قطاع الأعمال هو الخيار الأمثل لسد الفجوة القيادية في مسألة التغيّر المناخي

5 دقائق
سد الفجوة القيادية للتغير المناخي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحتفل العالم بيوم الأرض هذا العام بشكل مختلف، خاصة بعد ما وصف رئيس أكبر اقتصاد في العالم ظاهرة الاحتباس الحراري بأنها “مجرد خدعة باهظة الثمن” في أكثر من مناسبة. فماذا عن سد الفجوة القيادية للتغير المناخي حول العالم؟

لقد انسحب ترامب من اتفاق باريس للمناخ، وعيّن سكوت برويت رئيساً لـ “وكالة حماية البيئة الأميركية”، الذي صرح مؤخراً أنه لا يعتقد أن النشاط البشري أو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هما السببان الرئيسان في التغير المناخي، متجاهلاً 150 عاماً من البحوث في تغيرات الطبيعة وعقود من الزمن على إجماع العلماء حول مسببات التغير المناخي. كما اقترحت إدارة ترامب خفض ميزانية “وكالة حماية البيئة الأميركية” بنسبة تزيد على 30% وأكثر من 15 ألف وظيفة. وسيترك هذا التحول الكبير في موقف السلطة التنفيذية حول التغير المناخي فراغاً كبيراً في الإدارة البيئية في الولايات المتحدة والعالم، وهو فراغ على القطاع الخاص ملؤه.

كيف يمكن سد الفجوة القيادية للتغير المناخي حول العالم؟

في ظل ما يشهده العالم اليوم من تغيرات مناخية، علينا أن نعتبر كل يوم هو يوم للأرض والاحتفاء بها والحرص على حمايتها وحماية مواردنا المشتركة، لأننا جميعاً نسعى للحياة ضمن مناخ مستقر مستمتعين بالهواء النقي والمياه النظيفة والغذاء الصحي والآمن وما إلى ذلك. ويبدو أن هناك الكثيرين من دعاة أن التشريعات التنظيمية البيئية تعيق تطور الشركات متفاجئين أن هذه الجهود البيئية والمناخية المبذولة لتحسين جودة الحياة تسهم أيضاً بطريقة أو بأخرى في دعم قطاع الشركات والأعمال.

اقرأ أيضاً: رأي ألف رئيس تنفيذي بشأن قضيتي التغير المناخي وعدم المساواة

يمكننا الآن أن ندخل في نقاش لا نهاية له حول التكاليف والفوائد من وجود تشريعات تنظيمية محددة، ولكن على المستوى العام، لا يوجد قانون بيئي ناظم أكثر أهمية من قانون الهواء النظيف، الذي يتسم بانخفاض تكلفته، بل قد يكون من أكثر القوانين ربحية في تاريخ البشرية. وهناك بعض القطاعات والشركات التي تتحمل المزيد من النفقات الأولية لمعالجة الانبعاثات الكربونية، ولعل أبرزها هو قطاع الطاقة. إلا أن العديد من الدراسات توقعت أن يؤدي انخفاض تكاليف الرعاية الصحية إلى إنقاذ الاقتصاد، وبالتالي، تحقيق وفورات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات من جميع الشركات والمواطنين الذين هم ضمن هذا الاقتصاد. وهذه مجرد الفوائد المباشرة للرعاية الصحية. وهناك الكثير مما يمكننا فعله للحفاظ على اقتصاد نظيف. وقد يكون من الغريب جداً أن أقول هذا، ولكن معظم العمال الذين يكافحون جاهدين للتنفس ليسوا بأولئك العمال المنتجين، فضلاً عن العديد من الأماكن التي لا تتوفر بها مياه صالحة للشرب مثل فلينت أو ميشيغان – بالإضافة إلى 3 آلاف مقاطعة أخرى تعاني من ارتفاع معدلات التسمم بالرصاص – وهي تواجه صعوبات جمة لبناء اقتصاد قوي. والأشخاص الذين يقطنون في المدن التي تعاني من الفيضانات أو حالات الجفاف الشديدة لا يمكن تصنيفهم ضمن قائمة العملاء المتميزين. وباختصار، لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي طالما أن الإنسان والكوكب في حالة معاناة.

ويمكننا تشبيه إهمالنا في الحفاظ على جودة الهواء والمياه وتحسين الوضع المناخي بشخص يدخن يومياً علبتي سجائر ويتناول الكثير من السكريات، من ثم يتساءل عن سبب تدهور صحته. ومع ذلك، نرى أن إدارة ترامب مصممة على تلويث الهواء (مع العلم أن 40% منا حالياً يعيشون في مناطق تعاني من ارتفاع مستويات الضبابية الدخانية أو التلوث الناجم عن الجسيمات الدقيقة)، ما يسمح للمبيدات السامة بدخول نظامنا الغذائي، والتسريع في عملية الانهيار المناخي. (على سبيل المثال، بتنا الآن نشهد موت الحاجز المرجاني العظيم بشكل أسرع، وهذه إشارة قوية إلى موت النظام المرجاني العالمي، الذي قد يكلف العالم خسائر تتجاوز التريليون دولار، فضلاً عن إضعاف المنظومة الطبيعية للكرة الأرضية). وعلى الرغم من أن الكثيرين حول ترامب ينصحونه بأن يتأنى في الانسحاب من اتفاقية المناخ العالمية، فإن استخفافه الواضح حول مناقشات المناخ يجعل العالم يتنبأ بنتائج وخيمة.

اقرأ أيضاً: الضرر المتوقع من انسحاب ترامب من اتفاقيات حماية المناخ

ولكن يمكن لقادة الشركات والأعمال أن يرسلوا إشارات إلى العالم تتنبأ بعكس ذلك. ولطالما كان أسبوع يوم الأرض مناسبة حافلة بالفرص لإطلاق أعمال وصفقات تدعم هذا الكوكب. ولسنوات عديدة، كان الأمر يتمحور بشكل رئيسي حول الموظفين المتطوعين لزراعة بعض الأشجار، ولكن مع تطور الشركات بصورة أكبر وتركيزها المتزايد حول مفهوم الاستدامة في استراتيجياتها، وحول المخاطر والفرص التي ينطوي عليها التغير المناخي، أصبحت مواقفهم وإعلاناتهم أكثر قوة وتأثيراً.

وخلال هذا الأسبوع فقط، أبدت 3 شركات كبرى التزاماً قوياً لناحية خفض الانبعاثات عبر سلاسل القيمة الخاصة بها (المصدر الرئيسي لمعظم الانبعاثات):

أعلنت شركة “وول مارت”، أكبر سلسلة متاجر تجزئة في العالم، أنها ستطلب من الموردين خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار مليار طن بحلول العام 2030. وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الانبعاثات العالمية، التي تبلغ حوالي 40 مليار طن سنوياً، فإن هذا رقم كبير جداً بالنسبة لشركة واحدة قررت المشاركة في تحمل المسؤولية. وهو هدف يبلغ 50 ضعفاً مقارنة بالرقم الذي حددته الشركة لسلسلة التوريد الخاصة فيها عام 2010.

ومن جانبها، أعلنت شركة “آبل” التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة في جميع عملياتها تقريباً، عن التزام 3 موردين آخرين لديها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100%.

كما حددت شركة “آتش آند إم” السويدية لصناعة الألبسة، هدفاً يتمثل في استخدام الكربون الإيجابي ضمن كامل سلسلة توريدها بحلول العام 2040، وهذه تعد خطوة غير مسبوقة.

وتأتي هذه الإعلانات بعد تحديد كبرى شركات الأغذية مثل “جنرال ميلز” و”كيلوغ” لأهدافها في الحد من الغازات الدفيئة ضمن سلاسل توريدها العام الماضي. ولنفترض أن ليس هناك أي عناصر إضافية ضمن أهداف سلاسل التوريد، فهناك الآن مئات الشركات التي وضعت أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الكربونية استناداً إلى البحوث العلمية والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100%.

اقرأ أيضاً: كيف تتدهور الأهداف الجريئة للشركات في ظل تغيّر المناخ؟

ويمكننا ملاحظة أن هناك العديد من الشركات التي تسعى جاهدة لحماية البيئة من جهة وتحاول في نفس الوقت أن تخفف من وطأة القوانين والتشريعات التنظيمية البيئية من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، تستثمر كبرى شركات تصنيع السيارات في التقنيات الحديثة والسيارات الكهربائية، بينما تطالب في نفس الوقت إدارة ترامب بخفض معايير كفاءة استهلاك الوقود.

ولكن يوجد اليوم عدة فرص مجزية أمام الشركات الراغبة باستقطاب انتباه العالم إلى مكانتها، حيث سيشهد الأسبوع المقبل تنظيم مسيرتين تظاهريتين كبيرتين. وستكون الأولى من تنظيم العلماء الذين يشعرون بالضغوط نتيجة الخطابات المنافية للحقائق حول العديد من المواضيع، ويسعى العلماء من خلال ذلك إلى لفت انتباه العالم حول مدى خطورة الحقائق العلمية لوضع الأرض الراهن، وعلى الرغم من أن هذه الحقائق ليست مبشرة، فإنه من الضروري معرفتها وإيلائها الاهتمام اللازم. وبعد أسبوع، سيكون هناك مسيرة تظاهرية أخرى حول المناخ، حيث تشير التوقعات إلى أنه في 29 أبريل/نيسان سيشارك في هذه التظاهرة مئات الآلاف في مدن مختلفة من أنحاء البلاد. ويبدو حتى الآن أن الشركات تشعر بارتياح لدعمها مسيرة العلماء، ولكن على الرغم من احتمال وجود خطابات معادية للشركات خلال المسيرة التظاهرية حول المناخ، على الشركات أن تتشبث أكثر بمواقفها والمشاركة في هذا الصراع لنصرة الأرض. (فيما يلي 16 طريقة يمكن للشركات من خلالها دعم المسيرة التظاهرية حول المناخ).

أدرك جيداً أن بعض الرؤساء التنفيذيين سيعتبرون التحدث في العلن لصالح حماية البيئة على أنه قضية حزبية، ولا سيما أننا نعيش في بلد تملؤه المشاحنات السياسية. ولكن الحجج والبراهين العلمية القائمة على هذه التظاهرة لا تنتمي إلى فئة سياسية بعينها، واحتياجات العملاء والموردين والمساهمين باتت واضحة. وفي هذا الخصوص، قال جيف إيملت، الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال إلكتريك”: “نحن واثقون من أن التغير المناخي حقيقة وليس خدعة، ونحن مقتنعون بالبراهين العلمية التي توضح أسباب هذا التغير. كما أن عملاؤنا وشركاؤنا والدول تطالبنا في تقديم تقنيات تعزز من توليد الطاقة مع تقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة وخفض التكاليف”.

وآمل أن يتبع المزيد من قادة الشركات والأعمال في الولايات المتحدة خطى جيف إيملت من أجل سد الفجوة القيادية للتغير المناخي حول العالم. ويجب أن يكون لدينا فهم شامل وعميق لمدى حاجتنا إلى حماية المناخ للحفاظ على أصولنا وسلاسل التوريد والاقتصاد بشكل عام لكي يكون لدينا دفعاً قوياً لرفض هذه السياسة المجحفة بحق كوكبنا.

اقرأ أيضاً: حجم الكارثة المناخية يعتمد على ما تقوم به الشركات خلال العقد المقبل

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .