دراسة حالة: هل تستطيع شركة طيران تقليص زمن “تجهيز الطائرات” دون زيادة عدد العاملين؟

14 دقيقة
شركة آر إس أيه غراوند
غريغ كلتسل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحكم كينتارو هياشي ربط أزرار قميص العمل الرسمي، متسائلاً عمّا إذا كان بإمكانه الإقدام على هذه الخطوة.

فقد تعرّض لضغوط هائلة في الأشهر الأخيرة بوصفه رئيس شركة “آر إس أيه غراوند” (RSA Ground) للخدمات الأرضية التابعة لشركة “رايزنغ صن إيرلاينز” (Rising Sun Airlines) المسؤولة عن تقديم الخدمات الأرضية في مطارات اليابان. فبفضل الطلب المتزايد على السفر الجوي، باتت رحلات “رايزنغ صن” الآن أكثر كثافة وتكراراً من أي وقت مضى. ومع ذلك، فقد ارتفع متوسط زمن “تجهيز” الطائرات من 12 دقيقة إلى 20 دقيقة في العام الماضي، وزمن “تجهيز” الطائرات هو المدة التي يستغرقها العاملون لتنظيف الطائرات وفحصها وإعادة تزويدها بمستلزمات السفر وإعادة تموينها بالوقود. كانت هذه التأخيرات باهظة التكلفة بسبب تعقيد مواعيد الرحلات الجوية وضيق الوقت المخصَّص للإقلاع وعصبية الطيارين.

تم تشخيص المشكلة بسهولة بطبيعة الحال، وتتلخص فيما يلي: تحاول شركة “آر إس أيه غراوند” أداء مزيد من العمل بالعدد نفسه من الموظفين. لكن كينتارو يعلم أنه لا يستطيع التوجُّه إلى اللجنة التنفيذية للمطالبة بتخصيص مزيد من المال لتعيين عمّال جُدد. حيث ستصر اللجنة على مطالبته أولاً برفع كفاءة أفراد فريقه. وبعد عدة اجتماعات غير مثمرة مع رئيسة العمليات ورئيسة قسم الموارد البشرية ومستشاري قطاع الخدمات الأرضية، قرر أنه بحاجة إلى بحث المشكلة بنفسه.

لذا يرتدي الآن الزي الرسمي لشركة “آر إس أيه غراوند”. لقد خطّط للتخفي وتقمُّص دور أحد أفراد طاقم الخدمة الأرضية لبضعة أيام، وبدأ مهمته عاملاً في تنظيف الطائرات في “مطار ناريتا الدولي”، حيث كانت الشركة تواجه أسوأ المعوقات. ورتّب أيضاً لقضاء بعض الوقت في فرق التنظيف والصيانة في 3 مطارات أخرى، هي “هانيدا” و”أوساكا” و”سينداي”، وذلك للتعرُّف على كيفية تعامل موظفيه مع كل طائرات أسطول الشركة، بدايةً من الطائرات الصغيرة التي تنقل بشكل أساسي المسافرين المحليين لمسافات قصيرة، وصولاً إلى الطائرات الضخمة ذات الكبائن المتعددة التي تطير لمسافات طويلة في الرحلات الدولية.

وعندما طلب كينتارو من ديشي إيشارو، الرئيس التنفيذي لشركة “رايزنغ صن”، الإذن بذلك، قهقه مديره ضاحكاً. “تعجبني مبادرتك يا كينتارو-سان، ليس فقط في الصفوف الأمامية ولكن في المراحيض أيضاً!”. ثم سرعان ما أضاف بلهجة جادة: “سأدعم هذا الجهد البحثي بكل تأكيد. لكن يجب عليك التأكد أنه سيؤتي ثماره. أود أن تقدّم لي بعد أسبوع واحد من الآن اقتراحاً محدداً حول كيفية العودة بزمن تجهيز الطائرات إلى 12 دقيقة، إن لم يكن 10 دقائق. فكلما أسرعنا في تجهيز هذه الطائرات، كان عملاؤنا أكثر سعادة، وزادت الأرباح التي نحققها”.

الشخص الوحيد في شركة “آر إس أيه غراوند” الذي كان على علم بخطة كينتارو هو رئيس فريق العمل الذي وافق على تعيينه في فرق مختلفة “عاملاً مؤقتاً” خلال الأيام القليلة المقبلة.

وخلال انتظاره على مدرج “مطار ناريتا” مع 5 عمال نظافة آخرين في أثناء نزول الركاب، كان كينتارو أكثر توتراً مما كان يتوقع. فقد درس الكتيبات الإرشادية لمختلف الطائرات، بل وتدرّب على بعض الإجراءات، كتنظيف جيوب المقاعد ومسح صواني الطعام وكنس المقاعد بالمكنسة الكهربية. لكن تم تكليفه الآن بتنظيف نصف مقاعد الدرجة الاقتصادية في طائرة بوينغ 787 ولم يستطع تخيل إكمال المهمة في الدقائق العشر المطلوبة (مع ترك دقيقتين للتفتيش). لحسن الحظ، تم إسناد مهمة تنظيف المرحاض لشخص آخر، وهو رجل قصير أشيب الشعر يرتدي نظارات واقية وقفازات بلاستيكية، بدا أكثر خبرة من باقي أفراد المجموعة. نظر كينتارو إلى ساعته: 6:14 صباحاً. وعندما فتح باب جسر الصعود إلى الطائرة، دخل هو وبقية أفراد الطاقم إلى الطائرة وانتشروا في المواقع المخصصة لهم.

سر المهنة

أنهوا عملهم بعد 18 دقيقة، وهو معدل ليس سيئاً، لكنه ليس رائعاً أيضاً. كان جدول مواعيد الرحلات يشير إلى أن أمامهم 10 دقائق حتى يحين موعد وصول الطائرة التالية، لذلك تخلص العمّال من قفازاتهم ومناشفهم في صندوق القمامة وعادوا إلى غرفة انتظار صغيرة.

سأل أحد أفراد طاقم العمل الشبان كينتارو: “أهذا أول يوم لك في العمل؟”.

“نعم”.

“أنا توشي. أعمل هنا منذ شهر واحد فقط. سيتحسن أداؤك بمرور الوقت. ستتعلم كيفية أدائه بشكل أسرع، ولكن ليس بالسرعة التي تريدها المديرة!”.

سأله كينتارو: “أين المديرة؟”.  كانت قد كلّفته بمهمته عندما وقّع حضوره في تمام الساعة 6 صباحاً، لكنه لم يرها منذ ذلك الحين.

“تشرف السيدة (ساعة إيقاف) على طاقم آخر في الصباح، وستكون معنا بعد الظهيرة”.

“السيدة (ساعة إيقاف)؟”.

“نعم. فهي تمسك بساعة إيقاف في يدها وتصرخ في وجوهنا مرات ومرات لحثنا على إنهاء العمل بالسرعة المطلوبة. قد يفيد ذلك أحياناً، ولكنه قد يكون مزعجاً أيضاً. يريدون منا أن ننتهي من أعمال التجهيز في 12 دقيقة. هذا جيد لطائرة 787 بنصف سعتها من الركاب. ولكن الأسبوع الماضي كنا مطالبين بتجهيز طائرات 747 طوال اليوم بطاقم من 6 أشخاص فقط، وكان ذلك مستحيلاً. وبعد وقت العمل الإضافي لتجهيز الطائرتين الأولى والثانية، كان علينا أن نفوّت بعض الأشياء. في اليوم التالي، كانت السيدة (ساعة إيقاف) غاضبة ووقفت فوق رؤوسنا تراقبنا طوال اليوم بسبب شكاوى الركاب”.

“يجب زيادة عدد أفراد طاقم العمل، أليس كذلك؟”.

“نعم. ربما 7 أشخاص لتجهيز طائرة 787 و10 أشخاص لتجهيز طائرة 747. لكن هأنذا أتحدث عن الطائرات! لقد نشأت في مزرعة، وكانت هذه هي الوظيفة الوحيدة التي وجدتها عندما انتقلت إلى طوكيو. لم أخبر أسرتي حتى بأنني أعمل في هذه الوظيفة، ولو عرفوا، لخجلوا مني. آمل أن أترك هذا العمل بعد شهر أو شهرين. إذا كنت تنوي البقاء لفترة أطول، فعليك التحدث إلى نوبو-سان“. وأشار إلى الرجل أشيب الشعر الذي كان يقف في الزاوية يحتسي قهوته من المقصف. “إنه يعمل هنا منذ زمن بعيد”.

كان لا يزال أمامهم 5 دقائق في الاستراحة، لذلك مشى إليه كينتارو. قال وهو ينحني قليلاً: “مرحباً، نوبو-سان. يدّعي هذا الشاب أنك متمرّس في العمل هنا”.

أجاب نوبو بابتسامة صغيرة: “ربما يكون هذا صحيحاً”.

“هل هو عمل جيد؟”.

“عمل شاق. عمل قذر. لكنه يؤمّن دخلاً يكفي لسداد نفقات المعيشة. ويفخر بعضنا بقدرتهم على أداء العمل على أكمل وجه”.

“تبدو أعمال تجهيز الطائرات شاقة. فقد عملت بأسرع ما يمكن، مع اتباع كافة التعليمات الموجودة في الكتيب الإرشادي، لكن الأمر استغرق 18 دقيقة”.

“أمّا أنا فقد أنهيتُ تنظيف المرحاض في 8 دقائق. يستطيع أفراد الطاقم إنجاز أعمالهم بشكل أسرع. الأشخاص الأكثر خبرة يفعلون ذلك. لكن لا يوجد منّا سوى عدد محدود الآن”.

جفل كينتارو. لقد ارتفعت معدلات دوران الموظفين فعلياً في العام الماضي، بالتوازي مع ارتفاع زمن تجهيز الطائرات. كانت ماري كاتا، رئيسة قسم الموارد البشرية في شركته، تسارع بتعيين عمال مؤقتين وعمّال بدوام جزئي لمدد تتراوح بين 20 و30 شهراً، وذلك لسد العجز في العمالة الدائمة، لكن لم يستمر إلا القليلون منهم في العمل. كانوا يجدون العمل شاقاً ومرهقاً للغاية، وربما كانوا مثل توشي حريصين على العثور على وظائف ذات رواتب أفضل ومكانة مرموقة أكثر.

سأله كينتارو: “لماذا بقيتَ في هذا العمل؟”. 

هز نوبو كتفيه. “لم أحصل على شهادات تعليمية أو أتلقى تدريباً يؤهلني للالتحاق بعمل آخر. لا أعرف سوى هذا العمل، ولا أجيد غيره. تقول المديرة إنني الشخص الوحيد الذي تثق به فيما يتعلق بتنظيف المراحيض”.

“كيف وصلت إلى هذا المستوى الجيد؟”.

أجابه: “هذا سر المهنة. لكن”. انخفض صوت نوبو إلى ما يشبه الهمس مستطرداً: “لم يكن في الكتيب الإرشادي”.

“هل تمانع في إطلاعي عليه؟”. سأله كينتارو، غير متأكد من سبب همسه هو الآخر.

“ليس الآن. فقد حان موعد وصول الطائرة التالية. إذا استمررتَ في العمل حتى الأسبوع المقبل، فيمكننا التحدث عندئذٍ”.

حينما حان موعد الغداء، كان كينتارو قد خارت قواه. أمسك بعلبة وجبة الـ”ترياكي” الباردة التي كانت زوجته قد أعدتها له في الليلة السابقة، وحاول الاقتراب من نوبو مرة أخرى، لكن السيدة (ساعة إيقاف) اعترضت طريقه في غرفة الاستراحة.

وسألته: “كيف كان يومك الأول؟”.

أجابها: “على خير ما يرام، شكراً لك”.

“هناك عامل مؤقّت أيضاً ضمن طاقمي الآخر، وعلى الرغم من أنني كنت أود مشاهدتكما في الصباح، فإنني لم أستطع المخاطرة بوضع عاملين عديمي الخبرة في فريق واحد”. ألقت نظرة على جدول بيانات في حاسوبها اللوحي الذي كانت تحمله، مردفةً: “أرى أن متوسط زمن إنهاء مجموعتك للعمل المكلفين به يبلغ 18 دقيقة حتى الآن. وقد أنهى أفراد الطاقم الآخر عملهم في 16 دقيقة فقط. لذلك سنرى ما إذا كان بإمكاننا الوصول بمتوسط زمن إنهائكم للعمل إلى هذا المتوسط”. كانت مبتهجة لكنها صارمة.

ما يثير الدهشة أن فريق كينتارو استطاع تقليل متوسط زمن إنهائهم للعمل إلى 16 دقيقة فقط بعد الظهيرة. لم يكن يعرف ما إذا كان ذلك بسبب ارتفاع إيقاع سرعة جميع العاملين، أم لأن صراخ السيدة (ساعة إيقاف) المتواصل (“5 دقائق… لقد أنهينا نصف العمل يا رفاق! لننتهي بسرعة!”) قد ألهمهم العمل بمزيد من الجدية.

بعد كل مرة ينتهون فيها من تجهيز طائرة، كانت تفتش وراءهم بسرعة وتشير إلى عامل النظافة الذي لم ينهِ عمله خلال الدقائق العشر المطلوبة فحسب، ولكنه أنهاه دون أية أخطاء أو تجاوزات. فاز نوبو بهذا السباق في الجولات الثلاث الأولى، وهو ما كان يقابله بإيماءة من رأسه وابتسامة على شفتيه. فازت موظفة أخرى أكبر سناً بالجولتين التاليتين، ما جعلها مبتهجة، ثم عاد اللقب إلى نوبو حتى نهاية وردية العمل. عمل كينتارو بشكل أسرع وأكثر اجتهاداً في محاولة للفوز باللقب، ولو لمرة واحدة، لكنه لم يكن متأكداً من أن المنافسة لها الأثر نفسه على بقية أفراد المجموعة. خلال أحد إعلانات السيدة (ساعة إيقاف) عن الفائزين باللقب، خُيِّل إليه أنه رأى عينيّ توشي تدوران في محجريهما. وشعر أيضاً خلال لقاءاته القصيرة مع طاقم الطيران على جسر الصعود إلى الطائرة بأنهم غير راضين عن تجهيز طائراتهم في 16 دقيقة، وكانوا يرون أن ذلك أقل بكثير من توقعاتهم. بدا عليهم الاستعجال والإحباط، وبدوا متبرمين من عمّال النظافة.

عندما أنهى كينتارو ورديته في الساعة 2:30 ظهراً، قالت له المديرة: “لقد أبليت بلاءً حسناً. تبدو مألوفاً لي. هل سبق أن عملتَ معنا من قبل؟”.

قال كينتارو بحذر: “ليس ضمن طاقم التنظيف، سيدتي، ولكن في مكان آخر في المطار”.

“حسناً، أتمنى أن تستمر في العمل معنا”.

“أعتقد أنني ذاهب إلى مطار هانيدا غداً”.

أجابت: “أعتقد أننا جميعاً نعاني من أجل العثور على عمال جيدين”.

قال كينتارو بينه وبين نفسه: نعم، نعاني أشد المعاناة.

المزيد من أمثال نوبو

تم تكليف كينتارو بمهمات مماثلة في فرق الصيانة بالمطارات الأخرى. التقى هناك بالموظفين المتمرسين الذين اعتادوا العمل الشاق، ويعرفون كيفية إنجاز المهمات الموكلة إليهم، ولكن بدا عليهم الإحباط أيضاً. تحدّث إلى العمّال الجدد، وكثير منهم بدوام جزئي، ووجد أنهم يرون “آر إس أيه غراوند” شركة بغيضة، وفي أحسن الأحوال كانوا يرونها محطة مؤقتة في مشوارهم المهني إلى أن يجدوا عملاً أفضل. ورأى مدراء كانوا فاعلين، لكنهم يعانون الإرهاق الشديد.

وعندما دعا إلى عقد اجتماع مع فريقه التنفيذي لإطلاعهم على هذه الملاحظات، شعر زملاؤه بالذهول.

قالت ماري ساخرة: “اعذرني كينتارو-سان، لكن ماذا فعلت؟”. 

“لقد تخفيتُ، وتقمصتُ دور عامل في طواقم تجهيز الطائرات لمدة 4 أيام”.

خيّم الصمت على الجميع من فرط الذهول. أخيراً تحدثت ماري، قائلةً: “حسناً، سيدي، أحييك لفهمك مدى أهمية العنصر البشري لنجاح أعمال الخدمات الأرضية بشركتنا. وأعتقد أن ما رأيته بعينيك يؤكد ما كنت ألّح عليه طوال الوقت. نحن بحاجة إلى الاستثمار في كوادرنا البشرية من خلال تعيين المزيد من الأفراد وضمهم إلى طواقم العمل ومنحهم تدريباً أفضل وأجوراً أعلى. نحن بحاجة لضمان أن أمثال توشي قادرون على تعلّم سر المهنة بالسرعة المطلوبة، وأن أمثال نوبو يريدون البقاء معنا. هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمكننا من الإسراع بتجهيز الطائرات خلال مُدد زمنية أقصر”.

قال كينتارو: “ما اقتراحاتك للزيادة التي يجب أن نطلبها في مخصصات الميزانية؟”. 

“يجب أن أجري بعض الحسابات أولاً، ولكن ربما نطلب زيادة بنسبة 20%”.

التفت كين إلى الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بالشركة، منتظراً رده الذي لم يتأخر كثيراً: “مع كامل احترامي للسيدة ماري-سان، لكن سيكون من الصعب للغاية أن أتقدم بطلب بهذا الحجم إلى الإدارة. لقد وعدناهم، ووعدوا المساهمين، بأننا سنعمل على تحسين هوامش الربح هذا العام”.

لم يُرد كينتارو رفض اقتراح ماري صراحةً، لكنه أيّد رأي الرئيس التنفيذي للشؤون المالية. إذ سيتعين عليه أن يضغط بشدة للحصول على الموافقة على نصف هذا المبلغ، ولا شك في أن ديشي إيشارو سيطالبهم بعائد شبه فوري على استثمار هذا المبلغ.

قالت ماري: “حسناً، يمكننا أن نتدبّر أمورنا بمبلغ أقل”.

تدخلت مايوكا موري، رئيسة العمليات، قائلة: “هل تسمحوا لي بعرض وجهة نظري؟ الرسالة التي استخلصتها من تقرير كينتارو-سان هي أهمية المدراء. إذ تعمل الفرق بشكل أفضل عندما تتبع أفضل الممارسات ويجري التنسيق بين أفرادها على أكمل وجه. وتعتبر ساعات الإيقاف والمسابقات أفكاراً رائعة. وإذا أردنا تعيين موظفين أو زيادة الأجور، فيجب أن يكون ذلك على المستوى الإداري. ولكن يمكننا تعزيز القدرات الإشرافية وفرض ضوابط أكثر صرامة على عمّالنا الحاليين إذا بذلنا بعض الجهد في هذا الحقل”.

تحدث يوشيوكي تانيغوتشي، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، قائلاً: “تعجبني طريقة تفكيرك يا مايوكا-سان، لكن لماذا لا نستخدم التكنولوجيا لتحقيق النتيجة نفسها؟ لنستثمر مرةً واحدةً في نظام يستخدم أجهزة التتّبع القابلة للارتداء، وذلك لمراقبة أداء الموظفين والزمن الذي يستغرقه الأفراد والفِرَق في تجهيز الطائرات، بالإضافة إلى مراقبة جودة العمل المُنجَز. لسنا بحاجة إلى المزيد من السيدة (ساعة إيقاف)، نحن بحاجة إلى الجيل التالي من أساليب الإشراف والرقابة”.

كان يوشيوكي قد نبّه كينتارو من قبل إلى هذه الفكرة، ولكن اقتراحه ينطبق عليه ما ينطبق على اقتراح ماري، أي أن تنفيذه يتطلب استثمار مبالغ كبيرة في البداية. وقد أظهرت البرامج التجريبية التي تستخدم مثل هذه الأنظمة في شركات أخرى بعض النتائج الواعدة، لكنها كانت متذبذبة.

تساءل كين: “ألا توجد طرق أكثر إبداعاً وأقل تكلفة لحل هذه المشكلة؟”.  لم تكن هذه المرة الأولى التي يطرح فيها مثل هذا السؤال على المجموعة، وقد طرحه على نفسه مرات لا تُحصَى. كان من المفترض أن تمنحه تجربة “المدير المتخفي” بعض الأفكار الجديدة، ولكن الفكرة الوحيدة التي كانت لديه حتى الآن هي استنساخ نوبو. ومن المؤكد أن هذا الاقتراح سيجعل إيشارو-سان يضحك مجدداً. لكن كينتارو كان بحاجة إلى خطة تثير إعجابه.

السؤال: ما الخطوات التي يجب أن تتخذها شركة “آر إس أيه غراوند” لتحسين زمن تجهيز الطائرات؟ رأي الخبراء

أتيلا كوركماز أوغلو، رئيس المناولة الأرضية وعمليات الشحن في شركة “جلبي القابضة للطيران” (Çelebi Aviation Holding).

لا يستطيع كينتارو بالطبع استنساخ نوبو بالمعنى الحرفي، لكن يمكنه بالتأكيد محاولة استنساخ ما يفعله بعدة طرق.

 

يجدر به على أقل تقدير تشجيع مدراء شركة “آر إس أيه غراوند” على تسجيل وتوثيق المزيد من المعرفة التي يحتفظ بها عمّال النظافة وعمّال الصيانة المتمرسون. صحيحٌ أن السيدة (ساعة إيقاف) تحرص فعلياً على مراجعة عمل أعضاء فريقها وتكريم أصحاب الأداء المتميز، لكنها لا تطرح أسئلة كافية حول كيفية أداء نوبو وموظفتها المتميزة الأخرى عملهما على أفضل ما يكون. يجب تحفيزها للإقدام على هذه الخطوة ومشاركة ما توصّلت إليه مع بقية أفراد المجموعة.

 

يمكن أن يستحدث كينتارو أيضاً منصب قائد الفريق ويعيّن فيه نوبو وغيره من العاملين المتمرسين. عليه أن يمنحهم الثقة والاحترام الذي يستحقونه ويضعهم في مركز يسمح لهم بمشاركة “سر المهنة” بشكل منتظم مع زملائهم في الفريق. إذ لا يوجد مبرر لتكليف أفضل عامل نظافة في فريق العمل بأسوأ الوظائف. يجب تسليط الضوء على موهبة نوبو وعمله الجاد، وليس مواراته خلف أبواب المراحيض.

 

يجب أن تفكر شركة “آر إس أيه غراوند” أيضاً في تعيين أمثال نوبو بالمؤسسة، جنباً إلى جنب مع مدراء الشركة الأكثر التزاماً ودافعية، في فريق مشروع مكلف بإعادة تصميم إجراءات العمل من خلال التوثيق المنتظم ونشر أفضل الممارسات الحالية. فبهذه الطريقة تحقق “ستاربكس”، على سبيل المثال، هذا الاتساق في عروضها. حيث يتم تدريب جميع خبراء صناعة القهوة على إعدادها وتقديمها بالكفاءة ذاتها. كما يتم تعليمهم أنهم إذا وجدوا طرقاً لتسريع العمل أو تحسينه، فيجب عليهم التطوع بمشاركة هذه الأفكار.

 

يجب تسليط الضوء على موهبة نوبو، وليس مواراته خلف أبواب المراحيض.

 

ويتمثّل أحد التغييرات المحددة التي يمكنني أن أقترحها عليهم في تشكيل فرق أصغر وأكثر استقراراً تتألّف من 3 أو 4 موظفين، منهم واحد على الأقل لديه خبرة واسعة، بحيث يعملون معاً بصفة دائمة. سيشجّع هذا الهيكل التنظيمي العاملين على ترسيخ أسس الثقة المتبادلة والتعلم من بعضهم، ما يؤدي إلى تعزيز التنسيق والتعاون المشترك ورفع مستوى الكفاءة. ويمكن دمج المجموعات أيضاً بطريقة متسقة قدر الإمكان لتنظيف الطائرات الأكبر حجماً.

 

لن يتطلب أي من هذه الاقتراحات استثمار مبالغ طائلة، إذ لا يحتاج تنفيذها سوى تخصيص بعض الوقت وبذل بعض الجهد. وبعد أن ينفذ كينتارو أحدها أو بعضها، يجب عليه التركيز على الحلول بعيدة المدى لجذب المواهب واستبقائهم. يمكننا في شركة “جلبي” العثور على أشخاص مؤهلين لأداء المهمات منخفضة المستوى لأننا نقدم لهم فرصاً واضحة لتطوير مسارهم المهني. فقد يصبح عامل النظافة سائق عربة أمتعة أو مرشداً أرضياً. نحرص أيضاً على مكافأة العاملين عندما يجيدون أداء عملهم. ولا تكفي هنا إيماءة رضا من السيدة (ساعة إيقاف). لذا يجب أن يتوجّه كينتارو إلى إيشارو في مرحلة ما ويطلب منه تخصيص ميزانية لتتبع الأداء عن طريق نظام النقاط وتقديم العلاوات الإضافية شهرياً للأفراد والفرق الأكثر كفاءة. لدينا برنامج مشابه ووجدنا أنه أداة تحفيزية رائعة.

فيكرام أوبروي، المدير الإداري والرئيس التنفيذي لشركة “إي آي آتش إل تي دي” (EIH Ltd)، الشركة الأم لشركة “أوبروي غروب” (Oberoi Group).

تبدأ مشكلة كين بتعيين العاملين. ويبدو أن شركة “آر إس أيه غراوند” لا تُحسن اختيار الأشخاص المناسبين لأعمال التنظيف والصيانة المهمة. ونظراً لشيخوخة السكان في اليابان، فقد يكون أحد الحلول هو تعيين عمّال كبار السن بدوام كامل، وقد يفخر هؤلاء العمال بعملهم مهما كان وضيعاً، مثل نوبو. لكن يمكن للشركة أيضاً التفكير في مبادرات أكثر إبداعاً.

إذ نحرص في شركة “أوبروي” على تعيين الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على الترقي لمستويين إداريين على السلّم الوظيفي في المؤسسة من خلال التدريب والدعم المناسبين. ونختار خريجي المدارس الفندقية الذين لا يمانعون في بداية مشوارهم المهني في مناصب غير رفيعة المستوى، كمكاتب الاستقبال أو خدمة الغرف أو تقديم الطعام والشراب، ومن ثم يشقون طريقهم وصولاً لمناصب ذات مستوى أعلى. ولأن الكثير من الشباب في الهند لا يملك القدرة على الحصول على هذا النوع من التعليم، فإننا نختار أيضاً خريجي المدارس الثانوية للعمل لدينا 5 أيام في الأسبوع وقضاء اليوم السادس في المشاركة في برنامج البكالوريوس للتعلم عن بُعد لمدة 3 سنوات في إدارة الفنادق. وتتكفل الشركة بدفع مصروفات التعليم، وهكذا يمكننا العثور على موظفين موهوبين وتأهيلهم منذ سن مبكرة.

يمكن تحسين التدريب أيضاً في شركة “آر إس أيه غراوند”. حيث يتمتع نوبو وآخرون بالخبرة التي يجب مشاركة أسرارها، لذا يجب على كينتارو التقاءهم لإعادة صياغة الكتيب الإرشادي للإجراءات التي يجب على الموظفين اتباعها.

وثمة سؤال مهم يطرح نفسه هنا، وهو: هل من الممكن أن يتم تجهيز الطائرات بالسرعة التي تريدها شركة “رايزنغ صن”، دون هفوات؟ إذ يمكن الضغط على العاملين للعمل بالطاقة القصوى، لكنهم لا يستطيعون تحقيق المستحيل. لقد كان إحساس كينتارو في محله، فهو يحتاج إلى الاستماع إلى العاملين على أرض الواقع.

وتؤكد السيدة (ساعة إيقاف) أهمية الوقت وتخلق الإحساس بالاستعجال. لكن يمكن أن يستثمر كينتارو في التكنولوجيا لمراقبة مراحل العمل وعدم خروج العاملين عن المسار الصحيح، وبالتالي تفريغها ومدرائها الآخرين للتركيز على إنشاء فرق تستطيع تحقيق الفوز.

لقد كان إحساس كينتارو في محله، فهو يحتاج إلى الاستماع إلى العاملين على أرض الواقع.

وعندما بدأت مزاولة مهمات عملي مديراً عاماً في فندق “أوبروي راجفيلاز” (Oberoi Rajvilas) عام 1997، خصصت أنا وأعضاء آخرون في فريق القيادة وقتاً كل يوم للعمل مع مختلف مجموعات العمل بالفندق ودعمها. فإذا توافد إلى الفندق عدد كبير من النزلاء، فإنني أتقلد دور حامل الأمتعة، وإذا ازدحمت غرفة الغسيل، فإنني أشارك في ملء الغسالات، وإذا كان المطعم مزدحماً بالرواد، فإنني أقدم الطعام. لقد منحني هذا نظرة ثاقبة حول نقاط القوة والضعف في أعمالنا، كما أكد أهمية الأعمال التي كان يُنظَر إليها في المجتمع الهندي الطبقي للغاية نظرة تنم عن الازدراء باعتبارها أعمالاً وضيعة.

نستخدم أيضاً الاستقلالية والتقدير كأدوات تسهم في زيادة اندماج الموظف. حيث يسمح أحد برامجنا، المسمّى “التمكين” (Empower)، للموظفين بإنفاق ما يصل إلى 30 دولاراً لإسعاد نزلاء الفندق بطريقة هادفة تنبع من مبادرات شخصية. وقد ذكر أحد النزلاء في الآونة الأخيرة لعامل خدمة الغرف بأحد فنادقنا أن ظهره يؤلمه بعد الرحلة الطويلة التي قطعها، فنصحه العامل بالحصول على جلسة تدليك مجانية لمدة 30 دقيقة في المنتجع الصحي بالفندق، ثم حجز له موعداً هناك. يجمع المدراء مثل هذه القصص لمشاركتها في إحاطاتهم المسائية، ويتم إرسال أفضلها عبر البريد الإلكتروني في جميع أنحاء الشركة حتى يتمكن الجميع من التعلم منها. ونفرح عندما يكون أداء العاملين جيداً ويبتكرون الحلول، ونمنح جوائز تقديرية بصفة شهرية وربع سنوية وسنوية.

ثمة فكرة أخيرة منخفضة التكلفة، تتمثل في توعية الركاب بجهود شركة “آر إس أيه غراوند” لتجهيز الطائرات. حيث تخبر شركة الطيران الهندية، “إنديغو” (IndiGo)، المسافرين بأن المغادرة في الوقت المحدد مهمة للغاية للمسافرين ولشركة الطيران، فهي تطلب من الركاب المساعدة على تحقيق ذلك من خلال جمع قمامتهم وتسليمها إلى المضيفات قبل هبوط الطائرة مباشرة. وإذا كانت طائرات شركة “رايزنغ صن” مزودة بأبواب أمامية وخلفية، فيمكن السماح للركاب بالصعود إلى متن الطائرة من أحد الأبواب بينما ينهي عمّال النظافة مهماتهم.

تُعرَض دراسات الحالة التي تصيغها “هارفارد بزنس ريفيو” على هيئة قصص خيالية المشكلات التي يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. وتستند هذه القصة إلى دراسة حالة أعدتها “كلية هارفارد للأعمال” تحت عنوان “مشكلة في تساي” (الحالة رقم 615044)، بقلم إيثان برنشتاين وريان بويل.

نُشرت نسخة من هذه المقالة في عدد شهر أبريل/نيسان من عام 2016 (صفحة 113-117) بمجلة “هارفارد بزنس ريفيو”.

 

الملاحظات التعليمية حول دراسة الحالة

يدرَس إيثان برنشتاين وريان بويل الحالة التي تستند إليها هذه القصة في المناهج الدراسية حول القدرات القيادية والسلوك التنظيمي وإدارة الخدمات لطلاب ماجستير إدارة الأعمال والمسؤولين التنفيذيين.

ما الذي جذبك إلى هذه القصة؟

نعتقد أن الموقف يرمز إلى الصعوبات التي يواجهها الكثير من المؤسسات اليوم: مهمة صعبة في الخطوط الأمامية ضمن عملية معقدة في بيئة يحاول فيها المدراء إنجاز الكثير من العمل بأقل الموارد.

ما طبيعة ردود فعل الطلاب تجاهها في العادة؟

يميلون إلى الاعتقاد بأن طبيعة عملهم والمشاكل التي تواجه شركاتهم تختلف تماماً عن تلك الموجودة في القصة. لكنهم حينما يتعمّقون في الأمر، فإنهم يكتشفون أوجه تشابه أكثر مما كانوا يتوقعون.

ما الذي تأمل أن يستفيدوه من هذه المناقشة؟

نريدهم أن يفكروا في طرق جديدة للموازنة بين القدرات والتحفيز والحرية لتعزيز الأداء بين العاملين في الخطوط الأمامية الذين تؤثر أعمالهم على العملاء. إذ لا يمكن فرض التميز في الخدمات المقدمة، بل يجب تصميمها بطريقة تحقق هذه الغاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .