5 طرق يخرّب بها المدراء عملية التوظيف

6 دقائق
عملية التوظيف
بوريس جيتكوف/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يعاني مدراء التوظيف كلهم تقريباً من عدم القدرة على إدراك مشكلات معينة، أو ما يسمى “النقاط العمياء”، وإذا لم تعالج هذه المشكلة فستؤدي إلى نتائج مدمرة حتى وإن اتبعوا أنظمة مدروسة. تمكنت المؤلفة على مدى سنوات عملها من تحديد 5 مشكلات يعجز المدراء عن إدراكها تؤدي إلى تخريب نتائج عملية التوظيف، وتقترح طرقاً لتصحيحها. أولاً، يفترضون أنهم قادرون على تصحيح المشكلات التي يلاحظونها لدى المرشح في أثناء عملية التوظيف. ثانياً، يشيرون إلى الإدارة التفصيلية. ثالثاً، يبدون التعاطف على نحو يدل على الافتقار إلى الحدود المهنية. رابعاً، يغفلون عن المرشحين المعارضين. وأخيراً، يحاولون إثبات تبنيهم ثقافة الاستقلالية على نحو يشير على نحو غير مقصود إلى أنهم لا يتدخلون عاطفياً على الإطلاق.

 

عندما عملت في مرحلة سابقة من حياتي المهنية في بناء فريق بإحدى الشركات الناشئة، قمت مع المستثمرين والمستشارين بصياغة استراتيجية توظيف بدت منيعة. كان مجموع خبرات أفراد الفريق الاستشاري في تشغيل الشركات يزيد على 100 عام، وعلى الرغم من غنى الخبرات التي استندت إليها عملية التوظيف تعلمتُ درساً مهماً وصعباً من خطأ ارتكبته بنفسي: تبقى قوة استراتيجية التوظيف، وحتى أكثرها صرامة، مرهونة بقدرتها على إدراك المشكلات الخافية على صانع القرار وحلها.

خذ مثلاً أيمن، وهو مهني محترف في الإعلام أجريت معه مقابلة التوظيف، كان فصيحاً ومليئاً بالنشاط وأبدى تقارباً طبيعياً مع منتجنا. كانت أوراق اعتماده في غاية القوة والأهم أنه كان مستعداً لامتلاك حصة من حقوق الملكية بدلاً من تقاضي راتب كبير، وكان هذا عاملاً مهماً بالنسبة لشركة ناشئة. فعينّاه بالفعل.*

ولكن عندما أوصيت بهذا القرار أغفلت بضعة إشارات تحذيرية؛ كان أيمن قد اعترف بوضوح بأنه أحرق الجسور التي تربطه بالشركات التي عمل معها سابقاً، وبدا مقتنعاً بأنه كان مرة تلو الأخرى ضحية للمدراء الذين لا يقدّرونه وبيئات العمل السيئة، كما أنه لم يثر انطباعاً جيداً لدى أكبر مستثمر لدينا، إلى جانب أن رسائل التوصية التي أحضرها تحدثت عنه بلهجة حيادية. لكني اعتقدت أنه يتمتع بميزتين مهمتين: الشغف والإمكانات. وظننت أني قادرة على تصحيح الأمور الأخرى.

في نهاية المطاف، تسبب أيمن بعدة مشكلات للشركة، ونعتقد أنه سرق بعض المعلومات من الشركة وكذب ودمّر إحدى ملكياتها الفكرية. على الرغم من أننا لم نكن قادرين على توقع أن يكون سلوكه بهذا السوء، فقد صرفنا النظر عن الإشارات التحذيرية منذ البداية. لم تتمثل مشكلتنا في عدم معرفة أفضل ممارسات التوظيف، بل في عدم قدرتي على إدراك المشكلة؛ فقد استصغرت الخطورة وظننت أنه سيكون بإمكاننا إعادة تأهيل هذا المرشح الذي يعاني مشكلات كبيرة وإطلاق العنان لإمكاناته، لذلك أوصيت بتعيينه على الرغم من الإشارات التحذيرية ومخاوف أحد كبار المستثمرين.

والآن بعد أن عملت مع عشرات القادة والمؤسسين أعلم أني لست وحدي في هذه المشكلة؛ إذ يعاني مدراء التوظيف كلهم تقريباً من عدم القدرة على إدراك مشكلات معينة، وإذا لم تعالج هذه المشكلة فستؤدي إلى نتائج مدمرة وحتى في الأنظمة ذات التخطيط المتقن. مع مرور الوقت تمكنت من تحديد 5 من أهم المشكلات التي يعجز المدراء عن إدراكها وتؤدي إلى تقويض نتائج عملية التوظيف.

الإصلاح والإنقاذ

كانت هذه مشكلتي مع أيمن، وهي مشكلة شائعة لدى المؤسسين والقادة الآخرين من رواد الأعمال. يؤمن رواد الأعمال بطبيعتهم وبدرجة أعلى من المتوسط بقدرتهم على إحداث تغيير كبير، ومن الممكن أن يتحول هذا الإيمان إلى ثقة مفرطة بقدرتهم على “تطوير” الموظفين على الرغم من توفر أدلة تثبت افتقار الموظف إلى السمات اللازمة للنمو، مثل تحمل المسؤولية وتقبل التقييمات. قد يعمل مدرب رياضي شهير على إعادة تأهيل لاعب موهوب ولكنه يدمّر نفسه بنفسه، وسيشكل بذلك برنامجاً تلفزيونياً ناجحاً، لكن في الحقيقة لا يملك معظم مدراء التوظيف ما يلزم من موارد أو مهارات أو وقت لإصلاح الموظفين الذين يعانون مشكلات كبيرة.

إلى جانب ثقة رائد الأعمال المفرطة بمهاراته في حلّ المشكلات، فهو يعاني نقطة ضعف تجاه هذا النمط بسبب ميزانيته المحدودة؛ إذ يبحث غالباً عن صفقة رابحة يمكن أن تتمثل في المرشح العازم على أخذ حصة كبيرة من راتبه على شكل حقوق ملكية، وسيفترض القائد الذي يعتز بمؤسسته أن دافع هذا المرشح هو شغفه بأعمال الشركة ولكنه يغفل عن احتمال وجود أسباب أخرى لهذا التنازل من الناحية المالية، وهي تشمل عدم توفر الخيارات.

إذا لاحظت أنك تعاني هذه المشكلة، فثمة طريقة مثلى للحد من الخطورة، وهي واضحة ولكنها غير مستخدمة بدرجة كافية: لا تتخذ قرار التوظيف وحدك بل اطلب رأياً ثانياً، وإذا حصلت على الرأي الثاني فاستمع له ولا ترتكب نفس خطئي.

البحث عن التأييد

لمى هي رئيسة تنفيذية لشركة تكنولوجيا ناشئة، ورأت أن شركتها معرضة للخطر عندما فشلت ميزات أحد منتجاتها فشلاً ذريعاً في اختبار النسخة التجريبية. لم يوجه أي فرد من أفراد فريقها أي انتقاد قبل طرح المنتج، ولم تفهم كيف حصل ذلك. لكنها أقرت بأنها لم توظف سوى الأشخاص الذين أبدوا حماساً لا محدوداً في مقابلات العمل، واعتبرت أن المرشحين الذين لم يشيدوا بالمنتج “لا يملكون الشغف الكافي”.

وبالنتيجة أغفلت المرشحين الذين يجذبون الانتباه إلى المشكلات حتى وإن كان ذلك مكروهاً. في دراسة أجرتها كلية “كورنيل جونسون للدراسات العليا في الإدارة“، يحذر الباحثون من أن القادة الذين يطورون “ثقة مفرطة متزايدة نتيجة لمستويات عالية من التملق” تقل احتمالات أن “يحدثوا التغيير الاستراتيجي الضروري”، ولمى هي مثال على هؤلاء القادة، إذ خلطت بين التأييد والشغف.

فإن كنت تسعى لاتخاذ قرار بشأن المشكلات الخافية عليك، التي تسمى أيضاً صناعة القرار “بناء على التأثير“، فيجب أن تدرك أن جذب الانتباه إلى العيوب لا ينفي الشغف، وهو يتطلب انتباهاً وتحليلاً وشجاعة، في حين أن المديح سهل. لا تتغاضى عن المرشحين الذين ينتقدون شركتك على نحو يحفز التفكير حتى وإن تمثل رد فعلك اللاإرادي الأول في رفضهم.

تجاوز الحدود

وفاء هي مسؤولة تنفيذية في التسويق، وكانت تؤمن بأن ما يجذب المرشحين إليها هو أن فريقها “يبدو كالعائلة”، على الأقل إلى أن اعترف أحد الزملاء بأن الفريق مستاء من الوقت الكبير الذي تقضيه وفاء في مساعدة هالة، وهي مرؤوسة مباشرة لديها تمر بتجربة طلاق. كانت هالة تعاني من المشكلات دائماً، مع زوجها ووالديها وحياتها الاجتماعية وسيارتها، وشعرت وفاء بأن عليها واجب المساعدة في هذه المشكلات “الطارئة”، وكان ذلك غالباً على حساب بقية أفراد الفريق الذين حملوا على عاتقهم تعويض تقصيرهما في العمل.

تتذكر وفاء مدى انجذاب هالة تجاه فكرة الفريق المتماسك في أثناء مقابلة العمل، لكن ما لم تفهمه وفاء هو أن التعاطف له وقته ومكانه، وهو قادر على تحويل القائد الجيد إلى قائد رائع، ولكن من الممكن إساءة استخدامه أيضاً.

وحين وصفت وفاء فريقها بأنه عائلة ظنت أنها تشير للمرشحين إلى ثقافة التعاطف، بيد أن كلمات مثل “نحن نشكل عائلة” أو “يساند بعضنا بعضاً دائماً مهما كانت الظروف” تدل فعلياً على الافتقار إلى الحدود المهنية.

إذا رأيت أنك تجذب مرشحين يعانون دائماً من أحداث درامية ويستأثرون بوقت الجميع، فتنبه لاستخدامك عبارات ذات طابع شخصي مبالغ فيه، واحذر من مبالغة المرشحين في مشاركة قصصهم الشخصية، لا سيما حين يعتبرونها عوامل مخففة للمشكلات المتكررة في العمل.

الإدارة التفصيلية

يتقبل الجميع نظرياً على الأقل أن الإدارة التفصيلية هي ممارسة غير مرغوب فيها تعود جذورها إلى عدم الثقة بالنفس والقلق، ومع ذلك يستمر كثير من القادة بالإشارة إلى ثقافة الإدارة التفصيلية للمرشحين في أثناء عملية التوظيف. لكن قدرة الموظف على تقرير مصيره واستقلاليته وإيمانه القوي بقدرته على التحكم بحياته هي جميعها عوامل تعزز الحافز الإبداعي لديه، ويحتاج الشخص الجريء إلى الحرية كي يتمكن من المجازفة وارتكاب الأخطاء وتحدي الافتراضات الراسخة.

وبالتالي فالمدير الذي يلمح إلى الرقابة الشديدة على الموظفين في أثناء عملية التوظيف سيجذب المرشحين الذين يتمتعون بالقدرة على تحمل البيئات غير المرنة، وهم أشخاص يفتقرون إلى الشغف والحافز ولا يندمجون في العمل ويفضلون نمط العمل الخطي.

إن كنت ترى أنك تواجه صعوبة في توظيف أشخاص مبدعين قادرين على إدارة أنفسهم، فيجدر بك التفكير في الإشارات التي ترسلها إلى المرشحين، وراجع شدة تركيزك على القواعد والإجراءات أو تمجيدك للسلم الوظيفي أو المخطط التنظيمي أو إشارتك إلى عدم القبول بالنزاعات (التي يمكن أن يكون بعضها بنّاءً).

الانفصال

ميس هي قائدة مؤسسة رعاية صحية، وأجبرت على طرد موظف قامت بتوظيفه بعد أن تنمّر على زملائه، ولم يكن أول موظف تعينه ميس ولا يستطيع التفاهم مع بقية أفراد الفريق، لكنها لم تتمكن من فهم سبب تكرار هذه المشكلة. بعد المراجعة أدركنا أن ميس كانت تتحدث في مقابلات العمل عن “الحرية التامة” على اعتبارها السمة المميزة لثقافة الشركة، وتخبر المرشحين أنها لا تتدخل إلا عند الضرورة كي لا تعيقهم.

كانت تعتقد أنها تشير إلى أنها لا تمارس الإدارة التفصيلية، ولكن وفقاً لما قاله الزملاء فقد كانت توصل رسالة بأنها غير مهتمة.

في حين أن الإدارة من دون التدخل والسماح للفريق بالعمل وحده تبدي لموظفيك أنك تثق بهم، فانفصالك العاطفي عنهم يخبرهم أنهم يعملون وحدهم. تشير الأبحاث إلى أن الفريق الذي يكون قائده غائباً عنه يشعر أفراده بأنهم في بيئة يفشلون فيها أو ينجحون بجهودهم الخاصة، وقد تتحول إلى أرض خصبة للنزاعات غير الصحية. يخلق أسلوب القيادة بعدم التدخل فراغاً يسمح بنجاح المتنمرين، ولم تفكر ميس قطّ في أن أسلوبها في إجراء مقابلات العمل يجذب الأشخاص الباحثين عن القوة بدلاً من الذين يتمتعون بروح الجماعة.

التمادي في أسلوب الرسائل التي تقول للمرشح: “أنت مسؤول عن نفسك، حظاً سعيداً” سيؤدي إلى نشوء مجموعة أفراد يعمل كل منهم وفق مصلحته ولا يهتم سوى بتسجيل الحضور إلى العمل والانصراف منه دون أن يزعجه أحد. إن كان هذا حال فريقك، فحاول أن توازن رسائل الاستقلالية التي ترسلها لأفراده مع تأكيد حضور الروابط القوية والقيادة الملتزمة.

جميع هذه المشكلات التي يعجز مدراء التوظيف عن إدراكها خلال عملية التوظيف مضرة بسبب طبيعة المرشحين الذين تجذبهم والأمور التي تحجبها عن المدراء، وفي كل مرة يُدخل القائد إلى فريقه فرداً يفتقر إلى حس المسؤولية أو منفصلاً أو متنمراً يدفع بقية أفراد الفريق الثمن. سيتمكن المدراء عن طريق بعض التأمل الذاتي والتقييم الصادق للهفوات التي تسبب تكرار أخطاء التوظيف من وأد كثير من هذه الأخطاء في مهدها والبدء بملاحظة المرشحين المتميزين الذين كانوا يغفلون عنهم.

*تم تغيير بعض التفاصيل حفاظاً على الخصوصية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .