (Ryanair) وغيرها، وأشخاص يعملون في هذا القطاع، ولكن بشكل محدود، وهم ينظمون رحلات صغيرة، يتولون تقديم جزءاً من خدماتها، تاركين للعميل القدرة على إتمام الحجز عبر الإنترنت وهو ما يسمى بـ”الحجز الديناميكي”.

كل هذه التحولات اعتمدت أساساً على الرقمنة في الترويج والتسويق والحجز والتتبع واستقصاء آراء العميل حول السفر، ما يؤدي إلى الرفع من الجودة والتنافس في من يقدم أحسن الخدمات للعميل. هذا يعني أنّ النموذج الرقمي الصاعد لا يعطي فقط للعميل اختيارات أكثر وثمناً أفضل، إنما منتجاً يملك جودة أعلى لأن رأي العميل يؤخذ بعين الاعتبار ويتم التجاوب معه.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر الأتمتة عمل البشر؟

ما الذي على شركات الرحلات القيام به لمواجهة القوة الضاربة للشركات المعتمدة على البرامج المعلوماتية وقواعد المعطيات؟ كيف لها أن تتأقلم مع هذه الثورة المدوية في عالم السفر والرحلات ؟ أولاً، على الشركات العملاقة أن تعيد النظر في النموذج الاقتصادي الذي اعتمدت عليه حتى الآن وأن تعتمد نموذجاً أكثر مرونة، لا يتحكم في الخدمات المتعلقة بالسفر، إنما يقوم بدراسة الوجهات والأسواق ويلائم ذلك مع ميول واختيارات العميل. ثانياً، عليها أن تدخل العالم الرقمي من بابه الواسع وتضع نقاطاً افتراضية للبيع وبلغات الأسواق التي تعمل فيها، وتضع عروضاً تنافسية مغرية. ثالثاً، يجب على شركات السفر ترك الحرية للعميل لاختيار جزء صغير أو كبير من الرحلة بنفسه، عليها أن تقدم له عروضاً ديناميكية ملائمة حسب اختياراته وميوله. رابعاً، على شركات السفر استعمال وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل الدائم مع العميل وكسب ثقته. 

تعرف الدول العربية تطوراً مهماً في صناعة خدمات السياحة والسفر، وهي في نفس الوقت أسواق نوعية مهمة وكذلك وجهات سياحية مفضلة. في بعض البلدان مثل الإمارات والمغرب وتونس ومصر وعمان ولبنان والأردن والسعودية تشكل هذه الخدمات إحدى أعمدة الاقتصاد الوطني. وشركات السياحة تتأثر يومياً بهذه التحولات العميقة التي يشهدها هذا القطاع. لهذا فمطلوب منها كذلك تقديم منتج ديناميكي مرقمن وبثمن معقول للاستجابة لتطلعات العميل والبحث عن نقاط التميز: فالسائح العربي يحبذ السفر العائلي والترفيه والتبضع، لهذا يجب تقديم خدمة وعروض تتناسب وتطلعاته، والسائح الأجنبي يبحث عن الشمس والبحر واكتشاف ثقافة غريبة والترفيه في جو من الأمن والاطمئنان، لهذا وجب تقديم عروض تعطيه الحرية في الاختيار واستعمال الثقافة والثقة والتواصل الدائم عبر وسائل التواصل لطمأنته وتلبية رغباته. 

اقرأ أيضاً: حاول تحسين عمليات شركتك قبل أن تبدأ في الأتمتة

من جانب آخر، على الشركات السياحية العربية، وبمساعدة من الهيئات الحكومية المختصة، أن تنتهج سياسة ذكية في ما يخص الترويج والإشهار معتمدة على الإنترنت أساساً، ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا الإطار، على الهيئات الحكومية المسؤولة أن تنتهج سياسة رقمية ذكية تعتمد على خلق مجموعات الدعم والتواصل على الفيسبوك والتويتر واليوتوب والإنستغرام والسنابتشات واللينكدإن وتدبر النقاشات الدائرة حول وجهة معينة معتمدة على العملاء والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، وتزويد شركات السياحة بالمعلومات لتحسين المنتج والتجاوب مع العملاء والترويج والتسويق المركز حول تطلعاتهم واختياراتهم. 

كذلك، على الهيئات المختصة وشركات السياحة والسفر العربية أن تنتهج مقاربة انتقائية وتركز على الأسواق التي مازالت تعتمد نموذج ترويج الرحلات مثل السوق الألمانية والإنجليزية والروسية والاسكندنافية وأسواق أوروبا الشرقية والصين، وأن تتوخى الدمج بين المقاربة الرقمية والحضور الفعلي في معارض الأسواق التي تعرف نوعاً من التجزئة والتشرذم في اختيارات العملاء، مثل الأسواق الأميركية والفرنسية والإيطالية والبلجيكية والهولندية والخليجية والإفريقية والأميركية اللاتينية. 

أخيراً، هناك عملاء يريدون أن يتكلموا ويتعاملوا مع وجه إنسان وليس مع آلة على الجانب الآخر من العملية التجارية، ويحبذون أن يسافروا داخل مجموعات وعلى طريقة مؤسسة معروفة مسبقاً في كل أجزائها، وهؤلاء هم عملاء شركات السفر الكلاسيكية، ولكن عددهم سيتضاءل يوماً بعد يوم مع صعود الأجيال الشابة المتمرنة على التعامل الرقمي والمغامرة وذات الميول الفردية.

لهذا، لا مفر من الرقمنة، فيجب التكيف مع التحولات التي يشهدها هذا القطاع حالياً وسيشهدها بشكل أكبر مستقبلاً. الرقمنة مشكلة بالنسبة إلى الشركات التقليدية، ولكنها فرصة في ذات الوقت: للوصول إلى أكبر عدد من العملاء والتمكن من التسويق للفنادق على الأنترنت بطريقة أكثر فعالية وللاستعمال الذكي للموارد وللطرق والسبل المتاحة من طرف التكنولوجيا الحديثة. 

اقرأ أيضاً: الأتمتة ليست كابوساً.. الإمارات نموذجاً

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .