كيف تخلت أميركا عن التغيير؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كتب الاقتصادي تايلر كوين، في كتابه الأخير، عن قدرة الذكاء الآلي في تغيير العالم. وتحدّث في كتابه الجديد “الطبقة الراضية” (The Complacent Class)، عن القوى التي تمنع حدوث التغيير. وجادل على وجه التحديد بأن أميركا أصبحت أكثر كرهاً للتغيير في العقود الأخيرة، وأن هذه القضية قد غيّرت من أعمالنا ورفاهيتنا وأحيائنا.

طلبتُ من كوين شرح أطروحته وما تعنيه بالنسبة لشركاتنا وأعمالنا وحتى سياستنا. وحرّرتُ المحادثة من أجل الوضوح والدقة.

هارفارد بزنس ريفيو: كتبتَ في الكتاب “يعمل الأميركيون في الواقع بجدية أكبر من ذي قبل لتأجيل التغيير أو تجنبه تماماً”. ما الأمثلة على ذلك؟

كوين: محاربة التغييرات في مجتمعك، مثل التأكد من عدم حدوث أي شيء في المكان الذي تقطن فيه يؤدي إلى خفض قيمة منزلك. والتأكد من عدم خفض قيمة مستحقاتك. بشكل عام، التيقظ ومحاولة جعل حيّك آمناً قدر الإمكان، وتطبيق مبدأ وقائي على معظم الابتكارات التي تأتي إلى المجتمع. هذه كلها طرق نعمل بها للدفاع عن الوضع الراهن.

وأعتقد مع ذلك أن الاضطراب السياسي مع انتخاب ترامب سوف يأتي في وقت أقرب مما توقع الكثير من الأفراد. وأسرع حتى مما كنتُ أنا أتوقع، لقد توقعتُ ذلك في الكتاب، لكنني لم أتوقع أن يحصل قبل نشره! ونشهد الرد على ذلك من خلال الاحتجاجات والحركات الاجتماعية، فنلحظ إعادة أحداث العديد من الزوايا السياسية التي حصلت في ستينيات القرن الماضي، ولكن مع تسريع وسائل التواصل الاجتماعي لها. وستكون هذه تجربة ممتعة للغاية، ولكنها مخيفة إلى حد ما أيضاً. أرى حقبة الستينيات حقبة مهمة ومفيدة للغاية لنا الآن.

هل توجد فئات معينة من المجتمع تتمثّل فيها “الطبقة الراضية”؟

أعتقد وجود عدة طبقات مختلفة من الطبقة الراضية في هذا البلد. إذا كنتَ من النخبة المتعلمة، فأنت بالفعل في وضع مريح للغاية، وعليك في الأساس تجنب فقدان ما تملكه. وإذا كنتَ من الطبقة المتوسطة الدنيا، حيث قد تكون الحياة أكثر صعوبة، فلا بد أنك شهدت بعض الركود في الأجور. قد يبدو أن هؤلاء الأشخاص غير راضين، ولكن عند مقارنتهم بالأوقات السابقة في التاريخ الأميركي مثل ثلاثينيات القرن العشرين، أو فترة الحرب الأهلية، أو ستينيات القرن العشرين، من استعداد الأفراد لتحمل الأمور، وتحسين جودة رفاهيتهم، وثم مواصلة حياتهم دون التحريض من أجل تغيير عاجل للغاية، نرى أن رضاهم عن الوضع الآن أكثر من ذي قبل. والأمر سيّان حتى للأشخاص الذين قد تعتقد أنهم أبعد ما يكون عن الرضا، إلا أن رضاهم بالوضع الراهن قد اتضح في كثير من الأحيان.

هذا كله يحدث خلال فترة نرى فيها الكثير من التغيير في التكنولوجيا، خصوصاً في تكنولوجيا المعلومات وتعلّم الآلة، ومن المحتمل، الذكاء الاصطناعي. كيف يتناسب هذا التقدم مع أطروحتك؟

حسناً، هناك الكثير من التغيير، لكنه يتركز في بعض المجالات. انظر إلى المفهوم الكلاسيكي للتقدم الذي يعود إلى القرن العشرين، والذي يدور حول مدى سرعة تنقلك في الحيّز المادي. لم تحصل زيادة في السرعة لفترة طويلة. الطائرات ليست أسرع، وهناك المزيد من الازدحام المروري مع وجود السيارات، من الصعب في الواقع تجاوز ذلك، وهذا ما يجعل العالم المادي أقل حيوية. من الصعب بناء الأشياء في الولايات المتحدة.

والأمر الأسهل بكثير هو الجلوس في المنزل والاستمتاع بالحياة. يمكنك التحدث إلى مساعدك الشخصي الذكي “أليكسا” (Alexa)، أو نظام “إيكو” (Echo) لتنفيذ أوامرك. وتستخدم الإنترنت، وتشاهد “نتفليكس” (Netflix). لقد جعلت هذه الأمور منا جميعاً أصدقاء المنزل، وأرغمتنا على الشعور أننا لسنا بحاجة إلى تغيير الأمور، وأننا أكثر راحة في أنماط استهلاكنا. ومن الواضح أن لذلك مكاسب خاصة كبيرة، وإلا لما قام بها الأفراد. ولكن مع ذلك، هناك تأثير جماعي يثير القلق عندما تصبح مساحاتنا المادية والجغرافية أقل حيوية وأقل حركة وأقل اختلاطاً. وهذه هي أميركا التي نشهدها اليوم.

يتحدث الكتاب كثيراً عن الفرز والعزل. اشرح لنا كيف هو شكل هذا الرضا والفرز والعزل الذي يدفعه عملنا وحياتنا العملية.

لدى الأفراد اليوم قدرة أكثر على الاقتران مع الآخرين الذين يشابهونهم. من المرجح أن يقطن الديمقراطيون قرب الديمقراطيين الآخرين أكثر مما كان عليه الوضع من قبل. هناك الآن معارضة أكبر للزواج من الأحزاب السياسية المختلفة أكثر من المعارضة بين الأعراق، على الأقل إذا أجريت استطلاعات للرأي.

لكنني أعتقد أن الفكرة الأكثر أهمية هي الفصل المادي العام حسب الدخل. فيعيش الأغنياء مع الآخرين أمثالهم. ويميل الأفراد الأقل ثراء إلى العيش معاً. هناك عدد قليل من الأحياء المختلطة اقتصادياً. ونحن نعرف، من خلال بحث راج تشيتي، أن هذه الأحياء المختلطة مفيدة جداً للحركة الاقتصادية والاجتماعية، لكننا نفقد تلك المناطق بسرعة كبيرة مع تجديد هذه الأحياء. وإلى جانب ذلك، هناك بعض التداعيات غير المباشرة في مناطق كثيرة من البلاد، والمتمثّلة في المزيد من الفصل العنصري. غالباً ما يكون الفصل العنصري في المدارس أكثر، ولا يكون دافعه العنصرية عموماً، بل الاختلافات في الدخل والثروة. أعتقد أن هذا غير صحي أيضاً.

لقد رأينا بعض هذه الأنماط تتلاعب في كيفية هيكلة الصناعات والشركات، وتحدثتَ عن هذا قليلاً في الكتاب: نوع من التباين في مصائر الشركات والعمال.

نعم، لقد شهدنا ظهور ما يسمى “الشركات الفائقة”. وتُعتبر “جوجل” (Google)، و”فيسبوك” (Facebook)، و”آبل” (Apple) من الأمثلة الأكثر وضوحاً، فهي من الشركات الأكثر إنتاجية بكثير من منافسيها، بل إنها تبتكر أيضاً في مجموعة واسعة من المجالات. وهذه الشركات الفائقة قليلة العدد نسبياً كما أنها مبدعة للغاية. لكن واقع الأفراد هذه الأيام هو عملهم إما موظفين راسخين مع شركة جيدة حقاً، تستثمر الكثير فيهم وتمنحهم مناصب جيدة جداً، أو في وظائف تتعامل معهم كسلع، إضافة إلى انفصالهم إلى حد ما عن الشركات الفائقة واحتمال تعرضهم لشكل من أشكال الركود في الأجور. وقد أصبحت هذه القضية أكثر تشعباً بمرور الوقت.

أحد الأمثلة التجارية الأخرى التي أقدمها للتفكير في كيفية عمل التلاؤم هو سوق الموسيقى. لقد اعتاد الأفراد على استهلاك وشراء الموسيقى الجديدة منذ فترة ليست ببعيدة. كانت غالبية هذه الموسيقى رديئة، لكن بعضها الآخر كان رائعاً. اليوم، نجد أن أول ما يلائمنا هو “آي تيونز” (iTunes)، ثم “سبوتيفاي” (Spotify)، و”باندورا” (Pandora)، و”يوتيوب” (YouTube)، لذا يمكنك في أي وقت الاستماع إلى ما تريد بالضبط. وهذا أمر رائع للمستمع، ولكن النتيجة النهائية هي أن الأفراد يقضون وقتاً أطول بكثير في الاستماع إلى الموسيقى القديمة، ونحن هنا نعيق مجرى الإبداع الذي ننتجه للمستمعين في المستقبل. وهذا مثال آخر على أن الملائمة قد تكون مفيدة للفرد ولكنها سيئة للابتكار في المجتمع الأوسع.

ما الذي تتوقع حدوثه مع الذكاء الاصطناعي؟ هل سيدفعنا إلى أن نأخذ التغيير على محمل الجد، وأن نرغب في المزيد منه؟ أم أنه سيثير رد فعل عنيف؟

سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير، لكن الأمر سيستغرق فترة طويلة من الزمن. وأحد أكبر المشاكل هي نحن. لنفكّر، على سبيل المثال، في السيارات والشاحنات والمركبات الأخرى دون سائق. نعرف أن بإمكانها العمل، لكن فيما يتعلق بالإطار القانوني والتنظيمي، أعتقد أنه ستمر عقود قبل أن نُصدر قوانين كافية يمكنها أن تُحدث ثورة في حياتنا. في الواقع، سيكون التأثير على المدى القصير هو تعطيل عمل الكثير من سائقي الشاحنات، وفقدان الأفراد وظائفهم قبل خلق وظائف جديدة لهم.

ما مدى توافق إيجابيات الديناميكية وسلبياتها؟ هل يمكن أن نتحرك نحو عالم نحصل فيه على المزيد والمزيد مما هو جيد دون السيئ؟ 

لقد أكّدتُ أن المكاسب الاجتماعية للديناميكية قد تكون إيجابية، وأن المركبات التي تعمل دون سائق تعد مثالاً على ذلك. لكن ستبدو العوائد الخاصة على المدى القصير بالنسبة لمعظم الأفراد سلبية. سنرى اختفاء الوظائف، وسيتعين علينا إتقان التقنيات الجديدة. سوف تكون هناك تكاليف كبيرة للتكيف والانتقال. يتطلّب وجود مركبات دون سائق بنية تحتية لتلك المركبات لتكون منطقية حقاً، وهذا سوف يستغرق الكثير من العمل. انظر فقط إلى مدى صعوبة تحسين البنية التحتية اليوم، فكّر في مسائل بسيطة مثل إصلاح الحفر أو بناء جسر جديد.

أعتقد أننا في وضع أفضل لتسريع هذه العملية، كما حدث في القرن العشرين. (بدلاً من ذلك، نحن نجعلها) أكثر إيلاماً، وهذا لحماية مواقفنا الخاصة فقط.

ماذا تعني أطروحة الطبقة الراضية لسياستنا للمضي قدماً؟

إذا نظرتَ إلى الميزانية الفيدرالية، فقد انتقلنا من وضع تم فيه البت بحوالي 20% من الميزانية مقدماً على سبيل المثال في أوائل الستينيات، إلى وضع يُحتجز فيه حوالي 80% من الميزانية في الاستحقاقات بشكل أساسي. أنا لا أقول إن هذه الاستحقاقات كلها، أو حتى أي منها سيئ. إنها قضية أخرى. ولكن فيما يتعلق بدرجات الحرية، يجب على الحكومة الفيدرالية أن تنفق الأموال على المشاريع والأفكار والمجازفات الجديدة، نحن لا نعيش في العالم الذي اعتدنا العيش فيه، وحكومتنا تلعب دوراً أساسياً في الدفاع بمحاولة تغطية النفقات التي تشعر أن من واجبها خفضها، بدلاً من البناء من أجل مستقبلنا. سوف تساعد الأموال الأفراد على حماية شيء لديهم بالفعل. إننا نكره المخاطرة لأننا نكره الخسارة. وأُفضّل أنا التقليل من تغطية النفقات، لكن لا أرى أي فرصة لنجاح الأمر من الناحية الواقعية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .