كيف تتفادى إصدار الأحكام ضد زملائك دون قصد؟

7 دقائق
الانحيازات اللاإرادية
Human heads in paper cut style. Psychology, self help, mental health concept. Horizontal banner with paper cut layered human head. Mock up template. Copy space for text
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من السهل “محاسبة” الأفراد على إساءاتهم الدقيقة أو سلوكياتهم المتحيزة، لكن من الصعب في الوقت نفسه تحديد الانحيازات اللاإرادية الموجودة لدينا والاعتراف بها. إلا أن إدراك أوجه القصور فينا قد يساعدنا على تحسين أساليبنا في القيادة، لا سيّما عندما نكون مدراء جدد.

  • تتمثّل الخطوة الأولى في الاعتراف بوجود تحيّزات لديك بالفعل والتدّرب على تحسين تعاملك مع الآخرين. اسأل نفسك: هل لدي صور نمطية أو افتراضات حول مجموعة اجتماعية معينة؟ هل أعترف بوجود اختلافات في فريقي وأعززها بصفتي مديراً؟ استخدم إجاباتك لتساعدك على التخلص من افتراضاتك اللاإرادية.
  • عندما يبدأ شخص محاسبة انحيازاتك اللاإرادية، حاول ألا تتخذ موقفاً دفاعياً، بل افترض حسن النية واستخدم ملاحظاته كفرصة للتعلم.
  • تواصل مع مجموعة متنوعة من الزملاء لتعرف نظرتهم عنك، والتمس آراءهم بشكل دائم، فقد يصبحون “زملاء المحاسبة” الذين يُرشدونك إلى المسار الصحيح عندما تقرر تغيير سلوكياتك.
  • تقبّل وجهات النظر المتنوعة، فإذا كان أصدقاؤك المقربون يشبهونك في الطباع وأتوا من خلفيات مماثلة، فقد حان الوقت لتكوين شبكة أكثر تنوعاً. انضم إلى مجموعات التقارب أو تواصل مع الزملاء الذين تختلف خلفياتهم عن خلفيتك.

 

عندما أصبحتُ مديرة للمرة الأولى، وضعتُ رؤية واضحة لأسلوبي في القيادة تمثّلت في إبداء تقديري لفريقي ومعاملة الجميع باحترام. لكن ما إن توليت المسؤولية، أدركت أن القيادة لم تكن بسيطة كما تخيلتها بداية.

على سبيل المثال، انضم أحد المرؤوسين المباشرين، وهو بلال، إلى الفريق بعد إنهائه المدرسة الثانوية مباشرة (وقبل أن انضم أنا حتى). لم يكن يملك شهادة جامعية أو أي شهادات اعتماد. وافترضتُ لا إرادياً أن قدرات بلال كانت أقل من قدرات زملائه الآخرين في الفريق وبدأت تكليفه بمشاريع أقل تحدياً لافتراضي أن الشهادات تُظهر مدى خبرة الفرد.

ثم سألني أحد زملائي ذات يوم “لماذا لا تُسندين مهمة الإشراف على المشروع الجديد إلى بلال؟” وكلما تعمقنا في النقاش أدركت تحيّزي حول هذا الموضوع، وأنني أفترض أن الآخرين كانوا أكثر كفاءة من بلال لمجرد أنهم حصلوا على شهادات جامعية. كنت أمارس التمييز ضد بلال وأعامله بشكل مختلف دون قصد.

وبينما كنت أعمل على تصحيح سلوكي تجاهه، أدركتُ أنني لم أكن على دراية بمهاراته بسبب تحيزاتي، فقد كان الشخص المناسب لأي شخص يحتاج إلى مساعدة في حل أكثر التحديات تعقيداً، وكان شخصاً محباً للعلم والتعلّم وكان أداؤه في العمل مميّزاً.

وما تعلمته من هذه التجربة هو أن نوايانا لا قيمة لها دون اتخاذ إجراءات مدروسة وواعية، فعلى الرغم من نيتي تكوين فريق يشعر فيه الجميع بالمساواة، فشلت في تنفيذ هذه النية. وعندما أدركتُ أنني أمارس التحيّز دون وعي وأن تلك الممارسات كانت واضحة للآخرين، بدأت مراجعة سلوكياتي الأخرى التي قد تقوّض فريقي أو تحطّ من قدره دون قصد.

ومن السهل في الواقع “محاسبة” الأفراد على إساءاتهم الدقيقة أو سلوكياتهم المتحيزة، لكن من الصعب إدراك وجود هذه السلوكيات فينا والاعتراف بوجودها حتى. وعندما نختار التركيز على أوجه القصور تلك، يمكننا حينها تعديل أسلوبنا في القيادة وتصحيح (أو تجنب مواصلة) السلوك التمييزي.

وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي ساعدتني في رحلتي لأصبح قائدة شاملة.

1) اعترف بوجود تحيّزات في سلوكياتك، ثم ابدأ الغوص في خبايا نفسك

من المهم أن ندرك الانحيازات اللاإرادية الموجودة لدينا وأن نعمل على تغييرها.

ترعرعت في بيئة مميّزة كان الحصول على شهادة في “التعليم العالي” فيها السبيل إلى تحقيق النجاح. ولطالما اعتقدت أن الخبرة والكفاءة مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بمستوى التعليم، لكن هذا الافتراض الخاطئ والمحدود النظر ألقى بظلاله على رأيي تجاه بلال ومهاراته.

ولكي تدرك ماهية انحيازاتك اللاإرادية، ابدأ الغوص في خبايا نفسك.

قد يساعدك الاهتمام بأفكارك والتحقق من معتقداتك في تحديد الافتراضات التي تعتنقها حالياً. على سبيل المثال، هل تعتقد أن الناس سيُعربون عن آرائهم دائماً عندما يختلفون؟ هل تعتقد أن إظهار مشاعرك، أو البكاء في العمل، علامة ضعف؟ كيف تشعر عندما يفوّت شخص ما موعداً نهائياً؟ هل تفترض تلقائياً أنه شخص غير منتج أو غير كفؤ، أم أنك تُبدي تعاطفك معه وتُصغي إلى الأسباب التي يذكرها؟

يتمثّل الحل في تخصيص بعض الوقت للتفكير والتحقيق في معتقداتك وافتراضاتك حتى تتمكن من فهم حقيقة الشخص الآخر. قد تفترض أنك لا تمتلك الوقت الكافي للتفكير بصفتك قائداً، لكن تخصيص بضع دقائق للتفكير في نفسك قد يُحدث فارقاً كبيراً فيك وفي فريقك. إليك بعض الأسئلة الأخرى التي يمكنك التفكير فيها:

  • ما هي معتقداتي الأساسية؟ هل تؤدي تلك المعتقدات إلى تقييدي أنا وزملائي أو إلى تمكين الجميع؟
  • كيف أتفاعل مع الأشخاص الذين أتوا من خلفيات مختلفة؟ هل لدي صور نمطية أو افتراضات حول مجموعة اجتماعية معينة؟
  • هل أعترف بوجود اختلافات في فريقي وأعززها بصفتي مديراً؟
  • كيف سيصف أعضاء الفريق أسلوبي في القيادة إذا كانوا يشاركون الآخرين تجاربهم في العمل معي؟
  • هل يعكس كلامي وأفعالي نواياي؟
  • هل أضع نفسي مكان الشخص الآخر وأتعاطف مع وضعه، حتى لو لم أكن على صلة به؟

ستجد عند التدقيق في إجاباتك أنماط تفكير تساعدك على إدراك التحيزات الأخرى التي قد تكون لديك.

وأدركتُ بالفعل عندما مارست هذا التمرين أنني كنت أقلل من قيمة الأشخاص الذين كانوا هادئين في الاجتماعات لافتراضي أنهم غير قادرين على المساهمة. لكن الحقيقة هي أنني لم أخلق بيئة تتسم بالشمول تتيح لهم التعبير عن آرائهم أو مشاركة أفكارهم. وبدأت للتغلب على هذا التحيّز إرسال جداول أعمال الاجتماعات مسبّقاً. وتواصلت أيضاً مع أعضاء فريقي الأكثر هدوءاً خلال اجتماعاتنا الفردية لأؤكد لهم أنني أقدر مساهماتهم ومارسنا العصف الذهني معاً لمساعدتهم على التعبير عن آرائهم.

2) دع الآخرين يتحدون افتراضاتك

تتكوّن نظرتنا عن أنفسنا من تجاربنا الحياتية والدروس التي نتعلمها. وعادة ما نكوّن انحيازات لا إرادية نتيجة ما تعلمناه وعايشناه خلال مراحل الطفولة والمراهقة، في المنزل وفي المدرسة وفي أثناء محادثاتنا مع الأصدقاء، ومن خلال وسائل الإعلام التي تابعناها (والتي ما زلنا نتابعها).

وعندما يتحدى شخص ما هذه المعتقدات والقيم الراسخة سنشعر بالانزعاج. ومن المهم في تلك الحالة أن تنتبه إلى رد فعلك الفوري بدلاً من أن تتخذ موقفاً دفاعياً. خذ نفساً عميقاً قبل اتخاذ أي إجراء وحاول تغيير عقليتك، وتعامل مع الموقف من منظور حب الاستطلاع وحسن النية. وفيما يلي بعض الطرق لإجراء محادثة عندما يشير شخص ما إلى إساءاتك الدقيقة أو سلوكياتك الإشكالية.

  • “أقدر حقاً مشاركتك تلك الملاحظات معي. ما السلوكيات الأخرى التي لاحظتها والتي يجب أن أكون على علم بها؟”
  • “لم أُدرك هذا الأمر إلى أن شاركتني وجهة نظرك. هل من ملاحظات أخرى لديك؟”
  • “شكراً لك، لم أدرك ذلك على الإطلاق. أنا ملتزم بتنمية أسلوبي في القيادة وأدرك أن لدينا جميعاً انحيازات لا إرادية. ما الذي يمكنك مشاركته معي أيضاً بشأن تأثير أفعالي؟”

إن ارتكابك الأخطاء لا يعني نهاية العالم، بل كل مواجهة هي في الواقع فرصة للتعلم وتحسين أسلوبك في القيادة. وستتيح لك هذه النقاشات فرصة الحصول على تقييمات من الآخرين الذين يمكنهم تحفيزك ومساعدتك في الكشف عن تحيزاتك.

3) كن منفتحاً على التقييمات

البشر تواقون بطبعهم للحصول على تقييمات إيجابية، لا سيّما القادة. لكن تلقي تلك التقييمات الإيجابية من قبل الآخرين يتطلب أن تقيّم أثر سلوكياتك وأفعالك وكلماتك على فريقك باستمرار.

تواصل مع مجموعة متنوعة من الأقران لتفهم نظرتهم عنك وتلتمس نصائحهم بشأن تحسين سلوكياتك. إذ من المرجح أن يزوّدك الأشخاص الذين تختلف وجهات نظرهم وآرائهم عنك بملاحظات ثاقبة. يمكنك أن تقول: “أقدّر رأيك حقاً وينتابني الفضول لمعرفة تأثير أسلوبي في القيادة. هل لديك وقت كافٍ لإجراء محادثة حول هذا الموضوع؟ ما الذي يمكنني فعله لتحسين سلوكياتي بحيث تُحدث تأثيراً إيجابياً على الفريق؟”

ثم أصغ إليه بقصد تعلّم شيء جديد، وذكّر نفسك أن التقييمات الصادقة ستساعدك على النمو وتطوير وعيك الذاتي.

وقد واجهت هذا الموقف شخصياً في مراحل مختلفة طوال مسيرتي المهنية. ففي إحدى المناسبات على سبيل المثال، كانت علاقتي مع إحدى المرؤوسات المباشرات متوترة. لكن بمجرد أن ناقشنا القضية على انفراد، علمتُ أنها شعرت أنني أمارس الإدارة التفصيلية عليها وأنني أقلل من خبرتها. كنت أعتقد من وجهة نظري أنني أساعدها في التغلب على التحديات. وعلى الرغم من أن سماع تلك التقييمات كان صعباً، واصلت تذكير نفسي بأنها لم تكن شخصية. ودأبت على تحقيق هدفي المتمثّل في دعم المرؤوسة المباشرة بالطرق التي تناسبها.

وبمجرد أن تحدد نقاط ضعفك والتغييرات التي ترغب في إجرائها، ستحتاج إلى دعم لمساعدتك على المتابعة. حددت أنا والمرؤوسة المباشرة في حالتي اجتماعاً منتظماً كل أسبوعين لأتيح لها فرصة مشاركة نجاحاتها ومخاوفها معي. ويمكنك أيضاً تحميل نفسك المسؤولية من خلال مشاركة هدفك مع موجّه أو زميل تثق به، أو مع شخص يشجّعك ويدفعك لإعادة الالتزام عندما تواجه أي صعوبات.

4) تقبّل وجهات النظر المتنوعة

لا يجب أن تلتمس آراءً من الأشخاص الذين تختلف وجهات نظرهم عن آرائك فقط، بل يجب أن تبذل جهداً للتفاعل بانتظام وبناء علاقات هادفة معهم. وحتى إذا اضطررت إلى المشاركة في مناقشات بنّاءة، فستوسّع تلك التجربة نطاق تفكيرك وتشجعك على أن تصبح شخصاً أكثر شمولاً (وإبداعاً). وتُعدّ تنمية شبكة علاقات متنوعة طريقة عظيمة للقيام بذلك.

وجدت عندما تفحّصت شبكة علاقاتي أن العديد من أصدقائي وزملائي “يشبهونني”، فقد جاؤوا من خلفيات متماثلة وجميعهم يمتلكون شهادات عليا وشبكات رأس مال اجتماعي متشابهة. وقد تتحول تلك الأنواع من الشبكات غالباً إلى غرف صدى يشارك فيها الأشخاص أفكاراً وآراءً متشابهة.

وأشجعك على إلقاء نظرة فاحصة على شبكتك أيضاً. هل تحتاج إلى توسيع شبكتك؟ إذا تمثّلت إجابتك بالقبول، فحاول الانضمام إلى مجموعات التقارب التي ستساعدك على التواصل مع أشخاص من خلفيات مختلفة يشاركونك اهتماماتك. وبالمثل، يمكنك البحث عن مجموعات مجتمعية على لينكد إن لمقابلة مهنيين من جميع أنحاء العالم.

وإذا كنت ترغب في توسيع دائرة أصدقائك في وظيفتك الحالية، فحاول أن تكون أكثر إصراراً بشأن الأشخاص الذين تتواصل معهم. ادعُ أشخاصاً من خارج فريقك المباشر لاحتساء القهوة أو تناول الغداء بشكل افتراضي. قد يكونون قادة من إدارات مختلفة في شركتك، أو زملاء في أقسام أخرى، أو أي زميل لم يسبق أن تواصلت معه من قبل. امنح نفسك وقتاً كافياً للتعرف عليهم واسألهم عن أعمالهم وحياتهم الشخصية. وضع في اعتبارك دائماً أن الناس سيكونون مختلفين عنك (في جميع النواحي) وأبدِ تقديرك لتلك الاختلافات عند ظهورها.

أخيراً، ضع في اعتبارك أن هناك العديد من الأساليب البسيطة التي تساعدك على توسيع منظورك خارج نطاق التعارف. والشيء الوحيد الذي ساعدني في تنويع تفكيري هو الوسائط التي أتابعها: الكتب التي أقرؤها، والمدونات الصوتية (البودكاست) التي أستمع إليها، والأشخاص الذين أتابعهم على المنصات الاجتماعية. على سبيل المثال، اعتدت ونُصحت بداية مسيرتي المهنية على قراءة كتب القيادة التي كتبها مؤلفون ذكور ذوي بشرة بيضاء فقط (وهذا ليس مفاجئاً). لكنني أتعمّد اليوم قراءة كتب كتبها مؤلفون من جميع الأجناس والأعراق والجنسيات لتوسيع وجهة نظري.

قد يكون تقبّل وجهات نظر متنوعة أمراً صعباً في البداية، لكن بذل جهد واعٍ في ذلك الصدد سيؤتي ثماره بالفعل. التغيير مزعج، مهما كان نوعه، وأهم ما عليك فعله بصفتك قائداً هو الاستعداد لهذا الانزعاج. وستتطلب كل مرحلة من مراحل رحلتك القيادية أن تأخذ وقتاً في التأمل وإبداء الوعي الذاتي، فذلك ما سيتيح لك النمو والازدهار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .