لا تترك السلبية تغرق مؤسستك

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد تصادف من حين لآخر بحثاً أكاديمياً يجعلك تتخلص من مجموعة كبيرة من التوترات والقضايا والمشكلات التي كنت قد لاحظتها ولكنك غير قادر على فهمها. وهذا هو ما حدث معي عندما قرأت كتاباً جديداً بعنوان “قوة السلبيات: كيف يتحكم تأثير السلبيات بنا وكيف يمكننا التحكم به” (The Power of Bad: How the Negativity Effect Rules Us and How We Can Rule It). ألّف الكتاب كل من عالم النفس والباحث الشهير روي باوميستر، والصحفي الحائز على جوائز جون تيرني، وفيه يعرضان دروساً من علم الاجتماع حول الحياة والحب وتربية الأبناء وحتى السياسة.

بالنسبة لي، زودني الكتاب برؤىً متعمقة ومثيرة للاهتمام ذات صلة بمجموعة من الأسئلة حول الأعمال والقيادة التي كنت أحاول إيجاد إجابة لها لسنوات، فهي أسئلة تتعلق بالسبب الذي يجعل الكثير من المؤسسات تجد صعوبة في التغيير على الرغم من توافر النوايا الحسنة لفعل ذلك. وهي أسئلة من قبيل:

لماذا تظل الكثير من الشركات الكبيرة والراسخة والممولة جيداً حذرة ومتحفظة، حتى إزاء التطورات التكنولوجية الثورية والمزعزعات المذهلة في الأسواق؟ لماذا يعد التغيير صعباً للغاية؟

لماذا يخاف الكثير من المسؤولين التنفيذيين من الفشل بشدة، على الرغم من أن معظمهم يقر بأن الابتكارات الناجحة تكون مصحوبة بإخفاقات إلا ما ندر، وأن طرح المنتجات الجديدة أو إعادة النظر في العمليات الجديدة يتطلب مخاطرة وتجارب ويصاحبه عقبات حتمية على طول الطريق؟

كيف يمكن لزميل وحيد سلبي، في وحدة العمل أو الفريق المتفائل والمتحمس، أن يؤثر سلباً على معنويات زملائه؟ بمعنى آخر، لماذا يبدو دائماً أن التفاحة الفاسدة تُفسد بقية التفاحات من حولها؟

يساعدنا جون تيرني وروي باوميستر في الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها من الأسئلة حول الاستراتيجية والثقافة والإبداع من خلال أحد مبادئ علم النفس البشري: السيئ أقوى من الحسن. كما يوضح تيرني وباومايستر، أن البشر بطبيعتهم يرون أن “الأحداث والمشاعر السلبية تؤثر علينا في الغالب بقوة أكثر من الأحداث والمشاعر الإيجابية”. “فالنقد السلبي يدمرنا” ولكننا “لا نأبه للثناء علينا”. و”نلاحظ أصحاب الوجه العدائي من وسط الحشود” لكن “لا نرى جميع أصحاب الابتسامة الودودة الموجودين حولهم”.

لا أعرف ما رأيك في هذا الكلام، ولكن بالنسبة لي، بصفتي أباً ومؤلفاً ومتحدثاً، تلك الملاحظات تبدو حقيقية بشكل مؤلم. وهذا “التحيز للسلبية” التلقائي يؤثر بشدة على أدوارنا بوصفنا قادة وزملاء في العمل ومحفزين للتغيير.

وهذا يفسر سبب تردد العديد من المؤسسات في تبنّي التغيير أو رفضها إياه، حتى في وجود أدلة وفيرة على أن خطر تجربة شيء جديد أقل بكثير من تكلفة التمسك بما كان فعالاً في الماضي. فكما يقول تيرني وباومايستر، الكثيرون منا “مدمنون على السلامة”. “فنحن نولي الكثير من الاهتمام للأشياء السلبية ونتذكرها دائماً ونتخيلها ونتجنبها، وبذلك فإننا ندع الخوف يتحكم في حياتنا ونصبح حذرين بطريقة غير منطقية”.

يطلق علم الاجتماع على هذه الطريقة في التفكير اسم “النفور من الخسارة”، أي أن معظمنا يفضل اللعب لتفادي الخسارة وليس للفوز، وهذا لأننا نشعر بألم الهزيمة بشكل أقوى بكثير من متعة النجاح. ولكن بالنسبة إلى القادة الذين يرغبون في أن تحقق شركاتهم النجاح، خاصة في المجالات سريعة التغير والتي تشهد منافسات شرسة، يتسبب السماح لشركاتهم بأن تظل مدمنة على السلامة في خسائر كبيرة. وقد وجدتُ أن أفضل القادة هم مَن يغرسون في شركاتهم ما أطلق عليه جون غاردنر، الخبير الشهير في مجال القيادة، “التفاؤل الحازم” (tough-minded optimism)، وهو مزيج من الحماس والشغف والعزم. وقد أكد غاردنر أن المستقبل “نادراً ما يشكله الأشخاص الذين لا يؤمنون هم أنفسهم بالمستقبل”. فالقادة الفعالون يبقون مرؤوسيهم متحمسين حيال المستقبل ويوقفون إدمانهم على السلامة.

قوة السلبيات تفسر أيضاً لماذا يصعب الحفاظ على روح الابتكار على المدى الطويل، حتى إن كانت الأمور تسير على ما يرام. وقد اتضح أن تأثير النكسة، حتى ولو كانت صغيرة، على المعنويات، (مثلما يحدث عندما يتجاوز مشروع ما الميزانية أو عندما لا يحقق أحد المنتجات النجاح المتوقع)، يمكن أن يفوق تأثير جميع النجاحات المحيطة بها. يطلق تيرني وباومايستر على ذلك اسم “قاعدة الأربعة” (The Rule of Four)، وهي: “يتطلب الأمر 4 أشياء إيجابية للتغلب على شيء واحد سلبي”.

وقد وجدتُ أن القادة الأكثر فاعلية يبذلون جهوداً كبيرة لتذكير زملائهم بالتقدم الذي يحرزونه وللاحتفال بالنجاحات الصغيرة كلما أمكنهم ذلك وبطريقة مبهجة قدر الإمكان. وهذا هو ما يجعل العديد من الشركات الناشئة تحتفل في كل مرة يفوزون فيها بعميل جديد أو تنظم احتفالات يوم الجمعة للاحتفاء بالأحداث المفرحة التي وقعت طوال الأسبوع. فالكثير من تجاربنا اليومية في العمل، من إنشاء شركة جديدة إلى إحداث تغييرات في شركة مستقرة، مشوبة بالإحباط وخيبة الأمل بسبب عميل لم تفز به الشركة أو اجتماع لم يسر على ما يرام، على سبيل المثال. وبذلك، فإن “قاعدة الأربعة” تعني أن على القادة تسليط الضوء على الأحداث الإيجابية (حتى لو بالغوا في ذلك) لتطغى على الأحداث السلبية.

قوة السلبيات تفسر أيضاً أحد الأسباب الحاسمة لصعوبة إجراء تغييرات كبيرة، وهذا السبب شخصي أكثر منه استراتيجي. لطالما أذهلني كيف يمكن لعدد صغير من الأصوات المعارضة في الشركة، مثل المتشكك عالي الصوت أو التقليدي شديد التعصب، أن يبطئ أو يشل برنامج التغيير الذي يحظى بتأييد واسع النطاق. فكما اتضح أن “تفاحة فاسدة” واحدة يمكن أن تفسد بقية التفاحات حولها (على الرغم من أنها كلمات إحدى أغنيات فرقة “أوزموندز” (Osmonds))، يجب على القادة تخليص فرقهم على نحو عاجل من أنواع التفاحات الفاسدة الثلاثة التي وصفها تيرني وباومايستر: الفظ والمتكاسل والكئيب.

وثّق الباحثون التأثير الإيجابي “للدعم الاجتماعي” المقدَّم من الأصدقاء وزملاء العمل والجيران الذين يثيرون حماسك ويشجعونك. ووثّقوا أيضاً التأثير السلبي “للتقويض الاجتماعي”، وهو ما يحدث من الأشخاص الذين يثيرون الشائعات ويكنون الضغائن ويحبطون الآخرين. إذاً ليس من المستغرب “أن يتبين أن التقويض الاجتماعي أثره أكبر من الدعم الاجتماعي”. ولهذا لن ينجح القادة ذوي الأفكار العظيمة والنوايا الحسنة ما لم يستعدوا للتعامل مع تفاحاتهم الفاسدة.

الخبر الجيد هو أن الأحداث السلبية لن تثبّط بالضرورة المعنويات في شركتك أو فريقك. ولكن ذلك يتطلب منا جميعاً، بوصفنا مسؤولين تنفيذيين ورواد أعمال ومحفزين للتغيير، تنفيذ استراتيجيات مصممة جيدااً وحافلة بقدر مناسب من علم النفس. ففي عالم الأعمال، كما في حياتنا الشخصية، من الصعب رؤية الإيجابيات ما لم نتغلب على قوة السلبيات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .