ماذا تفعل لإبداع الأفكار الخلاقة؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يستخدم المصمم العديد من الأدوات الإبداعية ليفكر بشكل مختلف عن الآخرين، لكن لتكون مختلفاً لا يوجد أفضل من استخدام “التفكير الخاطئ” الذي يعاكس المنطق، والذي يدعى أحياناً “التفكير العكسي”.

يبدأ التفكير العكسي، عندما تفكر عمداً في أسوأ فكرة ممكنة، عكس الحل المنطقي أو المقبول أو الأفكار التي تعتقد أنها ربما تثير السخرية والضحك، فمن خلال هذا التفكير يمكنك إيجاد طرق جديدة لحل المشكلات. على سبيل المثال، تحقق أحد أهم الاكتشافات العلمية في الكيمياء من خلال هذا التفكير، عن طريق العالم البريطاني فريدريك سانغر الذي استطاع تطوير تسلسل الحمض النووي. وكما شرح الفيزيائي الأميريكي الهندي سيدهارتا موكرجي، في كتابه “سانغر الجيني” (The Gene, Sanger). فقد حاول عكس عملية التسلسل الجيني عوضاً من بنائه من جديد، وتفكيره هذا قاده للحصول على جائزة نوبل للكيمياء عام 1980 للمرة الثانية، وذلك لمساهمته في تطوير تسلسل الحمض النووي.

من جانب آخر، ترك الطاهي الأرجنتيني فرانسوا مالمان، الذي ظهر في الفيلم الوثائقي “طاولة الطهاة” (Chef’s Table) لشبكة “نتفليكس” مطاعمه الفخمة، ليطهو مع مجموعة من الطهاة الشباب المبتدئين وعديمي الخبرة، مع عدم وجود مطبخ أو أدوات طهي، بإحدى المناطق النائية في منطقة باتوغونيا الواقعة جنوبي الأرجنتين وتشيلي.

أطلق مالمان على مغامرته هذه اسم “التجول مع الطهاة الغجر”، فتفكيره العكسي حول كيف يجب أن يعمل الطاهي، خلق لديه تجربة فريدة من نوعها لن تتكرر ولن تحدث مطلقاً في المطبخ التقليدي.

ومن خلال تجربة شخصية لي، وأثناء ورشة عمل بعنوان “صمم العمل الذي تحب”، شارك زميلي ميكي ماكمانوس، وهو باحث في شركة أوتوديسك (AutoDesk) ومدير مايا ديزاين (Maya Design)، تجربته التي أثارت اهتمامي ومخيلتي في استخدام طريقة التفكير العكسي. قلب ماكمانوس خلال تجربته الدور الوظيفي بينه وبين إحدى المتدربات وتدعى ليزا روتزينجر، إذ أصبحت الأخيرة المديرة والأول موظفاً زميلاً وصديقاً لها. وشرح ميكي التجربة بأنّ دور القادة في العمل أن يكونوا أبطالاً خارقين يستطيعون عمل كل شيء، إلا أنّ أفضل عمل يمكن أن يقوموا به هو خدمة الآخرين.

فكرت في الأمر وقلت لنفسي، لماذا لا أعطي دوري في العمل للموظفين، وأُزيل العقبات عن طريق زملائي الآخرين ليصبحوا أبطالاً خارقين قادرين على فعل أي شيء.

وعندما بدأت ليزا بالعمل في شركة أوتوديسك، أعطاها ماكمانوس مذكرة تتضمن المواضيع الهامة التي يجب أن تركز عليها في مهمتها البحثية ومنها: “إنترنت الأشياء” و”التعلم الآلي” و”التصميم التوليدي”. وأخبرها أنّ مهمتها تكمن في اكتشاف أمور لا يعلمها هو، ثم تركها لتكون مديرة على نفسها لمدة أسبوعين أثناء سفره، وعندما عاد، اكتشف أنّ النتائج التي توصلت إليها كانت مثيرة للاهتمام أكثر من المتوقع. ونتيجة لذلك، أقدمت الشركة على تطبيق اكتشافاتها في بحث باسم بريمورديال (Primordial)، وبإصرار من ماكمانوس قدمت ليزا المشروع لـ400 من أهم العملاء والرؤساء التنفيذيين. ونتيجة لوضع ماكمانوس فن القيادة في إطار القائد كالزميل أو الصديق، والموظف كبطل خارق، جسد بذلك ثلاثة مبادئ تمكننا من الإبداع والابتكار.

كن المبتدئ

من أشهر الاقتباسات المتناقضة للراهب البوذي شونريا سوزوكي، يقول فيها: “في عقل المبتدئ هناك إمكانية لحدوث الكثير من الأمور عكس الخبير فإنّ خياراته محدودة”. وإذا كنت المبتدئ فأنت تنقل وجهة نظرك وتفتح ذهنك للكثير من الاحتمالات، وبالتالي تسمع أكثر، وتُصبح فضولياً ومهتماً في التعلم من الجميع، بما في ذلك الأشخاص الأصغر سناً أو الأقل خبرة منك. كذلك كمبتدئين نعطي لأنفسنا فرصة للتعلم باستمرار، وكما اكتشف ماكمانوس فإنّ هذا التواضع يؤت بثماره.

وبحسب ماكمانوس، تحقق ذلك من خلال رؤى ليزا الإبداعية، التي مكنت الوافدين الجدد في العمل، ومكنته هو شخصياً من إبداع أفكار جديدة، ما شكّل له مصدراً للإلهام. إلى جانب ذلك، أطلق مكمانوس اسماً جديداً على منصبه في العمل وهو “متدرب يستعد لخوض غمار العمل” أي كالمبتدئ الذي يرغب في استكشاف كل شيء.

ولك أن تتخيل تأثير هذه الطريقة الإبداعية عندما تقول لمتدرب تشرف عليه أو موظف يافع بدأ للتو عمله في الشركة، دعنا نتبادل الأدوار فأنت ستصبح في اليوم الفلاني المشرف أو المدير وأنا سأكون المتدرب.

امنحهم السلطة

يمنح الاستماع إلى الموظفين، بدلاً من تلقينهم ما تعتقد بأنهم في حاجة إليه، سلطة للاستقصاء، وتطبيق أفكارهم، ورسم استنتاجاتهم الخاصة، ومعرفة ما هي العقبات التي تعترض طريق فريقك.

بهذه الحالة أنت تملك رؤية شاملة حول ما يجري من حولك تماماً كرؤية الزميل أو الموظف في العمل، وبالتالي يمنحك هذا ميزة رؤية العقبات أو التحديات بشكل واضح، في حين أنّ وضع أعضاء الفريق في دور الأبطال الخارقين مثل المدراء يجعلهم وكلاء لحل مشاكلهم الخاصة فقط. وينطبق استخدام هذا المبدئ مع دارا دوتز، من مؤسسة فيلد ريدي غير الحكومية، حيث تعمل على إزالة العقبات أمام الناس للوصول إلى التعافي السريع في المجتمعات التي تتعرض للكوارث الطبيعية. فبدلاً من الاعتماد على إرسال المساعدات الإنسانية الإغاثية في مناطق الكوارث والتي تكون مكلفة وبطيئة، تعمل المؤسسة على تمكين الناس في تلك المناطق من خلال تزويدهم بالتكنولوجيا والخبرة اللازمة التي تمكنهم من تأمين الإمدادات اللازمة لإنقاذ حياة الأشخاص في موقع الكارثة.

ولمساعدة ضحايا الكوارث على تحقيق الانتعاش الخاص بهم، تبدأ الفرق الميدانية التابعة للمؤسسة بالاستماع إلى المتضررين وتمكينهم، ليصبحوا أبطالاً حقيقين بينما يصبح المصممين والمهندسين المشرفين عليهم زملاء، ليتعاونوا جميعاً على إيجاد أفضل الحلول.

تمكين أعضاء الفريق من خلال إعطائهم السلطة يسمح لهم بتقديم الحلول والابتكار، تماماً كما فعل مكمانوس مع ليزا من خلال الاستماع إلى النتائج التي توصلت إليها، وتشجيعها على المشاركة في العمل، وتسليط الضوء عليها وفي النهاية إعطائها الفرصة لتقديم المشروع.

ابتعد عن تدرج المستويات في العمل

نسف مكمانوس ما يسمى تدرج المستويات عندما جعل من ليزا صديقة بنفس مستواه على الرغم من أنه المشرف عليها. ومكنها بذلك من الجلوس رفقة الرئيس التنفيذي في الشركة، والتحرك بحرية تامة وطرح الأسئلة على الجميع، بما في ذلك الرئيس التنفيذي و مدير التكنولوجيا التنفيذي. وطلب منها أن تعلمه أموراً جديدة وأعطاها فرصة تقديم المشروع. يقول مكمانوس في هذا الإطار: “ليزا التي لم يتجاوز عمرها الـ23 عاماً قدمت المشروع لـ400 من العملاء المهمين والرؤساء التنفيذيين وكان عرضاً جديراً بالمشاهدة”.

يمكننا القول أنه عندما نسمح لأولئك الأشخاص من هم أدنى منّا درجة في السلم الوظيفي أن يأخذوا دور الأبطال الخارقين، فإننا نعطي لأنفسنا فرصة للتعلم، وبالتالي، ستظهر الأفكار الخلاقة في ما بعد. ونتيجة لإنجاز ليزا استمرت مع الشركة لفصل دراسي إضافي قبل أن تعود للدراسة في الكلية، وبعد تخرجها توظفت في أوتوديسك بدوام كامل في منصب “الخبير الاستراتيجي”. ولا يزال مكمانوس يتعامل مع أمثال ليزا كالصديق أو الزميل معترفاً بأنه يتعلم منهم في كل مرة.

تذكر أنّ مفتاح التفكير العكسي، هو إبداع فكرة سيئة لتحدي وضع راهن، وتصور أفكار جديدة وغريبة، تخالف الأفكار السابقة التي كنا نستخدمها، فعندما نسمح لأنفسنا بالتفكير في أفكار سيئة، نبدع في ابتكار أفضلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .