تعوّد أن تقول لنفسك “لمَ لا”

3 دقائق
كسر الروتين
shutterstock.com/Alberto Andrei Rosu

قبل عدة سنوات، جلست حوالي التاسعة صباحاً في مكتبي الذي كنت أزاول فيه مهام رئاسة تحرير مجلة اقتصادية معروفة في دمشق، وفجأة قام زميل، كان مكتبه ملاصقاً للنافذة التي تطل على الخارج، وذهب إلى مطبخ المكتب لإعداد القهوة. وكان المطبخ بعيداً عن النافذة وقريباً من الباب. وعندما وصل إلى هناك، ناداني لنتحدث في أمر لم يكن يرغب في أن يسمعه أحد من الزملاء ضمن سياسة المكتب المفتوح والمقسّم بحواجز زجاجية، حيث كان الجميع يرى ويسمع كل ما يدور حولهم. في العادة لا أقوم فعلاً عن مكتبي قبل أن أطلع على إيميلي وبعض الأمور المستجدة، لكن لسبب ما لا أعرفه حقاً، جربت كسر الروتين وتركت كل شيء ولحقت به إلى المطبخ، وهو القسم الوحيد الذي يحوي جدراناً إسمنتية، وما هي إلا ثوانٍ حتى انفجر زجاج المكتب وتطاير، واهتز كل ما حولي بقوة، وتحول مكتبه ومكتبي إلى موقع كارثة كأنها زلزال. لكنها لم تكن زلزالاً. لقد انفجرت سيارة مفخخة في الشارع أسفل البناء الذي يقع فيه مكتبنا.

اتباع عبارة “لم لا”

تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ قبل أيام في كتاب “أنصت” لديل كارنيغي وشركاه، قصة جرير إبشتاين، وكانت حينها مديرة تنفيذية في مجموعة “مورغان ستانلي” في نيويورك. تقول القصة التي يرويها كارنيغي في كتابه أنها دخلت مكتبها قبل الساعة التاسعة صباحاً، وفجأة اتصل بها أحد الزملاء يريد التحدث معها في موضوع محدد، وأخبرها أنه يفضل أن يجلس معها في أحد المقاهي أسفل برج التجارة العالمي. لقد كان مكتبها في الطابق السابع والستين من البرج الجنوبي، وكانت نادراً ما تنزل كل هذه الطوابق لتناول فنجان من القهوة، لكنها نظرت من النافذة فوجدت الطقس جميلاً وصافياً، فقالت لنفسها: “لم لا”. وقررت النزول، وبينما كانت في المصعد، شعرت بهزة في المكان، واستغربت هذا الخلل، لكنها ما إن وصلت إلى الطابق الأرضي، حتى وجدت العشرات من الناس محتشدين وأبصارهم شاخصة إلى أعلى البرج. ولم تكن مدركة ما حدث، وكانت تتساءل متى سيصلحون هذا الخلل. في تلك اللحظة كانت طائرة مدنية ضخمة تقتحم مكتبها مباشرة. نعم، هذا بالفعل ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 مع هذه المديرة من مجموعة “مورغان ستانلي”. كانت كلمة “لم لا” بالنسبة لها ولي ربما سبباً في إنقاذ حياتينا.

لا شك في أن ما حصل هو لطف وتقدير إلهي، ومع ذلك، نجد فيه درساً يتحدث عنه الخبراء، مثل كارنيغي، وهو اتباع عبارة “لم لا” التي تقولها في نفسك، عندما تقرر أن تخرج من الروتين المعتاد وطريقة التفكير التقليدية، حيث ينصح علماء النفس ومتخصصو الابتكار أن تغير طريق ذهابك وعودتك من المنزل إلى العمل، وطريقة أدائك لكثير من مهماتك الروتينية، وأن تتعرف على أناس جدد ولا تكتفي بوضع نفسك في دائرة مغلقة تقليدية. جرب أشياء وطرقاً وأماكن جديدة “لم لا”، لأنك بالتأكيد ستكسب أفكاراً جديدة وتجارب تعيد شحن طاقاتك وأفكارك. بل أصبح كسر الروتين هدفاً عملياً لتحريض التغيير والإبداع، وهذا هو جوهر المبادرة التي أطلقتها شركة “إنفوسيس” العملاقة تحت اسم “الروتين+1” بين موظفيها، وتعني هذه المبادرة أن على كل موظف ممارسة عمله كما يقوم به بشكل روتيني كل يوم مع إضافة تغيير أو تطوير واحد صغير كل يوم في مهماته.

اتباع أو كسر الروتين

يتحدث الخبراء عن الفرق بين سياستي ستيف بالمر وساتيا ناديلا في رئاسة شركة “مايكروسوفت” بعد بيل غيتس كمثال على الفرق بين شخص يتبع الروتين وشخص آخر يكسر الروتين: كان دور ستيف بالمر الذي قاد “مايكروسوفت” بصفته رئيساً تنفيذياً من عام 2000 وحتى عام 2014 مجرد الإبقاء على الشركة واقفة على قدميها بعد مغادرة بيل غيتس لها، وهو ما نسميه “القائد الحارس”. كانت الأجهزة والبرمجيات الوصفة للاستمرار بالنجاح، أخبرنا الاستراتيجيون في فترة رئاسة بالمر للشركة عن تجاهل بالمر مناشدات كبار فريق الإدارة للاستثمار في الحوسبة السحابية منذ عام 2007. بدلاً من ذلك وضع بالمر كل رهانات “مايكروسوفت” على نظام التشغيل “فيستا” الذي مُني بالفشل. لم يخلق بالمر شراكات استراتيجية يمكنها تأسيس نمو جديد وقنوات جديدة في السوق. وفي عهده هبطت أسهم “مايكروسوفت” من حوالي 60 دولاراً للسهم الواحد في عام 2000 إلى 30 دولاراً تقريباً عندما غادر المنصب في فبراير/شباط من عام 2014.

في المقابل، عندما تولى ساتيا ناديلا منصب الرئيس التنفيذي للشركة عام 2014. أصبحت “مايكروسوفت” في غضون 24 شهراً من قيادته، شركة رائدة في الحوسبة السحابية بتطويرها منتجات متنوعة، كما خلق ناديلا شراكات استراتيجية حتى مع المنافسين، مثل “أوراكل” (Oracle) و”سيلز فورس” (Salesforce) لزيادة الزبائن الذين تصل إليهم “مايكروسوفت”. هذا الرئيس هو ما ندعوه “القائد المسرّع”. خلال سنتين من تولي ناديلا القيادة قفزت الأسهم 43% لتصل إلى 51 دولاراً للسهم الواحد. (المزيد في مقال: كيف بإمكانك تبني عقلية التغيير).

يتحدث الأستاذ فرانك باريت في فيديو بعنوان “تحفيز روح الابتكار بين أعضاء فريقك” عن كسر الروتين، كأبرز عامل للابتكار ويسرد قصصاً، منها قصة ابتكار مايلز ديفيس لأشهر موسيقا للجاز عبر كسر القواعد، وقصة ابتكار إحدى شركات الطيران لمقاعدها بناء على تجربة غير عادية، عندما ألزم أحد مسؤولي شركات الطيران كبار الموظفين بالنوم على مقاعد طائرات بدلاً من الأسرّة في أحد الفنادق، ليتذوقوا التجربة ويخرجوا بأفكار مبتكرة لمقاعد الطائرات. . نعم، لم لا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .