كيف يمكن لشركات الطيران خفض التكاليف دون إزعاج العملاء؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في حين تتهيأ شركات الطيران للتعافي من آثار الجائحة، يمكنها الاستفادة من أصل فريد من أصولها: برامج الولاء. تُعد هذه البرامج قيّمة من منظور الميزانية العمومية لأنه يمكن استخدامها كضمان في برامج القروض ومن منظور بيان الإيرادات أيضاً. يمكن لشركات الطيران استخدام خدمة “أميال المسافر الدائم” من خلال نهج قائم على “تقديم الخيارات حسب الطلب” لتقليل التكاليف التي تخضع لسيطرتها دون إزعاج العملاء. في الواقع، يمكن لهذه الشركات جعل العملاء راضين عن الخدمة بالقدر نفسه أو حتى أكثر رضا عبر الانتباه إلى موضوع شركات الطيران وخفض التكاليف.

تخسر بعض قطاعات الأعمال الكثير من الأموال ولكنها تحظى بإعجاب العملاء، كخدمات النقل حسب الطلب. وتحقق قطاعات أخرى أرباحاً هائلة ولكنها لا تحظى بقدر كبير من الاحترام، وهنا قد يتبادر إلى الذهن قطاع التبغ. وهناك قطاعات بالكاد تحقق أرباحاً ولكن يبغضها العملاء بشدة، وتُعد شركات الطيران من الأمثلة على ذلك بالتأكيد.

من الواضح أن جائحة “كوفيد-19” كان لها تأثير سلبي كبير في الطلب على السفر جواً، لكن شركات الطيران كانت تحقق أرباحاً قليلة حتى قبل الجائحة بوقت طويل. فقد كان متوسط الأرباح الاقتصادية لشركات الطيران (أي العائد على رأس المال المستثمر مطروحاً منه تكلفة رأس المال) بالسالب لمدة 20 عاماً حتى عام 2015، ثم أصبح موجباً بقدر ضئيل قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى أدنى مستوياته بحلول عام 2019. والوضع ليس أفضل بكثير عندما يتعلق الأمر بتجربة العملاء؛ إذ تُعد شركات الطيران من بين القطاعات الخمسة المكروهة بشدة في الولايات المتحدة، وكانت في أدنى 20% من الشركات التي صنفها “مؤشر رضا العملاء الأميركي” (ACSI) منذ اعتماده قبل أكثر من 20 عاماً.

ولكن من حسن حظ هذا القطاع أن الوضع ليس سوداوياً بالكامل. فمن المتوقع أن يعود السفر إلى مسار النمو خلال السنوات القليلة القادمة. وفي حين تتهيأ شركات الطيران للتعافي من آثار الجائحة، يمكنها الاستفادة من أصل فريد من أصولها: برامج الولاء. تُعد هذه البرامج قيّمة من منظور الميزانية العمومية لأنه يمكن استخدامها كضمان في برامج القروض ومن منظور بيان الإيرادات أيضاً حيث يمكن استخدام خدمة “أميال المسافر الدائم” من خلال نهج قائم على “الخيارات المقدمة حسب الطلب” لخفض التكاليف تحت سيطرة شركات الطيران ودون إزعاج العملاء.

ما الخيارات المقدمة حسب الطلب؟

تختلف الخيارات المقدمة حسب الطلب عن التسعير التقليدي وفق الطلب الذي تفرض شركات الطيران من خلاله رسوماً على المسافرين مقابل الحصول على جميع أنواع الخدمات الإضافية، في محاولة منها لزيادة الإيرادات. فبالنسبة إلى بعض الشركات، مثل شركة “سبيريت” (Spirit)، يمكن أن تمثل هذه الرسوم حوالي 50% من الإيرادات.

لكن فعالية هذه الممارسات محدودة لأنه، كما تشير بحوث الاقتصاد السلوكي، يفضل الأشخاص عادة تجنب الخسائر على جني مكاسب مكافئة، وعندما يضطر العملاء إلى الدفع مقابل شيء كان يُقدَّم مجاناً في السابق، فإنهم يفسرون هذا على أنه خسارة شخصية. ربما نتيجة لذلك، أدى التسعير حسب الطلب إلى رد فعل عنيف من الجمهور تجاه بعض شركات الطيران، مثل شركة “راين إير” (Ryanair) التي اضطرت إلى التخلي عن خطة لفرض رسوم مقابل استخدام دورات المياه.

هناك حد أقصى لما سيدفعه العملاء مقابل تجربة الطيران الإجمالية، وقد ينتقل بعضهم ببساطة إلى شركات طيران أخرى لا تفرض هذه الرسوم. ولذلك من الضروري أخذ طلبات المستهلكين في الاعتبار.

يُعد نهج الخيارات المقدمة حسب الطلب طريقة أفضل لشركات الطيران للتحكم في التكاليف لأنه يطبق منطق المكافأة بدلاً من العقوبة. أولاً، يحدد الخدمات التي تحتوي على عنصر التكاليف المتغيرة الكبيرة والخدمات التي يقدمها المنافسون مجاناً، على سبيل المثال، استخدام صالات الطيران التابعة لطرف ثالث أو نوافذ تسجيل الوصول المتأخر. ثم يتيح للعملاء خيار عدم استخدام الخدمات المكلفة ويكافئهم لممارسة الخيار بشيء أقل تكلفة: خدمة “أميال المسافر الدائم”.  في حين أن لهذا الأمر قيمة عالية للمسافرين (كما رأينا في فيلم “فوق في الجو” (Up in the Air))، فإن القيمة الفعلية بالنسبة إليهم هي فقط 1.3 سنت لكل ميل تقريباً. وبالنسبة إلى شركات الطيران، تُعد الأميال منخفضة التكلفة، بتقديرات دون 0.001 دولار إلى 0.01 دولار لكل ميل.

كيف يمكن أن تنجح الخيارات المقدمة حسب الطلب عملياً؟

فلنأخذ، على سبيل المثال، الصالات التي لا تديرها شركة الطيران أو أحد شركائها في التحالف. عادة ما تتيح تذاكر درجة رجال الأعمال خيار استخدام الصالات للمسافرين، وعندما يكون الدخول مجانياً، من المرجح أن يدخلها الركاب إذا كانت زيارتها محبذة لهم إلى حد ما. وهذا جيد إذا كانت الصالة مملوكة لشركة الطيران أو الشريك، لأن التكلفة الهامشية لزيارة المسافر ستكون قليلة. ولكن إذا كانت شركة الطيران لا تمتلك الصالة، فإن الطرف الثالث يفرض على شركة الطيران حوالي 25 دولاراً لكل زيارة. وتحميل العميل هذه الرسوم أمر غير وارد لأن الميزة مشمولة في سعر تذكرة الدرجة الأعلى. ولكن مع نهج تقديم الخيارات حسب الطلب، يمكن لشركة الطيران أن تقترح ما يلي: “بإمكانك استخدام الصالة. وإذا اخترت عدم القيام بذلك، فيسعدنا إضافة 250 ميلاً إلى حسابك”. بافتراض أن التكلفة هي 25 دولاراً لكل زيارة للصالة، فإن شركات الطيران في أي مكان تكسب من 22.50 دولاراً إلى 24.75 دولاراً لكل مسافر يختار عدم زيارة الصالة بفضل هذا الخيار.

علاوة على ذلك، لا يضر هذا الخيار بأي مسافر، إذ لا يزال بإمكان المسافرين الذين يقدرون قيمة الصالة استخدامها مجاناً. وهكذا يتم القضاء على الإسراف بطريقة تعود بالنفع على الجميع. وسيؤدي استخدام المكسب الذي يصل إلى أكثر من 22.50 دولاراً، مع بعض التقديرات المعقولة لعدد المسافرين على درجة رجال الأعمال الذين سيستفيدون من الخيار، إلى تحقيق وفورات سنوية (باستثناء تكلفة إضافة هذا الخيار) تقدر بملايين الدولارات.

تحفيز المسافرين على تسجيل الوصول مبكراً في المطارات يُعد مثالاً آخر على الكيفية التي يمكن بها للخيارات المقدمة حسب الطلب أن تقلل التكاليف. بالنسبة إلى الرحلات الدولية الطويلة، لا يزال العديد من الأشخاص يسجلون الوصول في الموقع، لذلك تحتاج شركة الطيران إلى الكثير من الوكلاء في منافذها خلال أوقات الذروة. وفي حين توصي شركات الطيران بالوصول قبل 3 ساعات من الرحلات غير المحلية، فإن معظم المسافرين يسجلون الوصول قبل ساعة إلى ساعتين فقط من المغادرة، ما يعني أن الوكلاء لديهم الكثير من الوقت الضائع للتحدث عن خططهم لعطلة نهاية الأسبوع.

وعلى الرغم من أن شركات الطيران لا يمكنها معاقبة المسافرين على تسجيل وصولهم في وقت قريب من أوقات رحلاتهم، بوسعها تقديم خيار حسب الطلب، مثل إضافة 100 ميل كرصيد مقابل الوصول مبكراً بساعتين إلى 3 ساعات. فكما ذكرنا، تكلفة تقديم هذه الأميال زهيدة. مع تسجيل المزيد من الأشخاص الوصول في وقت مبكر، سيكون الوكلاء مشغولين باستمرار ولن تحتاج شركات الطيران إلى الكثير منهم للعمل في كل صالة مغادرة دولية. ونتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحقيق وفورات سنوية تصل إلى ملايين.

نفذت بعض سلاسل الفنادق استراتيجية مماثلة، فهي تقدم نقاط مكافآت للنزلاء الذين يختارون عدم تنظيف غرفهم. ولكن تُعد مزايا الخيارات المقدمة حسب الطلب في قطاع الطيران أكثر مما هي عليه في القطاعات الأخرى بسبب التفاوت في قيمة العميل وتكلفة المورد؛ فقيمة ميل شركة الطيران أعلى بكثير بالنسبة إلى العميل من تكلفته الهامشية بالنسبة إلى شركة الطيران. بالإضافة إلى ذلك، لا يتطلب نهج الخيارات المقدمة حسب الطلب إجراء تحليلات مستفيضة للبيانات حول “مرونة برنامج الأميال” قبل التنفيذ، وذلك ببساطة لأن سعر الأميال زهيد للغاية. إذا لم تُحدث إضافة 100 ميل تغييراً كبيراً في سلوك العملاء، فما عليك سوى رفع الحافز إلى 250 ميلاً وسترى ما سيحدث.

توضح الأمثلة المذكورة أعلاه أن برامج الخيارات المقدمة حسب الطلب من المرجح أن تقلل التكاليف وتزيد من الولاء والإيرادات. لا يمكن القول إن هناك مسافرين أسوأ حالاً، وأولئك الذين يمارسون الخيار يكونون أفضل حالاً لأنهم اختاروا القيام بذلك.  وهذا يعني أنهم سيكونون أكثر ميلاً إلى اختيار شركة الطيران نفسها في المستقبل.

وفي نهاية الحديث عن شركات الطيران وخفض التكاليف، من المسلّم به أن الخيارات المقدمة حسب الطلب لن يكون لها تأثير كبير مثل التغيرات في أسعار الوقود، على سبيل المثال. ولكن أسعار الوقود لا تخضع لسيطرة شركات الطيران. نظراً إلى قيود تسعير الخدمات الإضافية حسب الطلب، قد تستفيد شركات الطيران من طرح الأفكار وتحديد خيارات أخرى حسب الطلب بشكل إبداعي، بخلاف المثالين التوضيحيين المذكورين أعلاه. فالقضاء على سوء استخدام الخدمات المكلفة، وليس إيقاف استخدامها تماماً، هو وسيلة لمعالجة مشكلة تناقص الأرباح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .