كيف يعرقل القادة التغيير المؤسسي؟

7 دقائق
تحفيز التغيير المؤسسي

ملخص: على الرغم من سعة المعارف المتاحة للقادة حول طرائق تحفيز التغيير المؤسسي الإيجابي الدائم، لا يفتأ كثير من المسؤولين التنفيذيين يلجؤون إلى الأدوات المريحة نفسها التي لا تحقق الهدف المرجو، وبالتالي نجد أن نسبة عمليات التغيير المؤسسي الفاشلة التي يكثر الحديث عنها ثابتة وتقارب 70%. إن كنت على وشك الخوض في عملية تغيير مؤسسي، يوضح هذا المقال 3 من أهم العوامل التي تؤدي إلى فشلها ويبين طرائق تفاديها: أولاً، يجب أن تدرك أن إحداث تغيير كبير أصعب مما تتخيل. ثانياً، احرص على أن تكون واقعياً في تقييم قدرة المؤسسة على تنفيذ التغيير. ثالثاً، احرص على أن توضّح لأفراد المؤسسة كافة طريقة تنفيذ التغيير وسبب أهميته في نظرك.

 

وردني اتصال من الرئيس التنفيذي للتحوّل المؤسسي في شركة خدمات مالية متوسطة الحجم أخبرني فيه أن مبادرة شركته للتحول من شركة منتجات إلى شركة خدمات باءت بالفشل بعد عامين من العمل. قال لي: “ظننا أننا فعلنا كل ما يجب فعله لإنجاح هذا التحول، حرصنا على التواصل المستمر وعقد اجتماعات عامة للحفاظ على تفاعل الموظفين وزودنا عشرات المبادرات بما تحتاج إليه من موارد لدعم رؤية التغيير. ولكننا بعد كل ذلك وجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة عديمة الجدوى، إذ لم نحقق أي تقدم ملموس، وتتزايد سخرية الموظفين مع غرقهم في أنشطة لا فائدة منها، وبات تحقيق الرؤية التي بدأنا هذه المبادرة لأجلها مستحيلاً”.

كشف تشخيصنا المعمق للمشكلة عن بعض العوامل التي أدت إلى انحراف المبادرة عن مسارها، وقد رأيت هذه العوامل على مدى عقود طويلة تقوض جهود التغيير بغضّ النظر عن حسن نواياها. يستخف القادة دوماً بحجم العمل الذي تتطلبه عملية التغيير، ويبالغون في تقدير قدرة المؤسسة على تنفيذها ويخطئون في تقدير نظرتها إلى دوافعهم الشخصية في إحداث هذا التغيير.

على الرغم من سعة المعارف المتاحة للقادة حول طرائق تحفيز التغيير المؤسسي الإيجابي الدائم، لا يفتأ كثير من المسؤولين التنفيذيين يلجؤون إلى الأدوات المريحة نفسها التي لا تحقق الهدف المرجو، وبالتالي تبقى نسبة عمليات التغيير المؤسسي الفاشلة التي يكثر الحديث عنها ثابتة وتقارب 70%. إن كانت مؤسستك مقبلة على تغيير كبير أو عالقة في عملية تحوّل متعثرة، فإليك بعض الطرائق لتفادي 3 من أهم عوامل فشل التغيير المؤسسي أو تجاوزها.

سذاجة المنظور: الاستخفاف بحجم العمل

ببساطة، يودّ معظم القادة أن يكون التغيير التحويلي أسهل مما هو عليه في الواقع، ولا بد من أن يقول أي قائد يخوض في عملية تغيير مؤسسي للمرة الأولى إنها كانت أصعب بكثير مما توقع. ولذلك أسأل القادة دوماً: “علامَ بنيت هذه التوقعات؟” وغالباً ما يتمثل الجواب في نظرة ذهول وصمت.

يعرقل التغيير التحويلي بطبيعته استمرارية العمل لأنه يمسّ المؤسسة بأكملها، وفي حالة شركة الخدمات المالية كان نقل التركيز من المنتج إلى الخدمة يعني تغيير جميع جوانب المؤسسة بلا استثناء، من المبيعات إلى العمليات.

في حين أن التغيير التدريجي المتزايد لا يمسّ سوى مجالات محددة من المؤسسة، مثل وضع منصة تكنولوجية جديدة قيد الاستخدام أو إطلاق منتج جديد. ارتكب عميلي الخطأ الذي ترتكبه غالبية المؤسسات، وهو افتراض أن التغييرات المتزايدة الأكبر حجماً ستتراكم لتشكّل تحولاً مؤسسياً، وبالتالي عمل على تنفيذ مبادرات متفرقة كثيرة في المؤسسة من دون تنسيق عملياتها ومن دون توفير الموارد الكافية لتحقيق نتائجها المرجوة، ومن دون أن يملك قادتها السلطة الكافية لصنع قرارات مادية أو اتخاذ إجراءات تجاه من يرفض التعاون معهم. ولكن هذه الممارسات عرقلت التغيير بدلاً من تسريعه، إذ تعطل النظام بسبب أعباء العمل الزائدة الناجمة عن جهود يائسة فقد الجميع اهتمامهم بها.

حين تجمع ذلك مع حاجز حملات التواصل الأحادي الاتجاه البراقة، لن يكون هذا التغيير سوى “جعجعة بلا طحين” في نظر الكثيرين، وستجد أن من يتعاملون مع المبادرات المفككة والمتزاحمة التي لا تحظى بالموارد الكافية ولا القيادة الفعالة يتعجبون من انفصال قادة المبادرات الشديد عن الواقع ويقابلون الاجتماعات الحماسية العامة التي تبالغ في ترويج فوائد التحول المحتملة بالتكذيب والسخرية.

يجب أن يحدد القادة أبعاد التغيير التحويلي المتعدد الأوجه بدقة ويوفروا له الموارد الكافية، والأهم هو أن يكون متكاملاً ترتبط كل مبادرة فيه بجميع المبادرات الأخرى. في حالة عميلي، كان من الضروري مزامنة جهود تسويق فوائد الخدمات الجديدة مع جهود موظفي العمليات لتقديم هذه الخدمات فعلياً، وكذلك الأمر بالنسبة للرسائل الموجهة إلى العملاء، كان من الضروري مزامنتها مع مساعدة المسؤولين عن تقديم الخدمات على اكتساب المهارات الجديدة اللازمة، وكان من الضروري أن تتوافق الخدمات المركزية في الشركة مع قدرة مكاتب فروعها المحلية على تخصيص الخدمات، ووجب ترتيب تسلسلها وتحديد وتيرتها على نحو يسهل على المؤسسة استيعابه وتنفيذه على نحو مثمر. على الرغم من أن الحاجة إلى كل هذه الأمور متوقعة ولكن مسؤولي الشركة لم يفكروا في أي منها عند وضع خطط مبادرات التحول، وما إن تكاملت هذه المبادرات تطابقت الوسائل المعتمدة مع النتائج وتوافق التغيير الحاصل مع الرسائل.

تثاقل التغيير: المبالغة في تقدير قدرة المؤسسة

ينسى القائد المسؤول عن إعلان التغيير غالباً أن المكلفين بتنفيذه لديهم وظائف يعملون بها، فيهمل احتساب الطاقة التي سيحتاج إليها هؤلاء الموظفون لإنجاح التغيير الذي يمسّهم مع الاستمرار بأداء وظائفهم ومسؤولياتهم اليومية. يبدأ كثير من التنفيذيين جهود التغيير ثم ينشغلون عنه بعد فترة وجيزة بفكرة براقة جديدة تثير حماسهم، وبدلاً من اشتغال القائد على إحداث التغييرات اللازمة على أسلوبه القيادي فإنه يعمل على تسجيل مقاطع فيديو لتذكير الموظفين بـ “الأهمية الاستراتيجية” للتغيير ويكلف موظفي قسم الاتصالات بكتابة مقالات لنشراتهم الإخبارية باسمه، ويعلن عن إنجازات لما تكتمل بعد من خلال الاستشهاد بالتقدم المبكر في الجهود التي لا ترقى في الواقع إلى تغيير ملموس. وبذلك لن يكون التحول المتثاقل هذا أكثر من مجرد حملة دعائية.

وفي حالة شركة الخدمات شاهدنا مقاطع فيديو لا تقلّ عن 17 مقطعاً، مصممة بأسلوب جميل يظهر فيها كثير من المسؤولين التنفيذيين، وقرأنا عشرات المقالات الإخبارية التي تتحدث عن العملاء المتبنين الأوائل للخدمات الجديدة ومئات الرسائل الإلكترونية من قادة المبادرات الثلاثة والعشرين يستعرضون فيها مستجدات أنشطتهم المختلفة، ولم يتعدّ معدل فتح هذه الرسائل نسبة 18%.

على الرغم من المعلومات الوفيرة التي يتم تداولها حول التغيير، كشف تقييمنا أن عدداً كبيراً من الموظفين لم يفهم الغاية من هذا التغيير ولم يدرك ما يجري في الواقع. والأسوأ هو أنه منذ بداية عملية التحول هذه أجرت المؤسسة عدة تغييرات إضافية متتالية زعم القادة أنها ذات صلة بعملية التحول، ولكنها لم تكن كذلك في الواقع. مثلاً، بدأ قسم الموارد البشرية وضع منصة لمعلومات الموارد البشرية قيد الاستخدام في جميع أقسام الشركة بعد تأجيل دام عدة أعوام، وأطلقوا على المنصة اسم “خدمة الموظفين” ليوحي بارتباطها بعملية التحول الشاملة على أمل حشد تأييد أكبر عدد من الموظفين.

يبدأ التغيير التحويلي من الإقرار الصادق بصعوبة العمل والحجم الحقيقي لقدرات المؤسسة وقدرتها على الانضباط، والغاية الشخصية للمسؤولين التنفيذيين من عملية التغيير في المقام الأول، كما يستوجب التواصل الفعال حول التغيير الإصغاء إلى ما يقوله أفراد المؤسسة بشأنه أكثر من التحدث إليهم عنه.

أولاً، اقترحنا إيقاف عدد من المبادرات، فأوقف القادة المبادرات التي لم تملك الشركة القدرات والموارد اللازمة لتنفيذها بفعالية، ثم أسسوا حلقات استماع لا يمكن للقادة فيها سوى طرح الأسئلة، ولا يسمح لهم بأخذ موقف دفاعي في أثناء الاستماع إلى ما يقوله الموظفون عن الفوضى التي تسبب التغيير بها. ساعدنا القادة على تحديد الجوانب التي يمكن إيقافها مؤقتاً من أعمال الموظفين اليومية من أجل إعادة نشر القدرات اللازمة لأداء أعمال التغيير، وحددنا 6 قدرات قيادية حيوية يجب أن يتمتع بها جميع قادة شركات الخدمات، وقيّمنا أبرز 45 قائداً في الشركة وفقاً لهذه القدرات ووضعنا خطط تطوير وتدريب لكل منهم. أصبحت النشرات الإخبارية المتعلقة بمستجدات عملية التغيير تتضمن الإقرار بالقدرات التي لاحظ القادة ضعفها في التقييم والإجراءات التي سيتخذونها لتحسينها، وأدى ذلك إلى تعزيز مصداقية عملية التحول بصورة فورية، حيث يمكن للمؤسسة الآن رؤية هؤلاء القادة وهم يبدون اهتماماً نشطاً بتغيير أساليبهم. فالتزام القائد العلني بالتغيير الشخصي هو ما يؤكد صلاحية التغييرات التي يكلف موظفيه بتنفيذها.

صورة المشروع المفضل: إساءة تقدير نظرة الآخرين تجاهك

من المعروف أن كثيراً من جهود التحويل ينشأ من قناعات القائد واهتماماته الشخصية، ونجاح هذه المشاريع يساعد القائد على إحراز تقدم مهني. ولا حرج في ذلك إلا إذا حاول القائد التستر بشعارات نبيلة رنانة عن “الصالح العام” أو حطّ من شأن التضحيات المرهقة التي يطالب الآخرين بها لإحداث التغيير. يخشى القادة الذين يدعمون التغيير من أن الإقرار بأهدافهم الشخصية من التغيير سيعرقل كسب تأييد المؤسسة له والتزامها به، وإذا أراد القادة جني الفوائد من دون دفع التكاليف الشخصية فسوف يخسرون التزام المؤسسة حتماً.

أما القادة العازمون على أداء واجبهم لدفع عجلة التحول الشاق فيتمتعون بالذكاء الكافي لتوضيح ما يجعل عملية التحويل هذه مسألة شخصية بالنسبة لهم (من الحمق أن يظن القادة أن المؤسسة لن تكشف أنهم يتخذون عملية التغيير ستاراً يغطي سعيهم لإحراز تقدم مهني).

في حالة عميلي، كانت عملية التحول قراراً اتخذته مسؤولة تنفيذية انضمت إلى الشركة قبل عام في منصب رئيسة قسم الاستراتيجية، وعملت قبل تعيينها في شركة خدمات مالية أخرى فشلت في التحول إلى بيع الخدمات. عرفت أن القطاع يتغير وسيتخلى بلا رحمة عن الشركات التي تهمل مواكبة توجهات العملاء المتنامية، وإذا نجحت في قيادة عملية التحول في هذه الشركة فسيُفتح لها الباب لتسلم منصب الرئيس التنفيذي. وبما أنها انضمت حديثاً إلى الشركة خشيت أن يفترض زملاؤها أنها لا تهتم سوى بالوصول إلى أهم منصب فيها، ولذلك بالغت في تأكيد عدم ارتباط عملية التحول بأهدافها الشخصية، ما أدى إلى نتائج عكسية؛ ما فهمه الموظفون هو أنها لا تسعى سوى إلى رفع سعر سهم الشركة على المدى القصير لتتخلى عن جهود التحول بعدها بفترة وجيزة وتحول أسهمها إلى سيولة وتغادر.

ولأجل المفارقة، كشفت قصتها عن الفشل السابق في عملية التحول عن قناعات راسخة لديها تولي التغيير قيمة أكبر مما يستحقه، وحين أكدت علناً رغبتها في البقاء في الشركة على المدى الطويل (من دون تحديد صفتها فيها بالتأكيد) بدت جديرة بالثقة، كما عقدت سلسلة من الاجتماعات العامة الافتراضية وعبرت فيها عن شغفها بالتحول وما يجعلها واثقة من نجاح الشركة، وأقرت بقلقها من حقيقة أنها جديدة في الشركة وعبرت عن رغبتها في أن تكون مقبولة فيها. حين صاغت قصتها بنفسها أبعدت الموظفين عن التفكير في دوافعها الشخصية لتحقيق المنفعة الذاتية التي زعمت أنها تتفاداها وأكدت دوافعهم القائمة على الفائدة التي سيجنيها الجميع من التغيير.

كي يكون التغيير التحويلي دائماً يجب أن يتحول إلى مسألة شخصية لجميع الموظفين، لذلك استندنا إلى قصتها لعقد سلسلة من الورش الافتراضية دعونا الموظفين فيها إلى ربط غاياتهم الشخصية بأهداف التغيير المرجوة، ووزعنا الموظفين في مجموعات صغيرة يتحدثون فيها عن رؤاهم بشأن تغيير أدوارهم والأثر الذي سيوقعه عملهم على العملاء والشركة ومساراتهم المهنية.

إن كنت عالقاً في عملية تحول متعثرة، أو على وشك بدء عملية تحول كبيرة فأنا واثق أنك تدرك مدى صعوبتها. ستشكّل العقبات غير المتوقعة اختباراً لقدرتك على التحمل وتفاؤلك، لذلك احرص على أن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لإعداد نفسك ومؤسستك لهذه الرحلة، واعلم أنك أنت العقبة الوحيدة التي تستطيع منعها من إفشال عملية التحول.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .