لا تسمح لدورك القيادي أن يستولي على حياتك الشخصية

6 دقائق
قادة الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يمكن أن تؤدي متطلبات دور المسؤول التنفيذي إلى تدمير معنوياته وعلاقاته الشخصية، وإن لم يضع القائد خطة مدروسة فمن الممكن أن يسبب له عمله مشكلات في صحته الجسدية والنفسية، ومن الممكن أن يُفسد علاقاته مع أحبائه أيضاً. على الرغم من عدم إمكانية إرضاء الجميع دائماً، فالقائد الذي يدرس أهدافه بدقة ويناقشها صراحة مع أحبائه ويستثمر في تعزيز قدرته على التحمل ويحرص على مراعاة نفسه وتفقد أحوال الآخرين بصورة دورية سيتمكن من تفادي الأضرار الجانبية التي يعانيها أغلب من يشغلون المناصب التنفيذية العليا.

 

قال لي عميلي، وهو رئيس تنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الكبيرة، مستعيداً أحداث العام الماضي: “كدنا نفشل. كان الأمر يشغل تفكيري لدرجة الهوس أحياناً، ولكننا توصلنا إلى طريقة لإعادة توجيه تركيزنا على ما يهمّ فعلاً”. كان يتحدث عن دوره القيادي وزواجه في آن معاً.

يستمتع قادة الشركات ببهجة نجاحهم في إعادة تحديد هوية الشركة وجوهرها وقدراتها ونشوة تحقيق إنجاز لم يؤمن بإمكانية تحقيقه سوى القلة، ولكن الدور القيادي له متطلبات كثيرة وإن سمحت له فسيستولي على حياتك، ولن تدرك أضراره الجانبية عليك وعلى من تهتم بشأنهم إلا بعد فوات الأوان.

أجريت مقابلات مع 30 رئيساً تنفيذياً على مدى 18 شهراً الماضية، وأبدى الكثير منهم أشكالاً متعددة من الندم عندما تحدثوا عن جهودهم التحويلية بغضّ النظر عن إنجازاتهم المهمة، ووصفوا أنفسهم بأنهم “شديدو التركيز” و”مهووسون” و”منغمسون في أفكارهم” وشككوا غالباً في أن الوظيفة تستحق كل ذلك فعلاً.

كانت العزلة والوحدة شعورين شائعين بينهم أيضاً، إذ تتضرر علاقاتهم مع زوجاتهم وأصدقائهم بسبب إهمالهم لهم. كما يمكن أن يهملوا الاعتناء بأنفسهم ما يؤدي بهم إلى معاناة مشكلات الإدمان والقلق والاكتئاب والنرجسية والأمراض القلبية. تبين الأبحاث التي أجرتها شركة بوبا العالمية (Bupa Global) أن نسبة الثلثين من كبار قادة الشركات عانوا مشكلات في صحتهم النفسية، وتظهر العلامات المبكرة على المشكلات عادة على شكل سلوك حذر أو غير معهود أو حتى غير أخلاقي. مثلاً، بيّن بحث أجري مؤخراً أن الرؤساء التنفيذيين الذين يخوضون تجربة طلاق يتبعون عادة استراتيجية منخفضة المخاطر من أجل الحفاظ على تعويضاتهم التي يكون جزء كبير منها على شكل أسهم في الشركة بعد خسارة جزء من أموالهم النقدية وممتلكاتهم العقارية في تسوية الطلاق.

يتطلب نجاح القائد الطاقة والعزم والشجاعة؛ يجب أن تتحدث عن رؤى جديدة وتكسر العادات السيئة وتقتنص فرص النمو وتمثل قدوة في السلوكيات الجديدة، كل ذلك بصورة متكررة وعلى مدى فترة طويلة من الزمن. كما تتطلب الأدوار القيادية المهمة اتخاذ خيارات صعبة وإجراء مفاضلات مهنية وشخصية؛ لا بد من التخلي عن شيء ما، وليس لدينا وصفة سحرية لإسعاد الجميع طوال الوقت. لكن ما الذي تحتاج إليه كي تتمكن من تحويل مؤسستك مع الحفاظ على نفسك ومن حولك بحال معقول في نفس الوقت؟

تخيل النتائج المهنية والشخصية على حد سواء

يملك كل قائد تحويلي رؤية لمستقبل المؤسسة، ويجب أن تكون هذه الرؤية حيوية وطموحة وتمثل امتداداً حقيقياً كي تتمكن من مدّ الجميع بالإلهام. يجب أن يؤدي القائد دور المترجم؛ يساعد الموظفين على فهم ما سيكون مختلفاً والسبب الذي يجعله أفضل.

وينطبق الأمر نفسه على النفس؛ فكر ملياً فيما تريد تحقيقه بحلول نهاية مدة توليك وظيفتك، لنفسك ولأحبائك ولمؤسستك على حد سواء. تخيل ذلك بطريقة تبدو ملموسة وحقيقية وبارزة، وهذا مهم جداً في الأوقات العصيبة. يمكن أن تكتب رسالة لنفسك المستقبلية أو تسجل مقطع فيديو عن قصتك. ما إن تطور خريطة طريق للمؤسسة، ضع خطة للأحداث المهمة المتوقعة في حياتك التي لا ترغب بتفويتها، مثل أعياد ميلاد أحبائك وتسجيل أبنائك في الجامعة وما إلى ذلك. سيساعدك ذلك على تمييز الحدود التي ستحتاج إليها والالتزام بها.

رتب مواعيد دورية لتفقد هذه النتائج والتحقق من أنها جديرة بجهدك لتحقيقها. لا جدوى من التزمت أو التصلب لا سيما مع التغييرات الكبيرة في السياق المهني أو الشخصي.

ناقش دورك بصدق واهتمام

ليس بإمكانك أن تقوم بهذه الوظيفة وحدك، بل حريّ بك ألا تقوم بها وحدك. تحدث إلى أحبائك حول ما يعنيه هذا الدور بالنسبة لك وسبب رغبتك في توليه، وكن صريحاً بشأن متطلباته وميزاته وعائداته، وناقش التصورات المحتملة التي قد تؤثر في قدرتك على تلبية التزاماتك الشخصية، مثل الأزمات أو صفقات الاندماج والاستحواذ الكبيرة. سيساعدك ذلك على زيادة وعي من تهتم بأمرهم بوضعك وفهمهم له.

اطلب نصائحهم حول أفضل الطرق لإدارة متطلبات الدور حتى وإن لم يكن بالإمكان إطلاعهم على أدق تفاصيله، فلا بد أنهم رأوك تعمل في أدوار سابقة وسيعرفون ما كان مجدياً وما كان غير مجدٍ؛ استمع لهم بإمعان واستكشف وجهات نظرهم وحاول فهم احتياجاتهم وطموحاتهم أيضاً، وستكشف بذلك عن الأسس وعوامل التوتر المشتركة. اعمل مع أحبائك على تأسيس قيم واضحة وترتيب شؤون المنزل ورعاية الأبناء ووضع الحدود المهنية. يجب أن تؤدي عملية “التعاقد” هذه إلى اتفاق ومجموعة التزامات يمكنكم الاستعانة بها ليسائل بعضكم بعضاً.

هذا ليس إجراءً لمرة واحدة فحسب، بل يجب تكراره بصورة منتظمة من أجل تقييم جدواه. ومن الناحية المثالية، ستقوم بأمر مماثل مع فرقك في العمل على نحو دوري أيضاً. في أثناء عملي لدى شركة برايس ووتر هاوس كوبرز كنا نطرح أسئلة مثل: “ما الذي يجب عليّ تقديمه لك كي تكون في أفضل حالاتك؟” و”ما هي التزاماتك خارج العمل التي يجب أن نعلم بشأنها كي نتمكن من وضع خطة العمل وتحديد الموارد اللازمة وفقاً لها؟” ساعدنا طرح هذه الأسئلة على خلق الأمان النفسي الذي أتاح للناس التحدث عن الجوانب الأخرى من حياتهم التي كانت تؤثر على أدائهم في العمل.

ابنِ القدرة على التحمل

يجب أن تتضمن خطتك الشخصية الاستثمار في القدرة على التحمل؛ أي قدرتك على التعافي من العثرات أو الصدمات، وتتعلق أبرز قدرة على التحمل بالصحة والرفاهة. أخبرتني إحدى الرئيسات التنفيذيات أنها طورت نظاماً لنفسها يتضمن نظاماً غذائياً مخصصاً وأوقاتاً مكرسة للرياضة والعائلة والنوم، وتطلب الالتزام بهذه الخطة التقيّد بإنهاء اجتماعاتها المسائية الكثيرة في ساعة معينة. في حين سعى قادة آخرون لاتخاذ قرارات حول الأماكن التي يقضون أوقاتهم فيها؛ خذ مثلاً الرئيس التنفيذي لشركة الإعلام والاتصالات سكاي، جيريمي داروك، الذي لا يرغب في أن تكون حياته قائمة على العمل بالكامل، ولذلك لا يظهر على العلن كثيراً تفادياً لانجرافه في “ثرثرة” مدينة لندن التي ستؤدي إلى حجب رؤيته للمنظور الأوسع. يخصص البعض الآخر “أوقاتاً للتفكير” على جدول المواعيد ويخصص فترات في أوقات محددة من اليوم أو الأسبوع لا يُسمح بمقاطعتهم فيها سوى للطوارئ.

كما تنبع القدرة على التحمل من مرافقة أشخاص يتمتعون بالقدرة والدافعية والتفكير الإيجابي (أو من يسميهم أحد الرؤساء التنفيذيين الذين عملت معهم “البوزيترونات”). هم الأشخاص الذين يمكنك الاعتماد عليهم من أجل إنجاز ما يجب إنجازه واقتراح أفكار للتغلب على العوائق ورؤية الفرص حين لا يرى الآخرون سوى المشكلات. حدد أفراد فريقك الذين ينطبق هذا الوصف عليهم (أو عيّنهم إن لزم الأمر) وأوكل إليهم أدواراً مهمة في عملية التحول، والأهم هو أن تنظم نفسك كي تتمكن من قضاء وقت كافٍ معهم في أثناء اليوم.

أنشئ شبكة من الأشخاص القادرين على دعمك في العمل والمنزل على حد سواء؛ أي أشخاص يهتمون بك من دون شروط، وينبهونك إذا أسأت التصرف ويذكرونك بالتزاماتك وقيمك. خذ مثلاً نائبة الرئيس التنفيذية والمديرة الإدارية لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة ميديا لينك، كاثلين ساكستن، التي أنشأت “مجلساً لا يمكنها تحمل تكاليفه“؛ أي مجموعة آمنة من أشخاص تستطيع اختبار أفكارها معهم وتشاركهم التحديات التي تواجهها ويقدمون المشورة لها عندما تطلبها.

سيعود عليك تحسين سلوكك بصورة فورية بنتائج إيجابية أيضاً؛ إن أخذت وقفة وتنفست بعمق قبل أن تبدي أي رد فعل على نبأ سيئ مثلاً فستتحسن جودة تفكيرك في تلك اللحظة. تعرّف على ما يفكر فيه الآخرون عن طريق الاستماع الفعال والمراقبة، فذلك سيمنحك مجالاً أكبر لتطوير منظورك الخاص، كما ستتمكن بالإفصاح الحذر عن نظرياتك وآرائك ومخاوفك والدعوة للمساهمة بالأفكار من مشاركة أعبائك مع الآخرين.

خذ مثلاً أحد الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية الذي اتبع هذا الأسلوب ليساعده في تبنّي عقلية إيجابية قبل الاجتماعات الصعبة مع المستثمرين والجهات الرقابية، كما قامت رئيسة تنفيذية للتسويق بتطوير تقريرها الشخصي السنوي الخاص الذي يشكل مرآة من نوع مؤسسي تساعدها على فهم ما تفتخر به ومعرفة ما ينبغي لها تغييره في العمل والمنزل على حد سواء.

يؤدي بناء قدرة أكبر على التحمل إلى حفاظك على صحتك وثباتك وسعادتك، ما سيساعدك في اتخاذ قرارات حساسة والتصرف بالتوافق مع قيمك.

طبّق عقلية إعادة الابتكار المستمرة

ستواجه بوصفك مسؤولاً تنفيذياً عدداً متنامياً من الطلبات، ومن السهل أن تقع فريسة تكرار نفس المهام مع نفس الأشخاص، وسرعان ما ستشعر بالإرهاق والملل.

ومن أجل منع إصابتك بالاحتراق الوظيفي، من الضروري أن تركز على أهم الأنشطة وتستكشف طرقاً أكثر فعالية لأدائها، قد يشمل ذلك تطبيق حلول تكنولوجية أو تفويض المهام. وهو يستدعي في كل الأحوال إنشاء عقلية إعادة الابتكار المستمرة والالتزام بتشجيع الآخرين على فعل المثل. اطرح على نفسك الأسئلة الآتية:

  • هل ينبغي لي الاستمرار بأداء هذا النشاط أو المهمة؟ إن لم يكن الاستمرار ضرورياً، فمن هو الشخص الذي يستطيع أن يؤديه بدلاً عني؟
  • إلى أي درجة أجيد صنع القرارات وإبلاغها للآخرين؟ إلى أي درجة أعزز الآخرين ليعتمدوا على أنفسهم لحل مشكلاتهم؟
  • ما الطرق الأخرى التي يمكنني اتباعها لتفويض المهام والبحث عن المصادر على نحو يوفر وقتي ليتسنى لي التفكير في المجالات ذات الأولوية الأهم والتركيز عليها؟
  • لو كنتُ أدخل إلى هذا الدور من خارج الشركة، ماذا سأفعل؟
  • إلى أي درجة أجيد استخدام مكامن قوتي في معالجة التحديات التي أواجهها؟
  • ما التحيزات الفكرية والسلوكيات التي يمكنني تخفيفها؟
  • ما الذي أتعلمه في العمل ويمكنه مساعدتي ومساعدة الآخرين في المنزل، والعكس بالعكس؟

سيؤدي تبنّي عقلية إعادة الابتكار والتعامل مع المشكلات من منطلق حب الاطلاع إلى ترسيخك بوصفك قائداً في سعيك للتعلم، وسيفيد ذلك في التزاماتك خارج العمل أيضاً، مع سعيك بصورة دورية لتفقد أحوالك وأحوال أحبائك من أجل إعادة تقييم أهدافك وطموحاتك وخططك.

ثمة قبول متزايد لحاجة الشركات إلى المساهمة بأكثر من القيمة السهمية، ألا ينبغي أن يحصل القادة وأحباؤهم على أكثر من القيمة السهمية تلك أيضاً؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .