كيف تكون أقل تشتتاً في العمل وفي الحياة؟

18 دقيقة
shutterstock.com/solar22
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع خبير التكنولوجيا وعلم النفس نير إيال، حيث يناقش تعليمات حول حماية أنفسنا من عوامل التشتيت الخارجية التي تواجهنا والأدوات التي تجبرنا على التركيز على أهداف الصورة الكبيرة.

يمكنك استمع إلى هذه المدونة الصوتية واشترك فيها عن طريق آبل بودكاستس أو جوجل بودكاستس أو ملخص المواقع الغنية.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

يقول نير إيال إنّ علينا جميعاً تعلم أن نكون متشتتين بشكل أقل في الأنشطة التي لا تساعدنا على تحقيق ما نريده كل يوم. قد تتراوح السلوكيات غير المقبولة بين تصفح وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة فيديوهات يوتيوب والدردشة مع الزملاء أو الرد على رسائل بريدية غير عاجلة. وللتحرر من هذه العادات، نبدأ بالاعتراف أنّ ما يشتتنا في أغلب الأحيان هي عواطفنا وليست أجهزتنا. ثم نعترف بالفرق بين الانجرار (العمل أو الرفاهة المتسقين مع القيم) والتشتت (لا) ونقوم بتخصيص وقت في جداولنا الزمنية للأمر الأول.

النص

أليسون بيرد: مرحباً بكم في برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.

عندما تأتي إلى العمل في كل يوم، من الطبيعي أن يكون ذلك بأصدق النوايا. ستقوم بإصلاح تلك الشيفرة البرمجية أو كتابة مقترح لعميل ما أو إكمال مراجعات الأداء أو تسرد هذه الأهداف الاستراتيجية. ثم يصلك إشعار رسالة بريد إلكتروني أو رسالة على “سلاك” أو مكالمة من أحد الزملاء وفجأة تكون قد أهدرت 30 دقيقة أو ساعة في التعامل مع شيء أقل أهمية من العمل الذي خططت لفعله. لقد كنت مشتت الذهن.

يحدث هذا مع الكثير منا، لمرات عديدة في اليوم الواحد. وضيفنا هو خبير في هذه المشكلة. قبل خمس سنوات، ألف كتاباً يقول للشركات كيف تبني منتجات تشكيل العادات، أي كيف ندمن الأشياء وكيف نتشتت. ومنذ ذلك الحين كان يدرس الطريقة التي يمكن للموظفين من خلالها التحرر من هذه العادات السيئة، ليس فقط مع الأجهزة التي نستخدمها، بل في عقولنا أيضاً.

وهو هنا اليوم لتقديم نصيحة للأفراد الذين يريدون أن يكونوا أكثر تركيزاً والمدراء الذين يريدون أن يكونوا أقل تشتتاً في أماكن العمل. نير إيال هو مؤلف كتاب “منيع ضد التشتت: كيف تتحكم بانتباهك وتختار حياتك” (Indistractable: How to Control Your Attention and Choose Your Life). مرحباً بك في البرنامج يا نير.

نير إيال: شكراً جزيلاً يا أليسون.

أليسون بيرد: قمت بالفعل بتأليف كتاب عن الطريقة التي يمكن للشركات من خلالها تطوير هواتف وتطبيقات ومواقع إلكترونية تجذب اهتمامنا، وأحياناً بطرق غير مجدية. والآن تخبرنا عن كيفية تجنب التشتت الذي تُحدثه هذه الأمور. لماذا التحول 180 درجة؟

نير إيال: ليس تحولاً بقدر ما هي فكرة لدي حول هذين السؤالين. الإدمان مختلف جداً عن العادة، فبينما يعتبر الإدمان سيئاً دائماً، يمكن أن تكون العادات جيدة جداً. وما نريد أن نفعله هو أن نأخذ الأفضل من كلا العالمين. نريد أن نتعلم كيفية استخدام تكنولوجيا تشكيل العادات لنجعل حياتنا أفضل، ونريد أن نتمتع بوعي إزاء كيفية بناء هذه الأدوات أو نتأكد من عدم المبالغة في الأمر.

أليسون بيرد: التشتت بهذه المنتجات المصممة لإبعادنا عن المهمات الأكثر أهمية في اليوم إلى أشياء تميل إلى أن تكون من قبيل التسلية أو المتعة، هل هذه تعتبر بمثابة عادة يمكننا التحرر منها؟

نير إيال: نعم. سأقول حقاً أنّ هذه هي العادات التي يسهل التحرر منها. من الواضح إلى حد كبير إذا كنت تضيعين وقتك على يوتيوب أو تتحققين من وسائل التواصل الاجتماعي في منتصف يوم عملك، هذا على الأرجح ليس ما يتعين أن يفعله معظم موظفي المعرفة بوقتهم.

أعتقد أنّ عوامل التشتيت الأكثر إيذاء هي التي لا ندرك أننا نقع ضحايا لها. على سبيل المثال، هذا يحدث لي طوال الوقت. أجلس على مكتبي وأقول حسناً سأقوم الآن بالعمل على ذلك المشروع الكبير، الذي كنت أؤجله، والذي كنت أؤخره يوماً بعد يوم. سأجلس أخيراً وأعمل على ذلك المشروع. مباشرة بعد أن أتحقق من البريد الإلكتروني.

وتتسم رسائل البريد الإلكتروني بطابع العمل، أليس كذلك؟ أليس البريد الإلكتروني مفيداً؟ ذلك نوع من العمل الذي يتعين عليك إنجازه بأي حال، أليس هذا صحيحاً؟ حسناً، ليس حقاً، لأننا إذا اكتفينا بفعل الأشياء العاجلة ولم نصل إلى الأمور التي تتسم بنفس الأهمية، ولكنها قد تتطلب تخطيطاً لفترة أطول، الأشياء التي نؤجلها يوماً بعد يوم، فإننا لا ننجز أهم المهمات.

وبالتالي، فإنّ هدفي من تأليف كتاب “منيع ضد التشتت” (Indistractable) كان مساعدة الموظفين على تحويل قيمهم إلى وقت. معظم الناس سيخبرونك أنّ عكس التشتت هو التركيز. إنه ليس التركيز. عكس التشتت هو الانجرار. كلا الكلمتين بالإنجليزية تأتيان من نفس الجذر اللاتيني، “trahere”، الذي يعني السحب، وينتهيان بنفس الأحرف: أ-ك-ش-ن. والتي تعني “عمل” بالإنجليزية. إذن، يعتبر الانجرار هو أي عمل يسحبك نحو ما تريد فعله بوقتك. الأشياء التي تنوي فعلها.

إذن، التشتت هو أمر خادع، أليس هذا صحيحاً؟ يبدو عامل التشتت في لحظة ما كشيء يتعين علينا فعله، حتى لو لم يكن شيئاً نخطط لفعله مسبقاً. وهذا ما أريد أن أساعد الناس في فعله. مهما كان ما تقول أنك ستفعله، ومهما كان الأمر المنسجم مع قيمك، ذلك ما أريد مساعدتك في أن تنجزه.

أليسون بيرد: إذن، كل الأمر يبدأ من التخطيط؟

نير إيال: هذا جزء كبير منه. وكنت لأذهب أبعد من ذلك. بالمناسبة، أتعلمين أنّ هذا السؤال الذي يقول: لماذا نفعل أشياء تناقض مصالحنا الأفضل؟ ولماذا نتشتت؟ هذا سؤال قديم جداً. أطلق عليه سقراط وأرسطو اسم (Akrasia) أو “ضعف الإرادة”. هذا الميل الذي يتملكنا تجاه القيام بأمور تخالف أفضل مصالحنا. إذن، كان الناس قبل 2,500 عام حرفياً يقولون: أليس العالم مكاناً مشتتاً في هذه الأيام؟

وبذرة بعض الحافز، إذا سألت معظم الناس لماذا نفعل ما نفعله؟ وما الذي يعرف الحافز البشري؟ ستحصل عادة على شيء من قبيل وسائل الترغيب والترهيب “العصا والجزرة” وهذا هو ما يسمى بمبدأ السعادة لدى فرويد. أنّ كل ما نفعله هو بشأن السعي وراء اللذة وتجنب الألم.

ويتضح أنّ ذلك غير صحيح، من ناحية علم الأعصاب. وفي الحقيقة، كل ما نفعله ليس مدفوعاً بواسطة الرغبة بالسعي وراء اللذة وتجنب الألم، ولكن في الحقيقة إنّ الألم يلازمنا على طول الطريق. يسمى ذلك بالاستجابة الاستتبابية (homeostatic response). أي أننا في كل مرة نشعر بعدم الارتياح، فهذه هي الطريقة التي يحفزنا بها دماغنا على العمل، وفعل شيء ما، وإصلاح ذلك الإحساس غير المريح.

من الناحية الفسيولوجية، نعلم أنّ هذا صحيح. إذا خرجت وكان الجو بارداً، تقوم بارتداء معطف. وإذا دخلت وأصبح الجو حاراً جداً، تخلع ذلك المعطف. من الناحية الفسيولوجية، هذا صحيح أيضاً. عندما نكون وحيدين، نتحقق من حساباتنا على فيسبوك. عندما لا نكون واثقين من معلومة ما، نبحث في جوجل. عندما نشعر بالملل، نتحقق من الأخبار وأسعار الأسهم ونتائج المباريات، وأياً كان الأمر. كل هذه الأدوات تتناسب بشكل أساسي مع الإحساس غير المريح.

ونسميها حوافز داخلية. إذن، تلك هي الخطوة الأولى لأننا إذا اعترفنا أنّ كل سلوك بشري تقوده رغبة في الهروب من الشعور بعدم الراحة، ما يعنيه ذلك هو أنّ إدارةالوقت هي إدارة الألم. والذي تغير هنا، والمختلف في العقود العديدة الماضية، هو أنه إذا كان التشتت هو ما تبحث عنه، فالتشتت هو ما ستجده. أصبحت تهدئة هذه الأحاسيس التي لا تشعرنا بالراحة أسهل من أي وقت مضى نظراً لطبيعة التكنولوجيا المقنعة وواسعة الانتشار.

أليسون بيرد: تحدثت عن فكرة فهم ما تريد فعله حقاً وما تريد إنجازه. لكن بوسعي أن أفهم أنّ أهم شيء بالنسبة لي لأفعله اليوم هو تحرير مقالة ما، لكن أيضاً عدم القدرة على التعامل مع ذلك الملل، وإيجاد خمس رسائل بريد إلكتروني للرد عليها وهذه هي طريقة لإنجاز الأمور المحددة على قائمتي. كيف أتعامل مع كل هذه التحديات؟ كيف أجبر نفسي على التصرف السليم؟

نير إيال: توجد أربع ركائز كبيرة، أربعة أشياء يمكننا أن نفعلها لنتمتع بالمناعة في وجه التشتت. يجب أن تكون الخطوة الأولى هي السيطرة على هذه الحوافز الداخلية، ويمكننا الحديث عن كيفية السيطرة عليها. والخطوة الثانية هي تخصيص وقت للانجرار. يمكنك التعمق أكثر في هذا الأمر. الخطوة الثالثة هي الاختراق المضاد للحوافز الخارجية. وأخيراً، الخطوة الرابعة هي منع التشتت من خلال اتفاقيات.

ينتمي معظم الناس إلى هاتين المجموعتين. وأدعوهم باللائمين والفاضحين. يميل اللائمون إلى القول إنّ التكنولوجيا تفعل ذلك بهم. وأنه يجري التلاعب بهم. وأنه يجري استغلال عقولهم، وهم يلقون باللوم على الشركات. ويعتقد الفاضحون أنهم هم كذلك. فيقولون انظر إلينا إننا كسالى. ولدينا شخصية تميل للإدمان. لدينا مدى انتباه ضيق. يفضحون أنفسهم ويخبرون أنهم يعانون من مشكلة ما. ويتضح أنّ المجموعتين خاطئتان. وأنّ هذه ببساطة تمثل سلوكيات. ويمكن تغيير السلوكيات إذا قمنا بتنفيذ هذه الأساليب الأربعة.

أليسون بيرد: كيف نبدأ في التحكم بهذه الحوافز؟

نير إيال: نعم. نبدأ من خلال الاعتراف بأنّ هذه الأحاسيس طبيعية تماماً. في أجواء مكان العمل، نصف ما يجري هناك هو بخصوص الأشياء التي تستطيع فعلها كفرد. لكن إذا كنت تعمل في بيئة يطلب فيها مديرك أن تستجيب له فوراً عند رهن إشارته، في الليالي والعطلات الأسبوعية، عليك أن تفعل ذلك أو ستفقد مصدر رزقك.

وما تود أن تفعله هو تعلم كيفية التأقلم مع هذه الأحاسيس غير المريحة بطريقة تقودنا إلى الانجرار خلافاً للتشتت. ثمة أساليب ثلاثة رائعة: إعادة تصور الحافز، وإعادة تصور المهمات، وإعادة تصور مزاجنا.

إحدى التقنيات التي تعلمتها من علاج القبول والالتزام تبدأ ببساطة بالاعتراف بالإحساس. إذا استطعت إدراك الشعور السابق قبل التشتت، هل تفقدت هاتفك لأنك تشعر بالقلق أو الخوف أو عدم اليقين أو الإنهاك أو الوحدة؟ ماذا كان ذلك الإحساس الباطن الذي يدفعك إلى جهازك أو إلى شيء من عوامل التشتيت لتهدئة عواطفك؟

وما أريد منك أن تفعله هو كتابته. اكتبه دون أن تحكم عليه. اعترف بذلك الإحساس فحسب. الخطوة التالية هي ملامسة ذلك الإحساس بالفضول بدلاً من الازدراء. إذا كنت تجرب أن تقول إنك ستضرب نفسك كلما تشتت ذهنك. والكثير منا يفعلون ذلك. نضرب أنفسنا وهذا غير مفيد. في الحقيقة، أثبتت الدراسات أنّ هذا يفاقم المشكلة بالفعل من خلال الاجترار. ما نريد القيام به بدلاً من ذلك هو التمتع بالفضول بدلاً من الازدراء مع ذلك الشعور.

أليسون بيرد: لكن القيام بذلك في إطار مكان عمل، لا أركز على الشيء المهم الذي يجب عليّ فعله وأقول لنفسي: لماذا أفعل ذلك الشيء؟ الإجابة هي هي أنني لست مهتمة جداً بالعمل، أو أنني لا أشعر بجاهزية للعمل، كيف يساعدك ذلك في تحسين الوضع؟

نير إيال: ربما يكون ذلك هو الوضع الذي قد تسألي فيه نفسك: إذا رأيت نفسك في المرآة لمرات كافية كل يوم وقلت أكره هذه الوظيفة. ربما يكون ذلك شيء ترغبين بإصلاحه، التصنيف الأول، أصلح مصدر المشكلة. لأنّ هذه الأساليب جيدة جداً. إذا كنت بائساً جداً في وظيفتك، وفي علاقاتك، وفي حياتك في المنزل، فالمشكلة ليست في الهاتف. المشكلة ليست في البريد الإلكتروني. المشكلة فيما يدور في حياتك. ربما يكون ذلك جانباً يحتاج القليل من التأمل للقول إنّ هذه الوظيفة مناسبة لك.

أليسون بيرد: لأكون واضحة، كنت أتحدث على سبيل الافتراض. أستمتع في عملي.

نير إيال: لا أريد أن أتلقى مكالمة من مديرك. نعم، بالطبع. لكن بالتأكيد. على أي حال، يقول معظم الأشخاص إنّ وظائفهم جيدة. أنا جيد. الحياة في المنزل جيدة. لكن ذلك الشيء الذي يتعين عليّ فعله اليوم يقودني إلى الجنون. لا أريد أن أفعلها.

إذن، هذه هي المرحلة التي قد تنفذ فيها أحد هذه الأساليب بأن تقول لماذا لا أريد فعل ذلك؟ ما الصعب في الأمر؟ هل هو الملل؟ أم أنه ما يتعبني؟ وهل أنا غير واثق من أنّ هذا جدير بفعله؟ كتابة ذلك الإحساس، واستكشاف ذلك الإحساس بمنطق الفضول، ثم استخدام هذا الشيء الأخير الذي أردنا فعله، يطلق عليه قاعدة الدقائق العشر. إذ أقوم حرفياً بإمساك هاتفي وأقول لهاتفي ضع المؤقت على عشر دقائق. وأضع الهاتف، وعلى وظيفتي أن تجلس مع ذلك الإحساس لبضع دقائق من الفضول. وهذا ما يسمى باستكشاف الرغبة.

لأنّ ما نعرفه من علاج القبول والالتزام هو أنّ هذه الأحاسيس، هذه الحالات العاطفية غير المريحة، تصل إلى ذروتها وتخمد بسرعة أكبر مما تتصور. وفي هذه الدقائق العشر تمتلك خيارين. يمكنك إما العودة إلى المهمة التي بين يديك أو الجلوس مع ذلك الإحساس. وفي نهاية الدقائق العشر، يمكنك أن تستسلم لما تشاء.

لا يتعلق الأمر بالامتناع. إنه يتعلق بالاعتراف أنك تستطيع فعل ذلك الشيء الذي تريد فعله، سواء كان ذلك تناول قطعة من كعكة شوكولاتة أم تفقد إحدى القنوات على تطبيق “سلاك” أم تفقد البريد الإلكتروني أم مشاهدة فيديو على يوتيوب، أم أي شيء يخرجك عن المسار، يمكنك فعل ذلك في عشر دقائق. وستتفاجأ كيف أنّك أصبحت واعياً بهذه الأحاسيس مدة عشر دقائق فقط وتستكشف الرغبة، في تسع مرات من عشرة ستصل إلى ذروتها وتخمد. كانت تلك هي إحدى التقنيات الثلاث الكبيرة. إعادة تصور الحافز الداخلي. يمكننا أيضاً إعادة تصور المهمة، ويمكننا إعادة تصور مزاجنا.

أليسون بيرد: دعنا نتحدث الآن عن الحوافز الخارجية. الثرثار في مكتب مفتوح، والعميل الذي يتصل على نحو غير متوقع، ومديرك الذي يرسل إليك رسالة عبر البريد الإلكتروني، هل تتعامل مع تلك الأمور، خصوصاً عندما يكون بعضها عاجلاً حقاً؟ يحتاجون للإجابة مباشرة؟

نير إيال: الخطوة الأولى هي بخصوص السيطرة على الحوافز الداخلية. وثمة خطوة تجاهلناها وهي عن تخصيص وقت للانجرار، أي وضع ما يسمى بتقويم الوقت المحدد بصرامة. على فرض أنك وضعت تقويم الوقت المحدد بصرامة ذلك، ويمكننا المضي إلى كيفية عمل ذلك بالضبط وما يتعين علينا فعله لإبقائه مفيداً، مثل تلك التقنية التي تسمى بمزامنة جدول المواعيد الذي يمكننا مناقشته أيضاً.

والآن ما ستفعلينه هو التأكد من إطفاء الحوافز الخارجية التي لا تخدمك. تذكري أنه إذا دفعك حافز خارجي لفعل شيء ما تريدينه، لنقل مثلاً إنّ ساعة التنبيه خاصتك تقول نعم. حان الوقت الآن للنهوض والذهاب إلى صالة اللياقة، أو تنبيه يقول حان الوقت لتلك المكالمة، أو ذلك الاجتماع الذي يتعين عليك حضوره. هذه حوافز خارجية مفيدة جداً. التكنولوجيات رائعة على ذلك الصعيد. إنها تساعدنا في تذكر فعل الأشياء التي نريد فعلها.

لكن إذا دفعك الحافز الخارجي على فعل شيء ما لم ترد فعله، حسناً الآن يعتبر هذا عامل تشتيت. وبالتالي، الخطوة الأولى هي تحديد ماهية الانجرار بالنسبة لك، وما هو عامل التشتيت بالنسبة لك. يتعلق الأمر باستبعاد ذلك الوقت من يومك للتأكد من قيامك بالأشياء التي تريد حقاً أن تفعلها على جدول مواعيدك، في مقابل ما يوجد على جدول رئيسك، وجدول طفلك، وجدول زوجك.

وللقيام بذلك، فإنّ علينا أن نقوم باختراق مضاد لهذه الحوافز الخارجية. وأنا أستخدم مصطلح “الاختراق المضاد” لأنه كان يتحدث في كتابي الأول عن كيفية بناء منتجات تشكيل العادات. ولا شك أنّ هذه الشركات تستخدم نفسيتك للوصول إلى انتباهك.

وعلى أي حال، ذلك لا يعني أننا لا نستطيع القيام باختراق مضاد. وبالتالي، أتحدث في كتابي عن هذه البيئات الثمانية المختلفة والتي قد نشعر فيها بهذه الأصوات التي تخرجنا عن المسار. والأشياء الواضحة هي هواتفنا وكمبيوتراتنا، لكن تلك أشياء من مستوى رياض الأطفال. هذه بالفعل أشياء سهلة جداً على الرغم من أنّ ثلثي الأميركيين لا يقومون بتغيير إشعاراتهم أبداً على هواتفهم الذكية. ثلثا الناس لا يغيرون الإشعارات. هذا يقودني إلى الجنون. خصص الدقائق العشر لتغيير إعدادات الإشعارات حتى لا يستطيع الناس الوصول إليك كلما أرادوا ذلك، حتى تستخدم هذه المنتجات على جدولك في مقابل جدول صانعي التطبيق.

أليسون بيرد: سأقول أنك إنني جربت فعل ذلك اليوم، وضعت رداً لوضع الخروج من المكتب على بريدي الإلكتروني ليقول إنني لا أستطيع الرد على كل عرض لمقالة أو فكرة ما. ثم شعرت أنّ ذلك سيكون فظاً بالنسبة للناس الذي أردت أن أتواصل معهم حقاً عبر البريد الإلكتروني، وتخليت عن الأمر.

نير إيال: حسناً. لنتحدث عن البريد الإلكتروني بعمق. من المثير للاهتمام أنك بمجرد أن قلت إنك نفذت هذه التقنية، تابعت فوراً الحديث عن شعورك إزاءها. يعتبر البريد الإلكتروني بمثابة تكنولوجيا تشكيل العادات لأنه يستخدم جميع هذه الانحيازات النفسية الملتوية التي نمتلكها. مثل فكرة أننا نريد تبادل الرسائل. إذا أخرج شخص ما يده ليسلم عليك، تشعر أنك ملزم بمصافحته حتى دون تفكير، إنها عادة فحسب.

وبالتالي، لدينا نفس الإحساس عندما يتعلق الأمر بإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني مع قناة الاتصال اللامتزامنة. عندما يرسل شخص ما لك رسالة بالبريد الإلكتروني تشعر أنك بحاجة إلى الرد عليها. لكن هل ترد عليه؟ الحقيقة هي أنّ شخصاً مشغولاً مثلك ليس بحاجة إلى الردّ على كل شخص. الشخص الذي لا يحصل على الرد لن يتأثر وسيكون بخير تماماً.

أليسون بيرد: إذن، أشرت كثيراً إلى تحديد الوقت بصرامة، وذلك شيء سمعته سابقاً من أشخاص آخرين يقدمون نصائح حول إدارة الوقت. مزامنة الجدولة كانت فكرة جديدة بالنسبة لي. هلّا شرحت ذلك للمستمعين وكيف يمكنك تطبيق الأمر في العمل والمنزل على حد سواء.

نير إيال: تبدأ العملية من خلال إدراك أنّ وضع القوائم ليس جيداً بما فيه الكفاية. سمعنا أنك لتكون منتجاً يتعين عليك كتابة قائمة بالأمور التي ستفعلها. تكتب كل شيء وبطريقة ما تنجز كل شيء. متى؟ لا أعلم.

عندما اعتدت فعل ذلك يوماً بعد يوم بعد يوم بعد يوم لم أنجز نصف ما كان عليّ فعله. تؤجل الأمور إلى اليوم التالي والذي يليه والذي يليه، وقد سمعت تلك المقولة بأنّ الجنون يُعرَّف بأنه فعل الشيء ذاته يوماً بعد يوم وتوقع نتائج مختلفة. كان ذلك جنونياً. أعني أنني فعلت ذلك لسنوات.

وما لم أدركه هو أنّ قائمة الأمور التي يتعين فعلها كانت بمثابة النتائج. ذلك ما تريد فعله. لكن امتلاك نتائج دون مدخلات هو ضرب من الجنون. ما هي المدخلات بالنسبة لموظف معرفة، فمدخلاتنا هي الوقت. وبالتالي، فهذا يعني أننا بحاجة إلى الموازنة إلى حين أننا نريد فعل كل شيء موجود على قائمتنا. وضع ذلك على قائمة مهامنا يمثل الخطوة الأولى فحسب. يتعين أن تكون الخطوة التالية هي أين ستنفذ تلك المهمة؟

الآن بما أنك قمت بهذا فإنه يصبح بمثابة أداة قوية للغاية. لأننا نستطيع أن نفعل ما يسمى بتزامن الجدول. بمجرد امتلاكك تقويم الوقت المحدد بصرامة، يمكنهم أخذ ذلك التقويم إلى مديرهم والقول: انظر! إليك ما لديّ، هذا ما أفعله في أسبوعي. كيف يبدو هذا؟ حسناً. هل يبدو على ما يرام؟ أولوياتي صحيحة. وبالمناسبة، لقد طلبت مني فعل هذه الأشياء الستة الأخرى. والآن جدولي ممتلئ. ماذا يتعين علي أن ألغي؟ ما الأكثر أهمية؟

هذه ممارسة متغيرة على مدى الحياة لأنّ معظم المدراء والموظفين قبلوا إلى حد ما بهذه العلاقة الجنونية التي لدينا، حيث نسند الأعمال إلى أحدنا الآخر ونقول “افعل هذا” دون تقدير لوجود الوقت الكافي لفعل هذه الأشياء.

وهذا يحرر وقتك لجوانب أخرى من حياتك. من غير العدل أنه إذا لم ننهِ عملنا في مكان العمل، فإنّ الوضع الطبيعي هو أننا نأخذه معنا إلى المنزل لنعمل عليه في الليالي والعطلات الأسبوعية. هذا ليس عدلاً. ندخل في اتفاقية ثقة مع جهة التوظيف التي تقول إننا سنعطيك عدداً من الساعات ويتوقع الموظف عدداً من الساعات مقابل مبلغ معين من المال كأجر له. لكن إذا واصل عملنا التوسع إلى خارج مكان العمل، ولم نتلق تعويضاً على ذلك.

وتوجد بالطبع بعض المهن التي يمكنك أن تتوقع حدوث ذلك فيها. إذا كنت ستعمل في شركة ناشئة ما، وإذا كنت ستعمل في وول ستريت، فأنت تعلم ما أنت مقبل عليه. أنت مقبل على 60 – 80 ساعة في الأسبوع. هذا جيد تماماً إذا كان بمثابة جزء من نظامك الخاص بالقيمة، افعله. إذا كانت هذه الوظائف الأخرى حيث يقول الناس: هذا مكان عمل لـ 40 ساعة أسبوعياً، بينما لا يكون كذلك. لأنّ الكثير من العمل يحدث خارج مكان العمل. تلك أكذوبة. ويمكننا إنهاؤها. يمكننا توضيحها من خلال امتلاك هذا التزامن في الجدول على نحو أسبوعي.

أليسون بيرد: حسناً، أحد الأمور التي فاجأتني أثناء قراءة الكتاب والتفكير في هذا الموضوع هو أننا نجد صعوبة كبيرة في التشتت الذي نواجهه في مكان العمل، ثم عندما نغادر المكتب نكون متشتتين بالعمل. في الغالب لا نقول بالأشياء الصحيحة في الوقت المناسب. عندما يكون لدينا كل هذه الطلبات المتنافسة، والتي من المحتمل أنها تضيف ما يصل إلى 24 ساعة يومياً، فكيف تقوم بتحديد أولوياتك؟

نير إيال: إذن، يبدأ الأمر مع قيمنا. القيم هي سمات الشخص الذي نريد أن نصبح عليه. أنا أول من بدأ بهذا، طوال الطريق مع هذه الأشياء. لم أكتب الكتاب لأنني أتمتع بضبط جيد للذات. بل إن الأمر عكس ذلك تماماً. كتبت هذا الكتاب لأنني أحتاج إلى التحلي بضبط جيد للذات، ودائماً ما أجد صعوبة مع التشتت حتى قمت بهذا البحث على مدار السنوات الخمس الماضية.

لذا إذا سألت الناس، وأنا منهم، ما الأشياء التي تقدرونها؟ ما المهم بالنسبة لكم في حياتكم؟ سأقول لك أسرتي وأصدقائي وصحتي. هذه أمور مهمة بالنسبة لي. لكن إذا نظرت إلى التقويم الخاص بي ستقول أين الوقت المخصص لهم؟

وبالتالي، هذا هو السبب في أنّ العملية يجب أن تبدأ مع قيمنا، وتبدأ من داخلنا. إذا لم نهتم بأنفسنا، لا نستطيع الاهتمام بالآخرين، ولا نستطيع تقديم أفضل ما لدينا في العمل. الخطوة الأولى هي النظر إلى تقويمك الخاص، انظر إلى لائحتك الفارغة واسأل نفسك: كم من الوقت يتعين عليّ أن أهتم بنفسي؟ لأحظى بنوم كافٍ؟ لأطبخ وجبات صحية إذا كانت مهمة بالنسبة لك؟

نريد أيضاً أن نخصِّص وقتاً للممارسات الحياتية، السفر وكل الأشياء التي تشغل نهارنا. ثم نريد أن نجد وقتاً لعلاقاتنا. جميعنا نقول إنّ العلاقات مع الأصدقاء والعائلات مهمة، لكن أين الوقت على تقويمنا؟

ثم في آخر المطاف نريد أن نتعامل مع جانب العمل، حيث لا نتأكد فقط من امتلاك الوقت للمهمات التفاعلية مثل الرسائل والبريد الإلكتروني وأشياء من هذا القبيل. علينا أيضاً أن نخصص وقتاً للأعمال التأملية. علينا أن نعلم أنه من الصعب جداً لموظف المعرفة أن يقوم بالتقدم في مساره المهني إلا لو كان لديه الوقت الكافي للتفكير. إذا كانت مخرجاتنا كموظفي معرفة تأتي بحلول إبداعية للمشاكل الصعبة، فلا يمكنك القيام بذلك التنقل فيما بين رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات كل يوم.

لدينا 24 ساعة فقط يومياً. لكن ما يجبرنا ذلك على فعله هو تحديد أي القيم تتنافس مع بعضها. ولأكون واضحاً، يمكنك تحديد وقت لأي شيء تريد فعله.

أليسون بيرد: نعم. لأهداف الصورة الكبيرة، نوع من الإدارة الشمولية للوقت، تتحدث عن عقد اتفاقيات مع نفسك ومع الآخرين في حقيقة الأمر. ما هي أنواع هذه الاتفاقيات؟

نير إيال: بالتأكيد. هذه هي التقنية الأخيرة من التقنيات الأربع. إذن، بعد أن سيطرنا على الحوافز الداخلية وبعد أن خصصنا وقتاً للانجرار، بعد قيامنا بالاختراق المضاد لحوافزنا الخارجية، وبالمناسبة، أنا أعطيك الصورة الكبيرة. توجد قلة من التقنيات التي لا نمتلك وقتاً لها، لكن الاستراتيجيات الأربع الكبيرة الأخيرة هنا هدفها منع التشتت من خلال اتفاقيات.

والاتفاقيات تقنية قديمة عمرها يتجاوز 2500 عام. أول استخدام موثق للالتزام المسبق أو اتفاقية ما يأتي إلينا من قصة أوليس، التي كتبها “هومر” قبل أكثر من 2500 عام.

وتكمن الفكرة ببساطة في أنك تلتزم مسبقاً بفعل شيء ما الآن، حتى لا تتشتت في المستقبل. إذا فكرت بكيفية إنشاء حساب تقاعد بعقوبات صارمة إذا سحبت أموالك في مرحلة مبكرة، هذا شكل من الالتزام المسبق. إذا فكرت بحزمة جهود، فقد تكون شيئاً يضع بعض الاحتكاك بينك وبين الشيء الذي لا تريد فعله.

في منزلي، وجدنا أنني وزوجتي لا نذهب للنوم في الوقت المناسب. يتكرر ذلك ليلة بعد ليلة لأننا نستمر في التحقق في البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها. وبالتالي، دخلنا في اتفاقية الجهود هذه من خلال الذهاب إلى متجر الأجهزة المنزلية وشراء مؤقّت رقمي (outlet timer) بقيمة خمسة دولارات. أياً كان ما توصله في هذا المؤقِّت فإنه ينطفئ في وقت محدد من النهار أو الليل.

لذا في كل ليلة في منزلنا، ينطفئ الإنترنت عند الساعة العاشرة مساءً. أستطيع الذهاب إلى هناك والتلاعب بهذا المؤقِّت الصغير وتشغيله مرة أخرى، لكنني أضع جهداً بيني وبين الشيء الذي لا أريد أن أفعله. لا أريد أن أتشتت بالاستمرار بالتحقق من البريد الإلكتروني طوال الليل. أريد الذهاب للنوم لأنّ الحصول على قسط مناسب من الراحة ورعاية جسمي هي من القيم الخاصة بي.

يمكنك أيضاً أن تُجري اتفاقية سعر. يمكنك وضع تكلفة ما على عدم فعل الشيء الذي تريد فعله. والنوع الأخير من الاتفاقيات يدعى بـ “اتفاقية الهوية”. وهذا على الأرجح أقواها. وهو نابع من بحث عن علم نفس الأديان وكيف نعرف عندما يشكِّل الناس هوية محددة حول مجموعة سلوكيات معينة، وأنّ السلوك يسهل القيام به.

المسلم الملتزم لا يتساءل في نفسه إذا كان سيشرب البيرة اليوم. لا. المسلمون الملتزمون لا يشربون الكحول. هذه لم تعد مشكلة. لا يتطلب الأمر أي تأمل أو ضبط للذات. إنه ببساطة شيء لا يفعلونه. وبالتالي، هذا هو السبب في أهمية المجيء بهذا اللقب لأنفسنا. أي أننا عندما نفعل هذه السلوكيات الغريبة إلى حد ما، كعدم الرد على كل رسالة بريد إلكتروني نتلقاها يا أليسون، يمكننا أن نقول: يا ناس، أنا آسف، أنا منيع ضد التشتت. ويمكنك حتى أن تضعي ذلك في ردك التلقائي.

أليسون بيرد: هذا صحيح. حسناً، هذا يعيدنا إلى مكان العمل لأنّ ثقافة الشركات أحياناً لا تسمح بهذا النوع من السلوك. أعرف بعض أماكن العمل التي سيبدو فيها عدم الرد على البريد الإلكتروني أو رسالة مباشرة على شيء مثل تطبيق “سلاك” أمراً فظاً للغاية. أو عدم التوفر لمدرائك أو عملائك في أي لحظة. إذن، ماذا بإمكانك أن تفعل إذا لم يتفق مديرك أو مؤسستك مع هذا الأمر؟

نير إيال: أنا سعيد لأنك أثرت هذا الموضوع لأنني أعتقد أنّ الكثير من الناس بينما يستمعون إلى هذا يقولون في أنفسهم إنه سهل عليك أن تفعله لكنك لم تأتِ إلى مكان عملي. بالضبط. هذا إلهام. فكري فيما نقول هنا. هل التكنولوجيا هي السبب فيما يحدث لنا؟ هل ثقافة مكان العمل هي السبب فيما يحدث لنا؟

التشتت في مكان العمل هو من أعراض الاختلال الوظيفي الثقافي. ومن المضحك أنه يتعين ذكر شركة “سلاك”. كانت “سلاك” هذه الشركة. ولمن لا يستخدم تطبيق “سلاك”، فهو أكبر تطبيق دردشة جماعية في العالم. واستمر هذا المنتج في الصعود عندما اشتكى الناس لي عن التشتت، حيث يقول الواحد منهم “إنني مقيد باستمرار بهذا التطبيق، وإذا لم يكن تطبيق سلاك فهو البريد الإلكتروني أو أي شيء آخر”. لكن “سلاك” كان أحد هذه الأشياء التي استمر الناس في ذكرها.

لذا قمت بزيارة شركة “سلاك”. وعرفت شيئاً مذهلاً. ستفكرين لو أنّ التكنولوجيا مصدر المشكلة، لو جعل تطبيق “سلاك” الناس متشتتين طوال اليوم، يتعين أن يكون الموظفون في شركة “سلاك” هم أكثر الناس تشتتاً على وجه الأرض. إنهم يستخدمون تطبيق “سلاك” أكثر من أي شخص آخر. لكن ذلك لم يحدث.

إذا ذهبت إلى المقر الرئيس لشركة “سلاك” عند الساعة السادسة مساء، تجده فارغاً. وفي الليالي والعطلات الأسبوعية، لا أحد يستخدم تطبيق “سلاك”. وما تبين لي هو أنّ مشكلة التشتت هذه لا تحدث في شركات تمتلك ثقافة مكان عمل صحية. وإليك هذا الأمر. التشتت هو مشكلة. لا أحد يحبه. لكن إذا كنا لا نتحدث عن المشكلة، فثمة شيء يحدث في بيئة مكان العمل تجعل الموظفين لا يريدون الحديث عن مشاكلهم.

ما نجده هو أنّ هذه الشركات التي لا تعاني من التشتت، حيث يكون الموظفون سعداء إزاء ارتباطهم بتكنولوجياتهم ولا يشعرون وكأنهم مجبرون دائماً على هذه الدورة المروعة من الاستجابة. هذه الشركات تعكس ثلاث سمات. وهذه السمات الثلاث لا تتعلق بالتكنولوجيا. السمات الثلاث هي أن تعطي الشركة الموظفين إحساساً بالأمان النفسي. الأمان النفسي يعني أنك تستطيع التعبير عن هواجسك دون خوف من عقوبة. لن تُطرد إذا رفعت يدك وقت وقلت: هل نبقى مقيدين دائماً لدى أجهزتنا عند الساعة السابعة والثامنة مساءً وفي الليل؟ هل تسير الأمور بشكل جيد بالنسبة لكم يا رفاق؟

إذا كنت تستطيع فعل ذلك في شركة ما، إذا كان بمقدورك رفع يدك والتعبير عن هواجسك، فهذا جزء مما يتحدث عنه الأمان النفسي. السمة الثانية هي أنهم لا يعطون الموظفين الأمان النفسي فحسب، بل يحرصون على امتلاك منتدى لمناقشة مشاكلهم وأسئلتهم وهواجسهم.

وبالتالي، فالأمور مذهلة في شركة “سلاك”. يستخدمون تطبيق “سلاك” بطريقة ممتعة جداً. لديهم قنوات. وتدعى أحدها “بيف تويتس” (Beef Tweets) يستطيع فيها الموظفون التعبير عن مشاكلهم مع الشركة. يدخل الموظفون هذا المنتدى، ويقولون شيئاً لا يشعرون بالسعادة إزاءه بخصوص الشركة أو المنتج أو غيره مما يشكل هاجساً لديهم، وتقوم إدارة الموظفين باستخدام الرموز التعبيرية للإقرار باطلاعها على هذه الردود. يتركون رمز عين يعني أنهم شاهدوا ذلك. نحن نقر بالأمر. حسناً. ويتركون علامة صح لإعلام الرفاق أنّ شيئاً ما يتم عمله إزاء المشكلة. إعطاء الموظفين إحساساً بالوكالة والتحكم مهم جداً.

ورقم ثلاثة، والأهم من ذلك كله، الشركات التي تضرب إدارتها مثلاً لما يعنيه أن تكون منيعاً ضد التشتت هي الشركات التي لا توجد لديها هذه المشكلة. الأمر سيان إذا صدقت قولاً وفعلاً. لكن ما لم تكن كمدير صادقاً قولاً وفعلاً وتقول: لا، أريدك أن تطفئ لأنني أطفئ. أريد وقتاً للتأمل أيضاً. هذا نوع من الشركات التي تضرب مثالاً لهذا النوع من الثقافة التي لا يتشتت فيها الموظفون باستمرار. الدرس المهم هنا هو أنّ التشتت هو من أعراض الاختلال الوظيفي الثقافي، لكن الثقافة يمكن أن تتغير.

أليسون بيرد: رائع. شكراً جزيلاً لانضمامك إلينا هذا اليوم يا نير.

نير إيال: هذا من دواعي سروري. كان ذلك رائعاً يا أليسون. شكراً لك.

أليسون بيرد: كان ذلك نير إيال. وهو مؤلف كتاب “منيع ضد التشتت: كيف تتحكم بانتباهك وتختار حياتك” (Indistractable: How to Control Your Attention and Choose Your Life).

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكهاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .