ما الدروس التي يمكن أن تستفيدها مجالس إدارة الشركات من أخطاء “بوينغ”؟

7 دقائق
مجالس إدارة الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتصدى أعضاء مجالس إدارة الشركات لمهمة في غاية الصعوبة. فهم يقضون في المتوسط ما بين 250 إلى 350 ساعة سنوياً في تقديم المشورة للشركات، وعليهم أن يفهموا خفايا القضايا التي تتعامل معها الجهات الإدارية في شركاتهم، بالإضافة إلى فهم خبايا القطاعات التي تعمل فيها والسياق العالمي لبيئة العمل. وعندما يفشلون في النهوض بهذه الواجبات على النحو المطلوب، فقد تترتب على فشلهم هذا عواقب وخيمة تشمل استثارة موجة عارمة من الغضب بين الجمهور، كما لاحظنا في دعوى المساهمين ضد شركة “بوينغ”. ويستعرض مؤلفا المقالة أهم 5 دروس يمكن أن تستفيدها الشركات وأعضاء مجالس الإدارة من هذه القضية: 1) مراعاة معياريّ الكفاءة والموضوعية عند تعيين أعضاء مجلس الإدارة، 2) التأكد من وجود حالة من التناغم بين هيكل مجلس الإدارة واحتياجات القطاع الذي تعمل فيه الشركة، 3) الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، 4) ضمان الصدق والواقعية في إدارة الشركة، 5) تطبيق منهج تحمّل المسؤولية والمعاقبة على المخالفات.

رفع مساهمو شركة “بوينغ” في فبراير/شباط دعوى قضائية ضد مجلس إدارة الشركة. وكانت دعواهم ترتكز على إهمال مجلس الإدارة في أداء واجبه الرقابي وفشله في وضع إدارة الشركة أمام مسؤوليتها تجاه ضمان سلامة الركاب قبل وبعد حادثي تحطم طائرتين من طراز “737 ماكس” أسفرا عن مقتل 346 شخصاً في عامي 2018 و2019. ونصّت صحيفة الدعوى المؤلفة من 120 صفحة على أن “السلامة لم تعد مطروحة على طاولة النقاش في مجلس الإدارة، وأن “بوينغ” تفتقر إلى الآليات الداخلية لتصعيد مخاوف السلامة المتعلقة بالطائرة “737 ماكس” إلى مجلس الإدارة أو إلى أي من اللجان التابعة لمجلس الإدارة”.

كانت استراتيجية “بوينغ” لتقليل تكاليف التدريب من أجل الحفاظ على خفض التكلفة الإجمالية لطائراتها مبنية على التوقعات المفتقرة للواقعية بأن الطيارين قادرون على تصحيح أعطال “نظام تعزيز خصائص المناورة” (MCAS) بنسبة 100% خلال 4 ثوان. كانت تكلفة هذه الاستراتيجية عدة مئات من الأرواح، بالإضافة إلى خسائر بمليارات الدولارات والإضرار بسمعة الشركة التي لا تزال “بوينغ” تحاول تحسينها، وغير ذلك الكثير. ويدعي المساهمون الذين يقاضون “بوينغ” أن مجلس الإدارة كان بإمكانه منع تلك الكوارث. ونعتقد أن هناك الكثير من الدروس المستفادة الأخرى التي يمكن أن تتعلمها مجالس الإدارة من دعوى المساهمين ضد “بوينغ”.

يُقال إن مجالس الإدارة مؤتمنة، ما يعني أن واجبها يُملي عليها حماية مصالح الآخرين، وهو ما يتم تعريفه على وجه العموم بأن مجالس الإدارة منوطة بواجب الرعاية وواجب الولاء، ويضيف إليهما بعض فقهاء القانون واجب المكاشفة. وقد أشار مؤلفا كتاب “العودة إلى مرحلة التخطيط الأولى” (Back to the Drawing Board)، كولين كارتر وجاي لورش، الأستاذ في “كلية هارفارد للأعمال”، إلى أن مسؤوليات مجالس الإدارة تشمل كلاً مما يلي: اعتماد استراتيجية الشركة وميزانياتها وخططها ومراقبة التقدم المحرز في كلٍّ من هذه البنود، واعتماد هيكل رأس المال بالشركة وأوجه مصروفاتها الرئيسية وأنشطة الاندماج والاستحواذ، وتعيين الرئيس التنفيذي واعتماد مكافآت كبار المسؤولين التنفيذيين، وضمان تحديد المخاطر التي تتعرض لها الشركة وإدارتها، وضمان الامتثال للاشتراطات القانونية والمتطلبات المجتمعية، وإرساء المعايير الأخلاقية للشركة.

ولا يخفى أن الاضطلاع بهذه الواجبات أصعب مما يبدو، ويقدم سقوط “بوينغ” المدوي 5 دروس رئيسية:

1. مراعاة معياريّ الكفاءة والموضوعية عند تعيين أعضاء مجلس الإدارة

لم يحدث سقوط “بوينغ” المدوي بين عشية وضحاها، بل حدث بمرور الوقت حينما توارت المنهجيات التي جعلت من شركة “بوينغ” شركة هندسية تحظى بثقة الجميع. فبالتزامن مع وقوع الحادثتين، كان مجلس إدارة شركة “بوينغ” يضم القليل من خبراء السلامة والهندسة ويضم الكثير من المسؤولين الحكوميين السابقين. إذ كان 4 من أعضاء مجلس إدارة شركة “بوينغ” الذين وردت أسماؤهم في صحيفة الدعوى مسؤولين حكوميين سابقين في مناصب لا علاقة لها بقطاع الطيران، ومنهم سفير سابق لدى الأمم المتحدة ورئيس سابق لموظفي البيت الأبيض. أضف إلى ذلك أن 3 من بين أعضاء مجلس إدارتها الثلاثة عشر كانوا أعضاء في مجلس إدارة شركة “كاتربيلر”، واثنين كانا عضوين في مجلس إدارة شركة “ماريوت” للخدمات الفندقية. تزيد هذه العلاقات المتداخلة من صعوبة التوصّل إلى آراء موضوعية ويمكن أن ترسخ مبدأ الانعزالية. وقد أوضح تشارلز إلسون، مدير “مركز جون واينبيرغ لحوكمة الشركات” بجامعة ديلاوير، لمجلة “فورتشن” أن “أي علاقة تفتقر إلى الانسجام هي مشكلة في حد ذاتها لأن غياب الانسجام يعني غياب الموضوعية”.

ويضطلع أعضاء مجلس الإدارة بأداء 3 أدوار رئيسية: المراقبة واتخاذ القرارات وتقديم المشورة. لذا يُنصَح بأن تحدد المهارات الأساسية لتحقيق رسالة شركتك في قطاعها قبل ضم أعضاء جدد إلى مجلس الإدارة. واستعن بخبراء لمساعدتك في القضايا التي يفتقر فيها مجلس الإدارة إلى الخبرة.

2. التأكد من وجود حالة من التناغم بين هيكل مجلس الإدارة واحتياجات القطاع الذي تعمل فيه الشركة

كان مجلس إدارة “بوينغ” يضم 5 لجان (لجنة التدقيق ولجنة الماليات ولجنة التعويضات ولجنة البرامج الخاصة ولجنة الحوكمة والشؤون التنظيمية والتعيينات). كانت لجنة التدقيق تشرف على إدارة المخاطر، لكن ميثاقها كان يركز على المخاطر المالية، ولم تكن تملك صلاحيات مناقشة السلامة. علاوة على ذلك، فلم يكن لدى اللجنة آلية لتلقي التنبيهات من المبلّغين عن المخالفات. ووفقاً للدعوى القضائية، فإن هذا يتعارض مع الأعراف السائدة في القطاع الذي شهد إقدام الكثير من شركات الطيران المختلفة، بما في ذلك “ساوث ويست” و”جيت بلو” و”دلتا”، على إنشاء لجان تتبع مجلس الإدارة بحيث تهتم حصرياً بشؤون السلامة. ولم تقم “بوينغ” بإنشاء لجنة تابعة لمجلس الإدارة للاهتمام بشؤون السلامة حتى يوم 4 أبريل/نيسان 2019، أي بعد 6 أشهر من تحطم الطائرة الأولى في إندونيسيا، وبعد شهر تقريباً من الحادث الثاني في إثيوبيا. وبدلاً من ذلك، تمت مراجعة قضايا السلامة من قِبَل “مجلس صيانة السلامة” الذي يديره عدد من الموظفين والذي لم يكن يملك صلاحيات رفع التقارير إلى مجلس الإدارة، ولا يملك آلية محددة لرفع مثل هذه التقارير. وفي الوقت نفسه، لم يكن مجلس إدارة شركة “بوينغ” على علم بوجود “مجلس صيانة السلامة” إلا بعد صدور قرار بوقف الطائرة “بوينغ 737 ماكس” عام 2019.

3. الاستعداد لأسوأ السيناريوهات

قال الرئيس التنفيذي لشركة “ميدترونيك”، وعضو مجلس إدارة شركة “بوينغ”، إن كل اجتماع لمجلس الإدارة في “ميدترونيك” (Medtronic) يبدأ بمناقشة سلامة المنتجات. وألمح عضو آخر في مجلس الإدارة إلى هذا الاقتراح خلال حديثه مع الرئيس التنفيذي لشركة “بوينغ” دينيس مولينبرغ، ولكن لم يكد يحين موعد اجتماع مجلس الإدارة التالي في أبريل/نيسان 2019 حتى ألقى نواب رئيس الشركة لشؤون الهندسة والسلامة أول عرض تقديمي لهم أمام أعضاء مجلس الإدارة، وركّز على الحصول على شهادات الاعتماد، وفقاً لأحد الحسابات في صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وقد أثبتت الأبحاث أن ما يصل إلى 70% من الأشخاص يدخلون في حالة إنكار يُطلَق عليها “التحيز للحالة الطبيعية(Normalcy Bias) عندما تكون هناك كارثة وشيكة. ويُطلَق عليها “الحالة الطبيعية” لأن رغبتنا في الهرب من الكارثة عميقة جداً لدرجة أنه عندما يقع حادث مروع، فإن غريزتنا الأولى تحثنا على إنكار الواقع بدلاً من التعامل معه. وتدخل تحت باب “التحيز” لأنها تتعارض مع قدرتنا على تخيل حجم موقف لم نواجهه من قبل وتأثيره علينا.

ويجب على مجالس الإدارة أن تخفّف من ظاهرة التحيز للحالة الطبيعية. فاحرص على تصميم عملية يجري من خلالها وضع تصورات دورية لأخطر التهديدات التي تواجه الشركة وتقدير كافة المخاطر المحتملة التي يمكن أن تتولد عنها، بما في ذلك الإجراءات الحكومية، مثل التسوية البالغة 2.5 مليار دولار التي أبرمتها شركة “بوينغ” مع وزارة العدل الأميركية. سيؤدي هذا إلى ربط التوقعات بالحقائق على الأرض وضرب المثل في سرعة الاستجابة، وهي المهارات التي يجب على مجالس الإدارة إتقانها لتجنب التعرض للسيناريوهات المشابهة لسيناريو شركة “بوينغ”.

4. ضمان الصدق والواقعية في إدارة الشركة

إذا لم يتمكن مجلس الإدارة من إجراء مناقشة مفتوحة وصادقة يدلي فيها الجميع بآرائهم حتى إذا كانت من نوعية الآراء التي لا تروق للجميع، فلن يتمكن من اتخاذ قرارات سليمة. ومن أجل خلق بيئة يتشارك فيها الناس الحقيقة، توصي الدكتورة إيمي إدموندسن، الأستاذة في “كلية هارفارد للأعمال” والتي تدرس الأمان النفسي، بالنظر بعين التقدير إلى كافة الآراء، حتى إذا كانت تحمل بين طياتها أخباراً غير سارة أو تنذر بمشكلة محتملة.

فتوقع المشكلة يعني تجنب حدوث أزمة ويعتبر في حد ذاته عملاً يستحق الشكر. وقد حاز مجلس إدارة شركة “يو بي إس” (UPS) شهرة واسعة خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي لأن أعضاءه كانوا قادرين على إجراء مناقشات صريحة مع بعضهم ومع الرئيس التنفيذي للشركة. وتطرقت المناقشات إلى كافة الموضوعات، بدايةً من التوقيع على تسلم الطرود وصولاً إلى القرار الاستراتيجي بالانطلاق إلى العالمية إثر عقد شراكات مع شركات البريد الأخرى في مختلف أنحاء العالم.

هناك أسلوب آخر يمكن أن يفيد في تعزيز منهجية المكاشفة، ويتلخص هذا الأسلوب في عقد اجتماعات مجلس الإدارة دون حضور الرئيس التنفيذي، وهو أفضل الممارسات التي ظهرت في حقبة ما بعد فضيحة “إنرون” بغية إتاحة الفرصة أمام أعضاء مجلس الإدارة للتعبير عن مخاوفهم المتعلقة بالمنهجيات الإدارية المتبعة من قِبَل الرئيس التنفيذي.

وما مجلس الإدارة في حقيقته إلا فريق عمل، وشأنه شأن كل فرق العمل، يحتاج إلى بناء علاقات عمل فاعلة، بما في ذلك القدرة على إجراء مناقشات مفتوحة وحرية الاختلاف. وإذا أبدى أعضاء مجلس الإدارة بعض التردد وامتنعوا عن الحديث، فاستخدم استطلاعات الرأي الخالية من ذكر الأسماء لمساعدة الأعضاء على طرح ما يدور في خلدهم من أسئلة وإثارة القضايا العويصة التي تؤرقهم وتشغل بالهم.

أخيراً، يجب على مجالس الإدارة في حال وقوع كارثة التركيز على جمع كل المعلومات الممكنة حول ما حدث، لاسيما السؤال عن التحذيرات الواردة من المطّلعين على بواطن الأمور في المؤسسة. فمن المؤكد أن محاولات التهوين من الأضرار وشيطنة حاملي الأخبار السيئة تمثلان إشارات تحذيرية تنم عن وجود التحيز للحالة الطبيعية في الآونة الحالية أو منذ مدة.

5. تطبيق منهج تحمّل المسؤولية والمعاقبة على المخالفات

على الرغم من الأخطاء العديدة التي ارتكبها مولينبرغ، الرئيس التنفيذي للشركة، بدايةً من فشله في وقف الطائرة “737 ماكس” على الفور وصولاً إلى إصراره على حل المشكلة بتقديم برامج تدريبية أفضل وتحديث البرمجيات، استمر المجلس في دعمه. وصرّح رئيس مجلس الإدارة ديفيد كالهون لشبكة “سي إن بي سي” في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بأن المجلس يعتقد أن مولينبرغ قد فعل “كل ما يلزم وبالشكل الصحيح”. وظل مولينبرغ في موقعه حتى 22 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى أن غادره بعد حصوله على مبلغ بقيمة 80 مليون دولار تعويضاً عن فصله من العمل بخلاف مكافأة نهاية الخدمة. وخلفه كالهون في منصبه.

وتزعم الدعوى القضائية للمساهمين أنه حصل على هذا التعويض لأن نشوب نزاع بين مولينبرغ ومجلس الإدارة كان سيكشف أخطاء مجلس الإدارة. وقد أجرى العلماء المتخصصون في أبحاث الثقة دراسة عام 2018، توصلوا من خلالها إلى أن مؤشرات الثقة في الشركة شهدت تحسناً ملحوظاً بعد فصل الرئيس التنفيذي الذي ارتكب مخالفات عديدة. ومن خلال الاستمرار في دعم مولينبرغ ومن ثم السماح له بالحصول على ما يقرب من 80 مليون دولار، أرسل مجلس الإدارة رسالة مفادها أنه يغض الطرف عن أخطائه، وهو ما يُضعِف الثقة فيهم وفي قدرتهم على تصحيح أخطاء “بوينغ”. ليس من المستغرب، إذاً، أن يتم رفع دعوى على مجلس الإدارة.

يتصدى أعضاء مجالس إدارة الشركات لمهمة في غاية الصعوبة. فهم يقضون في المتوسط ما بين 250 إلى 350 ساعة سنوياً في تقديم المشورة للشركات، وعليهم أن يفهموا خفايا القضايا التي تتعامل معها الجهات الإدارية في شركاتهم، بالإضافة إلى فهم خبايا القطاعات التي تعمل فيها والسياق العالمي لبيئة العمل. ويُتوقع من الأعضاء مراقبة أداء الرئيس التنفيذي والشركة والحفاظ على أخلاقيات العمل الأساسية والعمل على تصحيح المسار في حال حدوث أي انحراف. وعندما يفشلون في أداء هذه الواجبات، فقد يتسبب هذا في موجة من الغضب العارم، كما رأينا في دعوى المساهمين في شركة “بوينغ”. وتتزايد هذه الدعاوى القضائية باستمرار، فقد شهد عام 2013 رفع 165 دعوى، مقارنة برفع 403 دعاوى قضائية عام 2018.

لقد كان الإخفاق حليف مجلس إدارة شركة “بوينغ” من نواحٍ كثيرة، لكن بمقدور مجالس إدارة الشركات الأخرى أن تتعلم دروساً مهمة من تلك الإخفاقات. ويمكنك إعداد نفسك للنجاح من خلال التأكد من وجود الأعضاء المناسبين وتنظيمهم بالشكل الصحيح وتمكينهم من إجراء محادثات هادفة ومفتوحة وصادقة في الوقت المناسب، حيث يمكن معالجة القضايا الماسة بتحمّل المسؤولية معالجة تامة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .