لقد وجدنا أنفسنا نعيش في وضع غير اعتيادي بين عشية وضحاها، فنصف سكان العالم يرزحون تحت وطأة العزلة، وأُلغيت جميع الأحداث الرياضية والثقافية، وتراجعت أسواق الأسهم بنسبة 30% وطرأ انخفاض كبير على الإنفاق. لقد حدث كل ذلك فجأة، وتباينت ردود أفعالنا على ضرورة الاعتياد على روتين جديد. وأصبحنا جميعنا نواجه ظروفاً قاسية وصعبة من منظور عاطفي. وأصبحت إدارة مشاعرنا العاطفية اليوم عاملاً حاسماً بالنسبة لنا ولمن هم حولنا في حياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء. وقد تتزايد أهمية إدارة المشاعر العاطفية في حال كُلّفنا بإدارة فريق ما، ذلك لأن عواطفنا معدية وقد تنتقل إلى الآخرين بسهولة، خاصة عندما نعمل تحت سقف واحد. وقد تُسفر عدم قدرة القائد على إدارة الضغوط العاطفية إلى جانب وجود درجة عالية من التنوع بين أعضاء الفريق عن سيناريوهات خطيرة يتحوّل فيها التعاون بين أعضاء الفريق إلى نزاعات بينهم وإلى تبادل الاتهامات وتآكل الثقة. وعندما تحدث مشكلة كهذه، نجد أنفسنا نواجه فريقاً فقَدَ أصوله الأكثر حيوية والتي تتمثّل في قدرته على مشاركة الأفكار ووجهات النظر المختلفة. إن عواطف القادة لا تؤثر عليهم فقط، وإنما تؤثر على المجال المهني للأفراد الذين يعملون من حولهم. لذلك، من المهم للغاية أن يتعلم القادة كيفية إدارة العواطف وكبت الضغوط من أجل رفاههم ورفاهة فرقهم على حد سواء.
اقرأ أيضاً: كيف تتولى إدارة الموظف الذي يبكي بسهولة؟ (بحاجة لاشتراك)
هل يجب على القائد التستّر وراء قناع؟
تُظهر دراسة أجرتها كلية "إس دي أيه بوكوني" (SDA Bocconi) شارك فيها أكثر من ألف مشارك وقادة فرقهم مدى أهمية تعلم القادة كيفية إدارة العواطف وتأثير الاستراتيجيات التي يتّبعها القادة للسيطرة على هذه العواطف على كل من الفرق والقادة أنفسهم. لا ينطوي الهدف من هذه الاستراتيجيات على منح القادة أساليب تساعدهم في تجنب إظهار مشاعرهم أمام الآخرين، وإنما تنطوي على قدرتهم على إدارة هذه العواطف بطريقة فاعلة وفقاً للموقف الذي يتعرّض له الفريق.
وعادة ما تتّخذ استراتيجيات تنظيم العواطف الشخصية نهجين، ألا وهما نهج الإخفاء ونهج الاستبدال. ينطوي نهج الإخفاء على حجب المشاعر الشخصية من خلال إظهار المشاعر التي يتطلبها الموقف فقط دون تغيير الحالة العاطفية الفعلية. بعبارة أخرى، يستتر القائد وراء "قناع" لإخفاء عواطفه عند اتباع هذا النهج. في المقابل، يعتمد نهج الاستبدال على تحويل المشاعر الشخصية وتبنّي العواطف التي تبدو أكثر ملاءمة لموقف معين. بعبارة أخرى، يلجأ القادة إلى تعديل عواطفهم من أجل مواءمتها مع التوقعات التي يفرضها موقف معين عند اتباع هذا النهج.
وقد أشارت نتائج البحوث إلى آثار استراتيجية الإخفاء الإيجابية على قدرة الفريق على الحفاظ على هدوء أعصابه في بيئة تعليمية وتمكينه من التركيز على أهدافه، حيث يسعى القائد في استراتيجية الإخفاء إلى أن يقي الفريق العمل في مناخ تتصاعد فيه حدة المشاعر العاطفية. في حين قد يُسفر تأثر القائد عاطفياً بالظروف غير المواتية التي تعقب مواقف صعبة عن خلق تأثير معد، وهو تأثير يمكن أن يزعزع فاعلية العمليات والمشاعر ضمن الفريق. بعبارة أخرى، يُخفي القائد عواطفه وراء قناع من أجل أن يُحكم إدارته لكل المواقف، وبغية أن يتيح لأعضاء الفريق الآخرين الحفاظ على هدوء أعصابهم واستجماع قواهم. وقد تُسفر العدوى العاطفية عن عواقب محمودة عندما تكون الحالة العاطفية للقائد إيجابية، في المقابل، قد تُسفر العدوى العاطفية السلبية عن عواقب وخيمة على الفريق. يمارس القائد الذي يتبنى استراتيجية الإخفاء شكلاً من أشكال الإخفاء العاطفي، بمعنى أنه يكون واعياً بمشاعر الإحباط وخيبة الأمل التي تنتابه، ويعمل على احتواء انتشار المناخ السلبي داخل الفريق.
اقرأ أيضاً: كيف تدير عواطفك دون مقاومتها
وعلى الرغم من أن استراتيجية الإخفاء تنطوي على تأثير إيجابي على نتائج الفرق، قد تتولّد توترات داخل القادة أنفسهم من منظور عاطفي، وذلك لافتقارهم إلى الأصالة في الطريقة التي يديرون فيها المواقف. إلا أن هذا السلوك ليس أمراً يمكن تحمله على المدى الطويل، فقد أظهر بحث في الرفاهة التنظيمية أن الأفراد الذين يقمعون عواطفهم في العمل يواجهون زيادة بنسبة 32% في مستويات التوتر. علاوة على ذلك، قد تُسفر الآثار السلبية على القادة عن عواقب واضحة على رفاههم الشخصي وأدائهم على حد سواء. وتشير البحوث إلى أن اعتماد استراتيجيات الإخفاء تُسفر عن انخفاض بنسبة 13% في أداء الفريق، وانخفاض بنسبة 17% في قدرة القائد على فهم المواقف والتصرف بوعي. أما فيما يتعلق باستراتيجية الاستبدال، تكشف النتائج عن صورة غير متوقعة إلى حد ما، فقد تبين أن اعتماد استراتيجية الاستبدال لا ينطوي على أي تأثير على قدرة الفريق على الحفاظ على جو إيجابي يساعده في تحقيق النتائج المنشودة. أولاً، تستغرق عملية الاستبدال وقتاً طويلاً. والأهم من ذلك، تكون الجهود التي يبذلها القائد في محاولة تعديل مشاعره الشخصية في المواقف الصعبة داخلية إلى حد كبير وأقل فاعلية في البيئة الخارجية وأقل تأثيراً على الفريق. كما أسفرت دراسة تأثير استراتيجية الاستبدال على القادة أنفسهم عن نتائج مثيرة للاهتمام، فأي محاولة من قبل القادة لتغيير تصرفاتهم الشخصية من منظور عاطفي تُسفر عن زيادة بنسبة 19% في قدراتهم على إيجاد نماذج تطوير جديدة.
الشكل: الاستراتيجيات العاطفية للقائد: أثرها على الفريق وأثرها على القائد نفسه
يبدو أن هذه النتائج تحدد سيناريو يكون فيه القائد قادراً على فهم الموقف الذي يعمل فيه بدقة وعلى ضبط عواطفه وفقاً لذلك. على سبيل المثال، يمكن للقائد اعتماد نهج الإخفاء عند مواجهة مواقف طارئة بهدف تجنب انتشار المشاعر السلبية والحفاظ على تركيز الفريق على أهدافه على المدى المنظور. في المقابل، قد يكون من الصعب المداومة على اتباع هذه الاستراتيجية على المدى الطويل نتيجة آثارها السلبية على القائد نفسه. ومع مرور الوقت، قد يلجأ القائد إلى استراتيجية الاستبدال بحيث يتعزز وعيه وقدرته على إدارة العواطف.
اقرأ أيضاً: كيف أتحكم في مشاعري التي تقودني؟
التدرب على إدارة العواطف
لقد أبرزت نتائج هذا البحث أنه لا يوجد طريقة مُثلى لإدارة الضغوط العاطفية بكفاءة. علاوة على ذلك، تُبيّن النتائج أهمية أن يبني القائد سلوكياته على أساس مواقف غير متوقعة، بمعنى أنه من الضروري أن يكون واعياً بمشاعره الشخصية والبيئة التي يعمل فيها على حد سواء. لكن كيف يمكن للقائد أن يتحكم في الضغوط العاطفية التي تنتابه بفاعلية؟
1- الإحساس: عادة ما يستهين المدراء بأهمية العواطف، لكن البحوث تظهر أهمية العواطف في تفسير السلوك البشري. لذلك، يجب على القادة التعرف على عواطفهم وفهم عواقب هذه العواطف على كل من فرقهم وأنفسهم.
2- الفهم: تؤكد نتائج البحث ضرورة أن يتقبل القائد أحاسيسه العاطفية وأن يكون قادراً على فهم السياق الذي تولّدت فيه هذه العواطف. ويُتيح هذا الوعي الداخلي للقادة التعرف على الاستراتيجيات التي يجب تبنّيها من أجل إدارة عواطفهم، في حين يمكّنهم وعيهم الخارجي من تطبيق الاستراتيجية العاطفية الأكثر مواءمة للظروف.
3- التدريب: يتمثّل العنصر الأخير الذي يمكن أن يدعم القائد في تعلم كيفية إدارة العواطف. على سبيل المثال، كما ذكرنا سابقاً، قد يكون تدريب القائد على نهج الاستبدال مفيداً على المدى الطويل في الحد من الآثار السلبية المرتبطة باستراتيجية الإخفاء. كما يجب على القائد تحسين قدرته على إدراك عواطفه وفهم تأثير هذه العواطف على الآخرين.
وفي نهاية الحديث عن كيفية إدارة العواطف ، تزداد أهمية هذه العناصر الثلاثة عندما تكون الفرق موزعة جغرافياً. تتطلب العزلة التي نمر بها حالياً مزيداً من المسؤولية من جانب القادة، فالعدوى العاطفية السلبية قد تؤثر على زملاء هؤلاء القادة وعلى أسرهم، وذلك نتيجة تصعيدها حدة التوترات.