ما الذي يتطلبه إجراء تحول رقمي؟

4 دقائق
تحول رقمي
shutterstock.com/metamorworks
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا حصلنا على دولار في كل مرة نسمع أو نقرأ فيها مصطلح “التحول الرقمي“، فسيكون لدى كل منا سيارة فيراري. وإذا بحثنا عنه في “جوجل”، فيمكننا رؤية أكثر من مليار نتيجة بحث. وعلى الرغم من أنه سيكون من المستحيل على أي قائد شركة أن يقرأ جميع النتائج، فمن المهم لجميع القادة أن يفكروا في الآثار المترتبة على مؤسساتهم.

هل يمكننا محاولة إجراء تحول رقمي حقيقي؟

الكثير مما تعلمناه في كلية إدارة الأعمال وفي العمل على مدار الثلاثين عاماً الماضية قد عفاه الزمن أو أصبح منقوصاً أو خاطئاً ببساطة. فقد أصبح السياق متقلباً وعامراً بالشكوك ومعقداً وغامضاً أكثر من أي وقت مضى، ويُعاد تعريف المكان والزمان باستمرار. كما أصبح عدد الهواتف الذكية أكبر من عدد المراحيض، وستحل الشركات الجديدة محل 75% من الشركات المدرجة في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) بحلول عام 2027، ويبدو أن فن تخطيط السيناريوهات أصبح قائماً على التخمين أكثر من الاستراتيجية. حتى قبل “كوفيد-19” كنا في منتصف تحول نوعي؛ فقد كانت غالبية الشركات الراسخة تجري شكلاً من أشكال التحول الرقمي لتجنب حدوث اضطرابات في أعمالها بسبب المنافسين الرقميين الجدد الطموحين والجريئين. والآن بعد أن مرت موجات الجائحة ويبدو أن الوضع تحت السيطرة نسبياً، أصبحنا ندرك مدى حاجة الشركات الراسخة إلى إجراء تحول رقمي حقيقي.

قال لنا مؤخراً مسؤول تنفيذي محنك عملنا معه: “لطالما كنت أرتاب من هؤلاء الذين يقولون إنهم يعرفون كيف سيبدو المستقبل. لكن هذه المرة من الواضح تماماً أننا يجب إما أن نتكيف وإما سينتهي أمرنا. المشكلة هي أننا لا نعرف مع ماذا يجب أن نتكيف وكيف. أدركنا أن هناك مفهوماً حاسماً يجب التفكير فيه جيداً؛ وهو أن عالمنا تحول في العقود القليلة الماضية من “عالم صعب” إلى “عالم معقد”. ومن المهم أن يفهم القادة والمدراء الفرق بينهما، لأنك إذا تعاملت مع مسألة معقدة على أنها مسألة صعبة، فسيكون مصيرك الفشل. فبمجرد فك لغز المسائل الصعبة تصبح متوقعة وعادية بدرجة كبيرة، أما الأنظمة المعقدة فهي على النقيض تماماً. في المسائل الصعبة، أو حتى الصعبة للغاية، نتمكن من فصل جميع المتغيرات وتحليلها، والتجربة والخطأ لمرات عديدة، وتحديد أفضل تسلسل للمكونات أو أفضل مجموعة من المكونات، وأخيراً إرساء عملية قابلة للتكرار تضمن تحقيق نتيجة مماثلة إلى حد ما في المستقبل.

أما في حالة مواجهة سيناريو معقد، فعلينا أن نتقبل حقيقة أن بعض الأشياء لا تساوي مجموع أجزائها، فقط لأن المتغيرات المؤثرة تتفاعل بطرق غير متوقعة. في كل مرة نواجه شيئاً مجهولاً لأول مرة، نميل إلى تصنيفه على أنه شيء معقد. ولكن في بعض الحالات، يكون إرساء عملية واضحة أمراً مستحيلاً ببساطة، وينطبق هذا على السياق المعقد. ففي كل مرة يكون فيها دور البشر هو المهيمن، نواجه مشكلة معقدة فعلياً، لأنهم يتصرفون بطرق لا حصر لها. وهذا هو الموقف الذي نتعامل معه عادة عندما نستحوذ على شركة ناشئة وندمجها في مؤسسة كبيرة راسخة، أو عندما نحاول إعادة بناء الزخم بعد عمليات التحول. وبالطبع يمكن للمدراء والقادة الاعتماد على خبراتهم ومحاولة تطبيق عمليات وإجراءات موحدة، لكن يجب عليهم تقبل حقيقة أنهم في هذه الحالات سيدخلون مساراً لم يُستكشَف بعد وقد لا يكون من الممكن التنبؤ بالنتائج. وحتى إن كانوا محظوظين وأذكياء، ونجحوا في معرفة كيفية إنجاح الأمر، يجب أن يقروا بأنه من المستحيل إعداد دليل إرشادي يُعتمد عليه في المرة القادمة التي يواجهون فيها مسألة معقدة. ففي مثل هذا السيناريو، لا يوجد نهج موحد مناسب لجميع الحالات، ولا يمكننا تحديد ما هو مناسب للشركات بناءً على أفضل الممارسات، ببساطة لأن المتغيرات في المعادلة تتغير باستمرار، ويحدث هذا اليوم بمثل سرعة عمل أي خوارزمية.

ولكن هذا لا يعني أننا نملك رفاهية الانتظار ورؤية ما سيحدث. بدلاً من ذلك، يجب أن ننمي قدرتنا على التكيف وأن نتقبل إجراء التجارب. ويجب أيضاً ألا يغيب عن بالنا أن التجارب عرضة للفشل بطبيعتها، ولكن تحقيق نجاح واحد يمكن أن يعوض عن الأشياء العديدة التي لم تحقق النتيجة المرجوة.

عندما نناقش هذا الموضوع مع قادة الشركات، غالباً ما يُطرح علينا هذا السؤال: حتى إذا أقررنا أن العالم معقد، كيف يمكننا أن نصبح أكثر ذكاءً وقدرة على التكيف وأن نحرص على العمل بمبدأ التجربة والخطأ وأن نتقبل الفشل ونتبع مسارات غير مستكشفة إذا كانت هياكل مؤسساتنا لا تزال مصممة لقياس مؤشرات الأداء الرئيسية التقليدية وتقديم الحوافز بناءً عليها؟ نعتقد أن هذا هو جوهر التحول الرقمي، فالأشخاص هم مَن يبنون الشركات، والثقافة المؤسسية هي انعكاس لثقافة قادتها وعقلياتهم وأخلاقهم ووعيهم، ولذلك فإن أي تحول يتطلب إجراء تحول ثقافي أولاً وقبل كل شيء. تُعد التكنولوجيا الرقمية أداة تمكينية ووسيلة لتحقيق غاية، لكنها ليست جوهر التحول. وكلما زاد استيعاب القادة وفهمهم للحاجة إلى نموذج جديد بالكامل، أصبحوا أكثر قدرة على زيادة فرص إجراء تحول حقيقي، حتى داخل المؤسسات الكبيرة الراسخة؛ فهذه هي فضائل التجربة مع التحلي بالأمانة الفكرية والاستفادة من الماضي بطريقة بناءة ومنفتحة وغير متحيزة. لا نريد أن نكون ساذجين؛ فنحن نعلم أن الشركات لا تنوي تجنب المخاطر وعدم التيقن والتغيير والتجريب، ولكنها تزدهر في السياقات المستقرة. وبالطبع لا تزال المهارات التحليلية المستخدمة في حل المشكلات والمهارات اللازمة لصناعة قرارات واضحة وتحديد اتجاه واضح من المهارات المهمة للغاية التي ينبغي للقادة امتلاكها.

إذاً، كيف يمكننا أن ننظر إلى الوراء بما يكفي للاستفادة من الخبرة، وأن ننظر في الوقت نفسه إلى الأمام لاستكشاف السيناريوهات المستقبلية السريعة التغير؟ تشير دراساتنا الكلاسيكية إلى إنه يجب الاستفادة من التناقضات، مثل الحياة/الموت، والبداية/النهاية، والشباب/سن الرشد، والحرب/السلام، والهمجية/الحضارة.

على نحو أكثر تحديداً، جادل كل من تشارلز أورايلي الثالث ومايكل توشمان بأن المؤسسات يجب أن تصبح “بارعة في التعامل مع التناقضات”؛ أي أن تأخذ في الاعتبار ما نفّذته من منتجات وعمليات في الماضي، وفي الوقت ذاته تتطلع إلى المستقبل من خلال الإعداد للابتكارات التي ستحدد شكل المستقبل. وأكدا أن التوازن العقلي المطلوب إيجاده يمكن أن يكون من أصعب التحديات الإدارية، حيث يحتاج المسؤولون التنفيذيون إلى استكشاف فرص جديدة في أثناء عملهم بجد لاستغلال القدرات المتاحة.

نقترح ونؤمن أن هذه البراعة في التعامل مع التناقضات هي بالتأكيد الاستراتيجية المناسبة التي يجب تنفيذها. ولكن نظراً إلى أن المؤسسات وعمليات التحول تتمحور أساساً حول الموظفين والثقافة، فإننا نؤمن أيضاً أنه لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاستراتيجية، ينبغي أن نتبنى الموقف العقلي المناسب. يمكننا أن نسميه “التواضع الطموح” (Humbition)؛ وهي كلمة مركبة من كلمتين “التواضع” (humility) و”الطموح” (ambition)، ويبدو لي أنها تلخص بشكل ممتاز الموقف الذي ينبغي لنا جميعاً أن نتبناه في أثناء التوجه نحو السياق الجديد، الذي لن يكون بالتأكيد وضعاً طبيعياً جديداً. بعبارة أخرى، يجب أن نكون متواضعين بما يكفي لنعترف بأننا لا نملك جميع الإجابات، وأن نتقبل فكرة أننا سوف نجرب ونفشل، وأن نقر بضعفنا عند مواجهة التحديات المستقبلية. ولكن يجب علينا أيضاً مقاومة إغراء أن يطغى علينا الشعور بالعجز. وبدلاً من أن نفقد ثقتنا بالمستقبل، يجب أن نستجمع طاقاتنا ونعزز طموحاتنا لتشكيل عالم المستقبل.

يُعد التحول الرقمي أحد تحديات القيادة؛ فما اتضح لنا بعد التشاور حول هذا الموضوع مع أكثر من 100 شركة عالمية، هو أن القيادة، في سيناريو معقد، ليست سوى فن ارتجالي وغامض وتجريبي، وتتطلب تحقيق التكامل من خلال تذكُّر ما نؤمن به.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .